أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد الحروب - -الخضر- مخطوفا وقديسا لإنجلترا














المزيد.....

-الخضر- مخطوفا وقديسا لإنجلترا


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4435 - 2014 / 4 / 26 - 18:54
المحور: القضية الفلسطينية
    


في قلب اسبوع الفصح المقدس الذي يمر بنا الآن ثمة قصة فلسطينية (وغربية) لها مذاق خاص. انها قصة "سيدنا الخضر" او "مار جرجس" ابن مدينة اللد الفلسطينية والمنشورة كنائسه في قلب البلاد بدءا من مسقط رأسة مرورا بالطيبة ثم, اهمها, في قرية الخضر, سميته, غرب بيت لحم. في الثالث والعشرين من نيسان كل عام يحتفل العالم المسيحي بعيد القديس "مار جرجس" الذي تحولت رايته مع الزمن إلى علم انجلترا, وبعد ان صار معروفا بإسمه الغربي "سانت جورج". يرفرف هذا العلم المعروف الآن بإسم "علم القديس جورج" في طول وعرض المدن الاوروبية, وصورته المشهورة وهو يصارع الوحش الكبير ويصرعه وهو على فرسه تحولت الى ايقونة منحوتة في الوجدان الشعبي على كثرة ما هي منتشرة ومطبوعة في كل مكان. في انجلترا لوحدها هناك ما يزيد عن مائة بلدة وقرية اسمها "سان جورج", وذات الشيء في اوروبا كلها. على مدى ما يقارب من الف عام حارب الانجليز تحت راية سان جورج" كل حروبهم, ومن اجله مات كثيرون. الراية البسيطة التي ظلت مرفوعة في المعابد الفلسطينية منذ القرن الرابع الميلادي وهي تعلي من شأن هذا القديس الذي استشهد شابا دفاعا عن معتقداته, بحسب الرواية المسيحية, او تعلي من شأن "العبد الصالح" بحسب الرواية الاسلامية, تم اختطافها مع الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر, وترحيلها إلى الغرب, وإعادة انتاجها إلى راية حروب ودماء بعد ان كانت راية حب وسلام. صورة الفارس المحارب التي ضخمتها المخيلة الشعبية الغربية عن "مار جرجس" كان الهدف منها تسويغ الحروب الوحشية التي كانت دوافعها السيطرة والنفوذ والسياسة وتجميع الثروات تحت مبرر تحرير القدس من سيطرة الكفار.
الإرث الحقيقي ل "مار جرجس" او "سيدنا الخضر" في فلسطين والمنطقة هو خليط العيش المشترك والبسيط ومقاومة الشر والوقوف في وجه الإعتداء والمعتدين. اعمق ترجمة لذلك الإرث هو تداخل الروايات الدينية والتاريخية حيث جوهر القصة ذاتها, والشخصية نفسها, يتم تقديمها في سردية دينية هنا وسردية هناك: "سيدنا الخضر" هو "مار جرجس", المسلمون والمسيحيون يقدسون الشخصية ذاتها كل بطريقته. على الارض تجاورت الاديرة والمعابد والجوامع ومقامات الاولياء وتبادل الجميع زيارة المزارات جميعا والتبرك فيها. العيش المشترك ظل ديدن الناس حيث انمحت فوارق كثيرة إلى درجة اذهلت الرحالة الاوائل إلى فلسطين في القرون اللاحقة حيث لم يتمكنوا من معرفة المسيحي والمسلم في فلسطين. والد "مار جرجس" جاء من تركيا, وامه فلسطينية من اللد, وهو ولد هناك وبقي في المنطقة إلى ان قُتل.
عندما سقطت القدس في ايدي الغربيين في القرن الحادي عشر, وتحت تحالف المصالح بين ملوك الغز وبابوات الكنيسة الطامعين بالثروات ايضا, اعملت جيوشهم السيف في رقاب بشر القدس وبيت لحم والمنطقة كلها, وشهدت المدن الوديعة انهارا من الدم لم ترها من قبل. حزن "سيدنا الخضر" وحزن "مار جرجس" وانكرا فعلة الدم التي قام بها الغزاة والناهبون. لم يتوقف الامر عند نهب الثروات وبسط السيطرة والجبروت, فقد أراد الغزاة ان يسوغوا فعلتهم بتبرير ديني فأشاعوا ان "مار جرجس" ظهر للجنود الغزاة وهم يقتلون ويذبحون ووقف إلى جوارهم وباركهم. انتشرت القصة كالنار في الهشيم, ثم تطورت وزيد عليها مرويات ومبالغات, وأحيل الفوز بالمعارك كله إلى القديس الذي كان يرعى الجيوش. تحول "سيدنا الخضر" و"مار جرجس" إلى جنرال كولونيالي يرافق جنودا غزاة, ويبارك لهم سفح الدم وسرق اموال الناس واغتصاب نسائهم.
