أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - ساد ستوكهولم النص الكامل نسخة مزيدة ومنقحة















المزيد.....



ساد ستوكهولم النص الكامل نسخة مزيدة ومنقحة


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4436 - 2014 / 4 / 27 - 10:53
المحور: الادب والفن
    


الأعمال الكاملة
الأعمال الروائية (28)


د. أفنان القاسم



ساد ستوكهولم
LE SADE DE STOCKHOLM




رواية















































إلى توماس ترانسترومر






































القسم الأول
جوستين


لم تكن جوستين تريد البكاء على حالها، وهي على أي حال لم تعد تستطيع البكاء بعد أن ذرفت كل دموعها. كانت جوستين تريد أن تقول شيئًا آخر عن جسدها، شيئًا آخر لا علاقة له بالعفة، شيئًا آخر، شيئًا لم يكن أحد يعرفه، حتى هي لم تكن تعرفه، ثم عرفته، عرفته بالصدفة. لم تكن جوستين تعرف ما هو، ولم تكن الأجساد التي امتلكتها تعرف ما هو. كانت جوستين بالنسبة لكل الأجساد التي عانقتها موضوعًا للمتعة، شيئًا يرغب المرء فيه، يستهلكه دون أن يسأل عما يكون، ثم يلقيه. كانت جوستين ما لم تكنه، كانت فكرتها قبل أن تكون فكرة ساد. جوستين. فقط. لهذا، كل ما كابدته من آلام لم تكن آلامها، كانت آلام الماركيز، فكل الآلام التي ألحقها بجوستين كان يلحقها بنفسه دون أن تقبل نفسه، وكان يتلذذ بذلك، بينما آلام جوستين، آلامها هي، آلامها الحقيقية، لم يكن ساد يعرفها. غابت عنه، آلامها، لأن كل تعاسات جوستين لم تكن تعاساتها، كانت تعاساته. كانت لجوستين تعاسة واحدة، واحدة فقط، لم يكن ساد يعرفها، ولم يكن ليعرفها. لم تكن تعاسة من تعاسات العفة، ولكن تعاسة من تعاسات الحياة. الاغتصاب أقل منها. أنياب الكلاب. سنابك الخنازير. مخالب الكواسر. الكيّ. الأسر. الفصد. الخداع. الاتهام. العذاب. لن أمتلكك برضاك، فسعادات الحياة ستظل عنك غريبة، ولن تجدي طريقًا أخرى في الغابة غير تلك الذاهبة إلى سعاري. كل جسدك ساحة قتالي، أخترقك كما أشاء ومتى أرغب، كالرمح أدخل فيك، فتصرخين من الألم، وأصرخ من اللذة. الحيوان الذي في جنبيّ أقل شراسةً مني، والمجرم الذي في يديّ أقل ذنبًا مني، والمقصلة التي في ساقيّ أقل دمويةً مني. سأميت الحياة على فرجك لأقوم، وأنفث الموت على ثديك لأكون، وأخنق الصنوبر على كِفلك لأدوم.

قلبت كاتارينا فريدن، العضو في هيئة تحكيم جائزة نوبل للآداب، رواية "جوستين أو التعاسة المنسية" للكاتب الفرنسي ألبير رامو، قلبتها على وجهها، وهي في سريرها، وتركت نفسها يتيه بها الخيال. الجواد يشرد. انظري في عينيّ عندما أكلمك، كانت أمها توجب، لا تصرفي نظرك عني، وكانت تضغط وجنتيها بين يديها. هكذا، انظري في عينيّ. هل تريدينني أن أفقأهما لك؟ ما أسهل أن أفقأهما لك! ككلبة كوني لأمك، كحذاء، كحلم أسود، فأنت حلمي الأسود يا بيضائي، طالما بقيتِ على ما أنت عليه. هذا لا شيء. التركيز يذهب ويأتي كالموج. كل شيء يتوقف عليك، إذا ما أردت. هذا لا شأن له بإرادتي عليك. أنت أعلم الناس كيف. لا أحد يعرفك أكثر منك. أنا أمك، رَبَّتُك، بأمري تكون حياتك، ومع ذلك أنا لا أعرفك أكثر منك. أنت تعرفين نفسك، وكل شيء عنك. كبحارة ستوكهولم الذين يعرفون البحر، وكل شيء عنه، أعاصيره. لنقل أعرفك بالقدر الذي تعرفين فيه نفسك، بدوني أنت لا تحسنين التصرف، وبدونك أنت لا تفلحين. عليك أن تفلحي. أنا لا أريد ابنة لا تفلح. أريد ابنة تفلح في كل شيء، تفلح في حياتها، وتقضي على كل تعاساتها. وبشيء من الوثوب العاطفي، كانت الأم تريد أن تأخذها بين ذراعيها، فتدفعها كاتارينا فريدن عنها بعيدًا، وتأخذ بالتوسل، ثم تأخذ بالبكاء. الجواد يشرد.

لم تكن جوستين تعرف شيئًا عن جسدها، كل ما كانت تعرف أن لها فخذين جميلتين، يقبّلهما بحب قوي كل من لا يحبها، كل من لا يعرفها، كل إله، كل رجل، كل امراة، كل حيوان، حتى الصخر، لو دب فيه دبيب الحياة، حتى الشجر، حتى الريح، حتى الموتى، حتى الموتى كانوا يخرجون من قبورهم على منظر فخذي جوستين المقدودتين من السعير ليقبّلوهما بحب قوي، حتى الأبطال، حتى الأشرار، حتى الأنبياء، حتى الشعراء، حتى المشردون والمغدورون والمسعورون، حتى المتدينون، حتى النبلاء، حتى الوزراء، حتى الملوك، حتى الصعاليك والمجانين والملاعين، كان الكل يقبّل فخذي جوستين بحب قوي، دون أن يعرفها، ودون أن يحبها. وكان الكل يقبّل بطنها، وينادي على موته، وكان الكل يقبّل ثدييها، ويحتفل بجنازته، يتناول حلمتيها الواحدة تلو الأخرى، ويعضهما، كان يعضهما، وكأنه يعض روحه، ويسعى إلى الانتقام لكل الذنوب التي ارتكبها في حياته، الانتقام منها، والتطهر بها، التطهر منها. كان يعض، ويكاد يغمى عليه، فينسى لماذا يعض. كان يعض، كان يعض، لأنه كان يسعده أن يعض، وهو لو تمكن من قطع الحلمة بأسنانه لما تردد لحظة واحدة، وكانت الحلمة تلين، وهي كالجمر، كانت تلين، فترق، ويترقرق الجمر ليفتك بهذا الوجود الصغير الذي هو الجسد قبل أن يفتك بذاك الوجود الكبير الذي هو الكون. ثم كانت مراسم الإنهاء تبدأ بالتقام شفتي جوستين، بالتقام شفتيها المشتعلتين بالعشق، ولم يكن الفظيع الذي يأخذهما بعشقٍ قوي بين أنيابه عاشقًا، كان في تلك اللحظة مسألته أمام قُبلة، قُبلة ليست كغيرها من القبلات، ليُضْعِفَ ذاته، وهو يرفع فخذي جوستين حتى عروش الآلهة، ليخنق ذاته، ويغدو جرذًا أو مجرمًا. سأكويك برغبتي، فأتنشق عطر اللذة. الحديد أحمر، للنار التي تلتهب تحت جلدي. من ناري الحديدُ وردٌ يحرقُ جسدَكِ البارد. فستانُكِ الثلج. فستانُكِ الرماد. الثلجُ رماد. الرمادُ ثلج. الرمادُ ابتزاز. الجليدُ جسدُكِ. ثديُكِ، عنقُكِ، فمُكِ.

