أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العصا - عبد الله البديري: كاتبٌ مقدسي.. ترك فينا ورحل قراءة: عزيز العصا















المزيد.....

عبد الله البديري: كاتبٌ مقدسي.. ترك فينا ورحل قراءة: عزيز العصا


عزيز العصا

الحوار المتمدن-العدد: 4474 - 2014 / 6 / 6 - 16:09
المحور: الادب والفن
    


قبل ثلاثة أعوامٍ بالتمام والكمال، وبالتحديد في 05/06/2011، غادر "عبد الله توفيق البديري" دار الفناء إلى الدار الآخرة، بعد أن عاش تسعة عقود من الزمن (مولود في: 16/6/1922)، مقدسياً يقطن بيتاً ملاصقاً للمسجد الأقصى، والدته تركية، ويعود وجود عائلته في القدس إلى مؤسس العائلة الشيخ الشاعر محمد بن بدير الشهير بابن حبيش، الذي كان مجاهداً وفقيهاً، والذي حضر مع حملة احمد باشا الجزار.
بمساعدة صديقي التربوي المقدسي/ عصام البشيتي؛ قابلت البديري ثلاث مرات توزعت على ثلاث جمع رمضانية في العامين 2009 و2010، بصحبة صديقي الباحث الفلسطيني/ جمال طلب العملة. فحظينا، معه، بحوارات مشبعة بالفكر، بأسلوب سرد تاريخي متتابعٍ انبثق عنها مقال نشر في صحيفة القدس، بتاريخ 13/07/2011 (ص44)، بعنوان: "المقدسيون: بيوتنا ملك الأمة". وفي وصفه لحال القدس وأحوالها، عبر سني عمره، أشار البديري إلى أن أهل القدس الأصليين لم يتذوقوا طعماً للراحة منذ دخول الإنجليز/ اليهود إلى بيت المقدس الذي عانى أهله شظف العيش وقسوته.
لعل حال القدس وأحوال فلسطين والمنطقة كانت المحرك والدافع لعبد الله البديري لكي "يمتشق" قلمه وينزل إلى ميدان الكتابة الصحفية عبر مجلة البيادر السياسي التي فتحت له ذراعيها، في حين أنه هو كذلك لم يبخل عليها حين كان يغطي ثلاث زوايا، هي: على الطاير، من بيت النار وتعليقات سريعة/ قطوف وتأملات. وفي معظم الأحيان كان يوفر للمجلة ما يغطي الزوايا الثلاث في نفس العدد.
إثر مقابلاتي المذكورة، وجدت في الرجل كنزاً لا بد من الغوص فيه برفق، فاقترحت على ابنته "الشيماء"؛ راعية شيخوخته ومسيرة أعماله، في آخر عشر سنوات من حياته، أن أقوم بقراءة، مستفيضة، لبعض كتاباته، فقمنا بتصفح (955) مقالاً بقلمه منشورة في مجلة البيادر السياسي – المقدسية خلال الفترة 1985-1992، لنختار مجموعة منها للقراءة والتحليل؛ تغطي تلك السنوات السبع.
لقد توزعت مقالاته على ثلاث زوايا ثابتة، هي: على الطاير، من بيت النار وتعليقات سريعة. ومن الطريف أن البديري كان يكتب في تلك الزوايا، مجتمعة، في آن معاً، وفي نفس العدد. علماً بأن كل زاوية تتميز بنمط ولغة تختلف عن الأخرى، كما يلي:
أولاً: زاوية على الطاير: ففي هذه الزاوية يتطرق البديري إلى القضايا السياسية الكبرى والإستراتيجية؛ مركزاً على ما يتعلق بالشعب الفلسطيني، تحت عناوين مختلفة، منها:
1) حسونة والجامعة العربية: حيث يتطرق البديري، بتهكم ومرارة، إلى دور جامعة الدول العربية، والدور العربي بشكل عام، في التعامل مع نكبة فلسطين، ومما يقوله: "(..) جرى ما جرى لفلسطين وأهلها في العام 1948، وثبت أن قرارات هذا العالم لم تكن إلا "هزاً" للأكتاف والأرداف وفرجة على المأساة..."، ثم يشير إلى أن (العرب) قد اكتفوا بـ"اختلاق" أسماء جديدة للمأكولات فأصبح اسم الباذنجان المحشي "عرائس بيسان"، وصيادية السمك أصبحت "حواري طبريا" والمقلوبة "جوهرة يافا".. وهكذا. ويرى البديري أنه بذلك تم إسكان فلسطين في القلوب عن طريق البطون.