حمل جنود اوروبا راية "مار جرجس" من اللد والطيبة وبيت لحم بعد ان نقعوها بالدم وعادوا بها إلى بلدانهم ورفعوها في كل مكان. صار "امير الشهداء" كما يُعرف في اللاهوت المسيحي بسبب صموده الاسطوري في وجه الامبرطور داديانوس وتحمله العذاب ثم استشهاده, اميرا للحرب والغزو والتوحش. وتم اختطاف سيرته وتاريخه وتكفلت المخيلات الشعبية الخصبة بإكمال الصورة الخرافية وإعادة التأهيل الاوربي للقديس الشرقي. وعندما زحفت العقود اكثر نحو حقب الكشوفات الجغرافية وخاصة البحرية كانت راية "سان جورج" تعلو السفن الاسبانية والبرتغالية التي جابت البحار, من شرق الاطلسي نحو الجنوب التفافا حول رأس الرجاء الصالح, ثم شمالا واحاطة بالقارة السمراء, وغربا نحو العالم الجديد واكتشاف الامريكيتين. "سيدنا الخضر" او"مار جرجس" وصل امريكا مع كريستوفر كولومبس وبقي هناك مرافقا للاوروبيين البيض يحضهم على طحن السكان الاصليين من الهنود الحمر ويبرر لهم سفح دمهم والتخلص منهم.
في غزواتهم وتوسيع مناطق نفوذهم الشاسعة عبر المحيطات ثم بلدان الداخل الافريقي إلى الهند ومرورا بالخليج كانت راية "سان جورج" ترفرف ايضا فوق السفن الحربية البرتغالية. تقف السفن قبالة اية مدينة افريقية ساحلية ثم تنصب مدافعها بإتجاه الناس المتجمعين المندهشين من المركب الكبير والهياكل الحديدية المستطيلة التي تحملها, المدافع, ويبحلقون فيها طويلا, وما ان تتجهز وتصير مستعدة لقذف الموت والدمار حتى تنهال عليهم بحمم النار, بينما قادة السفن والجيش يبتسمون تحت راية "سان جورج". وفي قرون الاستعمار المباشر وانتقال راية غزو العوالم غير الاوروبية الى البريطانيين والفرنسيين والطليان انتقلت على تلك الراية صورة القديس الشاب الفارس وهي يطعن التنين برمحه الطويل. تحول "سان جورج" إلى قديس الهوية الانجليزية والبريطانية وصار احد اهم اساطيرها المؤسسة.
حان الوقت ايها القديس البريء ان تطالب بك مدنك الوادعة: اللد, والطيبة, وبيت لحم, والخضر, والقدس. وحان الوقت للقول ان الحرب الاهم التي خضتها كانت ضد ذلك الوحش الذي احتل نبع البلد وحرم الناس من الوصول إلى الماء. صاروا يقدمون له اطفالهم بعيدا عن النبع ويذهب كل يوم لتناول طعامه اليومي فيترك النبع للناس ساعة او ساعتين ليأخذوا ماءهم. كان عليهم ان يقدموا فلذات اكبادهم قربانا للوحش كيف يستمروا على قيد الحياة. كان سيدنا الخضر او مار جرجس هو من قرر وضع حد لهذه المأساة, فواجه الوحش وحيدا على فرسه واخضعه ثم قتله.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرة اخرى: السلطان عبد الحميد والبطولة الزائفة
- السلطان عبد الحميد بين الحقيقة والايديولوجيا
- -غراميات شارع الاعشى-: السعودية في السبعينات
- وحش بغداد
- الهند وديموقراطية موسيقارها العظيم بسم الله خان
- أردوغان: غطرسة السلطان تطيح به!
- عقاب مصر للشعب الفلسطيني
- سحب السفراء من قطر ... يعزز الدور الإيراني
- هاشم الشعباني: شاعر عربستان وشهيدها
- عنفنا الدموي لم يقطع رأس نعامتنا!
- الرواية العربية: “الفصاحة الجديدة”
- الإعلام العربي: بين الإنجاز وفقدان البوصلة (١ من £ ...
- الرواية العربية: بين الإبداع وكسر التابوهات
- تونس: عبقرية التوافق وروح خير الدين باشا
- المثقف العربي: تناسل المآزق, وأفول التأثير
- فلسطينيو سورية: مآس مزدوجة وخذلان عربي ودولي فاضح
- ساقان اصطناعيتان فلسطينيتان تتسلقان كليمنجارو
- ما هو تاريخ الحاضر؟
- هل الدم والحرب طريق العقلانية؟
- لماذا تغيب فلسطين عن الأجندة الإيرانية مع الغرب؟


المزيد.....




- شاهد ما كشفه فيديو جديد التقط قبل كارثة جسر بالتيمور بلحظات ...
- هل يلزم مجلس الأمن الدولي إسرائيل وفق الفصل السابع؟
- إعلام إسرائيلي: منفذ إطلاق النار في غور الأردن هو ضابط أمن ف ...
- مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من فوق جسر في جنوب إفريقيا
- الرئيس الفلسطيني يصادق على الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ...
- فيديو: إصابة ثلاثة إسرائيليين إثر فتح فلسطيني النار على سيار ...
- شاهد: لحظة تحطم مقاتلة روسية في البحر قبالة شبه جزيرة القرم ...
- نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهن
- مسلسل -الحشاشين-: ثالوث السياسة والدين والفن!
- حريق بالقرب من نصب لنكولن التذكاري وسط واشنطن


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد الحروب - -الخضر- مخطوفا وقديسا لإنجلترا