أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - ماركيز: عزلة أمريكا اللاتينية وعزلتنا















المزيد.....

ماركيز: عزلة أمريكا اللاتينية وعزلتنا


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4439 - 2014 / 4 / 30 - 20:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



رحل غابرييل غارسيا ماركيز صاحب "مئة عام من العزلة" في عزلة مختارة قرّرها لنفسه، حين قضى سنواته الأخيرة في مدينة مكسيكو إلى أن توفّي عن 87 عاماً، وهو الحائز على جائزة نوبل للآداب العام ،1982 هكذا غاب "غابو" كما كان يسمّى مثل شعاع، وهو الرجل الذي شغل ملايين البشر الذين تذوقوا أدبه وفنه في السرد الروائي منذ أن ذاع صيته في أواخر الستينات .
قدّم لنا ماركيز، أمريكا اللاتينية بكل عوالمها المذهلة وحياتها الغنيّة، وأسرارها وعوائلها ونسائها وطغاتها، وجمالها ومفارقاتها وتناقضاتها، وكانت أقرب إلى اكتشاف فيه من الكنوز الخفية والتراث الدفين الشيء الراقي والعميق، من خلال رؤية واقعية جديدة تختلط بالخيال، لدرجة الاندغام، حيث كان يعرض الوقائع السياسية والحقائق اليومية ممزوجة بأساطير وميثولوجيات لا تخلو من نزوع ذاتي لحالات وجدانية ولمجتمعات عميقة الغور في التاريخ .
وقد كان لماركيز فضل تعريفنا بأمريكا اللاتينية، لاسيّما في لحظة مفصلية من تاريخها وتحوّلاتها، وذلك بكشف خواء الواقع في سردية تتسع لتداخل المكان والزمان، من خلال مخيّلة سحرية مضيئة . لم يكن يكتب ماركيز بالكلمة فحسب، بل كان يرسم بريشة فنان مبدع مستخدماً مزيجاً من الألوان وبفنظاريا شديدة الحساسية، ليلامس الواقع المعقّد، لاسيّما جوانب التطور الاجتماعي الاقتصادي لدول أمريكا اللاتينية في مواجهة سياسات التبعية الأمريكية، ولم يفعل ذلك كداعية أو مبشّر، بقدر ما حاول على نحو رمزي بالغ الرقي استخدام اللون كلغة والكلمة كلون للتعبير الفني عمّا يريد .
لقد تمكّن ماركيز من تحويل ما هو عادي إلى ما هو استثنائي، وبالعكس ما هو استثنائي إلى ما هو ممكن ويومي، بكل تفاصيله ووقائعه، لدرجة تماهت فيه الأسطورة بالواقعية، والحلم بالمعيش، والخيال بالحقيقة .
وقد ساهمت أعماله مثل "عاصفة الأوراق" و"ليس للجنرال من يكاتبه" و"وقائع موت معلن" و"الحب في زمن الكوليرا" و"خريف البطريك" في تعزيز روح التحدي لكسر سطوة الاستبداد، من جهة، وفي الدخول الى عمق الحياة الإنسانية بكل ما تخبأ من أسرار وخبايا وأوهام وأحلام من جهة أخرى .
وكانت روايته "مئة عام من العزلة" مزيجاً من الأحداث الخارقة لدرجة الاعجاز السردي الممتع والعميق والذي استحقت به جائزة نوبل، وفي الوقت نفسه فقد كانت أحداث الرواية ممهورة بتفاصيل حياة معاشة وحقائق يومية لبلدان القارة الأمريكية التي اشتعلت بالأحداث إثر نجاح الثورة الكوبية في 1/1/،1959 ارتبط ماركيز بزعيمها فيديل كاسترو بصداقة مديدة، وهو ما قال عنه إنه "مثقف كبير وإن صداقته معه هي صداقة فكر" . وظل خياره اشتراكيا، حتى وإن تعرّض للنقد، لكن منتقديه هم من قالوا عنه بعد رحيله إنه "صوت أمريكا اللاتينية" وهو ما جاءت عليه رئيسة المفوضية الأوروبية، على الرغم من ميوله اليسارية ودعوته الواضحة للعدالة الاجتماعية والوقوف ضد سياسات الهيمنة والاستعلاء بتوظيف وسيلته الابداعية للتعبير عن هموم الفقراء وآلامهم، بطريقة فنية إبداعية باهرة .
استلهم ماركيز رواياته من جدّته وذكريات الطفولة، حيث كان القص زاداً يومياً له، فقد كان يستمع إلى حكايات من التراث الشعبي ممزوجاً بالخرافات والأوهام، وحاول الاستفادة منها بتقديم شخصيات ووجوه تمثّل اعتدالاً واستقامة .
كنت قد تعرفت إلى أدب ماركيز من خلال صديقي المترجم عن الإسبانية صالح علماني والذي ترجم الكثير من روايات ماركيز، وأول كتاب قرأته له حينها (مطلع الثمانينات) "مئة عام من العزلة" . ولكنني تأثرت جداً بروايته "خريف البطريك" التي تخيّلت أنه كتبها خصيصاً لعالمنا العربي، وهي رواية أقرب إلى قصيدة نثرية طويلة، تشبه كتاب كارل ماركس "الثامن عشر من برومير- لويس بونابرت" الذي صدر في العام 1852 بعد ثورات العام 1948 وخلال وبُعيد الحرب الاهلية والصراع في فرنسا .
لقد كُتبت رواية خريف البطريك بموسيقية عاليج وبلغة شعرية جذّابة ومدهشة، وأجدها من أهم أعمال ماركيز، حتّى أنه كان يفضلها على أعماله الأخرى، وإن كانت جميع أعمال وكتابات الكاتب أبناءه .
