أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد الحروب - «الجدار الحديدي».. والإرادة الفلسطينية















المزيد.....

«الجدار الحديدي».. والإرادة الفلسطينية


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4512 - 2014 / 7 / 14 - 07:53
المحور: القضية الفلسطينية
    



«الفلسطينيون متخلفون عنا ثقافياً بـ500 سنة، وروحياً لا يمتلكون الصلابة ولا الصمود الذي نملكه... (ومع ذلك) فإن كل شعب أصيل سيقاوم أي مستوطنين أغراب طالما يرى فسحة أمل في إنهاء الخطر القادم مع الاستيطان الأجنبي. وهذا ما يفعله عرب فلسطين وما سيواصلون فعله طالما بقي لهم أي بصيص أمل في الحيلولة دون تحويل فلسطين إلى أرض إسرائيل».

هذا الخطاب الخليط من العنصرية والتعالي والإدراك أيضاً لما سيكون عليه موقف الفلسطينيين من المشروع الصهيوني، هو بعض مما كان قد قاله فلاديمير جابوتنسكي، أحد غلاة المنظّرين الصهاينة، ومؤسس الحركة التصحيحية اليهودية، قبل قيام دولة إسرائيل في مقال نشره في نوفمبر 1923. وجابوتنسكي كان يجادل ضد بعض الأصوات الصهيونية «المعتدلة» التي كانت ترى ضرورة الوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين حول الهجرة اليهودية وحول الوجود اليهودي المتعاظم في فلسطين. وقد وصف جابوتنسكي تلك الأصوات بأنها ساذجة وبأن عليها أن تغادر الفكرة الصهيونية إنْ لم تتحمل رؤية الصهيونية وهي تتحقق على الأرض بالقوة والجبروت وعلى الرغم من أنف سكان البلاد المحليين. وكان يرى أن أرض إسرائيل تمتد على ضفتي نهر الأردن ويكرر «هذه الضفة لنا، وتلك الضفة لنا أيضاً»، وقد رفض بشدة توصية لجنة «بيل» بالتقسيم سنة 1947. وعلى أفكار جابوتنسكي تربى والد نتنياهو الذي عمل سكرتيراً خاصاً له، ومن مدرسة جابوتنسكي تخرج عتاة القادة الإسرائيليين من اليمين إلى اليسار، من مناحيم بيغن وشارون إلى إسحاق رابين وإيهود باراك.


وفي المقال نفسه المذكور والشهير، تابع المنظر الصهيوني توضيح أفكاره قائلاً «...لا نستطيع أن نعِد عرب إسرائيل أو في البلدان العربية بأي شيء، ذلك أن موافقتهم الطوعية (على المشروع الصهيوني) غير واردة. لذلك فعلى الذين يحملون فكرة أن اتفاقاً مع السكان الأصليين هو شرط جوهري للصهيونية أن يقولوا «لا» ثم يتركوا الصهيونية. الاستعمار الصهيوني، حتى في أكثر صوره محدودية، يجب إما أن ينتهي وإما أن يتواصل على الضد من رغبة السكان المحليين. ولهذا فليس ثمة طريقة لهذا الاستعمار كي يتواصل ويتحقق إلا بالقوة -بجدار حديدي لا يتمكن السكان المحليون من اختراقه. وهذه سياستنا تجاه العرب أيضاً... بعضنا يفضل أن يقوم هذا الجدار بحراب يهودية، وبعضنا الآخر يقترح حرباً بريطانية، وبعض ثالث يقترح أن يكون عبر حراب اتفاق مع بغداد... ولكن المهم أننا جميعاً نريد جداراً حديدياً.

و«الرؤية» التي كان يقترحها جابوتنسكي على الحركة الصهيونية أصبحت في نهاية المطاف هي العمود الفقري للفكر والاستراتيجية الصهيونية الإسرائيلية على مدار عقود طويلة، وكما يثبت المؤرخ «آفي شلايم» في كتابه الشهير بعنوان «الجدار الحديدي». وهي تتلخص في ضرورة إغلاق باب الأمل نهائياً أمام الفلسطينيين وتحطيم إرادتهم كلياً بحيث لا يجدون بديلاً عن الاستسلام والرضوخ لواقع «الجدار الحديدي» الصلب الذي لا يستطيعون هدمه. وآنذاك، أي عندما يتأكد للفلسطينيين أنه لا طريق أمامهم سوى الاستسلام يمكن الوصول إلى توقيع اتفاق معهم، يكون عملياً صك استسلام وبحسب الشروط والإملاءات الصهيونية. ولذلك، فإن أي شكل من أشكال مقاومة المشروع الصهيوني ورفضه والوقوف في وجهه يجب أن يضرب بكل قسوة ممكنة وتتم تسويته بالأرض، لأن ذلك هو الطريق الوحيد الذي يمهد لظافرية فكرة واستراتيجية «الجدار الحديدي».

