أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - قوس قزح















المزيد.....

قوس قزح


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4492 - 2014 / 6 / 24 - 09:02
المحور: الادب والفن
    


مع إنّ الناس تعشقني و تتباهى في وصف الأشياء التي تعجبهم بصفات خاصّة بي أو قد أشتقّت من صفاتي، و لكنّني و منذ ولادتي التي يجهلون تاريخها و التي تبدو أزليّة بالنسبة لي، أشعر بالملل و أحسد باقي الموجودات في هذا الكون و التي أزورها كلّ صباح لأزيدها بهاءا بسقوطي عليها و إصطدامي بها لتمتصّني مع مكوّناتي الجميلة و تكتسي بألوان مختلفة هي ما أعشقها و أحسد تلك الموجودات عليها. لا أعتقد بأنّه شعور نبيل أن تحسد أحدا أو شيئا و لكنّه شعور غريب أن تعرف بأنّك السبب في ما يمتلكه الآخرون من جمال بينما تفتقده أنت نفسك، لقد ولدت منذ الأزل من دون لون و أحيانا أبدو مشرقا و أغرق نصف العالم بالضياء فيستيقظ الناس و كافّة الكائنات من نومهم العميق، ليزاولوا أعمالهم في تواجدي، أحيانا أشعر بالفخر و الغرور و أعتقد بأنّ مجيئي يبعث الحياة فيهم فيوقظهم من موتهم الجزئي ذلك، لكنّني مادّة مجهولة و سأبقى كذلك، موجات جميلة مرئيّة تحمل سرّ النشاط السحري الذي ينبعث من أجساد البشر و الكائنات الأخرى، ما أن ألامس أجسادهم أو أسقط على عيونهم، فتنطلق حناجر العصافير و البلابل بالتغريد و الغناء و كأنّها تحتفل بقدومي المنتظر في أوقات محدّدة و بدقّة شديدة مكّنت بإنتظامها الفلكيّين من حساب أوقات قدومي على مدار السنة بدقّة تفوق الوصف.

أحيانا لا أعرف إن كنت أنا نفسي موجودا أم لا، و لكنّ تأثيري لا يمكن أن ينكره أحد و هذا ما يثبت وجودي حسب ما أعتقد، على كلّ أنا أعرف بأنّني موجود و إلاّ ما كنت هنا لأقصّ عليكم حكايتي. على كلّ حال، أنا لا أزال أجهل إذا ما كنت أنا نفسي أزوركم كلّ يوم أم إنّني أموت حالما أصطدم بسطوح الأجسام المعتمة التي تمتصّني و تكتسب ذلك الجمال الباهر الذي يجعلني أستسهل تلك التضحيات الجسيمة التي أقدّمها، نفسي، فداءا للجمال. أو عندما أسبح على سطوح المياه في المحيطات و البحار و الأنهار و البحيرات، فتلمع كالفضّة عندما أزورها في البداية و من ثمّ تبدأ بالخفوت تدريجيّا فتكتسب لمعانا ذهبيّا عندما تغرب الشمس، و أنا أعشق تلك التحوّلات التي أكون سببا فيها، أعرف بأنّني السبب في جعل كلّ الناس ترى ذلك الجمال الذي يحيط بهم على الرغم من كون أغلبهم غافلين عنه و غير آبهين به إطلاقا، يحزنني ذلك كثيرا، فهم يغرقون بملء إرادتهم في أحزان يصنعونها بأنفسهم، مع إنّ الجمال الذي يحيط بهم لوحده كفيل بجعلهم يعيشون في أفراح و مسرّات لا إنقطاع لها. و لكنّني أدرك بأنّ ما يحزنهم هو نفسه ما يحزنني، و قد إستنتجت بأنّ أغلب أولئك الحزانى يعيشون في أماكن بلا ألوان، في مدن رماديّة، باهتة، باردة، لا جديد فيها و لا شيء يكسر حدّة ذلك الجمود، قد تكون الأشياء من حولهم ملوّنة و لكنّ أحزانهم أعمتهم عن رؤيتها أو ألوانها و هذا ما ساهم في تعميق شعورهم بالمأساة أو إنّ الأشياء حقّا جامدة بلا ألوان و هذا ما سبّب كآبتهم. بالنسبة لي فإنّني بلا لون و لكنّني أضمّ كلّ الألوان في داخلي، هذا ما يؤلمني، لكم أعشق ذلك التنوّع! و لكنّه كامن في داخلي و لا سبيل لتحريره و كدّت أن أفقد الأمل في تحرير قواي الجماليّة تلك.