وبدافع نادر، رفعت كريستينا سفينسون، العضو في هيئة تحكيم جائزة نوبل للآداب، أصابعها إلى ثديها، فعنقها، ففمها. دافع لا يقاوم. كان زوجها ينام إلى جانبها. أيام زمان، كانت كل صديقاتها يعدون من وراء ميولهن ما عداها. لم يكنّ كجوستين، لما يخترن النوم مع واحد بدافع الحب، لما يقبلن بوضعٍ لا يعتدي على الحُلم، لما يرغبن في الغريب من الهوى في أي مكان ينأى بعيدًا عن الرعب. وكنّ كجوستين، لما يُرغمن على النوم مع واحد تحت القبة الزرقاء، لما يُكرهن على وضعٍ في الفراش، لما يدفعهن شاربو الجعة إلى حملهن على ظهورهن في بيوت المياه. وعلى عكسهن، كانت كريستينا سفينسون كئيبة ومنحرفة المِزاج وجليدية كأضواء ستوكهولم في نهارات الشتاء. حتى الأضواء جليدية في شتاء ستوكهولم. رمادية كنفسها. خلية البال. لا تبالي بمصيرها. الكلاب تبالي بمصيرها. لما تنبح، لما تنهش، لما تمزق. أنتن كلكن مومسات، بصقت ذات يوم في وجوه رفيقاتها، وهن يكتمن بأياديهن صيحة الاحتجاج. ركضت بعد ذلك إلى حجرتها في الحي الجامعي، أقفلت عليها الباب بالمفتاح، وأخذت بالبكاء. وطوع اندفاع متعذر كبحه، توقفت عن البكاء فجأة، وذهبت إلى الحمام. خلعت ثيابها، ونظرت إلى جسدها عارية. نظرت إلى جسد الأخرى في المرآة. ابتسمت الأخرى، وهي ظلت عابسة. رفعت أصابعها إلى ثديها، فعنقها، ففمها، وعادت إلى البكاء، بينما تداوم الأخرى التي في المرآة على الابتسام المدعي الشجاعة. صفعتها، وفي الواقع صفعت نفسها. رأت في نفسها ستوكهولم تنهار. خرجت الأحصنة من أبدان التماثيل، فامتطت أحدها، وراحت بسوطها تضرب الحصان، والحصان يصهل، ويعدو في كل الأنحاء. كان التلذذ يصل بها إلى أقصاه. دافع لا يقاوم.

لم تكن جوستين في البداية تعرف لماذا كان ثديها الأيسر مشرئبًا إلى أعلى قليلاً أكثر من ثديها الأيمن، كان كل من رأى ثدييها يلاحظ ذلك، ويعزوه إلى ميزة جمالهما. الثدي الأيسر ثدي الحب، ولأنه ثدي الحب، كان يشرئب إلى أعلى قليلاً أكثر. بعضهم قال لغروره، وبعضهم قال لفخره، وبعضهم قال لتحديه. كان ثدي جوستين الأيسر يشرئب إلى أعلى بجمال يفوق كل جمال، وفي ظله كان ثديها الأيمن ينام أو يلعب أو يشدو، فيذكّر بشدو جنيات البحر. لهذا كان المرء يرغب في تمزيقه بين أسنانه، ورفع الآخر إلى أعالي السماء. كان الثدي الأيسر يُرهب كل تلك الأفواه التي عضت الثدي الأيمن، واجتاحته، فيكون عند ذلك الخضوع لأمره، الموت على حافة حلمته، ثم الانتهاء المجرم، ولكن اللذيذ الدموية، كألذ شيء في الوجود، اللذيذ المعصية، اللذيذ الفسق، اللذيذ التعبد، تعبد الصنم المشرئب بعنقه إلى أعلى قليلاً أكثر باحتقارٍ لكل عابديه، بازدراءٍ اختياليّ، بتلذذٍ إلهيّ، فللآلهة تلذذها الجنسيّ، تمامًا مثلنا، وارتقاؤها الجنسيّ، تمامًا مثلنا، ارتقاؤها في أجسادنا، كأنها أجسادنا، في اللحظة التي نتساقط فيها من حافة ثدي مشرئب إلى أعلى قليلاً أكثر كثدي جوستين الأيسر. في الهاوية. نتساقط في الهاوية. كالأزمان. كالبَرَم بالحياة. كالاحتفال بالإخضاع. كل جسد جوستين يَخضع لكل ما في العقول من لوث، وعلى العكس، كل ما في ثديها الأيسر من لوث يُخضع العقول. يرفع في قبضته السوط الجبار، ويسقط به على الظهور، فتصرخ الأفواه، وتتوسل، وثدي جوستين الأيسر يتلذذ. يعض بأسنانه، يمزق بمخالبه، يدخل بقضيبه، محطمًا الأبواب، مقتحمًا الأسرة، موقّعًا بينه وبين باقي الأجساد عقد الهلاك حرقًا.

هوراس ألفريدسون، العضو في هيئة تحكيم جائزة نوبل للآداب، نظر إلى لهب المدفأة، وهو في روبه الصوفي، تحت مصباح أصفر الضوء لم يكن شديدًا، فرأى ثدي جوستين الأيسر المشرئب إلى أعلى قليلاً أكثر. نهض بسرعة، ورشق اللهب بالماء، فامتلأ الصالون برائحة الحطب المنطفئ. عزيزي، هل تشم شيئًا محترقًا؟ صاحت زوجه من حجرة النوم. لكنه لم يجبها، كان سعيدًا، كان يقطر سعادة، لأنه أنقذ ثدي جوستين الأيسر المشرئب إلى أعلى قليلاً أكثر، لأنه وقى المعصية اللذيذة والفسق اللذيذ والتعبد اللذيذ. عزيزي، هناك شيء يحترق! كان ثدي جوستين الأيسر المشرئب إلى أعلى قليلاً أكثر دينه، مثله الأعلى، شيئًا غامضًا كثدي أمه. هناك شيء يحترق! وماذا يهمه لو يحترق العالم بعد أن أنقذ ثدي جوستين الأيسر المشرئب إلى أعلى قليلاً أكثر؟ كان الثدي رأسه، فوضع رأسه بين يديه، وكان الثدي صدره، فجمع ذراعيه من حوله، وكان الثدي ساقيه، فشدهما بقوة، وكان الثدي قدميه، فأمسكهما بيديه، وكأنه يمسك بنظام كامل من الأفكار. كان الثدي أفكاره، كل أفكاره التي صنعته، وجعلت منه فيلسوفًا كبيرًا. كان الثدي هي، زوجه، كان الثدي ثديها، فصاح من مكانه: إنها المدفأة التي أطفأتها، لا شيء يحترق. هناك شيء يحترق!

لم تكن جوستين تعلم أن ثديها الأيسر يشرئب إلى أعلى قليلاً أكثر لأنه يرفض أن يكون ثقيلاً بالسرطان الذي فيه، كان ثديها يقاوم المرض الرهيب، فيشمخ برأسه عاليًا، ويبدو أجمل ثدي في الكون. لم يكن ساد يعرف هذا، كان يقع فريسة الظاهر، ككل عشاق جوستين. المرئيّ، كان طبيعيًا أكثر من اللازم، وكان ساد بسبب ذلك مخدوعًا بجمال ثدي لم يكن في حقيقته جميلاً، كان في حقيقته مريضًا. كان ساد ينظر إلى ثديه، فيرى ثدي جوستين، ثديًا أملس، لا شيء يُلمس فيه، ثدي رجل يمكن أن يكون مدورًا كثدي جوستين، كثدي أبيه في الواقع، كثدي لا علاقة له بالواقع، ثدي مريض، جميل لأنه مريض، مُرَوِّع لأنه مسالم، مدمر لأنه لا يفقه لغة أخرى غير عض الروح والفتك بالوجود. بشفتيه المخدرتين بالأعراض عرف الطبيب الوغد لماذا ثدي جوستين الأيسر المشرئب إلى أعلى قليلاً أكثر مشرئبٌ إلى أعلى قليلاً أكثر، عض الدرنات، وعلكها، لكنه لم يقل لجوستين إلا بعد أن أخرس العواصف البهيمية في جسده، بعد أن جعل من الثدي المريض مرضه، فأدخله عقله، وجعله يجتاح كِيانه، ويبدله إلى كِيانات صغيرة، سرطانية، شيطانية، لا نهاية لها. كيانات لامرئية. كالأفكار. الأفكار المذلة. تلك التي تجعل من أثدائنا شيئًا آخر يدفعنا إلى فعل ما لا نقدر عليه، ما لا نريده، كالانتقام من أجسادنا أو أجساد غيرنا، الانتقام من موت أجسادنا أو موت أجساد غيرنا، الانتقام، الابتسام، القهقهة.

