أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى يونس - عالية!















المزيد.....

عالية!


مصطفى يونس

الحوار المتمدن-العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 05:30
المحور: الادب والفن
    


هذه الحكاية مما لم أشهده من تاريخ "عزبة العجمي" لكن جرى تداولها فيما جرت به الألسنة من تاريخ أهلها..
"عالية" فتاة باهرة الجمال، شقراء بعيون خضر وجسم فارع عدت بهذه المواصفات مميزة بين أهل العزبة وكانوا في أغلبهم من الفلاحين الذين نضجت سمرتهم على موقد الشمس وصارت "عالية" بجمالها وانتمائها لعائلة محترمة ومعروفة بين أهل العزبة حلما لشباب العزبة ومضرب الأمثال حتى كان يقال على الشيء "جميل كوجه عالية".
ذات يوم يتقدم "محمد الطوبجي" لخطبتها، وكان شابا وحيدا من عائلة متوسطة توفي أبواه و لم يتركا له شيئا سوى الدار التي يسكنها و أربعة من القراريط هي كل مصدر رزقه، وعلى عكس المتوقع توافق "عالية" وعائلتها على الشاب الفقير، ويصير وصفنا له بالفقر صادقا اذا ما علمنا بأن زمام ملك أقل اخوة "عالية" مالا هو خمسة من الفدادين.
تجتاح الفرحة "محمد الطوبجي" و يحاول قدر جهده إتمام الإسراع في إتمام الزيجة،فيجهز الدار و يشتري الذهب و الكسوة و يقترض بعض المال من الأصدقاء لأجل مصروفات زفاف يليق بالعروس. يتم الزواج على أكمل صورة و تتحاكى العزبة بليلة فرح "عالية" التي غنى فيها "صديق المنياوي" الصييت المشهور الذي أتى به أحد أخوة العروس ليحيي ليلة أخته كهدية للعروسين و كان مقدم "صديق المنياوي" ليحيي ليلة بـ "عزبة العجمي" حدثا قلما يجود به الزمان على عزبة جل أهلها من الفقراء والفلاحين وعمال التراحيل ويستحق أن يتاحكى به أهلها لسنوات.
تمضي الأيام بـ"عالية" في بيت "محمد الطوبجي" على أسعد حال، فقد تعلقت العروس بزوجها الطيب برغم ضيق عيشه نوعا اذا ما قورن بما كانت تعيشه في بيت عائلتها، لكنها لا تظهر تبرما ولا شكوى بل كانت مثلا لما يجب أن تكون عليه الزوجة المحبة وربة المنزل المدبرة غير أنه جرت العادة في دنيانا ألا يبقى شيء على حاله إلى الأبد.
يذبل الهناء على مهل في بيت"محمد الطوبجي" بعد أن تمضي الأعوام دون أن تنجب "عالية" وتسري الهمسات في العزبة و تتحول لشواهد ملموسة مع تيسر حال "محمد الطوبجي" بمساعدة أحد أشقاء زوجته وشراءه لقيراطين من أحد جيرانه لتتسع ملكيته و عودته ذات صباح من سوق الماشية ساحبا خلفه بقرة و حمارا، ها هو تيسر حاله، تراه يعيش بقية عمره دون أن يفكر في الولد؟
في الحقيقة أن "محمد الطوبجي" قد سعى خلف هذا الحلم كثيرا و ان كان ذلك في الخفاء وساعده في ذلك أشقاء زوجته ،فتارة يذهب بها إلى أطباء في البندر و تارة ينصحه البعض ببعض وصفات العطارين، لكن كل الشواهد كانت تشي بأن شيئا لن يتغير و أن "عالية" الجميلة هي شجرة لا ينتظر منها ثمر.
مع الوقت يسري الهمس ثم تتعالى الأصوات في العزبة و خصوصا بين أهل الزوج، فيستدعيه عمه ذات يوم..
- جعل الله منك فرعا وحيد من أصل أبيك، لو سقطت لسقط اسم أبيك إلى الأبد.
يتنهد "محمد" في شرود..
- لله الأمر من قبل و من بعد.
يهمس الرجل العجوز في أذنه..
- رخص الله لك أن تتزوج ، و الله يحب أن تؤتى رخصه.
- لزوجتي وعائلتها علي فضل و لست ممن يتنكرون للمعروف.
- لتكن سيدة البيت ولا تقصر في حقها و لكن أيضا لا يجب أن تقصر في حق نفسك أو حق ابيك في أن يستمر سلساله.
و في خفية يصطحب "محمد" عمه و يخطب له فتاة من أحد فروع العائلة في الأرياف البعيدة و يبدأ الاعداد للزواج بعيدا عن عيون "عالية" و أهلها ، و لكن شيئا لا يخفى لوقت طويل في العزبة الصغيرة.
ذات مساء يهمس "جمال" شقيق زوجه في أذنه..
- علمت بأمر عروسك الجديدة