في أحد الأيّام، كانت السماء ملبّدة بالغيوم فبدت كئيبة بعض الشيء و كنت أجد صعوبة في إختراقها في طريقي للقاء العالم و كلّ شيء أحبّه في الأسفل. كنت أواصل طريقي في حزم ضوئيّة جميلة، تمرّ عبر الغيوم و من خلال أغصان الأشجار، فتتطاير حبّات الغبار من خلالي محاولة إثبات وجودها و تمكين الناس من رؤيتها، أخيرا إكتسبت لونا و قد أكون ظاهرا الآن، و لكنّ هذا لم يكن يمثّل حلمي بالكامل، لم يتحقّق حلمي بعد، كنت أدرك بأنّ اللون الأزرق الداكن للبحار جميل و لكنّني عشقت البحر عند الساحل، عندما أرى الأزرق الغامق لأعماق البحر يتداخل مع الأزرق الفيروزي للأمواج التي تزحف كشرشف حريري رقيق يسحبه طفل شقي إلى الأمام تارة و إلى الوراء تارة أخرى مداعبا تلك الرمال الذهبيّة المتلألئة و الساخنة عند الساحل، و قد يكون المنظر أشدّ إبهارا عندما يكون ذلك الساحل بالقرب من جبال خضراء بسبب كثافة الغابات التي تغطيها، ذلك المنظر بالتأكيد أجمل من لون البحر الأزرق الرتيب لوحده. قد تكون الغابة بخضارها رائعة و لكنّ حقل زهور في هولندا يبدو أكثر بهاءا مقارنة بها أو مقارنة بحقل القمح الذهبي الممتد على مسافة هكتارات كاملة في الولايات المتّحدة أو كندا أو روسيا أو أوكرانيا، إنّ تعدّد الألوان هو جوهر الحياة و معنى الجمال و طبيعة الوجود، هذه هي الطبيعة أمّا ما هو من لون واحد فهو بالتأكيد ليس من صنع الطبيعة، الطبيعة الجميلة التي تكره الملل و التكرار و الرتابة و تصرّ على تحطيم ذلك الجمود، و لكنّ حالتي كانت إستثناءا ممّا جعلني أحزن كثيرا، كنت أتمنّى أن أكتسب ألواني التي أمنحها لكل ما في هذا الكون، كنت أتمنّى أن يشعر الناس بوجودي و ينظرون إليّ بإعجاب و إنبهار، و لكنّ أملي كاد أن يخيب حتّى تلك اللحظة، عندها بدأت السماء بالبكاء و كأنّها حزنت لأحزاني و رغبت في تحقيق حلمي البسيط ذاك أو إنّها ببكائها حقّقت ذلك الحلم من دون قصد أو نيّة مسبقة، لم يكن بكاءا غزيرا و لم يدم وقتا طويلا، فجأة بدأت بالتغيّر و إرتسمت في السماء كقوس كبير ملوّن، لقد تحرّرت أخيرا و أصبح كياني مرئيّا فتوقّف بعض الصبيّة عن اللعب في منحدرات ذلك الجبل، كما توقّفت بعض القرويّات عن العمل و بدأن بالإبتسام و هنّ يشرن بأصابعهنّ صوب السماء، أو قل صوبي أنا، لقد كنت سعيدا لأنّ الناس أدركوا أخيرا جمالي من خلال ألواني المتعدّدة و المتدرّجة التي إعتادوا إمتصاصها جميعها و عكس أحدها ليصبح لونهم الخاص المميّز لهم. كانت ألواني الجديدة تتدرّج و تتداخل مع بعضها في حبّ و تآلف، حزنت لأنّني قد برزت في منطقة نائية، جبليّة و لم يتمكّن من رؤيتي سوى بعض القرويّين الذي يقطنون المنطقة، كنت أرغب في إسعاد الملايين من سكّان المدن و لكنّ حلمي لم يتحقّق، على العموم، قد أحقّق أنا نفسي هذا الحلم يوما ما أو تحقّق الموجات الشقيقة ذلك عوضا عنّي إذا ما كان ذلك التجلّي يمثّل نهايتي، يا لها من نهاية جميلة، ألوان متداخلة هي ما تجعلنا نعشق ذلك القوس الكبير، تخيّلوا فقدان قوس القزح لألوانه، هل سيبدو جميلا؟ إنّ تخطيطات الفنانين رائعة و لكنّ الألوان و جمالها هي ما تزيد من جاذبيّتها و تجعل منها تحفا فنيّة ذات قيمة عالية، قارنوا بين صور بالأسود و الأبيض و صور تعجّ بالحيويّة و الألوان، بين عزف منفرد و معزوفات أوركسترا متعدّدة الآلات، بين حقل زهور من نوع واحد و غابة فيها آلاف الأنواع من الزهور البريّة، بين عالم مكوّن من شعب واحد و ثقافة واحدة و لغة واحدة و عالم مكوّن من أمم متعدّدة تعيش جنبا إلى جنب في سلام و محبّة على الرغم من إختلاف لغاتهم و عاداتهم و أزيائهم و ألوانهم، ما الذي ستفضّلونه؟ أنا واثق بأنّ عيونكم ستفضّل ذلك الجمال الحقيقي المتنوّع قبل عقولهم، لأنّ بعض العقول الضيّقة و المتحجّرة هي من تعجز عن تقبّل أيّ شيء مختلف، مرض نفسي يعبر عن ضعف في الشخصيّة و خوف من كل ما هو غريب و شعور بالتهديد يتولّد داخل تلك النفوس المريضة بمجرّد رؤية شيء مختلف. سيفقد العالم بهاؤه و جماله إذا ما فقد أحد مكوّناته و سيصبح كئيبا و مملاّ، فكّروا في الأمر جيّدا و أرجو أن يكون خياركم كخياري، فقد ضحّيت بنفسي و حلّلت نفسي إلى ألواني الحقيقيّة التي بقيت كامنة داخل ذلك النور المنبعث من الشمس، لقد ضحّيت بنفسي و لكنّني حققت وجودي الرائع كما أعتقد، و يكفيني ذلك، لقد تخلّصت من ذلك الجمود و تلك الرتابة و جعلت العالم أكثر جمالا بتنوّع و تناسق ذلك التداخل في الألوان، أنا في غاية السعادة الآن، لأنّني تمكّنت من تحقيق حلمي الصغير ذاك و أرجو لكم تحقيق أحلامكم الكبيرة في جعل العالم أكثر إشراقا و تنوّعا و جمالا.