نهض بيتر أكرفيلدت، العضو في هيئة تحكيم جائزة نوبل للآداب، وسار من وراء مكتبه حتى النافذة. رفع الستارة، وبحث بعينيه عن ثدي جوستين اللامرئي، فرأى أحدهم. كان يقف تحت ضوء مصباح العامود بقميصه النصف الكم، وهو يصفق، ويقفز، وينفخ في يديه من شدة البرد، لما فجأة سقط الرجل على الأرض، وبقي في مكانه دون حراك. لقد أنجز انتقامه. نظر بيتر أكرفيلدت إليه بلامبالاة مطلقة، كمن ينظر إلى جبل جليدي عائم. سمع صهيل جواد، فرفع يده، ولم ينزلها. أبوك في مرحلته النهائية، أعلن الطبيب. ابتسم بيتر أكرفيلدت. الموت ثدي يصهل. كم بقي له من الوقت؟ سأل بيتر أكرفيلدت. عدة أسابيع، أجاب الطبيب. اتسعت ابتسامة العضو في هيئة تحكيم جائزة نوبل للآداب. عدة أسابيع، همهم بيتر أكرفيلدت. عدة أسابيع، أعاد الطبيب. ابتسم بيتر أكرفيلدت أكثر ما يكون الابتسام. عدة أسابيع، ردد. أسبوعان، ثلاثة، أربعة، قال الطبيب. أسبوعان، ثلاثة، أربعة، أعاد بيتر أكرفيلدت دون أن يمنع نفسه عن القهقهة. الموت ثدي يصهل.

لم تكن جوستين تدري ما تفعل، اقطعيه، اقترح الطبيب الوغد. أقطعه، قالت جوستين. إنه الحل الوحيد، قال الطبيب الوغد. إنه الحل الوحيد، أعادت جوستين. كان ثديها كل حياتها. الجبار أكثر من كل الجبارين. الحل الوحيد. كيف ستحيا جوستين دون ثديها؟ كيف ستستقبل كل هؤلاء الذئاب بثدي واحد؟ هل سيقبلونها دون ثديها المتشامخ المتعاظم المتعالي المذل المهين المدين المسترق المستخرئ المستنيك؟ هل يبقى للإذلال معنى؟ ولإراقة العمر على حافة حلمة هل تكون قيمة؟ كانت كل تعاسات العفة لا شيء مقابل تعاسة جسد مقطوع الثدي، مأساة ثدي يُلقى في القمامة، تتصارع عليه القطط والكلاب، تبكي عليه الآلهة، يظلم القمر من أجله، والليل يظل أبيض دامسًا. ثدي لن يتذكره أحد، لن يقلق عليه أحد، لن يبالي به أحد، وسيبقى الحب يطرق الأبواب بعيدًا عنه. كان ثدي جوستين مسألة من مسائل فرنسا الكبرى دون أن يكون، لأنه كان ثديها وفي الوقت ذاته ثدي لويس السادس عشر. قصله كان يعني قصل آخر ملوك فرنسا، وإعلان الحداد في فرساي قبل وفاته. كان يعني الثورة قبل أن تقع، فالثورة لن تقع إلا بقصله، بقطعه، وفرنسا لن تتحرر من تعاساتها إلا بإزالة تعاسة جوستين في ثديها. كيف ستفعل جوستين؟ كان عليها أن تنادي. أن تجد من يسمعها. من يفهمها. من يدلل ثديها العاتي، ويهب من أجله ثديه. مراكب ستوكهولم. كان ثدي جوستين ميناء ستوكهولم.

يا رالف! سمع رالف ليندغرن، العضو في هيئة تحكيم جائزة نوبل للآداب، أصواتًا تناديه. يا رالف! يا رالف! فجأة نهض، وذهب من الصالون إلى غرفة نومه، كانت زوجه تنام نومًا عميقًا. يا رالف! يا رالف! يا رالف! عجل الذهاب إلى غرفة ابنتيه حورية ومارغريتا، كانتا تنامان نومًا عميقًا، إلى غرفة ابنه هاكان، كان ينام نومًا عميقًا. نظر إلى الجدار. الجدار يحجب عنه مراكب ستوكهولم. إذن هم الجيران. دق على الجيران الباب، ففتحت امرأة عجوز ميتة من النعاس. قال لها ماذا؟ جمجمت العجوز ماذا ماذا؟ تركها وعاد يدخل بيته. يا رالف! يا رالف! يا رالف! نظر إلى كتاب ألبير رامو، وجاء يحمله، ويتكلم مع جوستين. هل هذه أنت، يا جوستين؟ سأل رالف ليندغرن. هذه أنا، يا رالف، أجابت جوستين. هل تريدين أن آخذك إلى المستشفى؟ سأل رالف ليندغرن. لماذا؟ سألت جوستين. تقولين لماذا؟ سأل رالف ليندغرن. أقول لماذا، أجابت جوستين. لأجل ثديك، قال رالف ليندغرن. لأجل ثديي، قالت جوستين. لأجل ثديك، أعاد رالف ليندغرن. لأجل ثديي، أعادت جوستين. ثديك يجب قطعه، همهم رالف لندغرن. ثديي يجب قطعه، همهمت جوستين. سنحتفظ به في قارورة، أوضح رالف لندغرن، لن نلقيه في المخرآت، وسأحبك دومًا، بثدي أم بدون ثدي، سأحبك دومًا. ستحبني دومًا، همهمت جوستين، ودمعة تسيل على خدها. سأحبك دومًا، عاد رالف لندغرن إلى القول، كما يحب المجانين الآلهة. ستحبني دومًا، عادت جوستين إلى الهمهمة، وهي لا تتوقف عن البكاء. لا تبكي، يا جوستين، طلب رالف لندغرن، اذهبي إلى النوم، وسنتحدث في الأمر غدًا. هل تسمعينني؟ اذهبي إلى النوم، وسنتحدث في الأمر غدًا. أذهب إلى النوم، وسنتحدث في الأمر غدًا، قالت جوستين. اذهبي إلى النوم، عاد رالف لندغرن إلى القول. أذهب إلى النوم، عادت جوستين إلى القول. لن أقفل عليك الباب، قال العضو في هيئة تحكيم جائزة نوبل للآداب. لن تقفل عليّ الباب، قالت بطلة ساد. تصبحين على خير، يا جوستين، قال رالف ليندغرن. تصبح على خير، يا رالف، قالت جوستين. وضع الكتاب على مكتبه مفتوحًا، وأطفأ الضوء. الجدار يحجب عنه مراكب ستوكهولم.

حملت جوستين السكين، وإلى شفرته أدنت حلمة ثديها الأيسر المشرئب إلى أعلى قليلاً أكثر، حلمة مدورة كحبة الكرز الأحمر، ملأى بكل العض والقبل، وبكل ما يلتصق بجسدها. كان كل ما يلتصق بجسدها معلقًا على حلمتها، كل الأجساد التي سقطت عليها، كل الأدوات التي اخترقتها، كل الهلوسات التي لوثتها، كانت كلها معلقة على حلمتها، وكل الطرق التي قطعتها، وكل الأديرة التي خدعتها، وكل القصور التي اتهمتها. كانت معلقة على حلمتها كل السرقات التي لم تقدم عليها، وكل الحرائق التي لم تشعلها، وكل الجرائم التي لم ترتكبها. وكانت معلقة على حلمتها كل النجوم، وكل الأقمار، وكل المُذَنَّبات، على حلمتها، معلقة على حلمتها، وكانت حلمتها كل جوستين، كانت حلمتها كل أحلام جوستين، وكل آمال جوستين، وخاصة كل خيبات جوستين، كل خيبات العالم، فخيبات جوستين كانت خيبات العالم. وكانت معلقة على حلمتها كل المناقير، المقطوعة، وكل المخالب، المبتورة، وكل الأسنان، المقلوعة، وكل النبال، وكل الرماح، وكل السهام، سهام الحب أول السهام. كانت حلمة جوستين العالم معلقًا، العالم بكل ما فيه من أشرار، فلا أشراف في العالم الذي عرفته جوستين، بكل ما فيه من أخساء، وبكل ما فيه من أنذال. هذا العالم الذي كان لجوستين، أرادت أن تحزه، فهو سرطانها، أرادت أن تحزه، فتنقذ نفسها مما هي فيه. وراحت تحزه، راحت تحز حلمتها، والدم يتفجر من بين أصابعها، وهي تصرخ. كانت تصرخ، وكانت تداوم على حزها، والدم يتفجر من بين أصابعها، تحزها، وتصرخ، وتنادي، كانت تنادي شخصًا لم تعرفه أبدًا في حياتها، لم يكن أبدًا موجودًا، وجوستين لهذا كانت تناديه، وهي تحز حلمتها، وهي تداوم على الصراخ، وهي تنادي، وهي تنادي، وهي تنادي الشخص الغير الموجود، والدم يتفجر من بين أصابعها، والدم يغرقها، يغرق العالم، يغرق الوجود.


القسم الثاني
كاتارينا فريدن (1)

كان الصيف في ستوكهولم، هذا يعني أن الشمس كثيرة، ثماني عشرة ساعة شمس، الشمس كثيفة، الشمس جدائلها طويلة. كانت كاتارينا فريدن تحب الصيف ولا تحب الشمس. لماذا لا تمطر في الصيف؟ كانت تتساءل. كانت لا تحب المطر، ولكن لأن الغيوم كانت تحجب الشمس، وهي كانت لا تحب الشمس. لماذا لا يبتلع بحر البلطيق كل هذه الشمس؟ كانت تضحك على الفكرة، فالشمس ليست حوتًا. كانت الشمس أكبر من كل السويد، أكبر من كل أوروبا، أكبر من كل الكون، وكان بحر البلطيق أصغر من الشمس، وبحيرة مالار أصغر من بحر البلطيق. وكل هذه الجزر الصغيرة التي ترتبط فيما بينها بالقناطر، بعشرات القناطر، بمئات القناطر، بآلاف القناطر، كل هذه القنوات، كل هذه الأزقة، كل هذه الحارات لبندقية الشمال، كل هذه السلالم الخشبية لغاملا ستان، المدينة القديمة. كانت كاتارينا فريدن تحب السلالم الخشبية، ولا تحب القناطر، ولا القنوات، وكانت تكره السكن في غاملا ستان، لكنها لم تفكر أبدًا في تركها. كان يربطها كل شيء بها في غاملا ستان، وُلدت فيها، وكبرت فيها، وكانت تكره العيش في غاملا ستان. كانت تكره على الخصوص ألوان جدران بناياتها البرتقالية والصفراء، لم يكن الأصفر لونها، ولا البرتقالي، لونان للشمس التي كانت تكرهها. وهي تسير في شوارع غاملا ستان، كانت في خوف دائم من سقوط بناياتها القديمة عليها. بنايات تلتصق ببعضها، وكأنها تسعى إلى تدفئة بعضها في شتاءات ستوكهولم الباردة، الجحيمية ثلجًا وجليدًا، فالجحيم في ستوكهولم كان ثلجًا وجليدًا.
- أليس الجحيم في ستوكهولم ثلجًا وجليدًا؟ كانت كاتارينا فريدن تسأل أمها.
- ها أنت تعودين إلى عدم التركيز، يا كاتارينا، كانت الأم تقمعها.
- أسألك فقط إذا ما كان الجحيم في ستوكهولم ثلجًا وجليدًا.
- وأنا أقول لك ليس هذا سؤالاً يسأل.
- أسألك فقط إذا ما كان...
- ليس هذا سؤالاً يسأل، يا كاتارينا.
- أسألك فقط إذا ما كان...
- ليس هذا سؤالاً يسأل، ليس هذا سؤالاً يسأل، يا كاتارينا.
وكانت الأم تطرق الباب خارجة، فتذهب كاتارينا لترى زوج أمها المستلقي بكل ثيابه على السرير. كانت تبكي على صدره، وتقول له بين لهاثها ودمعها إن أمها لا تريد الإجابة على سؤالها.
- ما هو سؤالك، يا كاتارينا؟
- لم أعد أذكر، يا رابّي.
- لم تعودي تذكرين؟
- بلى، أنا أذكر.
- تذكرين ماذا؟
- أنا لا أذكر.
- ركزي قليلاً، يا كاتارينا.
- وماذا أنا بفاعلة؟ أنا أركز، يا رابّي.
- إذن ما هو سؤالك، يا كاتارينا؟
- سؤالي...
- ما هو سؤالك، يا كاتارينا؟
- سؤالي... سؤالي...
- لا بأس، يا كاتارينا، عندما تتذكرين سؤالك ستقولينه لي.
- تذكرت، يا رابّي.
- إذن ما هو سؤالك، يا كاتارينا؟
- سؤالي... سؤالي... سؤالي...
- نعم، سؤالك، سؤالك، سؤالك.
- كان سؤالي عن الجحيم، لكني لا أذكر تمامًا.
- كان سؤالك عن الجحيم؟
- كان سؤالي عن الجحيم.
- إذا كان سؤالك عن الجحيم، فلا بأس في ذلك، يا كاتارينا. ظننت أنه كان سؤالاً مهمًا. الجحيم لا شيء، الجحيم هنا، الجحيم هنا في ستوكهولم أيام الشتاء.
- وأيام الصيف؟
- الجحيم هنا في ستوكهولم أيام الصيف.
كانت كاتارينا فريدن تبتسم من شدة السعادة، تضم زوج أمها، وتقبله من فمه.
- قلت لأمك إن من عادتك أن تقبليني من فمي.
كانت تعود إلى ضم زوج أمها، وتقبيله من فمه، وكانت تتمدد عليه، وللمرة الثالثة تضمه، وتقبله من فمه.
- هذا هو الجحيم، يا كاتارينا.
كانت تفتح قميصه، وتقبله من ثديه، ثم تنزل، وتسحب سرواله، وتمسكه بلطافة.
وحدها في الليل، لم تكن تعرف النوم، كانت أفكارها كلها مضطربة، لا تعرف إذا ما كانت تحب زوج أمها، لا تعرف إذا ما كان زوج أمها يحبها، لا تعرف إذا ما كانت ابنة أمها، كان العالم في رأسها ككرة من خيوط الصوف كبيرة، وكانت تجد نفسها ضائعة فيها، تحيطها الخيوط من كل جانب، تقيدها كشبكة للعناكب، فتذهب إلى سرير أمها وزوج أمها، تزلق بجسدها ما بين جسديهما دون أن تطلب إذنًا، وتأخذ بالهمهمة:
- سأكون كبيرة، يا أمي، كما قلتِ لي، ولن أتصرف بحماقة... هناك من يخيفني في غرفتي، إنه أخي...
- ولكن لا أخ لك، يا كاتارينا، تقاطعها أمها بحدة.
- إذن فهو واحد يشبه أخي، صديقي، كارل صديقي، يشبه أخي، وهو يخيفني، ويذهب إلى حد تهديدي، فأضحك (تضحك)، فيمسكني من ذراعي، فأضحك (تضحك)، يوجعني، فأضحك (تضحك)، يشدني من ذراعي، لا أحد هناك، فأخاف، في الليل أنا لا أخاف من أحد، أضحك (تضحك) أضحك من الخوف (تضحك) في الطريق كل المارة لا يضحكون، هم يحبون الشمس، لهذا هم لا يضحكون، ثم ينزع أخي قميص نومي، فأتوقف عن الضحك، اضحكي يقول لي، ويصفعني...
- أنت لا أخ لك، يا حبيبتي، تنبر الأم. مسكينة حبيبتي، تهمهم الأم، مسكينة حبيبتي، تعيد القول، وهي تضع خد ابنتها على ثديها، وبكفها تريد خنقها.
في غضون ذلك، يكون زوج الأم قد نزع قميص نوم الابنة، وراح يداعبها من ثدييها.
- لماذا ننزع قمصان نومنا عندما ننام، يا أمي؟
- لنكون خفيفين كالشياطين، يا حبيبتي.
- لنكون خفيفين كالشياطين؟