يزدرد "محمد" ريقه في صعوبة و يغيض الدم في وجهه حرجا، فيبتسم "جمال"..
- لا أحد ينكر عليك حقك، ولكني فقط أنصحك فـ "عالية" أختي مثل الفريك.
و يستمر "محمد" في الاعداد للزواج في الوقت الذي في كان في ذهن المكتوب أن يهدم كل مخطط.
ذات صباح يعتري الاعياء "عالية" و تجري على بيت الأدب لتفرغ ما في جوفها. برغم تعبها تشعر بالسعادة و هي ترى في نفسها ما جرى ذكره بين النساء من علامات الحمل يظهر عليها، غير أنها تكذب حدثها و تتكتم الأمر ايثارا للسلامة من سخرية أهل زوجها و الناس لو كذبت الأيام ما تحسه، فتمر الشهور الأولى دون أن تحدث أحدا بما تحسه. حتى تأكد الأمر بتلك النبضات التي بدأت تشعر بها في أحشائها، فتبعث في تكتم في طلب "أم ميمون" الداية لتؤكد لها الأمر..
- حمدا لله أن ككل صبرك بالخير
تكاد تطير من الفرحة
- حقا! أنا حبلى
- هي حكمة الله أن يفرحك الله في مثل هذا اليوم.
تعقد "عالية" حاجبيها الجميلين..
- ماذا تقصدين؟!
ففي تلك الساعة كان قد انتشر في العزبة أم اقدام "محمد الطوبجي" على زواجه الجديد وأنه في طريقه لاصطحاب عروسه من بيت أهلها من الأرياف، وعلى عكس زواجه الأول كانت مراسم الزواج غاية في التواضع بل تكاد تكون سرية. و يعود "محمد الطوبجي" بعروسه إلى الدار ليجده خاليا. ذهبت "عالية" و بلا رجعة.
باءت كل محاولات "محمد الطوبجي" بمساعدة أشقاء زوجه عن اثنائها عن طلب الطلاق. بلغه أمر حملها فجن فرحا و سعى بكل جهده لارجاعها لعصمته حتى لو كان الثمن هو طلاق عروسه الجديدة و لكن دون فائدة. رفضت حتى أن يراها أو يطمئن عليها و على جنينه الذي حواه رحمها، ثم وافقت بعد ضغط شديد من العائلة على لقاءه..
- انقطع عيشي من رقبتك و لا فائدة ترجى من كل ما يمكن أن يقال.
صدمته تلك الصلابة في طبعها كيف غابت عنه مع كل تلك العشرة.
- كل شيء قابل للإصلاح و خصوصا أن في بطنك من له علينا حق أن يتربى بين أمه و أبيه.
- لن نكون أول و لا آخر من يحدث بينهما هذا و بينهم أطفال.
أصرت على عنادها فثارت ثورته و رفض الطلاق و صفعها مما أدى لتدخل العائلتين.حاول أن يتخدم ورقة النفقة والمتاع فتنازلت له عن كل شيء غير آبهة إلا بحصولها على حريتها، فلم يملك إلا أن ينزل على رغبتها على مضض. لكنه أبدا لم يكرهها، بل لعله ظل طوال حياته لا يتذكرها إلا و غص حلقه بالندم.
مر وقت قصير قبل أن تحصل "عالية" من أشقائها على نصيب ضئيل من ميراث والده و تشتري دارا صغيرة على أطراف العزبة.
- لن يولد ابني في دار أحد و لن ينفق أحدً سواي على تربيته
برغم ضغطهم و غضبهم من فكرة أن تعيش بمفردها في دار بعيدة لكنهم لم يملكون إلا الاظعان لرغبتها. و تلد "عالية" طفلها في دارها الجديدة و يصل الخبر لـ"محمود" فينتهز فرصة اصطحاب شقيقها "جمال" له ليزور طفله الوليد حاملا الهدايا ليعيد الكرة في طلب عودتها لعصمته و يقابل بالرفض.يزدرد مرارة الهزيمة و يسألها..
- هل أسميته؟
- وهل لأحد فيه أكثر مني حتى يسميه؟!
حروف كلماتها أسنة الرماح الموجهة لصدره لكنه يتلقاها جميعا و يلوذ بالصمت و عيناه ترسم علامات استفهام في انتظار أن تمن عليه باسم الوليد..
- عامر..اسمه عامر.
يشب "عامر" الصغير في كنف أمه. تكتفي بوجوده في حياتها رافضة عروضا عدة للزواج . ترفض أيضا أي مساعدة من زوجها السابق أو أي من أشقائها .تنفق على تربيته من قطعة أرض صغيرة استأجرتها من أحد أشقائها، تزرعها بالبرسيم والجرجير و تبيع محصولها في السوق كل أسبوع. يزورهما "محمد الطوبجي" على فترات متباعدة دائما في صحبة أحد أشقائها مراعاة لكلام الناس.
تمر الأيام و يشتد عود "عامر" فيصير شابا يافعا يحمل عبء زراعة الأرض و بيع المحصول. على علاقة حلوة بأبيه و أخوته من زوجة أبيه الريفية و لكن لا ألفة حقيقية. يزدرد "محمود الطوبجي" مرارة بعد ابنه البكري عنه ويكرر كلما أتت مناسبة..
