أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العصا - مراوغة الجدران.. للكاتبة -نَسَب حُسَيْن- صورٌ حيّة لحبٍ -لا يموت- وحربٍ -لا تُنسى-















المزيد.....

مراوغة الجدران.. للكاتبة -نَسَب حُسَيْن- صورٌ حيّة لحبٍ -لا يموت- وحربٍ -لا تُنسى-


عزيز العصا

الحوار المتمدن-العدد: 3986 - 2013 / 1 / 28 - 21:02
المحور: الادب والفن
    


نَسَب حسين؛ لقد قرأت عنها قبل أن أقرأ لها.. فهي فلسطينية المولد والنشأة والهوية.. عربية الانتماء والشعور.. كيف لا، وهي راموية-مقدسية بامتياز.. فتاة في مقتبل العمر؛ لم تشهد هزائم الأمة في الـ (48)، ولا الـ (67)، ولا الـ (73).. كما أنها لم تشهد ما فعله جيش "الدفاع!!" بحق شعبها الفلسطيني في لبنان في الـ (82) وما بعدها..
بالرغم من هذا كله؛ إلا أنها كتبت عن تلك المراحل ووصفتها عبر أسلوبها القصصي الشيق، وكأنها تراها بأم عينيها.. فاخترقت جدران الشعر، والأدب، واللغة لتخرج علينا بما يوفر لنا متعة المطالعة والتمعن بما تكتب.. تم استضافتها من قبل مجموعة الباب الأدبية في مخيم الدهيشة الفلسطيني؛ الشاهد الحي على مآسي شعب استبيحت أرضه، وكُبِّلت حريته، وشُرِّد أطفاله وشيوخه ونساؤه، تحت وابلٍ من القوة المفرطة..
طلب مني صديقي نافز الرفاعي أن أعقب على قصة، أو أكثر، من القصص الخمس التي يضمها كتابها، بعنوان: "مراوغة الجدران"، الصادر عن "دار الهدى" عام 2009. فاخترت قصة "مراوغة الجدران"، لسببين: أما الأول، فلأنها تحمل اسم المجموعة كاملة. وأما الثاني، فلأنها الأطول من بين تلك القصص..
مرواغة الجدران؛ قصة تشغل حوالي نصف الكتاب المكون من (190) صفحة.. ولذلك؛ حُقَّ لها أن نسميها "رواية مراوغة الجدران"؛ فقد استخدمت الكاتبة، في هذه القصة، تقنيات الرواية بامتياز؛ من حيث: السرد، والومضات الفكرية والفلسفية التي أرادت أن تبثها ثقافةً ومعرفةً يكتسبها القراء.. كما جاء تسلسل الأحداث على شكل الـ "دراما" التي تنتظر من يحيلها إلى مسلسل تلفزيوني، أو فيلم، يتحلق حوله أفراد الأسرة، من كل الأعمار؛ لينهلوا مما اختارت لهم "نسب" من توثيق للصراع القائم على هذه الأرض، وبشكل متواصل، منذ عشرات السنين.
أبطالها رامويون، في غالبيتهم، رجالاً ونساءً ومن كل الأعمار، ومسرحها يمتد بين الرامة والقدس ويتسع ليشمل لبنان، ولندن..
تزخر بالمفاهيم التي تشكل قواعد راسخة للقيم الإنسانية، والوفاء، والمثل العليا؛ "نجوى"، التي ماتت منذ زمن، جعلت بطل القصة "وائل" موظفاً في أروقة الصمت، وبقيت هي الحبيبة وهي رمز الوفاء، ورمز الحياة.. طاف شوارع القدس كلها متحدثاً عنها.. وبدونها؛ أصبحت الوحدة تسكنه حتى لو أُحيط بألف شخص.. فمن هي نجوى؟ إنها السعادة التي عثر عليها "وائل" وهي ممنوعة عليه!!
القيم التي تتحلى بها الأسرة الفلسطينية؛ حضرت في هذه القصة بقوة؛ فالأب، المتجه نحو الموت واللاعودة، يأمر ابنه بالعودة للبيت، قائلاً: "ارجع ودير بالك على سيدك وسِتَّك وإخوتك".. و"وائل" يترك لندن ليعود إلى قريته "الرامة" فور سماعه بمرض والده..
كما تحارب اليأس؛ وتمنعه من اختراق جدران نفوسنا.. فالفلسطيني يعانق السماء؛ بنجومها وكواكبها.. يواجه الوجع.. يتحدى القمر الطبيعي بقمره هو الذي لا يخشى الضباب ولا الغيوم.. وتنصحنا بقولها: "إن غزا الليل نهارك فلا تيأسن من البحث في عمق الليل عن شمس"..
أما الاحتلال، من وجهة نظر نَسَب، فلا يمتلك القدرة على التعايش مع الآخر، ويعتبر أبناء فلسطين نقيضه الطبيعي، وممنوع عليهم التعبير عن أنفسهم بأي شكل.. فوائل لم يحمل البندقية مقاتلاً؛ بل دافع عن حقوقه بالكلمة فعادت إليه مختنقة بغاز القنابل المسيل للدموع. لذا؛ عندما اندلعت انتفاضة الأقصى تولدت لدى "وائل" الرغبة في أن يُكَوِّرَ كلماته وألحانه ليجعل منها حجارة يقذف الجنود في كل مكان..