- لنكون خفيفين كالشياطين.
- لنكون خفيفين كالشياطين، تعيد كاتارينا فريدن.
- مسكينة حبيبتي!
تلقمها أمها حلمتها، وزوج الأم يداعبها من إليتيها.
- نامي، يا حبيبتي، لا تفكري في شيء، سأفكر عنك، نامي... نامي...
في اليوم التالي، ساعة درس الرياضيات الخصوصي، كان أستاذها يحضر، فتجذبه من يده إلى حجرتها، وتقبله، لكن الأستاذ يعترض:
- لا، يا آنسة كاتارينا، أنا هنا من أجل درس الرياضيات.
- درس الرياضيات؟ هنا ليست الكلية.
- أنا هنا من أجل درس الرياضيات.
- نحن نحب بعضنا.
- نحن لا نحب بعضنا، يا آنسة كاتارينا.
كانت تبكي، وتسأل:
- لماذا لا نحب بعضنا؟
- لأننا لا نحب بعضنا.
كان الأستاذ يسحبها من يدها إلى الصالون، ويبدأ شرحه، فتقوم إلى النافذة، وتأخذ بالكلام مع العابرين. كان يسحبها من يدها من جديد، فتجلس على ركبتيه.
- رجاء، يا آنسة كاتارينا!
كانت تقوم إلى الكرسي المجاور، ويعود الأستاذ إلى شرحه، لكنها تأخذ بالحديث وحدها:
- عندما سنتزوج لن نأتي بأولاد، لن نخرج من البيت، لن نأكل، سنقضي كل الوقت ونحن نعمل الحب معًا، وسنترك الأولاد في دار الحضانة، لكن الأولاد كبار، والحضانة للصغار، لهذا لن نأتي بأولاد، لن نحب الأولاد، أنا سأحب الأولاد، أنت لن تحب الأولاد أكثر مني، أنا سأحبك أكثر من الأولاد، سنسكن في نورمالم، ولن نأتي إلى غاملا ستان إلا لزيارة أمي، لئلا تغضب أمي، وهي على كل حال ستغضب، وأنا لا أريدها أن تغضب، أكرهها لما تغضب، ولما لا تغضب، لن أحب أمي أكثر منك، ولن أحب زوج أمي أكثر منك، سأحبه أقل منك، وسأنقطع عن تقبيله من فمه، زوج أمي يخاف عليّ، في الليل يأتي إلى حجرتي، ويغطيني، لكن أخي يهددني دومًا، أنا لا أخ لي، لكن أخي يهددني دومًا، وينزع قميص نومي، ثم يتركني عارية، ويذهب...
تزوجت كاتارينا فريدن من أستاذ الرياضيات، وسكنت نورمالم معه، لكنها لم تبق في الشقة الجديدة أكثر من يومين، عادت إلى غاملا ستان، واحتلت هي وزوجها حجرتها. كان زوجها عندما تذهب في الليل لتنام بين أمها وزوج أمها، يعود بها إلى سريرهما مهددًا، استمر ذلك عدة ليال، وعندما أعياه الأمر، أخذ يذهب وإياها، فينام الأربعة معًا. وفي النهاية، طلقها زوجها، لا لأن الأربعة ينامون معًا، ولكن لأن كاتارينا فريدن بدأت تأتي بصديقها كارل إلى البيت كلما عادت من الجامعة، وكانت مع كارل لا تغدو اللعبة المساطة بل كارل هو من يغدوها. كانت تضربه بالسوط، وكارل لا يعجبه أن تضربه. كانت تناديه أحيانًا "جوستين"، وتطلب منه لعق قدمها، فساقها، ففخذها، فكلها، وعندما يحاول أن يأخذها، كانت تدقه بكعبها، وتأمره بأن يعيد لعقها. جوستين، افعلي هذا. جوستين، لا تفعلي هذا. جوستين، سأقتلك، سأقتلع أظافرك، سأمزق وجهك، وكانت لا تكتفي بالقول، كانت تفعل ما تقول. ضرب زوجها ذات يوم الباب من ورائه، ولم يعد أبدًا.
- آنسة فريدن، دفعتِ ثمن الخبز، وخرجتِ دون أن تأخذيه، كانت الخبازة تقول، وهي تركض من ورائها.
كانت كاتارينا فريدن تبتسم، وتسير، دون أن تأخذ الخبز.
- آنسة فريدن!
- أوه، معذرة!
كانت كاتارينا فريدن تتناول الخبز، وتجلس على مقعد، وتنسى الخبز على المقعد.
- آنسة فريدن، كل ما طلبتِهِ، سيكون عندك خلال ساعة، كان اللحام يقول لها.
- كل ما طلبتُ؟ كانت كاتارينا فريدن تتساءل دون أن تعرف ما طلبت، دون أن تعرف إذا ما طلبت شيئًا.
وفي دكان الملابس الداخلية، كانت كاتارينا فريدن تشتري عددًا لا بأس به منها، ولا تنسى أيًا منها، لكنها تنسى أنها لم تنس أيًا منها، فتعود لتشتري غيرها.
كانت الجامعة لكاتارينا فريدن عالم الحرية، وهي كانت جامعية، وهي صارت أكاديمية، وكانت مفتتنة بكل شيء يتعلق بالحرية، بالعدالة، بالحقوق، لكنها كانت تخلط بين فولتير وروسو. وفي بعض الأحيان، كانت تخلط بين فولتير وروسو وأولوف بالم، فيصل بها ذلك إلى إعطاء "تحفة من التحف" في التحرير الاجتماعي:
"لن نكون أحرارًا دون أن نكون أحرارًا، ولكي نكون أحرارًا علينا أن نكون أحرارًا. الحرية من صنع الإنسان الحر، وإذا ما لم يكن الإنسان حرًا تكون الحرية كاغتصاب الإنسان للإنسان. الاغتصاب أبدًا لم يكن فعلاً حرًا على الرغم من كل ما فيه من همجية لذائذية، لذائذية همجية، لكن المجتمع ليس جسدًا، يوقّع المجتمع على عَقد اجتماعي يجب احترامه، عدم استقرار روسو شكله، واستقرار فولتير كنهه، والتضحية بالذات على طريقة أولوف بالم، على الرغم من فعل الهمجية التي تتمثلها، إلا أنها تبقى من الناحية الأخلاقية مثالاً يُحتذى به من أجل الوصول إلى مجتمع حر، حر فعلاً، كالمجتمع السويدي، كجليد السويد الباقي أبد الدهر"...
