شبه وطن

ريم ابو الفضل

الحوار المتمدن-العدد: 4455 - 2014 / 5 / 16 - 23:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

عندما قمنا بثورة منذ ثلاثة أعوام كنا نبحث عن وطن لأبنائه ، بعد أن صار السجن يضم الشرفاء والمدافعين عن الحق
عندما قمنا بثورة منذ ثلاثة أعوام كنا نبحث عن الحرية ، بعد أن صار الحلم هو المكان المتاح لخيالك لينعم بالحرية
عندما قمنا بثورة ،كنا نبحث عن عدل فى القضاء ، وعدل فى العيش ، وعدل فى التعليم ، بعد أن صار القضاء ظالماً ، والعيش موتاً ، والتعليم لا يمحو جهلاً

اعتقدنا أن هناك من حمى الثورة ..ولكنه كان يحمى جسد النظام بكل قيحه..

لم يع النظام معنى الوطن ..بل كان الوطن بالنسبة للنظام وليمة يقتسمها اللئام
واليوم.... فالجرائم الاقتصادية التى ارتكبها النظام قبل الثورة لا تقل خطورة وضررا عن الجرائم المدنية والسياسية الحالية ، وربما تفوقها ، ولكن لا يوجد اليوم لدينا معارضة
فالمعارضة إما فى السجون، أو فى القبور ، أو باعت ضمائرها بدراهم معدودة
اليوم كل مؤسسات الدولة فى انهيار، ومع ذلك تجد من يخرج علينا بأن الغد مشرق ، وسيكون أفضل!! ولا نعرف كيف واليوم ينبئ به ؟
أصبحنا فى حالة تشاحن وخصومة تصل للعداء ، بدلا من أن نتلاحم من أجل بناء الوطن
الكل يتعصب لأفكاره..فإما أن تشاركنى التعصب ، وإما أن تكون ضدى
مصر أصبحت ساحة للصراع وليس وطنا للتعايش...فالشعب أنهكته البطالة ، والظروف الاقتصادية الصعبة
العدالة الاجتماعية غائبة..والثورة لم تحقق انتصارا للفقراء
كل شيء لدينا مفقود..

ليس لدينا قضاء...
بل أصبح فى ظل العدالة الغائبة قضاءً وقدر يرضى به المظلوم محتسباً
فالمتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يقول أن المنظمة الأممية لا تزال تنتظر ردًا من السلطات المصرية بشأن حكم الإعدام الصادر بحق 528 من مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي فى حكمِ أصبحنا به أضحوكة العالم
وقد أعرب بان كي مون خلال لقاء بوزير الخارجية في بروكسل عن قلقه العميق إزاء الحكم كما عن فزعه من هذا القرار
كيف استطاع القاضى فحص كل أوراق المحكوم عليهم فى تلك المدة الوجيزة ، ورحم الله الإسكندر حين استفسر عن قلة الأحكام بالهند فقيل له " الحق من أنفسنا .. والعدل من ملوكنا"
وهانحن فقدنا العدل حين غاب الحق
ليس لدينا جيش...
فالجيش الذى يحمى أبناء الوطن صار يقتلهم فى مجازر تلو الأخرى والعجب أن نجد الناس ترقص على جثثهم بلا أدنى تقدير للدم الذى بات يروى تراب الوطن

ليس لدينا شرطة...
الشرطة أصبحت لخدمة النظام وللتنكيل بمعارضيه ..اليوم البلطجة ترتع فى الوطن ، وغياب الأمن قد أصبح دافعاً للمجرمين ، وقد أثبتت البحوث أن مصر تحتل المرتبة الثانية على العالم بعد أفغانستان فى التحرش الجنسى وذلك لانعدام الرادع ولتواجد التربة الفاسدة لاستشراء الإجرام

ليس لدينا تعليم.....
فأول حلول الأزمات هو تعطيل الدراسة حتى صار العام الدراسى أياما يقتص معها المنهج الدراسى ..ألا يكفينا تقرير التنافسية العالمية الذى أورد مصر فى المركز الأخير فى جودة التعليم الأساسى!!

ليس لدينا أزهر....
فانحسر دور الأزهر فى تلك الحرب الدائرة فى قدسه مع أبنائه من الطلاب ، بعد أن كان منارة الوسطية فى العالم كله ، وخروج شيخه فى تصريحات لا تتناسب مع القبة التى يجتمع تحتها طلاب العلم من كل العالم
ليس لدينا إعلام....
فالإعلام الموجه ليس إعلاماً..الإعلام الذى يعرض طرفاً واحدا من الحقيقة ليس محايداً... الإعلام الذى ينافق ليس حقيقياً

ليس لدينا مؤسسات...
فالفساد قد طالها جميعاُ وتقرير مصر فى الشفافية والنزاهة يتأخر سنة بعد أخرى فى ظل غياب الأجهزة الرقابية التى تحتاج لتعديل عاجل وشامل فى قوانينها الرقابية والمالية

ليس لدينا شعب..
فالشعب أصبح يقر المذابح ، ولا ينتفض لجرائم الشرف ، ويهلل لجبروت النظام وبغيه فى ادعاء بالقبضة التى تحكم وتضبط ، ويصنع إلهاً جديدا يخر له ساجداً..
ونسى أنه قام بثورة من أجل الحرية والكرامة والعدالة

الوطن ينهار بمؤسساته واقتصاده وأبنائه ، و تقرير تمكين التجارة العالمية 2014 الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمى يكشف أن مصر احتلت المرتبة 97 من إجمالى 138 دولة

نحن ليس لدينا قضاء ولا أزهر ولا إعلام ولا شرطة ولا جيش ولا صحافة.. إنما كل ذلك مجموعات من المنتفعين تقتسم خير الوطن .. وعلى مائدة المحسوبية والوساطة تُوضع خيرة المناصب ثم توزع على الأبناء والأقارب
اليوم بعد سنوات من الثورة التى خرج فيها أبناء الشعب من أجل محاولة صناعة وطن
مات الشرفاء من أجل أن يعيش الشعب فى وطن
لكننا لم نقم وطناً ..ولا نرغب فى الإقامة فى وطن
نحن شبه شعب ..لا يريد أن يصنع وطناً..لكنه ارتضى أن يعيش فى شبه وطن


ريم أبو الفضل
[email protected]

#ريم_ابو_الفضل (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل