أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى يونس - قيود و أجنحة















المزيد.....

قيود و أجنحة


مصطفى يونس

الحوار المتمدن-العدد: 4462 - 2014 / 5 / 24 - 07:53
المحور: الادب والفن
    


فاض بي الشوق فهرولت إلى ما خلف أسوار مدينتنا القديمة..كنت أعرف أنه لم يزل في خلوته في الكهف..ظللت طوال الطريق إليه أؤنب نفسي..نسيت؟! والله ما نسيته أبدا لكن هموم البيوتات كثيرة و يوم الدنيا قصير أو هكذا فعلت به المشاغل و الهموم..لكن اليوم استيقظت و نوال شرف الزيارة المباركة يلح على عقلي..استيقظت لصلاة الفجر و خرجت بعد الصلاة مباشرة..لم أوقظ زوجتي و لا أولادي بشيء..لم أركب السيارة..لا يصح أن ألبي نداء الشوق إلا ماشيا على قدمي و لو أنصفت للبيت حبوا..
الطريق من البيت إلى الصحراء خلف أسوار المدينة طويل..لكن ما من ألم أشعر به..
شيخي الجليل..كيف أهملت اتصال الود طوال هذه الفترة؟!
في الليلة السابقة لاح لي طيفه في المنام و هو يبتسم..
- أنستك السنين و لكننا أبدا ما نسيناك!
نفس الوجه البشوش..نفس الصوت الرخيم..لكنني لم أعرفه منذ البداية..ذهبت إلى العمل و الحلم يحتل دماغي..هذه الملامح محفورة في ركن ركين من الذاكرة و الروح..
* * *
صحبني إلى اللقاء الأول أحد الأحبة..روى أشياء عجيبة حول الرجل..
"يقال بأنه كان ذو رتبة كبيرة في الجيش..و من عائلة غاية في الغنا و لكنه لم يتزوج ..ذات يوم استيقظ ليهجر كل هذا إلى الصحراء حيث خلوته في كوخه العجيب"
قال أشياء أخرى عن معجزات و كرامات لا أذكر منها شيئا ..ربما كان قد ابتكرها ليشوقني و يلهب حماستي للقاء المرتقب الذي لزمت الاعتاب المباركة بعده سنينا ..

خطوط العرق في ظهري تثير ضيقي قليلا..الشوارع تعبر أمام عيني مليئة بالمحلات و اللافتات و المارة الذين بدأوا يتكاثرون و السيارات التي تعوي لكسر الزحام الصباحي، لكن عيني لا تريان شيئا سوى وجهتي المبروكة..
تراه غاضب مني لانقطاعي كل هذه الفترة؟
من أين يأتي الغضب لسماحة ملامحه الملائكية..سنينا كنت في معيته فلم أراه يغضب أو يحزن أو يتململ من أحد ولا من شيء....من مثله لا يدخله الغضب من بين يديه و لا منخلفه..انهم أهل الله..كيف يهمهم فعل الخلق؟!
وجهه لا يحمل شيئا للعالم أكثر من التراوح بين البسمة و البكاء..
نعم يبكي..يبكي حين يفيض به الوجد في حضرة المحبوب..أما ابتسامته فكانت من نصيب كل من في حضرته
* * *
"آی-;-ا عاشق شی-;-ری-;-ن کاری-;- در اشتی-;-اق، اما قادر به اشک؟"
وهل للعاشق حيلة في شوقه إلا الدموع العاجزة؟
* * *
يتمايل الجسد الشيخ على نغم غير مسموع كلما استبد به حال الشوق فينشد الشعر في حال الوجد بالفارسية..لغة العاشقين الأوائل..في البداية لم نكن ندرك شيئا من طلاسم القول الغريب على آذاننا غير أن أحدنا - و كان تلميذا و مريدا نجيبا - باح لنا بسر الحروف.
* * *
"چه شما، من امی-;-دوارم فقط در لحظه ای-;- از رضای-;-ت ..
تروی-;- عطش سال گذشته
و همه ترس من به دوباره از سفر از طول عمر
است و دست از رضای-;-ت خالی-;-"