في نهارات الشتاء القصيرة، كانت ستوكهولم، كل ستوكهولم تغدو بيتًا كبيرًا لجدة لن تعرف الموت، جدة كالسلحفاة الناقلة على ظهرها ستوكهولم. كانت كاتارينا فريدن تحب هذا، وربما لأنها كانت تحب هذا كانت تحمي نفسها من أمها، من نفسها، من كل من هم حولها. رائحة القهوة العربية والكعك بالقرفة التي كانت تملأ أزقة غاملا ستان لم تكن للا شيء، كانت هذه الرائحة روح ستوكهولم، رائحة زكية، حتى الثلج تغدو له رائحتها، حتى الجليد، حتى الحياة، حتى الموت، نعم حتى الموت تغدو له رائحة الكعك بالقرفة والقهوة العربية، رائحة الجدة العجوز المجننة، وهي تصنع القهوة العربية والكعك بالقرفة، وتهمس في آذان البحارة، تقول لهم لا تبتعدوا كثيرًا عن بحر البلطيق، لتداوم على حمل ستوكهولم على ظهرها والتحكم في مصائر أهلها. كانت طريقتها في الهيمنة، رائحة القهوة العربية والكعك بالقرفة، فتغدو كل ستوكهولم لها جسدًا تفرضُ عليه قانونها، تعذبُهُ بطيبِ ما يَلَذَّهُ، فتلتذُّ شيخوختها. لم تكن علبة الليل "ساد ستوكهولم" لها مكانًا، وكل ستوكهولم كانت لها مكانًا.
- أنا لا أحسن الرقص، يا كاتارينا، اعتذرت كريستينا سفينسون.
- سأعلمك، قالت كاتارينا فريدن، وهي تدفعها من أمامها.
- اتركيني أدفعها على طريقتي، قال هوراس ألفريدسون قبل أن يقهقه هو وبيتر أكرفيلدت ورالف لندغرن.
- قضيبي الصغير يكفي، ردت كاتارينا فريدن.
- إنه لا يتوقف عن التفكير فيه، ألقت كريستينا سفينسون.
رقصت الصديقتان في قلب الحلبة، حلبة كانت تقريبًا معتمة، وكانت الآهات تصعد من حولهن بين وقت وآخر دون أن تباليا بها.
- ماذا تفعلين، يا كاتارينا، بالله عليك؟ احتجت كريستينا سفينسون.
- أقرصك من إليتيك، هذا كل ما هنالك، لأستثيرني، أوضحت كاتارينا فريدن.
- لا، يا كاتارينا، ليس معي.
- لن أنام معك، أقسم لك.
- تعرفين جيدًا أن هذا لن يحصل أبدًا.
- أنا لا أعرف شيئًا.
- إنها برودتي، كما تعرفينني.
- أنا لا أعرفك.
قفزت كاتارينا فريدن بثغرها على ثغرها، وعضتها من لسانها، فصفعتها كريستينا سفينسون تاركة إياها في قلب حلبة الرقص وحدها، ليتلقفها هوراس ألفريدسون.
- أنا تحت أمرِكِ، يا سفينسون، قال هوراس ألفريدسون.
- إلى الشيطان، أنتَ أيضًا! صاحت كريستينا سفينسون.
- كن لي عبدًا، يا هوراس! أمرت كاتارينا فريدن، وهي تجذب الرجل من ربطة عنقه.
- كريستينا سفينسون، ما لَهَا؟
- تريد القول جليد ستوكهولم.
- مع واحدة مثلك، قنبلة ذرية!
- دعني أجذبك منه.
- لك أن تفعلي بي ما شئت، أحب هذا. آي! على مهلك.
- تعال! أريد أن أمزق ظهرك بأظافري.
جرته إلى حجرة من الحجرات التحت الأرضية، وعلى مرآهما قهقه بيتر أكرفيلدت.
- لماذا لا تبحث لك عن واحدة؟ طلب رالف لندغرن.
- أية واحدة؟
- واحدة، أو، واحد.
- أنا ككريستينا سفينسون.
- الجحيم!
- الجحيم الأبيض.
- الجحيم الأبيض شيء آخر.
- والجنة؟
- جحيم أبيض.
- أحدهم يهتف لندغرن، لندغرن...
- أحدهم يريد أن يعضني؟
في الحجرة التحت الأرضية سارعت كاتارينا فريدن إلى خلع ملابسها وارتداء الجلد الأسود، وضعت على عينيها قناعًا، ولفت قبضتها بسلسلة. أمرت هوراس ألفريدسون برفع يديه على الصليب عاريًا، وقيدته.
- لن أفعل ما تحبه، كشفت كاتارينا فريدن.
- كنت أعرف، يا دين الرب! هتف هوراس ألفريدسون.
- سأوذيك.
- ليس كثيرًا.
- كثيرًا.
وضربته على دماغه بالسلسلة.
- ليس هكذا، يا دين الرب!
وعلى صدره.
- قلت ليس هكذا، كاتارينا فريدن!
وعلى بطنه.
- كاتارينا فريدن، يا دين الرب!
- إذن كيف؟
- سأجعلكِ تلهثين بطريقة أخرى.
- قل هذا لأمك أحسن لك!
- انتظري، انتظري!
- دمك.
- ماذا؟
- سألعقه.
لعقته، وكل أصابعها فيها، لهثت، وولولت، وإذا بإحداهن تصرخ من الحجرة المجاورة، وتنادي:
- النجدة!
صعدت كاتارينا فريدن على كرسي، ومن الزجاج الأعلى للباب الفاصل بين الحجرتين، ألقت نظرة، فرأت امرأة مقيدة بكامل عريها، وأحدهم في الجلد الأسود يحز بشفرةٍ حلمتَهَا. كان المشهد مثيرًا إلى ما لا حد، فتدلى لسان كاتارينا فريدن، وأخذت بالعواء.
- النجدة!
لم تهتم، واصلت العواء، وكل طرف من أطراف جسدها يرتعش من التلذذ.
- النجدة!
- فكيني، يا دين الرب!
لما فجأة صاحت كاتارينا فريدن:
- سيفتح بطنها، هذا الوغد!
- ماذا تنتظرين، كاتارينا فريدن؟
فكته بمنتهى السرعة، وبكل قوته حطم الباب، وحال دون الجريمة. المفاجأة كانت عندما نزعت كاتارينا فريدن القناع عن وجه أكبر كاتب للرواية البوليسية : ماج بِر.
- إنها مهنة الحمقى والمعتوهين كما ترين، برر ماج بِر سلوكه.
- تريد القول مهنة المجانين والمجرمين، نبرت كاتارينا فريدن.
- الكلمات لم تعد تتعذب على هوانا، نحن الروائيين، فنعمل على تعذيبها، عاد ماج بِر إلى نفي التهمة عن نفسه.
- انطلقي الآن، قال هوراس ألفريدسون للضحية بعد أن حررها.
- لأن هذا كلمات! عادت كاتارينا فريدن إلى النبر.
- بؤس الكلمات، ماج بِر، ألقى هوراس ألفريدسون في وجه الكاتب البوليسي.
- ألم الصور، رد ماج بِر قبل أن يضيف، الاجتماعية.
- فجور الأفكار، أكدت كاتارينا فريدن.
- أدب الفجور، أكد هوراس ألفريدسون.
- تزامن القضبان والفروج، عادت كاتارينا فريدن تؤكد.
- غياب الكتابة، عاد هوراس ألفريدسون يؤكد.
- الأدب، ما الأدب؟ سرح ماج بِر، الأدب غياب القراءة، غياب المعرفة، غياب البصر والبصيرة، غياب الحب والكره. الأدب خسارة الزمان، خسارة المكان، خسارة الحياة، جنون مجاني.


