|
فوضى مفهوم - الشرعية - ما بعد الربيع العربي
نضال الابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 4474 - 2014 / 6 / 6 - 14:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحديث عن الشرعية والمشروعية ، في عهد ما بعد " الثورات العربية او الربيع العربي " ، كما اطلق عليه البعض ، اصبح اسير للفوضى ، وهي فوضى ليست خلاقة ، بكل المعايير ، فلم يبقى احد بدء من رجل الشارع العادي ، مرورا بمختلف النخب الاجتماعية والسياسية والإعلامية ، وصولا الى الاحزاب و التنظيمات ، التي وصلت الى السلطة في دول الربيع العربي تحديدا ، او التي لا زالت تقاتل للوصول اليها ، النموذج السوري مثلا ، إلا واستخدم هذا المفهوم ، بإشكال مختلفة لخدمة اهدافه وتوجهاته . هذه الفوضى ، اتخذت اشكال مختلفة ، منها الخلط بين مفاهيم ، لها مجالاتها التي لا يجوز ابتداء ، الخلط بينها ، وهو خلط مقصود احيانا ، وغير مقصود في احيان اخرى ومنها ( الشرعية ، والمشروعية ، والدولة ، والسلطة السياسية ، والثورة ، والدولة العميقة ، ... الخ ) . وقد تجلت هذه الفوضى ، بشكل بارز ، بين ثلاث فئات ، هي على التوالي المؤسسات الاعلامية ، وخصوصا مقدمي برامج ( التوك شو ) ، في مصر وغيرها ، والفئة الثانية هي تيار الاخوان المسلمين والفئات المؤيدة له ، وفي المقابل منهم التيارات العلمانية والليبرالية ، حيث قام كل منهم بلي عنق كل مفاهيم الشرعية ، وما يرتبط بها من مفاهيم الدولة الحديثة ، خدما للأهداف السياسية لكل فئة . يقول الدكتور سيف الدين عبدالفتاح اسماعيل ، استاذ النظرية السياسية بجامعة القاهرة ، بمقال له تحت عنوان ، ( مفهوم الشرعية - تبدو فكرة الشرعية من أهم الأفكار والمفاهيم داخل المنظومة الفكرية ذات التأثير في الحياة الثقافية والفكرية وكذلك السياسية ، خاصة أن مفهوم الشرعية برز كترجمة لكلمة Legitimacy، وبرز في الاستخدام العربي كصفة للأفعال والأمور مثل السياسة الشرعية ، والمقاصد الشرعية وغيرهما. وتُعرِّف الموسوعة الدولية الاجتماعية مفهوم الشرعية بأنه " الأسس التي تعتمد عليها الهيئة الحاكمة في ممارستها للسلطة. وتقوم على حق الحكومة في ممارسة السلطة وتقبُّل المحكومين لهذا الحق " . ويجب التفرقة بين مفهوم الشرعية "Legitimacyالذي يدور حول فكرة الطاعة السياسية، أي حول الأسس التي على أساسها يتقبل أفراد المجتمع النظام السياسي ويخضعون له طواعية ، ومفهوم المشروعية " legality" بمعنى خضوع نشاط السلطات الإدارية ونشاط المواطنين للقانون الوضعي. أي أن الشرعية مفهوم سياسي بينما المشروعية مفهوم قانوني . الأصل اللاتيني لكلمة " Legitimacy " هو "Legitimus" واستخدمه الرومان بمعنى التطابق مع القانون ، ولقد أصبح خلال عصر النهضة يعبر عن العقل الخلاق والوعي الجماعي ، ويعتبر " جون لوك " أول من استخدم مفهوم الشرعية كأساس لتحليل ظاهرة السلطة . وتطور المفهوم في العصور الحديثة بحيث أصبح يُعبّر عن اختيار وتقبل المحكومين للحكام والنظام السياسي ، وهكذا برز عنصرا الاختيار والرضا كعناصر أساسية لمفهوم الشرعية ، ولقد طرحت العديد من التعريفات لمفهوم الشرعية ... ) .