يقول ماركيز في خريق البطريك: السلطة تعويض عن الحب، وبالطبع فإن هذا الأخير هو تعويض عن جميع الحرمانات وجميع العذابات، لأن الحب والتسلّط لا يتعايشان، والسلطة والحب يبدوان كنقيضين لا ينسجمان .
أتذكّر أنني اخترت عنواناً لمقالة في صحيفة "الحياة" بعد عودة الجنرال حسين كامل من عمّان إلى العراق، إثر استدراجه إلى حتفه يوم قتل بتلك الطريقة البدائية السمجة خارج القضاء، وكان العنوان "ليس للجنرال من يهاتفه مع الاعتذار لماركيز"، فقد كان الشغل الشاغل لحسين كامل إثر فراره من العراق في أغسطس/ آب العام 1996 وعودته إليها (فبراير/ شباط) ،1997 هو الهاتف، حيث كان يتصل بنحو عشرين شخصاً يومياً، ولساعات طويلة، ويقضي كلّ وقته في ذلك، ثم انقطع فجأة عند عودته المفاجئة، وهو ما دعاني لاختيار العنوان المذكور، وتلك قصة أخرى رويتها في مكان آخر وتستحق أن أستكمل جوانبها السسيولوجية والسايكولوجية .
آخر ما كتبه ماركيز "عشت لأروي" وهي عبارة عن مذكرات كُتبت على نحو امتزجت فيه الفانتازيا بالواقع، في إطار مدهش ومثير ونابض بالتخيّل والمفاجأة، فلا أنت تقرأ رواية ولا أنت تقرأ مذكرات، حيث اختلطت عجينة القص مع مواد الذاكرة المصحوبة بالخيال، لتنتج هذا الدفق الفياض والساحر لكل جملة من جمله وصورة من صوره الرائعة، المفعمة بألوانها الزاهية .
حتى أواخر الستينات لم يكن المثقفون العرب قد اطلعوا على أدب أمريكا اللاتينية، أو الأدب المكتوب بالإسبانية بما فيه الكفاية وإذا استثنينا رواية دون كيشوت لسرفانتس وأعمالاً أخرى، فإن ماركيز كان جسر الوصل مع العالم العربي الذي فتح أبواباً كثيرة أمامهم، مثلما فتحت الثورة الكوبية وتشي جيفارا تحديداً آفاقاً واسعة على عالمهم .
ويقول عنه الشاعر التشيلي بابلو نيرودا أن روايته "مئة عام من العزلة" هي أفضل ما كتب بالاسبانية بعد رواية دون كيشوت، فقد أحيا ماركيز اسم أمريكا اللاتينية ودفع بعزلتها إلى الخلف واضعاً كل جمالها وفتنتها وبؤسها وشقائها أمام القرّاء على نحو أقرب إلى الخيال .
جدير بالذكر أن ماركيز الذي ترجمت معظم أعماله للعربية، كان عربي الهوى، فقد ناصر القضية الفلسطينية ودعم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وأيّد حقوق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير ووقف ضد عدوان "إسرائيل" المتكرر، مثلما وقف ضد الحصار الأمريكي المفروض على الشعب العراقي ولاحقاً أدان غزوه واحتلاله .
إذا كان ماركيز قد تمكّن من كسر بنية الواقع "الزمكاني" بخياله السحري وسرديته الأثيرة، فذلك يعود إلى مزجه الأجناس الفنية المختلفة، حيث قدّر له دراسة الموسيقى والأدب الأوروبي والقانون وعمل في حقل السينما، إضافة إلى الكتابة الصحفية، ومثل هذا التنوّع أعطاه ثراءً وعمقاً استطاع خلالها وبفعل عالميته على تبديد عزلة أمريكا اللاتينية، تلك العزلة التي لا زلنا نعيشها لأسباب مختلفة، ولعلّ في بعض تداعياتها هي أننا لم نستطع أن ندعو روائياً كبيراً ناصر قضايانا ليحلّ ضيفاً كريماً على وطننا العربي، لنحتفي به ونعزّز العلاقة معه، كرمز عالمي وصديق للعرب، ومن خلاله مع مثقفي أمريكا اللاتينية، وقد يبادر اليوم مجلس العلاقات العربية مع أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بهذه المناسبة، لتكريم ماركيز كرمز للثقافة الكونية، واعتزازاً بمواقفه من القضايا العربية، وإن لم يكن قد حدث في حياته، فحتى بعد رحيله سيكون الأمر ممكناً بما يصب في تعزيز القيم الإنسانية المشتركة التي تجمع العرب بأمريكا اللاتينية، خصوصاً الإخلاص للثقافة والجمال والحق .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تراجيديا اختفاء المطرانين اليازجي وإبراهيم
- زمن الانتخابات!
- هيروشيما: الألم والجمال!
- - حالة حقوق الإنسان لا تسرّ أحداً-
- ديون العالم الثالث!!
- المصالحة الوطنية وتجربة إيرلندا
- مفارقات فنزويلا!
- أوباما – بوتين.. دبلوماسية القوة وقوة الدبلوماسية
- تونس: صراع ما بعد الاستعصاء
- الدستور والدستورية في الفقه العربي الحديث- استعادة مستقبلية! ...
- خليج ما بعد الأزمة
- ليس للحب من وطن!
- عندما تفقد روسيا أوكرانيا فإنها تفقد عقلها
- واشنطن والأمن الإنساني
- السلفادور وثورة صندوق الإقتراع
- المفكّر وحيداً .. لكنه جامع!
- جولات كيري المكوكية وحق تقرير المصير
- الهوتو والتوتسي ورسائل العدالة !
- مدينة تتعدّى المكان وتتجاوز الزمان
- من أوراق الجنادرية


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - ماركيز: عزلة أمريكا اللاتينية وعزلتنا