أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العصا - بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية لمؤلِّفه د. فيصل درّاج: أفكار سلفت.. أم قديم يتجدد؟!















المزيد.....

بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية لمؤلِّفه د. فيصل درّاج: أفكار سلفت.. أم قديم يتجدد؟!


عزيز العصا

الحوار المتمدن-العدد: 4400 - 2014 / 3 / 21 - 18:34
المحور: الادب والفن
    


بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية لمؤلِّفه د. فيصل درّاج:
أفكار سلفت.. أم قديم يتجدد؟!
قراءة: عزيز العصا
فيصل درّاج؛ فلسطيني ولد في بلدة الجاعونة الفلسطينية، التي تبعد خمسة كيلومترات شرق صفد. عاش "زمهرير" النكبة، فارتعدت فرائصه، وهو لم يكد يتجاوز الخامسة من عمره بعد، من عذابات شعبه المشرد في أصقاع المعمورة.. "عايش" النكسة وهو بالكاد يغادر مراهقة معذبة-ممزقة بين حلم العودة والواقع الذي تتعمق مرارته كل لحظة.. امتد به العمر، وهو يتنقل بين ضفاف الهزائم بصورها "النكبوية" و/أو "النكسوية"، فمر أمام أطياف العذاب في الليطاني، وبيروت، وتل الزعتر، صبرا وشاتيلا، والاجتياحات والملاحقات التي لم ترعوِ أمام رضاعة طفل أو صرخات أم ثكلى، أو عكازة عجوز انحنى مبكراً من هول العواصف الهوجاء.
لقد تعرفت عليه، عن قربٍ، مرتان:
فأما المرة الأولى؛ فكانت عندما قمت بقراءة، معمقة للطبعة الأولى من "أوراق متطايرة (1): الفلسطينيون والمنفى" للمفكر محمد نعيم فرحات، الصادرة عن وزارة الثقافة الفلسطينية للعام (2014)، حيث قدّم درّاج لتلك الأوراق، على مدى سبع صفحات من القطع المتوسط، فأتحفنا بما يمتلك من الفكر النير القادر على فهم الأحداث واستقراء المستقبل؛ وفق رؤيا حكيمة-ناضجة-متروية، إذ يقول درّاج : "لا تفعل الثقافة في مجالها بشكل صحيح إلا إذا اتّكأت على وعي سياسي صحيح والعكس صحيح وضروري".
وأما الثانية؛ فمن خلال كتابه المعنون بـ "بؤس بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية" الصادر عن دار الآداب في بيروت، عام 1996. فما أن بدأت في الصفحة الأولى من هذا الكتاب إلا ووجدتُني وقد ركبت قارب "اللاشعور" المخزون في دواخلي منذ الطفولة المبكرة، وبدأت أجدف في بحور فيصل درّاج وهو يصف الثقافة الفلسطينية والمثقفين الفلسطينييْن، والتي تتوزع بين العذب الفرات والملح الأجاج. فشرعت بالقراءة وإعادة القراءة؛ لعلني أستدرك النذر اليسير مما فاتني (وقد فاتني الكثير) في فهم التحولات، والانتكاسات، والانكسارات، والتشظيات، والانزلاقات التي مرت بها ثقافة الفرد والجماعة الفلسطينييان. وقد وزّع درّاج هذا كله على أربعة أقسام، هي: في علاقات الثقافة والسياسة، ثقافة المؤسسة بين الارتباك والانحطاط، المثقف الآخر وجمالية الانقسام، وانهيار الثقافة.
لقد حمل المفكر فيصل درّاج على كاهله كماً هائلاً، مزدحماً ومتزاحماً، من الهموم، والفلسفات، والمفاهيم، والأفكار والرؤى... الخ، التي أردا أن "ينثرها" في سمائنا الملبد بغيوم التشاؤم والإحباط، لكي "يستمطر" سحب الأمل والتفاؤل، القادرة على إرواء "تشققات" الهزيمة وطمرها، وتحيلها إلى تربة "خصبة" "تستنبت" ثقافة منتصرة، بخطابات موزونة تتلاءم ومتطلبات المرحلة، بدلاً من خطابات منتصرة لثقافة مهزومة.