القسم الثالث
كريستينا سفينسون (1)

هل هناك ستوكهولم أخرى؟ هل هناك ستوكهولم وستوكهولم؟ على أي حال كانت ستوكهولم ستوربلان فريدة من نوعها. باريس ولندن وروما. دكاكين الشانزلزيه وبارات أوكسفورد ومطاعم الكوليزيه. لهذا كانت ستوكهولم عاصمة العواصم. عاصمة الصيحات المستحيلة. الفم الواسع على سعته، والساقان الصاعدتان بكل العبث على ظهر العالم، والذراعان الممدودتان إلى عشيق يركض على الثلج. كانت ستوكهولم بجسدها العاري منارة العالم، وبحيها الأنيق كما لو كانت ترتدي معطفًا لإيف سان لوران، وبناسها الجميلين كما لو كانت قادمة مباشرة من الإنجيل. كان ناسها كلهم يشبهون المسيح. حتى السمر منهم. كانوا يشبهون المسيح. السمر كالشقر. كان ناسها كلهم يشبهون المسيح، ولم تكن كريستينا سفينسون تشبه أحدًا منهم. كانت تجلس على رصيف إحدى المقاهي الكافرة بنعمة الله، "ميزيغت فيك" جذابة، وتظن أن الناس ينظرون إليها. كلهم. ينظرون إليها. أن الناس كلهم ينظرون إلى الأميرة فكتوريا. لم تكن تشبه ولية العهد، لم يكن لها الشبه هو المسألة. كانت المسأله أنها هي فكتوريا السويد. لم يكن النادل ينحني لها تبجيلاً، وهو يحضر لها كأس عصير الحامض مع مكعب من الثلج، لكنها رأته، وهو ينحني لها تبجيلاً، فابتسمت له، وهي تميل برأسها كصاحبات السمو ميلاً قليلاً. مالت برأسها قليلاً، وأخذت تعبث بمكعب الثلج، للتظاهر بتجاهل نظرات العابرين، الذين لم يكونوا ينظرون إليها. كانوا ينظرون إلى فتاة شقراء إلهة تجلس على مقربة منها ولا ينظرون إليها، كانوا ينظرون إلى الواجهات المترفة ولا ينظرون إليها، كانوا ينظرون إلى الشمس القريبة من أصابعهم ولا ينظرون إليها، أما كريستينا سفينسون، فقد كانت تراهم كلهم، وهم ينظرون إليها. لم يكن يزعجها ذلك، لهذا كانت تبقى جالسة على رصيف المقهى الساعات الطوال، فتكرر الطلب، كأس عصير الحامض مع مكعب من الثلج، وتعود إلى نفس اللعبة، ألا وهي العبث بمكعب الثلج، والتظاهر بتجاهل نظرات العابرين، الذين لم يكونوا ينظرون إليها.
- لماذا تأخرتِ كثيرًا، كان زوجها يسألها.
- كان هناك بعض المعجبين الذين أحاطوا بي في ستوربلان، كانت تجيب زوجها.
- بعض المعجبين؟
- بسبب فيلمي الأخير مع كاري غرانت.
- فيلمك الأخير؟
- هل نسيت؟ فيلمي الأخير!
- آه، فيلمك الأخير، كان يقول زوجها مضطرًا إلى لعب اللعبة، اللعبة بالنسبة له وليس بالنسبة لها. فيلمك الأخير من إخراج هتشكوك.
- على فكرة، هل اتصل أثناء غيابي؟
- هتشكوك؟ لا، على ما أعلم. لكن هناك آخر، أظنه صحفيًا، ألح على مقابلة مع إنغريد بيرغمان.
- لماذا تتكلم عني بضمير الغائب؟ أنا هنا إنغريد بيرغمان كلي أمامك.
- معذرة، يا حبيبتي، شهرتك تجعلني أخلط بينك وبينها.
- بينها من؟
- إنغريد بيرغمان.
كانت تستشيط غضبًا، فتصرخ:
- أنا هي إنغريد بيرغمان.
كان الستوكهولميون كلهم يلعبون التنس، أمر وراثي لديهم، كانوا كلهم يحبون التنس، ويلعبونه، وكانوا كلهم يحبون الغناء، لم يكونوا كلهم يغنون كما كانوا يلعبون التنس، ولكنهم كانوا كلهم يحبون الغناء، وكانوا كلهم يحبون الرقص، كانوا يرقصون لكي ينحفوا، فالبيرة التي كانوا يحبون شربها، خاصة الأقوى الأغلى "الستاركول"، كانت تزيد من أوزانهم، وربما بسبب البيرة، كانوا يحبون التنس، لأن التنس يساعد على فقدان الكتلة الدهنية.
بينما كانت كريستينا سفينسون وزوجها يلعبان التنس ذات مرة، زجرت كريستينا سفينسون زوجها:
- لماذا تناديني كريستينا؟
- ماذا؟ تساءل زوجها دهشًا.
- نادني بورغ.
- بورغ!
- بورغ.
- بورغ؟
- بورغ، بورغ.
- بورغ من؟
- بورغ، بورغ، بورغ.
- بورغ أنتِ؟
- بورغ أنا.
- ولكن بورغ رجل، يا كريستينا.
- قلت لك لا تنادني كريستينا.
- بورغ.
- هكذا، بورغ.
- ولكن بورغ رجل، يا بورغ.
- بورغ امرأة في جسد رجل.
- بورغ.
- هكذا، بورغ.
- بورغ، بورغ.
- بورغ، بورغ، بورغ.
لم تكن كريستينا سفينسون تغني في الحمام، ليس هذا لأن صوتها لم يكن جميلاً، وإنما لأنها لم تكن تغني في الحمام، ربما كانت تنسى أن تغني في الحمام، وهي لم تتقمص مرة واحدة شخصية إحدى المطربات – أو أحد المطربين. لكنها كانت تتكلم في الحمام، وتلك المرة كانت تتكلم مع ساد.
- لماذا تكره ثغري إلى هذه الدرجة؟ سألته.
- بل أحبه أكثر من أي شيء، أجاب.
- لو كنت تحبه أكثر من أي شيء لاحتفظت به لك وحدك.
- أنا لست أنانيًا، يا جوستين.
- لماذا تكره ثديي إلى هذه الدرجة؟
- بل أحبه أكثر من أي شيء.
- لو كنت تحبه أكثر من أي شيء لعرفت ما فيه من سرطان ينهشه.
- أنا لست طبيبًا، يا جوستين.
- لماذا تكره بطني إلى هذه الدرجة؟
- بل أحبه أكثر من أي شيء.
- لو كنت تحبه أكثر من أي شيء لحميته من مخالب الإنسانية.
- أنا لست جيشًا، يا جوستين.
- لماذا تكره فرجي إلى هذه الدرجة؟
- بل أحبه أكثر من أي شيء.
- لو كنت تحبه أكثر من أي شيء لما تركته مفتوحًا لكل من يريد الدخول.
- أنا لست حدادًا، يا جوستين.
- لماذا تكره فخذي إلى هذه الدرجة؟
- بل أحبها أكثر من أي شيء.
- لو كنت تحبها أكثر من أي شيء لما زرعتها كالعلم في مهب الريح.
- أنا لست إعصارًا معاكسًا، يا جوستين.
- لماذا تكره قدمي إلى هذه الدرجة؟
- بل أحبها أكثر من أي شيء.
- لو كنت تحبها لدللتها كما تدلل الأم طفلها الرضيع.
- أنا لست امرأةً، يا جوستين.
في الليل، كانت ترفض لزوجها الاقتراب من جسدها، فهو ليس جسدها. تبعده عنها بعنف: هذا الجسد ليس جسدي! وإذا ما اضطرها الأمر كانت تضربه، وتدفعه إلى أن يسقط من السرير على الأرض. والشهوة، هل للشهوة وقت معين؟ لم يكن السؤال مطروحًا بالنسبة لها، الباردة برودة كلبات ستوكهولم. أما الأمر بالنسبة له، فكان غيره. كان يحاول أن يأخذها في المطبخ، فيرفع فستانها، ويمزق أحيانًا سروالها القصير: هذا الجسد ليس جسدي! وفي إحدى المرات قلبها على بطنها فوق الطاولة، لكنها تمكنت من التخلص منه: هذا الجسد ليس جسدي! جذبته من رجولته، وأرادت فقأه.
- جسد من إذن، يلعن دين؟ اهتاج زوجها.
- جسد كارين بوي، قالت بكل بساطة.
- جسد كارين بوي؟
- بعدما انتحرت تركت جسدها.
- أشتهي جسدها، كارين بوي.
- لكنك دفعتها إلى الانتحار.
- ليس أنا.
- دفعتها إلى الانتحار، ودفعت عشيقتها إلى الانتحار، وتريد اليوم دفعي إلى الانتحار. منذ زواجنا وأنت تتآمر علي، تريد دفعي إلى الانتحار.
- اسمعي، يا كريستينا...
- كارين بوي.
- اسمعي، يا كريستينا، خراء! كارين بوي مارست دكتاتورية الموت على نفسها، هل هذا ما تسميه انتحارًا؟
- كارين بوي.
- اسمعي، يا كارين بوي (يرضخ دون أن يرغب). أنا لم أدفعك إلى الانتحار، أنا أحب جسدك، وأريد أن أقوم بفعل الحب معك (يصرخ بغضب ولوث) أريد أن أنيك، يا رب الآلهة!
- أترى؟ تريد دفعي إلى الانتحار.
- طيب، ككل ليلة سأنام كالجرذ قربك.
- تريد دفعي إلى الانتحار.
- طيب، فهمنا، اتركيني أنام.
- تريد دفعي إلى الانتحار.
- قلت فهمنا، فهمنا.
- وليس هذا فقط.
- وماذا أيضًا؟
- هل نسيت ما قلته بعد أن شربت "الكالوكايين"؟
- الكالوكايين!
- جرعة إفراغ الأفكار التي في الرأس.
- الأفكار التي في الرأس! أية أفكار؟
- أفكارك التي في الرأس.
- أفكاري التي في الرأس. أفكار ماذا؟
- أفكارك التي في الرأس، التي في الرأس.
تظاهر بالفهم:
- آه! أفكاري التي في الرأس. تريدين القول أفكاري التي في الرأس؟ سأحمل السلاح، وأنزل إلى ستوربلان، وآخذ بقتل كل من هم يؤيدون الحجاب كي أحمي السويد من الإسلاميين. ها هي أفكاري، لكني قبل هذا سأقتلك أنت.
- كنت أعرف أنك ستقتلني.
- حمدًا لله أنك كنت تعرفين.
- كنت تتآمر عليّ طوال الوقت.
- أتآمر عليك؟ لماذا ومع من بحق الإله؟
- كنت تتآمر عليّ، في الجامعة قال لي طلبتي إنك تتآمر عليّ، فلم أصدقهم، قلت لنفسي هذا من تأثير مسرح إنغمار بيرغمان الذي يدرسونه معي، إنغمار بيرغمان، إلى أن سمعتك في التلفون تقول سأقتلها ذات يوم.
هبَّ ينقل بندقيته، بينما كريستينا سفينسون وثبت في جسد كارين بوي إلى الهاتف.
- الشرطة؟ أرعدت، زوجي عازم على قتلي، وبعد ذلك على فعل حادث إرهابي، تعالوا بسرعة.
فقد الزوج عقله، وضع فوهة البندقية تحت ذقنه، وأطلق.
كان هناك من يغني أغنية حزينة في ستوربلان، وكل جزيرة سودرمالم تصغي. تحركت الأشرعة على المراكب الراسخة في الجليد، وطارت بعض النوارس. وبمقصها قطعت ستوكهولم جدائلها، وألقتها على فراش بحار لم يعد من آخر مغامرة له. لم يكن الجو باردًا جدًا، كان باردًا، لكنه لم يكن باردًا جدًا، كان غائمًا. كان غائمًا، ولم يكن باردًا جدًا. كانت كلمات الأغنية الحزينة غير مفهومة، وكأنها أغنية لفيكنغ تائه. منذ فجر التاريخ، وهو تائه.

