أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عطا درغام - صمت القبور















المزيد.....

صمت القبور


عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 4511 - 2014 / 7 / 13 - 11:26
المحور: الادب والفن
    


صحيح الفراق صعب جدا .. عمري ما كنت أعرف الموت..ولا أفهم معناه،كنت صغيرا، ولا أعرف معنى الموت. عادى شخص يذهب ولا يعود ولا نراه ؛فقد مات لي أقارب كتيرون، لكن موتهم عادى بالنسبة لى.
قد يكون ذلك لأنهم بعيدون عني، أولا أتعلق بهم.. الخالة ، الخال ، العم ، العمة .كل هؤلاء ماتوا، فلماذا لم أتأثرأوأحزن..؟ ربما لأنني كنت صغير،ولا أعرف معنى الموت ،ولو كنت كبير قد أتأثر وأعرف ماهو الموت .؟ وفعلا كبرت وعرفت حقيقة الموت ، و ماهو الموت....؟.
الموت شيء صعب جدا جدا، ومن نعمة الخالق أننا ننسى بسرعة ، ولو لم يعطينا الله -عز وجل- ربنا - نعمه النسيان ، فلا ندري ماسيحدث . ومن نعمته علي أننى أيضا نسيت ، وهذا بعد أن ماتت أمي،وأنا في العشرين من عمري. وكان من الصعب علي أن أتحمل هذه الصدمة ، فهي كانت كل شيء فى حياتى وكنت أتعلق بها جدا .
لم أكن أعرف طريق القبور، اللهم إذا كانت هناك جنازة ، كنت أمشي فيها ،ونشيع الميت لمثواه الأخير .
هذه كانت فكرتي عن المقابر..لكن لما توفت أمي، أصبحت أعرف ما هو الموت ...؟...كيف تنظر حولك وتجد أقرب الناس إليك ماتوا. مرضت أمي فى أيامها الأخيرة وتطلب الأمر إجراءعملية جراحية، وسافرت مصر، ومكثت هناك مدة ثم الخبر .
وكانت الصدمة ،وعرفت معني الموت وساعتها لم أشعر بنفسي ، ماذا حدث....؟ وأين ذهبت ..؟ وماذا فعلت..؟ وكل هذا لم أدر به. ولما أفقت من الصدمة، شعرت بالفرق، عندما تكون أمك معك ،ولما تبعد عنك للأبد.
ولم أعد زائرا عابرا للقبور مع الجنازات، بل أصبحت أزورها باستمرار،وأقرا الفاتحة على روح أمى.
كنت أذاكر فى المزارع بجانب القبور، وكبرت وعرفت ما هو الموت..؟ وبعد ذلك توفي صديق عزيز فى حادث أليم .. حزنت جدا، وكلما تذكرت الأيام الجميلة اللى قضيناها سويا أنفجرفى البكاء.
وعندما أكون مهموما أو متضايقا ،آتى وأجلس وقتا لا بأس به، ولم أعد أخشي رهبة القبور والخوف منها ،وبعدت فكرة أنها مسكونة أوالحارس يبعد من يقترب فى موعد غير مناسب .
نعم ،كنت أشعر برهبة ،كنت أنا واصحابى نقوم بتوصل صاحبنا مرسى الذي يسكن بجوارالمقابرعلى الرغم عندما كنت أسير في النهار لم أشعر بالخوف.
نسيت فكرة الموت وأصبح عندي ذكرى ارتبطت بأبي وأمي، وكنت أزورهم بين المرة والأخري.
جاء السر الإلهى وتعرضت لأبعد ما يمكن أن يتصوره إنسان وموقف لا يخطر لإنسان على بال وهو الموت .
كان الموت عندي فكرة وذكرى، حتي أصبح حقيقة لا مفر منها.. عشت الموت خطوة بخطوة ،واعتقد الناس أنني ميت وأنا في حقيقة الأمرحى .
كنت اتساءل ما هوالموت...؟ حتي وجدت الموت أمامي والناس اعتبروني ميتا وأنا حي .
زرت أخي زكريا ،وهناك شعرت بهبوط شديد ،بعدها رحت فى غيبوبة طويلة وحاول الطبيب معي .
الطبيب :
القلب واقف ما فييش نبض وجسمه بارد خالص الدم ما بيتحركش ما أقدرش اعمل لك حاجة....!!!!
زكريا:
يعنى على كده يبقى ميت...!
الطبيب :
إكلينيكيا يعتبر ميت...!
زكريا:
أنا عاوز أعرف أخويا جرى له أيه حي ولا ميت....!
الطبيب :
ما أقدرش أعمل حاجة .. الموضوع خرج من إيدى..؟
زكريا:
هاوديه لأكبر دكاترة ..أنا هأجيب له كونسلتو
الطبيب :
صدقني ماتحاولشى لأن أخوك مات بالفعل
زكريا :
( يبكى ) لا عمره قال آه ولا عمره اشتكى من حاجة أرجوك ما تخبيش عليا
الطبيب :
أنا إنسان قبل ماأكون دكتور .. صدقني أخوك مات..ولو موش مصدقنى الحق نفسك إن كنت شاكك واعرضه على دكتور تانى..!
وانتشر خبر موتي بسرعة البرق ،وتناثرت الشائعات في القرية عن سبب موتي،فمن يقول أن أخي دس السم كي يرثني، ومن يقول بأنني انتحرت لرفض عائلة فتاة أحلامي الزواج بها.
أين أنا من كل ذلك ...؟لا أدري بحاجة ولا أشعر بشيء .انقطعت صلتي بالدنيا ورحت فى غيبوبة أفظع من غيبوبة جولييت.
لو صبروا علي ،لكنت استيقظت من سباتي الطويل ،وعدت من موتى المفاجئ الذي لم يكن في الحسبان.