نظراً لذلك الحجم الكبير والمترامي الأطراف لما احتواه الكتاب، ولأسباب تتعلق بالأهمية القصوى للموضوع، فقد اخترت القسم الأول للقراءة والتحليل؛ لإطلاع القارئ على ما احتواه هذا القسم من تشخيص للمراحل المختلفة التي مر بها النظام السياسي والثقافي الفلسطينيان، بخاصة في مرحلة ما بعد أوسلو، الحدث الأبرز والأقرب إلى سنة تأليف الكتاب وإصداره، التي توقف عندها الكاتب معتبراً إياها نتاج لبؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية.
أقدم قراءتي هذه وأنا أتّكئ على النصوص الواردة فيه، باقتباسها وتحليلها ما أمكن ذلك. فهي ليست قراءة شاملة تنظر إلى غلافي الكتاب من الخارج؛ بل أنني مكثت داخل بعض النصوص، والعبارات، والمفاهيم للخروج بما يضع القارئ الذي لم يرَ الكتاب بعد في صورة ما يجري فيه من صدامات وأحداث وتجديد في النظر إلى الثقافة الفلسطينية والمثقفين الذين توزعوا على مدارس ثقافية، عالمية، مختلفة.
لقد تميز هذا الكتاب عن غيره من المراجع والمصادر الفكرية بخروجه عن النص التقليدي؛ الذي يهتم بالهندام ويغرق في التجميليات (التي تخفي تحتها آلام مبرحة). ولعل في ذلك وفاء، وأي وفاء، للقيم والمبادئ التي سقط الشهداء دفاعاً عنها، فقدّم درّاج لكتابه بسيرة الشهيد الذي "يتناتج في المسار الفلسطيني". وهنا توقف درّاج، معمقاً، لينقل لنا الصورة الأولى من صور بؤس الثقافة في مؤسستنا، الناجمة عن صخب الخطابة وضجيجها؛ فالشهيد "استشهد عن عمر يناهز الرابعة عشرة, وكان قد انتسب إلى صفوف الثورة منذ سنوات, وقام بأربع دورات عسكرية" .. تنعاه "خيمة" احترقت وصبيّة أحبته قبل أن يعود إلى الوطن ولا يعود".
ثم يعدد مناقب الشهيد ويذكر خصاله وسماته.. ففيه بعض ملامح الفكرة؛ والأفكار تذهب إلى لا مكان وللشهيد بداياته المعروفة العصيّة على التحديد, والشهداء يترسبون في ثنايا ذاكرة يعالجها النسيان. أما دور الشهيد في حياة شعبه فهو ليس مجرد عمل بطولي ورمزية تنتهي بدفنه، بل ينثر بذور الأمل في المستقبل، فيقول درّاج: الشهيد جزء من الماضي وجزء من المستقبل. أما السلطة والسلطوي فهما، من وجهة نظر درّاج، نقيض الشهيد؛ فالسلطة تجعل من زمن الشهيد كابوساً تولّى.
في علاقة الثقافة بالسياسية؛ يتجول بنا درّاج في ستة عناوين تشكل، في مجموعها، رؤية الكاتب للتحولات التي مرت بها الثقافة والسياسة وأثر كل منهما على الأخرى.
الأول: السياسية الثقافية في سياسة بلا ثقافة: التي يستهلها بالروائي جبرا إبراهيم جبرا الذي "كان يخلق الفلسطيني كما يجب أن يكون؛ محققاً لذاته ومتحدياً لعدوه وقائداً للعربي الآخر الذي لم يعرف الشتات بعد". وكأني بدرّاج يتنبأ بما جرى في الوطن العربي من (ثورات!!) تحولت إلى حروب داخلية طاحنة، انتهت بشتات وتشرد لا يقل ألماً عما جرى للشعب الفلسطيني. وعليه؛ فإن الفلسطيني يحمل عبء الاستنهاض الثقافي الذي يتحدى المشروع الصهيوني: بدأته الكلمات وأشياء أخرى, وجسد الكلمات في بناء الدولة العبرية وهدم الوطن الفلسطيني.