ثم يستند إلى مؤتمر القمة في العام 1964 الذي، بحسب البديري، "اختلطت فيه السياسة بالطبيخ" ثم قامت الإذاعات العربية بما أسماه البديري "الفشر والخلط والعنريات" الثلاثة أعوام حتى وقعت النكسة في العام 1967 التي أُتبعت بحركة دؤوب للزعماء والبرلمانيين والفنانين لاكتساب الرأي العام العالمي و/أو للمتاجرة بآلام المنكوبين والتباكي على اللاجئين والنازحين والضائعين. ثم ينهي البديري بنداء يقول فيه: يا زعماء العرب الذين جرعوا شعوبهم صنوف المذلة حتى الثمالة، فهل حسبتم أن تتركوا سدى وأنكم إلى الله لا ترجعون!
2) بهذا قامت السماوات والأرض: إذ يعالج البديري قضية الرشاوي وما تعنيه من فساد وإفساد، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالرشاوي في مجال رخص السواقة التي كانت تصدر "بدون أهلية ولا امتحان وتراخيص بدون صلاحية وفحص". ويعتبر البديري الرشوة "آفة" زرع بذورها وتعهد نموها وبقاءها الاستعمار؛ فجعلها رديفاً لجيوش احتلاله في هذا الشرق، وأداة من أدوات الهدم الأخلاقي حتى يسهل عليه تنفيذ سياسته في إسقاط القيم وتدمير الهمم. ثم يعزز البديري أفكاره تلك باستحضار قصص وحكايات وأحاديث نبوية، وآيات قرآنية، لكي يصل بالقارئ إلى قناعة راسخة، فيما يريده من تلك الأخطار.
3) أبو شريتح: والتي يعالج فيها موضوع قضية إيران حيث بلغة مسبقة بالسياسة والفهم الدقيق لمجريات الأمور، فقد أورد البديري قصة الضابط الأمي الذي وقّع على استقالته وهو لا يدرك محتواها ومخاطرها، وبين رولاند ريغان؛ رئيس الولايات المتحدة (في حينه) الذي لم يكن مطلعاً على صفقات السلاح الأمريكي لإيران ولا تحويل أموالها إلى عصابات الكونترا، ولا عن علاقة كل ذلك بإطلاق سراح الرهائن الأمريكان الذي اختطفهم (ازلام) إيران في لبنان.
4) من ذاك المطرح: تحت هذا العنوان تجد نفسك أمام مقال يربط بين الأدب والسياسة بما يمكن وصفه "المرارة" الفكاهية، فقد شبّه ما أسماهم "عشّاق السلام!!" بـ "عشاق ليلى " التي يقول فيها الشاعر مجنون ليلى: وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا. وفي مقاربة جميلة يقول البديري: "السلام بالنسبة للأقوياء لا يعني شيئاً غير الرضوخ لإراداتهم وإطلاق أيديهم في السلب والنهب والاستغلال. أما الضعفاء فإن السلام بالنسبة لهم فهو بالتحديد قضية وجود أو لا وجود.. وليس هناك وجود في غياب الحرية والأمن والكرامة. ثم يشبه البديري الأقوياء المنادون بالسلام مثل "غانية تربعت في مكان مقدس لتلقي موعظة عن الفضيلة ومكارم الأخلاق".
أما قصة العنوان "من ذاك المطرح" فتتلخص في أن قائمقام في الدولة العثمانية وعد غزاوياً بتعيين ابنه مشيراً غلى أن كتاب التعيين في جيب بنطاله "الخلفية".. وبعد تكرار الوعودات وتكرار التأشير على نفس الجيب، بلا تنفيذ، قام الغزاوي بإلقاء إصبع ملح إنجليزي أمام القائمقام داعياً إياه لشربه لعله يخرج قرار تعيين ابنه من "ذاك المطرح". ثم ينهي البديري قصته هذه، بالتساؤل: ترى؟ كم طناً من الملح الإنجليزي وكم برميلاً من زيت الخروج يلزمنا لنخرج "السلام" الذي تحجرت عليه أمعاء الأقوياء من "ذاك المطرح"؟!
5) تلميذ في مدرسة الحياة: حيث يتجلى البديري وهو ينصح القارئ بما يشعر به بشكل شخصي، وفق قناعاته الذاتية. ومما يقوله: علمتني الحياة أن لا أسرف أبداً في وجد بواعثه الأوهام، وأن لا أحلق شاهقاً في سماء الآمال. كما علمتني الحياة بأن الصحبة ضرورة اجتماعية والصحاب عوان، وأن للصحبة حدود، وأن العون لا يأتي جزافاً، بدون مقابل، وأن الصحبة والعون أصدق يكونان بين الصبية والصبايا، بينما الأظفار، لا تزال طرية والعواطف مخلصة نقية والعقول لا تزال صفحة بيضاء.