- أول بختي. طيب ولكن براوي كما أمه "عالية".
لم يستطع نسيان حبه لها يوما و لا ندمه على التفريط فيها. في مرض موته يبعث في طلبها فتأتي لزيارته.تغير لونه و ذبلت ملامحه و صار جلدا على عظم.يطلب الانفراد بها و يهمس في أذنها.
- أشتهي من يديك طبخة ملوخية.
لا تتمالك نفسها عن الابتسام و تدمع عيناها لحاله.تعد له ما طلب ترفقا بمرضه فيأكل و ينام و تعود لبيتها و تسمع ولولة النساء آتية من بعيد فتشعر بحجر يضرب قلبها و تدرك أن أمر الله قد نفذ.
بعد سنوات تخطب لـ "عامر" "بركة" . فتاة من أسرة بسيطة لكنها تملك رأس مال لا بأس به من الأخلاق و السمعة الطيبة. والدها فراش بسيط بمكتب الري. يتذمر أشقائها لصغر سن الولد لكنهم سرعان ما يستجيبون لرغبتها و خصوصا بعد أن علموا بأنهم لن يتحملوا شيئا في مصاريف الزيجة.
يتزوج "عامر" من "بركة" بمساعدة مدخرات قليلة كانت أمه قد ادخرتها لهذا الغرض و يعيش العروسين مع "عالية" في دارها و تصير الحياة في بيت "عالية" على وقع هاديء لا يكسره نكد و لا فرح مبالغ فيه.
تحبل "بركة" من زوجها و يولد المولود بعد شهور فاقدا للحياة. يحزن "عامر" و لكن أمه بحكمة السنين توصيه بالصبر و الاحتساب. و تحبل "بركة" مرة أخرى ويتكرر الفشل فيتبرم "عامر" و يزداد قنوطا. خرج للدنيا كنبتة وحيدة و يريد أن يكون له في الأرض ذرية و جذور. لعل الله لا يريد له من "بركة" ذرية. انه فقير حقا ، لكن اذا لم يكن من ذلك بد، لماذا لا يتزوج مرة أخرى ؟!
تحذره أمه..
- كان سبب وحدتك فكرة كهذه خطرت في دماغ أبيك، فاصبر ان الله مع الصابرين.
يسبق القدر النويا و تروح"بركة" ضحية أحدى مرات حملها الفاشلة. ينزل المولد ميتا و تموت هي بحمى النفاس.
بعد فترة قصيرة و بمساعدة والدته يتزوج "عامر" من "بسيمة" بنت "مهني" .فلاح جاره. كانت قد جربت حظها في الزواج من قبل لأيام و توفي زوجها نتيجة طعام ملوث تناوله في وليمة أعدها له بعض صحبه احتفالا بعرسه. و يرزق "عامر" منها بأربعة أطفال يكبرون في رعاية أب حنون و جدة هي منبع للحنان و الشدة متضافرين دون أن تلعب أمهم في حياتهم دورا كبيرا. كانت طيبة، ضعيفة الشخصية، محدودة التفكير لذا لم يؤلمها كثيرا تعلق الأطفال بجدتهم.
تمر السنين و يدور الزمان بـ"عالية" دورته. يضعف بصرها و تخبو جذوة ذاكرتها .تنسى الأسماء ويختلط الماضي في ذهنها بالحاضر. تغيب بوعيها عن الدنيا إلا فيما ندر. وكثيرا ما يستيقظ أحفادها على صوت نحيبها الخائف من وهم إصابة وحيدها الطفل بالسخونة أو صوت صرير الباب و هي تفتحه تريد البحث عن "عامر"الصغير الذي تغيب عنها. يسألها ابنها فتنهار بكاء..
- "محمد الطوبجي" يريد أن يأخذ ابني . لن يربي ابني سواي
يسعى "عامر" بها على العيادات و المستشفيات بلا فائدة تذكر. يعتريه الحزن لحالها و يخاف من شبح موتها القريب و كثيرا ما تضبطه زوجه أو أحدا من أبنائه متلبسا بالبكاء تحت قدميها و هي نائمة كطفل صغير.
ذات صباح يذهب لعمله في الحقل و يذهب الصغار لمدارسهم ،فتتسلل "عالية" خارجة من الدار في ظل انشغال زوجة ابنها بإعداد الطعام. تسير على غير هدى حتى تبلغ شريط السكة الحديد ثم الطريق السريع. تصدمها سيارة مسرعة. يقول شهود الحادث بأن المرأة العجوز كانت فتسير في غير وعيها حتى أنها لم تشعر بانحسار الشال الذي كانت تضعه على رأسها و سقوطه على الأرض وتموت في المستشفى بعدها بساعات.






#مصطفى_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشت و رأيت...-شامية-!
- هوراشيو بعد ثورتين!


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى يونس - عالية!