كلكامش نبيل




#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنه العراق يا قوم – لا تحرقوه لأجل الآخرين
- مستقبل الوطن رهن ورقة إنتخاب – لننقذ العراق
- لمحات إنسانيّة – قراءة في المجموعة القصصيّة -في خضمّ المصائب ...
- ما بين سراب الماضي الجميل ودخّان فوضى الحاضر – قراءة في رواي ...
- بقايا صبي سيبيري عمرها 24 ألف عام تلقي المزيد من الضوء على أ ...
- وحدة الشعب العراقي وفقا للدراسات الجينيّة – ترجمة وتقديم
- الإنسان المنتصب؟ العثور على عظمة شبيهة بعظام يد الإنسان عمره ...
- دراسة حديثة لبقايا بشريّة تخلُص إلى أنّ إنسان النياندرتال كا ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- التاريخ يعيد نفسه دائما وأبدا - قصيدة سومريّة مترجمة
- العثور على لغة قديمة مجهولة مدوّنة على رقيم طيني - موضوع متر ...
- مناقشة شجاعة وموضوعيّة للصراع الإسلامي-العلماني – قراءة في ر ...
- خطوات إلى الوراء – دراسة مقارنة بين قانون الأحوال الشخصيّة ل ...
- رحلة فلسفيّة وروحانيّة عميقة – قراءة في الرواية القصيرة -الر ...
- الضياع ما بين الصراع الفكري والتشتّت الإجتماعي – قراءة في رو ...
- إمكانات وتحديّات تطبيق الليبراليّة في مصر والدول العربيّة
- قصّة حُب إنسانيّة تحطّم قيود العنصريّة - قراءة في رواية العب ...
- بين الشرق والغرب - قراءة في رواية -إسطنبول، الذكريات والمدين ...


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - قوس قزح