6) تساؤلات: وهو آخر مقال للبديري ضمن زاويته على الطاير وتحمل الرقم (955) كان بعنوان بتاريخ 30/05/1992م، عالج فيه ثلاث قضايا:
الأولى: يحارب حالة التبعية وتغييب العقل؛ الناجمة عن الانقياد الأعمى للزعيم أو الحزب أو الجماعة تحت شعار الحب.. وينهي البديري بالدعوة إلى الحب الذي يبني ولا يهدم، ويثير الهمم، ويصنع المعجزات، وعندها: تسقط عبادة الأوثان وينتهي مسلسل الهزائم والنكبات.
الثانية: يتطرق البديري إلى الشأن الداخلي الفلسطيني، معتبراً أن مجتمعنا يعاني من أمراض اليأس والقلق والآمال الخادعة والتوقعات القائمة على الانفعالات و"التحزبات" والأهواء وعمى الألوان. وفي ذلك يشير إلى سوء التقدير والآمال الوهمية التي كنا نعقدها على المفاوضات مع الاحتلال.
الثالثة: يتطرق فيها البديري إلى أزمة الغذاء في العالم الثالث مشيراً إلى أن الإنتاج الزراعي في العالم قادراً على إطعام (13) مليار نسمة، إلا أن الغرب الغني يأخذ نصيب الأسد فيأكل حتى التخمة ويطعم الكلاب والقطط التي ينفق عليها في أمريكا حوالي (430) مليون دولار سنوياً. أما عربياً؛ فيرى البديري أنه لو أنفق جانب من الأرصدة العربية المكدسة في بنوك الغرب على تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي لما بقي فوق أرض العرب، من محيطهم إلى خليجهم، جائع ولا محروم".
ثانياً: زاوية "من بيت النار": وهي زاوية عالجت قضايا مجتمعية كمواضيع الصحافة والصحفيين وهمومهم اليومية، ومشكلات الأكاديميين والخريجين العاطلين عن العمل. كما عالجت الأكاذيب والتضليل الذي يمارسه الإعلام والإعلاميون المأجورون على مستوى الوطن (العربي)، منها العناوين التالية:
1) يا أم الكلام والفشر والإحلام: حيث ينتقد البديري جامعة الدول العربية يصفها البديري بأنها "في حكم الجيفة المحنطة الملقاة في صندوق زجاجي ثمين يتحلق من حولها طغام "الدجاجلة" والمرتزقة يرشونها بالعطور ويحرقون من حولها البخور؛ إخفاءً لنتنها وعفونتها التي تزكم الأنوف". أما طبيعة الصراع القائم بيننا وبين إسرائيل فقد وصفه البديري، وهو يحمل الدول العربية المسؤولية، بأنه مواجهة فيما بين الإخلاص والخيانة والالتزام والتفريط والعلم والجهل والنظام والفوضى والتخطيط والارتجال.
2) أيها البوربون: لعلني أرى زاوية من بيت النار رد مباشر على القذائف الإعلامية والدعائية والتحريضية التي تشنها إسرائيل، لحظة بلحظة، فتحت هذا العنوان يرد البديري على قائد سلاح الجو الإسرائيلي في حينه (افيهود بن نون)؛ الذي ادعى بامتلاك سوريا لأسلحة سوفياتية متقدمة؛ لا تملكها الدول العربية الكبرى. هذا التصريح الذي طبلت له وسائل الإعلام العربية وزمّرت.
وهنا؛ تدخل البديري ليدلي برأيه الناقد لذلك مستدلاً بعائلة "البوربون" التي كانت تحكم فرنسا إلى أن عصفت بهم الثورة الفرنسية، في العام 1789 ثم عادوا ليحكموا حتى العام 1870 حتى قضت عليهم ألمانيا. فقال فيهم بسمارك/ المستشار الألماني في حينه: ذهبوا وعادوا فلم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً وبقوا أسرى لغرورهم وحمقهم وتفاهتهم..
ثم تساءل البديري: "لست أجد بعد ذلك فرقاً بين "البوربون" الذين طواهم التاريخ، وبين ساستنا وجهابذة أعلامنا المعاصرين.. فهم لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً وستطويهم مزابل التاريخ ذات يوم. وهو بذلك يعرب عن استيائه من تعامل الإعلام والسياسيين العرب مع التصريح المذكور الذي يحرض الغرب ضد سوريا وجيشها، وليس خوفاً من سوريا وجيشها.