كما عرجت نَسَب على التربية وانسياب القيم من جيلٍ إلى آخر؛ فالجد الذي يقول لحفيده: "أرضك عرضك" ينصحه، بقوله: "نحن لا نملك أسلحة متطورة كأسلحتهم لكن ربما ننجح بنوع آخر من السلاح".. ومن أروع ما أوصلتنا إياه نَسَب، قولها: "لا بد، في لحظة ما، من التوقف عن البُكائيات على من نفقد وأن نفرح بمن بقي لدينا"..
أما التأريخ للقضية؛ فقد كان له الحصة الأكبر في المساحة التي أخذتنا بها نَسَب ونحن نتجول بين السنوات الستين منذ النكبة..
فاللقطات والصور التي أوردتها نَسَب للاحتلال، منذ لحظاته الأولى، كان لها تأثيرات لا يمكن محوها من ذاكرة القارئ.. الحرب شرسة، بكل المقاييس، ولم يكن للنفس البشرية الفلسطينية فيها أي قيمة؛ فالقوة المفرطة هي سيدة الموقف..
أناسٌ يُطردون من غرف نومهم بملابس النوم، تحت وابل من القتل والفتك.. يتم تجميع الرجال في الساحات العامة ومن ثم اقتياد النخبة منهم نحو المجهول الذي لا عودة منه..
حرب فرقت بين الأم ووليدها.. فالأمومة اهتزت عندما تقوم امرأة بـ "قتل طفلها بيديها خوفاً من أن يسمع العدو صوته؛ فيعثر عليها وعلى من معها!!"..
وصاحَبَ ذلك حرب إعلامية، أكثر شراسة، دفعت الشعب للهجرة رغم القناعة بالتيه والتشرد، لا سيما وأن "الرامة" ممر للمهاجرين بعد كل خسارة معركة.. في حين أن هناك من رفع شعار: "البقاء والصمود مهما يكن الثمن".
أطفالٌ لم يعودوا أطفالاً طبيعيين؛ فبطل القصة "وائل" بقي لفترة طويلة يستيقظ في الليل فزعا وهو يرى أباه في بركة من الدماء، وبقي لمدة طويلة يخشى النوم، هذا الطفل اليتيم الذي لم يكن الموت من خطف أمه؛ بل الهجرة.. وانتظر اثنا عشر سنة حتى يرى "صورة" أمه..
الكبار يصابون بالصدمات؛ فالجد أصيب بالانطوائية جراء مصادرة أرضه، وفرض الخدمة الإجبارية بالجيش على أبناء طائفته (الدروز).. ومات بجانب الشجرة التي غرسها فأكل منها الأحفاد..
كما أن للرمزية والكناية حضورها في قصة نَسَب هذه.. فالماء "القائظ" يطفئ الظمأ.. وللألحان ثنائية؛ الصراع والسلام الداخلي.. و"وائل"، الذي يقارع العبث منذ سنوات، يخاطب "نجوى": مذ عرفتك عرفت لوناً آخر للحياة، وسرعان ما فقدته لأفقد جزءاً من ذاتي، ثم يتساءل: "كيف يمكن للمرء أن يعامل حبيباً إلى قلبه كما يعامل غريباً؛ لا يربطه به شئ"..
أما التكنولوجيا، ودورها في تحقيق نقلة نوعية في حياة الناس ورفاهيتهم، فقد كان لها نصيب في قصة نَسَب هذه.. فتنقلنا من مشهد وائل الذي عجز، لمدة اثنا عشر سنة، عن رؤية أمه التي لا يفصله عنها سوى سلك شائك معدني، والمراسلات التي كان على صديقه في لندن أن يقوم بتحويلها إليه في الرامة.. إلى مشهد البريد الالكتروني الذي يصلك بمن تريد خلال ثوانٍ فقط..
ختاماً؛
هذه هي قصة "مراوغة الجدران".. جميلٌ أن تقرأها كاملة؛ غير منقوصة لكي تتجول بين وصف الحرب، والحب، والمسرح، والموسيقى.. ففي كل تفاصيلها هناك ما يجعلك تشعر بـ "نشوة القراءة".. وفي كل الأحوال كانت الأرض، بزيتونها وبهائها وجمالها، حاضرة بقوة؛ فعندما تشتد الظروف على وائل يتجه للأرض ويرعى الزيتون ويفكر بعمق.. إنه وائل الذي يرفض فكرة تفوق "اسرائيل"؛ فكان يغيظه أن ثمن ملاقاته لحبيبته وأمه هو فقد المزيد من الأراضي لصالح "اسرائيل".. "وائل" الذي يتساءل: ذاك الشرخ في الذاكرة؛ من سيتمكن من إصلاحه؟!
والقصة أقرب ما تكون إلى عصير البرتقال الطبيعي؛ الخالي من الصبغات والمواد الحافظة، فالجغرافيا كما هي؛ بلا رتوش، والتواريخ، بسنيها وأشهرها وأيامها كما هي؛ بلا تَدًخُّلٍ من الراوية التي احتضنت ستين سنة، بالتمام والكمال، بما فيها من مظاهر الحب والحرب..
إذن؛ فنحن أمام تأريخ حقيقي للأحداث التي وثقتها "نَسَب"، رغم صغر سنها، فقفزت عن كل الجدران التي عجز الكبار عن تجاوزها، بل وحتى الاقتراب منها..
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 20/كانون ثاني/2013م



#عزيز_العصا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العصا - مراوغة الجدران.. للكاتبة -نَسَب حُسَيْن- صورٌ حيّة لحبٍ -لا يموت- وحربٍ -لا تُنسى-