حول أهمية الإنتاج الفكري في صياغة الفرد والمجتمع، يضعنا درّاج أمام مسؤولياتنا في ضرورة التفريق بين الغث والسمين، "فالفن الردئ, الذي يروّج له الصغار في حياتنا الآن, تحت أي شعار كان, لا يقل ضرراً عن السلاح الردئ. وأن الأدب الرّدئ هو تتويج لتصورات قادة كبار لهم وعي صغير، والقائد الكبير في وعيه الصغير يرضى عن الفن الردئ مثلما يرضى عن السلاح الردئ ويكرم المقاتل الأكثر رداءةً". أما حول الثقافة، ودورها التحرري, فيرى درّاج أن للثقافة وسائل وأدوات وطنية، بحتة، تتناقض مع العدو وتتصادم مع ثقافته؛ لكي تسهم في عملية التحرر وتصبح ركيزة رئيسية من ركائزها، فيقول: "لا تحقق ثقافة منخرطة في صراع تحرري وجودها الموضوعي كثقافة إلا إذا نقضت وسائل انتاج واستهلاك الثقافة المعادية للتحرر".
ثم يسمو بنا درّاج فوق قيود النصوص والكلمات الجامدة والألوان الصارخة، ليعيد صياغة المثقف الفلسطيني الملتقي مع ذاته القادر على حمل أعباء المسؤولية، فيقول: "لا تُعرف الثورة في الميدان الثقافي بعلاقات النشر والطباعة, بل بإنتاج شروط متنوعة لحوار بين كاتب وقارئ يقتصر المسافة بينهما".
وفي سياق تقييمه للثقافة والمثقف الفلسطينيين وقراءته لما آلت إليه أوضاعهما نتيجة "فقر الوعي" الذي اتسم به الفلسطيني في صراعه مع المشروع الصهيوني، يرى درّاج أن المثقف الفلسطيني أنتج "ثقافة الفقر" التي ينتجها بشر يتسمون بوعي فقير" لينتهي الامر بـ "ثقافة الفاقة الانيقة".
بالمقابل؛ يذكرنا درّاج بآلية العمل التي اتبعها الخصم في حالة من "تدجين" الفلسطيني على ثقافة أخرى غير التي يحتاجها لمعالجة تشرده وضياع وطنه، فيورد نموذجاً لما تقوم به سلطات الاحتلال من "استئصالٍ" للمفاهيم التي تكرس الالتصاق بالوطن والتضحية دفاعاً عنه، إلى البحث عن حياة الرغد والهناء؛ بعيداً عن الوطن وهمومه (!!)، مدللاً على ما قامت به السلطات الاسرائيلية من تغيير عبارة "حافظ على وطنَك؛ فمن لا وطن له لا كرامة له لتصبح :"حافظ على صحتك؛ فمن لا صحة له لا عقل له".
الثاني: نفي السياسة في ممارسة السياسة: حيث يتوقف درّاج عند اتفاقية أوسلو لكي يدلل بها على قناعته في هذا العنوان الذي اختاره للدلالة على بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية ، فيمعن في تشخيصها واثرها على الواقع الفلسطيني معتبراً أنه قد تمثل فيها "هوس السلطة التي همّشت القرار الجماعي لحد الإلغاء", كما يرى فيها "عبث بعقود متعاقبة من الكفاح الوطني".