3) الرأي العام بين التضليل والتنويم: نجد للبديري في كل مقال، مهما قَصُر، فلسفة ورؤيا خاصتين به. فتحت هذا العنوان يقول البديري: "عملية الإقناع التي يحاول البعض تحويلها إلى إثارة عاطفية وحذلقة إنشائية؛ هي في حقيقتها تعامل مع العقل وحوار معه بأسلوب فني متميز لا يجيده إلا الأفذاذ من المصلحين".
4) الأدب والأدباء: إذ يرى البديري أن الأدب "لا يكون نوعاً من الوعظ والتعليم أو مطية لغرض من الأغراض الخاصة أو غاية من الغايات المحدودة، بل أن الأدب الحقيقي هو ذلك المستقل بمنابع الاستشراف والابتكار والتجديد، وكل ما يروي ظمأ النفوس، وكل ما يروي ظمأ النفوس إلى الجمال المطلق ويشع فيها من الغبطة والانطباع ما تعجز عنه كل زخارف التصوير والتعبير.
ثالثاً: تعليقات سريعة: حيث كان البديري، بين الفينة والأخرى، يلتقط عدداً من الأخبار فيعلق عليها متهكماً، مازحاً، ضاحكاً ومضحكاً القارئ حتى تبان نواجذه. ففي العام 1985 علق على خبر أفاد بأن دكتاتور بوليفيا قد وجه إهانة لسفير بريطانيا، فلما علمت الملكة فكتوريا بذلك أمرت بإزالة بوليفيا من خارطة العالم المعلقة في قاعة الاجتماعات في البرلمان البريطاني.
وعلى ذلك يعلق البديري: في الدنيا اليوم دول.. وأي دول. لها أعلام وخشبات حدود ومقاعد في هيئات الأمم المتحدة وفي اليونسكو، وفي مقهى دول عدم الانحياز، وفي نادي الخطابة باللغة العربية.. وحين يجد الجد ويقتضي الأمر فإنه ليس لها وجود.
وفي آخر ...... وجهة نظر له تحت عنوان "قطوف وتأملات" في 30/05/1992، وكأن لسان حاله يودعنا؛ إذ يقول: يجب أن لا يقتصر اهتمامنا بعالمنا الحاضر أو العالم القديم، بل يجب أن نجتهد في أن نقدم لأجيالنا القادمة صورة عن توقعاتنا وخبراتنا عن عالم الغد؛ لتصبح هذه الأجيال على دراية وعلم توظفهما في تحدي الصعاب وصنع المستقبل للأفضل.
النتائج والاستنتاجات:
لم تكن اختياري لآخر أقوال البديري وفي آخر عدد شارك فيه في مجلة البيادر جزافاً؛ بل جاء لقناعتي ومن خلال معرفتي المباشرة بالرجل بأنه كان، في كل ما كتب وفي كل ما أورد من أفكار وآراء ورؤى وقصص وحكايات...الخ، كان يبث فينا ما لا يمكن نسيانه أو تجاوزه والقفز عنه.
لذلك؛ وبأقل الكلمات لا يسعني إلا أن أودع عبد الله البديري وأؤبنه في الذكرى الثالثة على وفاته، بما وجدته في كتاباته ما قد أصبح أمانة في عنقي تدفعني بالتوجه إلى الباحثين والمعنيين بالشأن السياسي–الاجتماعي، والمتخصصين في علوم السياسية، والفكر والأدب أن يتوجهوا نحو قراءة مستفيضة لما كتبه عبد الله البديري من وثائق؛ ربطت بشكل جدي بين الماضي السحيق وحاضر البديري وجيله وبين المستقبل البعيد الممتد حتى عشرات الأعوام التي تضاف إلى الـ 30 عاماً التي انقضت على كتاباته، حتى تاريخه..
فالبديري كان يمتلك من الحكمة والحنكة التي اكتسبها من حياة المدينة، وأي مدينة إنها مدينة القدس؛ ملاصقاً للمسجد الأقصى وقيماً على مكتبة جدّه، ومن حياة التشرد وأي تشرد؛ فقد كان ذلك الفتى المطلوب رأسه على مدى سنوات، ثم حياة البداوة؛ وأي بداوة، فقد تربى واشتد عوده بن بدو الأردن الذين تعلم منهم تلك المصطلحات والمفردات حين يستخدمها، بكثافة في مقالاته، مثل: لحم كلاب في ملوخية، قيم الليف حط الليف، تشليقهم، عملته المهببة، يلعبون على ظهره (الطيمة) "الحرافيشي"، بلاطة أصداغهم، العار والشنار... الخ. أضف إلى ذلك الحياة العسكرية القاسية التي أمضاها من مكان إلى آخر في الشرق الأوسط من فلسطين إلى إيران فسوريا فالأردن، حتى انتهى به الأمر في آخر الحقبة الإنجليزية موظفاً في آثار أريحا في قصر الملك هشام ثم أنهى ما تبقى من عمره موظفاً في المؤسسات المقدسية.