و يقول الدكتور سربست نبي ، في محاضرة له بعنوان " في مفهوم الدولة المدنية " ، في توصيف الحالة الايديولوجية ، لتيارات الاسلام السياسي ، ( ... كما لا يمكنها قط أن تعلن بصراحة إن شرعية الدولة وشرعية كل سلطة سياسية هي دنيوية وإنسانية , وليست سماوية مفارقة , طالما أنها لا تزال على اعتقادها العتيق بمفهوم ( الحاكمية ) و أن الإسلام دين ودنيا . إن كل فكر سياسي ديني يتعارض مع تحديث الدولة ودمَقرَطة النظام السياسي , لأنه يتعارض في الأصل مع القول بالمصدر الدنيوي - البشري للسلطة وشرعيتها. والسلطة والأيديولوجية الدينيتان ترفضان النظر إلى رعايا الدولة على قاعدة المساواة في المواطنة , وفي الحقوق الطبيعية التي تفرضها الطبيعة البشرية. من هنا يغدو الحديث عن دمقرطة الدولة وتعدديتها من دون إعلان ضرورة عَلمَنَتها لغواً فارغاً وتضليلاً سياسياً وخداعاً ... "
والذي يجب بيانه هنا ، من خلال الاقتباسات السابقة ، ان الامر ليس مجرد اراء شخصية ، لكتاب في مجال الفكر السياسي والقانوني ، وإنما يتجاوز ذلك ، الى حالة اتفاق ، بين المختصين في المجال السياسي والقانوني ، على تضمين مفاهيم ( الشرعية ، والدولة ، والسلطة السياسية ، والثورة ) مضامين محددة ، لا تصل الى حد النسق الفكري الكامل والمغلق ، وإنما مفاهيم اتخذت شكل محدد ، ضمن سياق تاريخي وفكري وفقهي قانوني ، يندرج اولا ضمن التشكيلة المؤسسة للفكر السياسي والقانوني ، للدولة الحديثة او المعاصرة ، وذلك بسبب الارتباط التاريخي بين نشأة هذه المفاهيم ، ونشأة الدولة القومية الحديثة في الغرب ، ( الوطنية ) في الشرق العربي ، ما بعد مرحلة افول الاستعمار العثماني . لذلك لا يجوز ، ان يتم التلاعب بهذه المفاهيم ، بشكل يخدم المصالح المتعارضة ، لإطراف الصراع ، خصوصا مفهوم ( الشرعية الثورية ) ، فليس كل خروج لعدة الالاف او ملايين من البشر ، الى الشوارع والميادين يعد ثورة ، وليس نتائج صناديق الانتخاب ، وحدها في دول لم تألف النظام الديمقراطي بعد ، ولم تؤسس ابتداء لمؤسسات هذا النظام ، يعد شرعية لا يمكن تغير موازينها ونتائجها . ولكن يبدو ان المشهد في دول الربيع العربي ، لا زال ملتبسا ، يستعصى على ادوات التحليل والنقد التقليدية ، توصيف مسار الاحداث ، وتحركات القوى الاجتماعية والسياسية بها ، ولكن كل ذلك ، لا يبرر فوضى استخدام مفاهيم الشرعية ، في غير موقعها ، وسياقها السياسي والقانوني ، الذي درج على استخدامه ، في المسار التاريخي للديمقراطيات الحديثة . ومن جانب اخر ، لا بد من الاتفاق ولو نظريا ، على ان مفهوم الشرعية ، وان لم يكن حديث من حيث المضمون ، في العالم العربي ، فالصراع عليه وحوله قد بدء تاريخيا من " سقيفة بني ساعدة " ، حول شرعية من له الاحقية بحكم الدولة الاسلامية الوليدة ، في المدينة المنوره بين المهاجرين والانصار بعد وفاة النبي محمد ، واستمر بإشكال مختلفة ، في مختلف مراحل الحضارة العربية الاسلامية ، حتى نهاية الخلافة العثمانية . والمختلف في الامر الان ، ان مفهوم الشرعية المتصارع حوله ، في العالم العربي دخل في مرحلة " انقطاع تاريخي " ، عن مفهوم الدولة والخلافة في الاسلام ، لذلك لا يمكن رده او ربطه بقضية الدولة الاسلامية ، وفكرة " الحاكمية " ، لان هذه المفهوم ، من حيث الشكل والمضمون ، ارتبط بولادة الدول الوطنية ، في العالم العربي ، التي تشكل اغلبها بنهاية حقبتين ، هما الخلافة العثمانية ، والاستعمار الغربي ، تلك لدولة التي تشكل بعضها ، بفعل استعماري ، في بدايات القرن العشرين ن مثال ولاية سوريا التي اصبحت بعد اتفاقية سايكس – بيكو خمسة دول وطنية ، هي العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين . فلا يمكن وهذا الحال ، ان يتم اغراق مفهوم الشرعية ، في صراع تاريخي ، سابق لوجوده ، وارتباطه بالدولة الوطنية الحديثة ، التي ارتبط بوجودها ، مفاهيم لم تكن موجودة قبل ذلك مثل مفاهيم المواطنة وسيادة القانون والسلطة للشعب وغيرها من مفاهيم الدولة الحديثة .
#نضال_الابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القومية العربية - السقوط الاخير
-
السفر الثاني ... من كتاب غير مقدس
-
السفر الاول ... من كتاب غير مقدس
-
لماذا نريد دولة علمانية
-
لاهوت القوة وتجسده في الدولة
-
الصراع على سوريا
-
التباس الهويتين الاردنية و الفلسطينية الجزء الاول - ارتسامات
...
-
الاخوان المسلمين وهواية الصيد في البحر الميت
-
في مفهوم - ثقافة احترام القانون -
-
وهم الدولة الاسلامية
المزيد.....
-
الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر
...
-
الموساد الإسرائيلي.. كشف خفايا الحرب على غزة
-
تونس.. هل تؤثر العقوبات المفروضة على مباراة الأهلي والترجي؟
...
-
غنائم روسيا من أسلحة الناتو
-
فتاة المقطم.. مصرية تعترف بتهمة قتل-المتحرش- بضربة مشرط وتثي
...
-
أربع مذيعات في بي بي سي يرفعن قضية أجور ضدها
-
مناهل العتيبي: ما تفاصيل الحكم على الناشطة الحقوقية السعودية
...
-
تكريم سائق الفورمولا واحد الأسطوري آيرتون سينا في إيمولا وفي
...
-
سانشو .. من الاستبعاد في مانشستر إلى التوهج مع دورتموند
-
استخباراتي أمريكي سابق: الوحدات الأوكرانية تلقي أسلحتها وتهر
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|