أما المعارضة الفلسطينية فقد "انغلقت في ازدواجية مريضة تضعها في السلطة والمعارضة في آنٍ؛ من دون أن تكون قادرة على ترشيد السلطة أو بناء معارضة فاعلة". "حتى اضحت المعارضة حاضرة في القرار السياسي وغائبة عنه". وأما النتيجة من هذا كله؛ فهي أن اليمين الفلسطيني قد استغل بؤس المعارضة فأخذ يدلي بدلوه حتى "حوَّل السياسة, كما النظرية, إلى فعل تقليدي مناهض للتحرر, واليسار حوّل الايدولوجيا التي انتسب إليها إلى لفظية بسيطة". وبعد هذا الوصف والتشخيص للحال الفلسطيني، على الأرض، يوصي درّاج بضرورة "الاستجابات الصحيحة للتحديات المتجددة القادرة على إعادة بناء الواقع من جديد".
الثالث: نفي الثقافة في ممارسة الثقافة: وفي هذا العنوان يأخذنا درّاج في جولة داخل أروقة منظمة التحرير الفلسطينية التي هي نتاج الحالة النضالية للشعب الفلسطيني عبر عقود من الزمن، وهو يشير إلى مبدأ "المحاصصة" الذي يشمل مناحي الحياة الفلسطينية كافة. ويستهل هذه الجولة باعتزازه بـ "الشاعر الفارس-عبد الرحيم محمود" إذ يفترض درّاج في مثقف المقاومة أن يكون قد "استأنف درسه عن الكلمة–المعركة, "بعد سنوات من الضياع واللجوء وأدب الدموع".
ثم "يعوم" بنا درّاج فوق تراكم البؤس الثقافي الفلسطيني الذي انتهى بأنه قد تم "اختصار مفهوم المقاومة إلى فعل عسكري عشوائي يغتبط بصورة الشهيد ويجهل اسمه"؛ حتى استكانت سياسة المؤسسة الفلسطينية المسيطرة إلى مبدأ: "المحاصصة؛ الذي يقوم على الاعتراف الشكلي بجملة من الفصائل والتنظيمات, بأخذ كل منها حصته, ليشكل مجموع هذه الحصص كياناً هجيناً".
ويرى درّاج أن الثقافة هي الضحية الأولى لسياسة المحاصصة تلك؛ عندما تتحول إلى "قناع خارجي بعلاقات تنظيمية تجارية لا علاقة لها بالثقافة الحقيقية, لأنها لا علاقة لها بالسياسة الحقيقية". كما يُسقط هذه النتيجة على المثقف، الذي قبل بمبدأ المحاصصة، باعتباره "مثقف زائف"، وذلك لأن درّاج يرى أن المحاصصة الثقافية تعكس "الفراق الشامل بين النظرية والسياسة, وفي ذلك تعبير عن بؤس ثقافي وهشاشة أخلاقية في آن, جعلا من النقد خيانة وارتداداً".
الرابع: انطفاء الثقافة والسياسة الفلسطينيتين: يرى درّاج أن "ظهور المقاومة ليس تحدياً لهزيمة حزيران التاريخية؛ بل هو تعبير أخير عن هذه الهزيمة". إذ شكّل ظهور المقاومة الفلسطينية إعادة تسييس جديد للشعب الفلسطيني, بشكل جديد, ما لبث أن قذف بالشعب الفلسطيني إلى خارج الحياة السياسية, من خلال أمرين: 1) حالة الضياع والإحباط والتشتت التي تلف الشعب الفلسطيني بعد أوسلو، و2) صعود حالة التديّن كرفض للسياسة وعودة إلى شكل من التفكير والسلوك يتناقص مع ما هو سياسي بالمعنى الحديث للحكمة.