ويالسخرية الأقدار ...!..وكل شيء كان يسير وفقا لسيناريومعد مسبقا ،وكأن مقدرا لي أن أموت فى القبر وأنا حى .
من يعرف حقيقة ذلك غير الله، وأشد ما أخشاه أن يقذفوا بي إلي داخل القبر قبل خروجي من الغيبوبة ، ساعتها سأكون ميتا بالفعل.
وصمم أخي علي سرعة دفني ، لكن الحاج تابعي منعه حتي يأتي الأعمام والأخوال وكل الأهل ، ليحضروا الجنازة .
زكريا:
لازم نلحق ندفن جمال فى أسرع وقت موش ممكن نسيبه للصبح
الحاج تابعي:
نستني الناس وأخواله اللى جايين من السفر عشان يشيعوه ويمشوا فى جنازته.
زكريا:
إكرام الميت دفنه يا حاج تابعي.
الحاج تابعي:
الأصول يا زكريا يا ابني.
زكريا :
أمرك يا حاج اللى تشوفه.
لولا الحاج تابعي وتأخير الجنازة حتي الصباح، حتي يتجمع الناس لكنت أصبحت في عداد الأموات ،وحمدت الله أن كتب لى عمراجديدا.
إرادة ربنا ..أن أعيش التجربة المريرة التي من النادرأن يتعرض لها إنسان ،وأقبل المشيعون من كل حدب وصوب ليشيعوني إلي مثواي الأخير.
أقبل الحانوتي وغسلنى، ولا زلت في غيبوبتي ،ولم أستيقظ تلك الساعة وإلا ذهب الرجل المسكين ضحية ودفنوه بدلا مني ،وكفنني بلفافات غريبة لا أعرف لها عددا.أحكم الراجل الخياطة ، ولا أدري كيف استطعت أن أتخلص منها .
جاءت اللحظة الحاسمة ،وقذفوا بي داخل النعش تصحبني صرخات النساء. وفى منتصف الطريق جاءت اللحظة المناسبة والفاصلة، والتي لا يمكن نسيانها أبدا وستظل محفورة فى ذهني ماحييت؛ إذ كيف تدب الحياة في الميت ، ويعود إلي الحياة مرة أخري.....؟! فتحت عيني لأجد حولي ظلاما، ولا حراك.
تحركت ،وكان النعش يتحرك معي، ومع كل حركة كنت تسمع تكبيرا وتهليلا .وكلما ازدادت الحركة واهتزالنعش كانت الأصوات تتعالى بالتكبيروالتهليل ،وكل ذلك وأنا لا أدري ماذا حدث ..؟!..وأين أنا بالضبط...؟ وكدت أشعر بالاختناق ، وأنا أحاول مع الكفن، حتي اهتديت إلي قطعة مخيطة ،حاولت معها حتي أخرجت يدي ،وحاولت أفك بها اليد الأخري. كل ذلك دونما أشعر أنني في الكفن، وذاهب إلي مثواي الأخير..إلي القبر،وصرخت صرخة قوية... خاف الناس ،ورددوا الله أكبر ...... لا إله إلا الله .
وقبل أن أصل المقابر، نزعت الكفن تماما وأصبحت حرا ،ورميت غطاء النعش، فوقع فوق رءوس المشيعين،صرخوا. كان مشهدا رهيبا وعجيبا. لن أري له مثيلا ماحييت.
تسمرت الناس من المفاجأة ، ومن جري من هول المفاجأة ومن وقف مذهولا .وزغردت النساء.
اعتقدت مجموعة من الناس أنني ولي من أولياء الله الصالحين ، وتعالت الأصوات
الأصوات:
الله أكبر هذا ولى من أولياء الله..شخص ...لنأخذ منه البركة .
وتكالب الناس علي من كل حدب وصوب ، وأنا أصرخ :يا ناس يا هو، لكن ولا حياة لمن تنادي...!
أفلتت منهم بالعافية، وأنا مغطى بالكفن ،لأننى كنت عاريا تماما وكان يوما عجيبا حيث كنت حديث الناس فى البلد على ماحدث.
عشت الموت بحق ،وأنا لم أمت.ومن هذا اليوم وأنا لا أترك فرصة إلا وآتى المقابر أزورها .وكلما تذكرت هذاالموقف لا أستطيع أن أمنع نفسي من الضحك ،ولفترة قريبة كان أقاربي وأصدقائي غيرمصدقين أنني حي ،ومن يكلمهم ويعيش معهم عفريت ، ولم يقتنعوا إلا بعد فترة أنني جمال بشحمه.
غيرهذا الحادث مجري حياتي ،وهداني الله لطريقه ،فالسعادة الحقيقية هي الهداية وأن تكون مع الله تمشى فى طريقه .



#عطا_درغام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع المفكر الأردني ميشيل حنا الحاج ..حول إبادة الأرمن عشية اق ...
- عيون لا تبكى
- من مفكرة جندى مصري
- أسس المسرح المدرسي -6
- أسس المسرح المدرسي -5
- أسس المسرح المدرسي -3
- أسس المسرح المدرسي -4
- أسس المسرح المدرسي -2
- أسس المسرح المدرسي -1
- في العالم الآخر
- من مفكرة عامل مصري في حفر قناة السويس
- فن الإلقاء -3
- فن الإلقاء -2
- فن الإلقاء - 1
- فن التمثيل والممثل -2
- فن التمثيل والممثل -1
- المسرح في القرن العشرين
- المسرح في القرنين السابع عشر والثامن عشر
- المسرح في القرن التاسع عشر
- مسرح العصور الوسطي وعصر النهضة


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عطا درغام - صمت القبور