أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - أعراس في الحيّ العتيق














المزيد.....

أعراس في الحيّ العتيق


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 4477 - 2014 / 6 / 9 - 13:22
المحور: الادب والفن
    


أعراس في الحيّ العتيق

غادرت حفل العرس الذي وجدت نفسي فيه غريبًا، وكأنّ دعوة الحضور لم تكن موجّهة تحديدًا لي. غادرت دون أن أستأذن المضيفين، وشعرت على الفور براحة نفسية إثر الضجيج والزعيق والزغاريد التي ملأت صالة العرس.

مضيت في الطريق الطويل والعربات تسير بسرعة تجاه مقاصدها، ثمّ انحرف الطريق نحو تلّ قريب، واختفت المدنية على بعد كيلو متر خلف ذاك المرتفع، ما زلت أسمع صوت الحياة التي أخذت تخفت بالتدريج. كلّ ما في الأمر أنّني وصلت الحيّ العتيق الشهير، الذي حافظ على بدائيته. لا عربات هنا ولا شاحنات، كلّ شيء خاضع لقوانين قبائل الغجر الخاصّة في هذا المكان المنسيّ من الدولة والمحافظة والمجتمع.

لا داعي للقلق والخوف، يمكنني هنا أن أتناول حساء السمك وشرب القهوة السمراء، يمكنني السماح لإحدى النساء الموشومات تحت الذقن مباشرة بقراءة كفّي وفنجان قهوتي، لتعيد على مسامعي حكايا وتنبؤات أعرفها عن ظهر قلب.
لا أخشى حيّ الغجر وهذه ليست المرّة الأولى التي أدخله، لكن يبدو بأنّني قد أخطأت التقدير، وسرعان ما شعرت بأداة حادّة تكاد تنغرس في ظهري.
- أعطني محفظتك يا أبله.
- في جيبي الخلفي، أنا لست أبلهًا كما تدّعي!
- بل أبله وغبي ما دمت تتجوّل في هذا الحيّ وحيدًا. خطف المحفظة من جيبي ودفعني ثمّ احتفى على الفور. وقعت على وجهي ولم أسارع بالوقوف ثانية. انقلبت على ظهري وبقيت أحدّق بالسماء من فوقي "ما مشكلتي الليلة، لماذا غادرت العرس وحضرت إلى هذا المكان المشبوه بهذه السذاجة؟".
مضى عليّ وأنا ملقى بلا حول ولا قوّة قرابة الساعة، لم أكن في عجلة من أمري، ولم أشعر بالغضب وبقيت أعصابي هادئة، محفظتي تحتوي على بضعة دنانير وبطاقة صرف آلي لحساب شبه فارغ وبعض الأوراق والوثائق الشخصية "سأجدها بالقرب من حاوية النفايات الوحيدة في هذا الحيّ".
ليته سرق جزءًا من ذاكرتي السلبية أيضًا، ليته طلب أكثر من محفظة! اعتبرني غبيًا لأنّني دخلت عوالم هذا الحيّ الفقير المعدم مرتديًا بذلة أنيقة، تفوح منّي رائحة العرس والفرح، ربّما توقّع الغجري أن يجد لديّ الكثيرمن المال، لكنّه قانع بما وجد، هذه قواعد المهنة غير المعلنة، الحصول على كلّ شيء حين تحين الفرصة وإن كان شحيحًا في أغلب الأحيان، ولا بدّ أنّه قد تمكّن خلال غزواته من الحصول على غنائم كبيرة أيضًا.
- علي الأزعر ثانية! شدّتني المرأة الشابة من يدي وجلست بالقرب منّي. ملابسك متّسخة يا غريب كما كلّ شيء في هذا المكان. أعطني يدك لأقرأ طالعك.
- عزيزتي، أنا لا أملك شيئًا أقدّمه لك.
- لا بأس، أعطني يدك، أنت أفضل من وجدت في هذه الناحية لقراءة يده. كلّ ما فيك يوحي بالغرابة.
قدّمت لها يدي، نظرت إليّ لبعض الوقت وقالت.
- أنت هارب من عرس، كان عليك أن لا تذهب، لم يشأ القدر أن يكون هذا عرسك أنت، الفتاة اختارت آخر، وعليك احترام قرارها، لقد تأخرت يا غريب، والإناث يستعجلن حراثتهنّ في مخادع الذكور. لأنّ شمس المشرق حارقة تنضج الصدور باكرًا، وسرعان ما تتحول الفتيات الصغيرات لشابات مندفعات. نعم، لقد تأخرت يا عزيزي. تعال معي لتستعيد وثائقك. تعال معي أنت الآن حرًا وستجد حمامة أخرى تتحرّق شوقًا لترقد في مرجلك.

تبعتها مخدّرًا، وكانت تضحك غير آبهة بتفاصيل النهار المنقضي والليل الممتدّ في الأوردة. أشعل الغجر النيران عند حدود الحيّ العتيق، تحلّقوا حولها وبدأوا يرقصون ويهللون ليستعيدوا ذاكرة الهنود الحمر، شبكت يدي بأيديهم ورقصت حتى الثمالة. نظر إليّ الرجل المتقافز وسط الحلقة وكان في منتهى الرشاقة وصاح "تحتاج لبعض التمارين لتسند روحك المترهلة". إنّه علي الأزعر الذي سرق محفظتي ودفعني قبل أن يفرّ هاربًا، واستمرّ يرقص ويتقافز كحصان هائج ويضحك ويدور.

هؤلاء الكبار لا يسمحون لأحد بسرقة أعراسهم في حيّ الغجر العتيق.



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات خارجة عن القانون
- الرياحُ وحدها تربطني بالمتاهة
- لا خيانة بعد اليوم
- موناليزا
- إمبراطورية الرعب
- حجرةٌ للحياةِ والموت
- عشاءٌ برفقة الأنبياء
- الحلزون الحكيم
- مجنون حتّى إشعار آخر.
- الزمن المفقود
- أنا أبله - هي تملك ثديين كبيرين
- أزمة الإنتماء لدى المثقف العربي
- ذاكرة متلبّسة بالدهشة
- الكيلومتر الثلاثون
- سارقو الحيوات
- لا مبرّر
- قطارٌ آبق
- المطارُ المغدور
- ساقا المتوفّى طويلة – أتسمحين بنشرهما؟
- حوارٌ بنّاءٌ موثّقٌ بأعيرةٍ ناريّة


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - أعراس في الحيّ العتيق