وحول أثر الانتماء للأحزاب؛ يرى درّاج أنها حققت لدى الأفراد الانضباط المطلق الذي ينفي معنى الاختيار الحر الذي لا تقوم السياسة إلا به. وهكذا؛ يفضي الانضباط, كما الولاء, إلى علاقات الاحتواء/ الإلغاء, النقد/النبذ على المستويات كافة. وينتهي الامر بدراج إلى مطالبة أي قيادة فلسطينية أن "تؤسس لجملة من القيم الأخلاقية والديمقراطية والعقلانية التي تفتح للشعب الفلسطيني أفقاً، وإلا فلا معنى للأفكار خارج آثارها العملية, ولا ضرورة للتنظيمات خارج دورها الفاعل". بذلك؛ يمكن أن تتشكل "الثقافة التي تقاوم انطفاء الثقافة في صراعها النقدي مع ثقافة التجريد, ومع السياسات الثقافية الأخرى التي تنهج ثقافة قوامها التجريد".
الخامس: الوعي الريفي في المؤسسة الفلسطينية: يرى درّاج أن وظيفة المثقف النقدي "تتمثل بالكشف عن وجود وضع إنساني سلبي والمقدمات التي قادت إليه، والعراقيل التي تحول دون تجاوزه". وأن دور المثقف النقدي يتطلب إنكار الظلم والدفاع عن العدالة والابتعاد عن المعايير الضيقة. ويسوق درّاج ما قاله خليل السكاكيني في العام 1919: "لا تستطيع أمة أن تقول أنها حُرة إذا خلصت من النفوذ الاجنبي إن بقيت ترسف في قيود من النفوذ الداخلي".
من جانب آخر؛ أورد درّاج نموذجين للمثقف وفق تصنيف "غرامشي": المثقف ذو الوعي المديني والمثقف ذو الوعي الريفي. معتبراً أن المرتبة في الوعي الريفي ليست مكاناً متنوعاً, بل هي مخزن لمتع متعددة لا يسمح بها الريف. وهكذا؛ يصل المثقف الريفي إلى السلطة لكي "تضيف متعة إلغاء الثقافة إلى متع أخرى"، ويسعى إلى الاندراج في اجهزة الدولة التي تحتل, في تصوّره, موقع المثقف الاعظم؛ فيرى ذاته في الدولة, وينظر إلى الدولة كامتداد له, لينتهي به الأمر إلى تحسين وضعه (ووضع عائلته) الاقتصادي كما ينتزع الاعتراف الاجتماعي بعائلته". أما فلسطينياً؛ فيرى درّاج أن (م. ت. ف) قامت بـِ "ترييف" الثقافة المؤسساتية.
وكشكل من أشكال المحاصصة؛ يرى درّاج أن ريفية المثقف تتجلي في مراكمة "الريع الثقافي" وتحقيق الاعتراف الاجتماعي به, وريفية السياسي تتمظهر في مراكمة السلطات وتحقيق ذاته كسلطة لا مرجع فوقها؛ فتصل إلى شبه مثقف وشبه سياسي. وتتجلي هزيمة المثقف أمام شبه المثقف، والسياسي أمام شبه السياسي، في أنها تعبير مجازي وحقيقي عن هزيمة المشروع الوطني العربي برمته, عندما ينهزم الوعي المديني أمام الوعي الريفي, وينهزم المشروع الديمقراطي الشعبي أمام القرار الأحادي الاستبدادي وينهزم المشروع التنويري أمام المشروع الإظلامي.
السادس: سطو المجرد في الوعي الريفي: يستهل درّاج هذا العنوان بتركيزه على "الحقيقة المطلقة التي يعتقد بها الفلسطيني"؛ من أن الحق الملازم لقضيته ينصرها بالضرورة، حتى أنه أصبح يرى الحق الفلسطيني ويغفل عن إمكانيات الفلسطيني, الذي ينتسب إلى الحق, كما يرى الباطل الإسرائيلي ولا يتوقف أمام إمكانيات الإسرائيلي إلا, قليلاً.
بذلك؛ يكون المنظور قد حوصر, منذ بداياته, بمعادلات مجردة؛ تجعل من القراءة المشخصة للوقائع أمراً نافلاً. إلا أن درّاج ينصف الجماهير الشعبية الفلسطينية, التي عاشت تاريخها في ثنائيات الخير والشر, عندما لم تعتكف في بروج الانتظار, بل دافعت عن حقها بالإضراب والاعتصام والسكين والبندقية.