"ما كنت أطمع منه سوى في لحظة رضا..
تروي عطش السنين الماضية
و كل خوفي أن أعود من رحلة العمر
و يدي من ذاك الرضا خاوية"
* * *
اشتاقت نفسي لترنيمات الصوت الرخيم المعبق بالبخور و المسك..اشتقت لتراقص أضواء القناديل في على جدران الكوخ المبارك المنسوجة من أعواد البوص..كيف غابت عني ساعات السكينة التي كنت أقضيها في صحبته و كيف طمس أنغامها صخب العمل و الأسرة و الهموم..
قادم أنا يا سيدي إلى حضرتك؟
تعبت ..
تعبت من السيارة.. و الزوجة..و العمل..و الرؤساء..و الأبناء.. و صخب الشوارع..و الهواتف ..و الأقساط.. و الرواتب..
خطاي تلتهم الطريق و دمع الشوق يفيض على خدي و المارة ينظرون إلي و في عيونهم استغراب ..كلما اقتربت من أحدهم ترامى إلى أذنه صوت النشيج المكتوم..وسط النشيج تهمس شفتي بلا شعور..
- أنا قادم يا سيدي..أنا قادم ؟
من يمكن أن يقبل بأن ألقي في حجر جلبابه كل هذه الهموم والصخب؟!..من يمكن أن يداوي كل جراح الدهر بابتسامة أو بربتة عطوفة؟!..الأب الكبير القوي انهار جسده و تهاوت روحه تحت حمله..الأب الكبير الذي خط الشيب مفرقيه يحتاج لأب..
أنفاسي تضيق كأنما أتنفس من لهب جمر..و ظهري يغتسل بالعرق البارد ودقات القلب تتعالى حتى صارت في أذني تغطي على كل صوت..الجسد الهرم يتشكى من الجهد الغير مألوف..
لكن شيئا واحدا يحتل الوعي..صوت الشيخ المنشد بترانيم السكينة..
* * *
"همه جاده ها به راه از حی-;-اط دی-;-گر
با ای-;-ن حال، راه خود را از راه جاودانگی-;- است"

(كل الدروب إلى سواك فناء
إلا طريقك فهو درب الخلود)
* * *
ستستيقظ "ألفت" و لن تجدني و سيعتريها القلق و ستوقظ الأولاد..سيارتي موجودة..سيتصلون بالعمل..سيعرفون أنني لم أذهب هذا الصباح؟..كيف سيفكرون؟!
سيوجه كلا منهم اللوم إلى نفسه..
أميمة ستنهار..ستظن أنني قد فعلت بنفسي شيئا بعد أن فشلت باجبار هذا الولد الذي سلمته نفسها و شرفي معها أن يصلح غلطته الشنيعة و ينقذ اسمي من العار..ستظن أن كلامي بالامس معها حول غشاء البكارة الصيني هو مجرد كلام أهون به عليها وعلى نفسي الانكسارة التي هشمت روح كلينا..
"كلنا يخطئ يوما ما يا ابنتي..الخطأ لازم في بعض الأحيان لكي نتعلم. ربما كان لابد لهذه الأزمة أن تمر بحياتك كي يولد ذلك الانسان الذي يجب أن تكونينه في حياتك"
تراني كنت صادقا و هل كانت تلك مشاعري حقا؟!
اذن ما كان من أمر تلك الدموع التي فاضت من مقلتي؟!
"حسن" أيضا سيلقي باللوم على نفسه..أعرف أنه يسهر الليالي و هو يفعل ذلك أيضا..منذ تخرج انطفأت في عيناه تلك اللمعة..انطفأ المرح في نبرته..هو ابني و أنا أعرفه!..شيئا ما انكسر فيه منذ أن تخرج و بات محسوبا على قوائم العاطلين..مع مرور السنوات لم تعد تجدي كلمات مثل ..حال البلد..و أزمة الجيل معه في مواساته..كم حملت صور أوراقه و درت بها دون أن يدري في محاولة لايجاد عمل له..هو ايضا فعل كثيرا دون أن يخبرني..كنت أعرف في تلك الايام التي أعود فيها إلى البيت فلا أجده..كان يقول لامه انه سيخرج مع أصدقاء له ..لكنني أعرف جيدا أن نزهات من هم في سنه تكون غالبا في الليل..أرى أقرانه يملأون الشوارع على الكباري و في المقاهي..
ألفت!..آه..سيرتفع السكر في دمها ..سيجن جنونها و ستصاب بالرعب..لم تعتد أبدا أن أغيب عن البيت دون أن تعرف مكاني..دائما في العمل أو في المقهى القريب من البيت..لا أذكر أنني فارقتها لمكان آخر من زواجنا..
تراها ظنتني ضقت بشراء الأدوية و فواتير الاطباء التي لا تنتهي؟!
تراها تلوم نفسها و تحسب انها السبب في اختفائي هذا الصباح؟!
يا الله؟!
ماذا يمكن أن يحدث لها؟!
ماذا يمكن أن يحدث لهم جميعا؟!
اقتحمتني أفكار مجنونة و احتمالات مأساوية..تسمرت قدمي حين مر بعيني شريط سينمائي يحوي احتمالات مأساوية؟
اجتاح العطش حلقي.. و ارتعد جسدي تحت وطأة العرق الذي صار مثلجا فجأة..امتدت يدي بحركة لا إرادية لأول "تاكسي" يمر..
عدت إلى البيت..طوال الطريق و قلبي يرتعد خوفا ورعبا ممزوج بالصور المجنونة..
فتحت الباب في نفس اللحظة التي خرجت فيها ألفت من حجرة النوم..لم يستيقظ أحد من الاولاد بعد على ما يبدو..توقفت عن فرك عينيها وهي تشملني بنظرة استغراب متوترة..لا بد أن مظهري المزري أرعبها..
- أين كنت؟!



#مصطفى_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آخر محادثة مكتوبة للسيد -جوبلز-!
- سطور الدم...-1-
- عالية!
- عشت و رأيت...-شامية-!
- هوراشيو بعد ثورتين!


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى يونس - قيود و أجنحة