ويمكننا قراءة كل تاريخ إسرائيل العدواني والتوسعي من زاوية نظرية «الجدار الحديدي» الذي يريد أن يدمي رؤوس الفلسطينيين والعرب وهم يحاولون تدميره. ولنظرية «الجدار الحديدي» آليات أخرى تشتغل على مستويات متعددة متعلقة بالداخل الإسرائيلي ومكوناته الصهيونية، وأهمها «إبقاء النيران متقدة» كما كان يقول جابوتنسكي. ومعنى ذلك الإبقاء الدائم على حالة التوتر والحرب والتيقظ وتصوير الحياة اليومية الصهيونية بكونها تحفز للحرب والدفاع ضد «الأغيار» الذين يحتشدون وراء «الجدار الحديدي» ويريدون أن يفترسوا إسرائيل واليهود. ومن دون هذه السيكولوجيا التخويفية والاستعدائية، فإن مخاطر الترهل والتساهل قد تبدأ في السريان في «الصف الصهيوني». ولهذا وبسبب هذا التخوف، فإن جانباً لا يُستهان به من الفكر الصهيوني اللاحق، أي بعد تأسيس الدولة العبرية، وحتى الآن، وعلى رغم قوتها وجبروتها، لا يزال يقف جوهرياً وفلسفياً ضد فكرة «السلام مع العرب والفلسطينيين». فمثل هذا السلام حتى لو كان بحسب الشروط الصهيونية وبحسب طموحات ورؤية جابوتنسكي، سينهي سمات التيقظ والتحفز للحرب والجاهزية ضد «الأغيار»، ويفتح الأبواب للدعة والترهل والاسترخاء. وبحسب هذه النظرة، فإن معنى بقاء إسرائيل مرتبط عضوياً بفكرة إبقاء الخوف من الخطر الوجودي عليها، الحقيقي أو المتخيل، متقدة نصب أعين كل اليهود.

حرب نتنياهو على غزة هذه الأيام هي الإعادة الدورية لإنتاج «الجدار الحديدي» الذي أسسه جابوتنسكي. ورسالتها هي الرسالة القديمة ذاتها، ولكن التي أصابها التوتر والهشاشة على مدار العقود: على الفلسطينيين أن يرضخوا وحسب، وليس أمامهم أي خيار سوى القبول بالاستسلام. والتوتر الذي صارت تتميز به رسالة واستراتيجية «الجدار الحديدي» هو أن إرادة الفلسطينيين ومنذ أن بشّر جابوتنسكي برؤيته سنة 1923 لم تهن ولم تنكسر على رغم كل الهزائم، والخذلان العربي، والتضحيات، وما قد يتبدى من انسداد في الأفق. ولم تستطع إسرائيل بكل جبروتها العاتي، وبكل الدعم الغربي والأميركي الذي تعتاش عليه، أن تكسر الإرادة الكلية للفلسطينيين وأن توقف مقاومتهم. صحيح أن الأكلاف الفلسطينية الحالية وككل مرة تكون باهظة لأن البطش الإسرائيلي وآلة الحرب العمياء النازية لا ترحم وتريد أن تذل الفلسطينيين وتسكتهم، ولكن في الصورة التاريخية والأعم، فإن جدار إسرائيل الحديدي هو الذي يتهشم. وكما أن خيارات الفلسطينيين محدودة بعد أن أرادت إسرائيل منهم أن يوافقوا على توسيع الاستيطان ولا يعترضوا، وعلى تهويد القدس ولا يعترضوا، وعلى التنسيق الأمني ولا يعترضوا، فإن خيارات إسرائيل هي الأخرى محدودة. عوض أن يترسخ «الجدار الحديدي» بعد كل جولة حربية تنخرط فيها إسرائيل وقادتها المهووسون بتتبع أبيهم الروحي الموغل في التطرف والعنصرية، فإن ذلك الجدار يتهشم أكثر فأكثر.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوحش الإسرائيلي يلتهم نفسه!
- «المشروع الحضاري».. ضد مريم إبراهيم
- مجرمو -بوكو حرام- ... والموقف المطلوب!
- -الخضر- مخطوفا وقديسا لإنجلترا
- مرة اخرى: السلطان عبد الحميد والبطولة الزائفة
- السلطان عبد الحميد بين الحقيقة والايديولوجيا
- -غراميات شارع الاعشى-: السعودية في السبعينات
- وحش بغداد
- الهند وديموقراطية موسيقارها العظيم بسم الله خان
- أردوغان: غطرسة السلطان تطيح به!
- عقاب مصر للشعب الفلسطيني
- سحب السفراء من قطر ... يعزز الدور الإيراني
- هاشم الشعباني: شاعر عربستان وشهيدها
- عنفنا الدموي لم يقطع رأس نعامتنا!
- الرواية العربية: “الفصاحة الجديدة”
- الإعلام العربي: بين الإنجاز وفقدان البوصلة (١ من £ ...
- الرواية العربية: بين الإبداع وكسر التابوهات
- تونس: عبقرية التوافق وروح خير الدين باشا
- المثقف العربي: تناسل المآزق, وأفول التأثير
- فلسطينيو سورية: مآس مزدوجة وخذلان عربي ودولي فاضح


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد الحروب - «الجدار الحديدي».. والإرادة الفلسطينية