الاستنتاج والخاتمة
لا شك في أن من يقرأ للمفكر "فيصل درّاج" يجب أن يتمتع بروح رياضية عالية؛ لكي يتمكن من فهم أطروحاته بما يوظف النص لصالح الحالة الفلسطينية، التي هي بأمس الحاجة للتوقف عندها، مليّاً، بالقراءة والتحليل والتشخيص للتوصل إلى نتائج تصوب الأخطاء، وتُقَوِّم المعوج من الأمر.
قد يبدو، للوهلة الأولى، أن كتاب "بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية" ينظر إلى النصف الفارغ من الحالة السياسية والثقافية الفلسطينيتان، إلا أن القراءة المتروية لهذا المؤلف الهام تقودنا إلى أننا أمام "جرّاحٍ" قد حدد المكان الذي عليه أن يضع المبضع فيه ليجري عمليته بنجاح، ثم ينبري لينصح "شعبه" بإعادة النظر في التجربة التي قدم على دربها عشرات الآلاف من الشهداء، ومئات الآلاف من الأسرى والمعذبين.
لقد صاغ "فيصل درّاج" كتابه وفق نمط فلسفي مشبع بالتجربة الشخصية، مستحضراً آراء ورؤى لفلاسفة وعلماء اجتماع آخرين ليستدل بنظرياتهم على "كنه" الحالة الفلسطينية ويسبر غورها. كما تجد في العناوين التي اختارها "فيصل درّاج" للأقسام والعناوين الفرعية تركيز مكثف للأفكار التي أراد للقارئ استيعابها بأقصى سرعة، وإن كانت تلك العناوين تتطلب من القارئ مستوى متقدماً من الفهم والإدراك ببعديه الاصطلاحي واللغوي. ففي عناوين "نفي السياسة في ممارسة السياسة"، و"نفي الثقافة في ممارسة الثقافة"، و"نحو انطفاء الثقافة والسياسة الفلسطينيتين" تجد نفسك أمام عناوين تتحدث عن محتواها، لكي تقودك لتنهل المزيد من المعرفة الكافية لإدراك سطورها وما بين السطور.
بقي القول بأنني وجدت في كتاب "بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية"، وبالرغم من مرور حوالى عقدين من الزمن على إصداره، أن أفكاره ليست "أفكار سلفت" وعفى عليها الزمن، بل أنها قديم يتجدد، بشأن الثقافة والسياسة الفلسطينيتان اللتان لم يفعل الزمن فعله فيهما بعد، الأمر الذي يتطلب الوقوف عندها بالمزيد من القراءة والتحليل للخروج بما يحفظ لشعبنا حقوقه، الثابتة التي لا تنقضي بالتقادم، التي ضحت الأجيال المتتابعة دفاعاً عنها.
فلسطين، بيت لحم، العبيدية، 4 آذار، 2014



#عزيز_العصا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أوراق متطايرة- (1)-الفلسطينيون في المنفى لكاتبها د. محمد فر ...
- جماعة الباب الادبية تعقد لقاءً أدبياً-تربوياً في مقر -جامعة ...
- رواية -البيت الثالث- لكاتبها صالح أبو لبن: وثيقةٌ تؤرخ للصرا ...
- قراءة -مختلفة- ل -عزيز العصا- في رواية: امرأة عائدة من الموت ...
- التاريخ السري لفارس الغبار للشاعر إياد شماسنة: ديوانٌ.. لا ي ...
- مَلحَمةُ -كَفْر توُتْ-: وَثيقَةٌ تَارِيخِيَّةٌ.. بِنَكْهَةٍ ...
- مراوغة الجدران.. للكاتبة -نَسَب حُسَيْن- صورٌ حيّة لحبٍ -لا ...


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز العصا - بؤس الثقافة في المؤسسة الفلسطينية لمؤلِّفه د. فيصل درّاج: أفكار سلفت.. أم قديم يتجدد؟!