وفي كل تلك الرحلات والتجارب كان عبد الله البديري لا ينسى شيئاً منها، رغم اتساع مداها الزمني ومداها الجغرافي الشاسع.. فكان له ذلك عندما احتضنته مجلة البيادر لنشر المقالات والتعليقات التي يحمل آخر رقم لها وبخط يده العدد (955).. وفي كل إنتاجه الفكري ذاك، ركز جهده على أن يترك فينا وفي الأجيال القادمة ما لا يُنسى من الحكم والرؤى والفلسفات.
رحم الله عبد الله البديري الذي انتهى كما انتهى معين بسيسو.. وكأني به؛ رحمه الله، يؤبن نفسه في العام 1987 عندما قال: "وفي مطلع العام 1984 مات معين بسيسو وحيداً على سرير بارد في فندق بعد أن أنهكه التجوال، وكلمات من شعر قديم له تأتي تخترق الزمن كنبوءة أحسها وتمثلت له في صمت ووحشة مشهده الأخير: ولساني كان كالسيف.. وأنا الآن أموت وشهودي هذه الجدران الأربعة الخرساء".
أما البديري، ومع ما يشبه التطابق بين نهايته ونهاية بسيسو، فإنه قد مات وهو برعاية ابنته المخلصة "الشيماء" وحفيده عليّ.. مات ملتصقاً بالأقصى وساحاته وباحاته، حارساً أميناً للقدس وأهلها، ناصحاً أميناً لكل من طرق بابه.. محذراً من اختلاف أبناء الضاد عندما قال: "اليوم: شلومو يقتل محمد، وغداً محمد سيقتل محمد.." وهذا هو حال الأمة بالفعل، فلم يتوقف الأمر أن محمد يقتل محمد بل أنه أصبح ينحره في أجواء من التهليل والتكبير كي يقدمه وليمة لذيذة المذاق لأعداء الأمة العاملين على تمزيقها ونهب ثرواتها..
رحم الله عبد الله البديري الذي قال لي في مقابلة معه: عندما عرض عليّ اليهودي ثمن منزلي، طلبت منه أن يعطيني الكنيست بدل بيتي الذي يشتهيه، فقال اليهودي إن الكنسيت ملك الأمة. فقلت له: كذلك؛ إن بيتي ملك الأمة. وليعذرني البديري إن أضفت: إن كل ما أنتجته من فكر وسياسية وأدب هو ملك الأمة؛ بما تركته لها من كلمة مطبوعة توثق للمرحلة، وتربط الماضي بالحاضر، وضيء لنا المظلم من الدهاليز التي وضعنا فيها الانهزاميين والمرجفين.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 6 أيار، 2014



#عزيز_العصا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إياد شماسنة في روايته -امرأة اسمها العاصمة-: يتنقل بنا من عب ...
- جائزة نوبل للتعليم.. تكشف مكنونات فلسطين... -محمود داود سلام ...
- كتاب -نصب تذكاري- لمؤلِّفيْه أبو عباية والبيروتي: قصص بطولةٍ ...
- محمد أبو شلباية: فارسٌ ترجَّلَ.. فبقي صَهيلُ مؤلفاته
- بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية لمؤلِّفه د. فيصل درّاج: أف ...
- -أوراق متطايرة- (1)-الفلسطينيون في المنفى لكاتبها د. محمد فر ...
- جماعة الباب الادبية تعقد لقاءً أدبياً-تربوياً في مقر -جامعة ...
- رواية -البيت الثالث- لكاتبها صالح أبو لبن: وثيقةٌ تؤرخ للصرا ...
- قراءة -مختلفة- ل -عزيز العصا- في رواية: امرأة عائدة من الموت ...
- التاريخ السري لفارس الغبار للشاعر إياد شماسنة: ديوانٌ.. لا ي ...
- مَلحَمةُ -كَفْر توُتْ-: وَثيقَةٌ تَارِيخِيَّةٌ.. بِنَكْهَةٍ ...
- مراوغة الجدران.. للكاتبة -نَسَب حُسَيْن- صورٌ حيّة لحبٍ -لا ...


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العصا - عبد الله البديري: كاتبٌ مقدسي.. ترك فينا ورحل قراءة: عزيز العصا