الحيتان
زرعنا الحراب
في الموج
ثديك الأبيض
من أجلك
الموت بعيدًا
أيها القلب
متى سأعود إلى
القمر أسود
ستوكهولم
متى سأعود
هل سأبقى إلى الأبد بعيدًا
متى
إلى ذراعيك
يا حبيبتي...

كانت كريستينا سفينسون تصغي إلى الأغنية، وتدّعي أن زوجها من قبره يغني لها. الأموات لا تغني، قالت لها صديقتها كاتارينا فريدن، إنه فيكنغ تائه، منذ بداية الكون، وهو تائه. الأموات تغني، أكدت كريستينا سفينسون، وهذا ألفونس زوجي، هو من يغني لي. فقدت كاتارينا فريدن التركيز، وقالت لصديقتها بل هو شحاذ يعزف على الغيتار، يجيد العزف كمن يعض روحه.
وفي ساد ستوكهولم...
- كمن يعض جسده، همهت كريستينا سفينسون.
- كيف؟ سألت صديقتها.
- العازف على الغيتار، إنه مثلي.
- كنت أعرف أنه ليس زوجك.
- زوجي ميت، يا كاتارينا.
- ظننت أن الأموات تغني.
- حقًا هو مثلي، العازف على الغيتار، كمن يعض جسده، من الداخل.
- وإذا ما عضضتكِ أنا، من الخارج؟
- لا تتلفظي بحماقات.
- امسكاها، يا هوراس، يا رالف!
- لا، أرجوكما! افعل شيئًا، يا أكرفيلدت!
قهقه بيتر أكرفيلدت دون أن يتحرك من مكانه، وكاتارينا فريدن من تحت الطاولة تعض كريستينا سفينسون. في البداية كانت تقاوم ضاحكة، وفي النهاية كانت تستسلم باكية.
- توقف عن القهقهة، أكرفيلدت، سيكون دورك بعد قليل، صاحت كاتارينا فريدن من تحت الطاولة.
- حاولي، وسترين، هدد بيتر أكرفيلدت.
- أنت كذلك تعض جسدك من الداخل.
- ليس تمامًا.
- امسكاه، يا ألفريدسون، يا لندغرن!
لكنه هرب قبل ذلك بكثير، ونزل إلى الطابق التحت الأرضي الأول، لتلتقطه ثلاث نساء يرتدين الجلد الأسود، ويرغمنه على تنفيذ ما يفرضن.
- أنا أعتذر، يا حبيبتي، قالت كاتارينا فريدن، وهي تطبع قبلة صغيرة على ثغر كريستينا سفينسون.
- لا بأس، ليس ذنبك، تمتمت الصديقة.
- سأذهب للبحث عن أكرفيلدت، قالت كاتارينا فريدن.
- ونحن أيضًا، قال ألفريدسون، وهو يشير إلى نفسه وإلى لندغرن، من العته أن نبقى مسمرين في أماكننا دون أن نفعل شيئًا.
- إنها ناحية ضعفاء العقل في ساد ستوكهولم، أكد لندغرن.
- لن تتركا كريستينا وحدها! عاتبت كاتارينا فريدن.
- لا بأس، ليس ذنبهما، تمتمت كريستينا سفينسون، سأنهي كتابة آخر مقال من سلسلتي عن مسرح المستقبل.
- لم أقرأها.
- كتبتها لكِ، فريدن! كنت أقول ستقرأها، وأنا لهذا كتبتها، لك كتبتها، كمن تؤدي مهنتها بمهارة، كي تعجبك، أنا كاتبة بفضلك، كاتبة خرائية على ما يبدو.
- أنا أعتذر، يا حبيبتي، أعدك على أن أقرأها كلها.
- لا بأس، ليس ذنبك.
- وسأقول لك رأيي.
- لم يعد الأمر مهمًا، دومًا ما كنت كاتبة يتيمة.
- كاتبة عظيمة.
- هل تسمعين الطيور في ساد ستوكهولم؟
- ليس ألفونس، زوجك.
- إنها تضحك عليّ.
عانى بيتر أكرفيلدت آلامًا فظيعة من الساديات الثلاث: حشون فمه بالقطن، وربطن أطرافه بالأسلاك الكهربائية، وكلما كن يقذفن في جسده التيار كلما كن يستثرن أنفسهن بين أذرع بعضهن.
- ستقتلنه، أيتها المجرمات! صاحت كاتارينا فريدن.
- نادِ على الشرطة! هتف هوراس برالف.
- نادِ على الشرطة! سخرت الفتيات الثلاث، قبل أن يغادرن المكان في ساد ستوكهولم إلى المكان في ساد ستوكهولم.
- قصائدي! صاح بيتر أكرفيلدت، وهو يمد يده باتجاههن، يريد الإمساك بهن.
- لا تقل لنا إنك غدوت شاعرًا، أكرفيلدت! سخر رالف لندغرن.
- شاعر ضحية لقصائده، أنا لم أر! سخر هوراس ألفريدسون بدوره.
- بيتر، هل أنت بخير؟ سألت كاتارينا فريدن، وهي تضم بيتر أكرفيلدت بلهفة.
- لا تتركي قصائدي تذهب، يا كاتارينا!
- قصائد مجرمة كهذه، فلتذهب إلى الجحيم!
- وأنا معها.
- أنت لا تمزح، أكرفيلدت، استغرب هوراس ألفريدسون.
- اتركه يَهْذِي، ألفريدسون، طلب رالف لندغرن.
- إنه لا يَهْذِي، إنه يكتب الشعر على طريقته، دافعت كاتارينا فريدن.
- بسلاسل كلماته!
- نعم، بالضبط، بسلاسل كلماته.
- بفروجها القصيرة!
- وبأقفيتها الصغيرة، وبكله!
- قصائدي!
- ها أنت تتباكي!
- ليس أنا، هي، أنا لا أحتمل القصائد التي تتهمع، ثم، أنا لا أحب مشيئة الكتابة هذه، القسر ليس مهارتي.
- وكل هذا، أليسه قسرًا؟
- هذا لأني بالفعل واحد رديء.
- واحد رديء أنت؟
- واحد رديء أنا.
- لم تكن ترى أنه أنت.
- لم أكن أرى أنه أنا، كانوا هم، كانوا على خطأ، كانوا عن عمد يفعلون، كنت الأحسن، ولأنهم كانوا يكرهونني، أو لأنهم كانوا لا يفهمونني، فاحتقرتهم كلهم، وانتهى بي الأمر إلى قول إنني لا أكتب لهم، ولكن للأجيال الجديدة، للمستقبل، كل هذا خطأ طبعًا.



















القسم الرابع
هوراس ألفريدسون (1)

لنورمالم في شمال ستوكهولم جزيرة بقناطر، سكيبشولمن، جزيرة بأثداء، على مدخل البلطيق. كان العساكر يمضون. عساكر كثيرون. مباني عسكرية كثيرة. لم تكن ستوكهولم مدينة للجيش. لم تعرف ستوكهولم الحرب منذ بحر الدم الذي أنهى اتحاد كالمار عام 1520. كانت مدينة انسجام اللا انسجام، فكرة اللا فكرة، حلمة اللا حلمة، كانت ستوكهولم حلمة تقطر دمًا، لهذا كان بحر البلطيق أحمر من تلك الناحية، وكان الورد أحمر، وكانت الشمس فستقية. لهذا كانت المباني العسكرية والمتاحف الفنية جنبًا إلى جنب، ليقول السويديون للعالم نحن صناع البارود وأجمل التماثيل. لهذا لم يكن العسكر ما يعكر صفو مِزاج هوراس ألفريدسون، كان الصعود إلى الطابق السابع على قدميه ما يعكر صفو مِزاجه. وفي كل مرة، كانت تتلو صعوده سبع طوابق على قدميه لحظة حادة من الهياج العصبي.
- اهدأ، يا ألفريدسون، بالله عليك أن تهدأ، كانت زوجه ترجوه.
- لن أهدأ، لن أهدأ، كان هوراس ألفريدسون يصرخ.
- تريدني أن أهدئك، يا ألفريدسون؟
كان لا يجيب، وكان يظل متوترًا.
- لم تجب، يا ألفريدسون.
كان يأخذ في اللهث على الرغم من أنه منذ عدة لحظات كان جالسًا.
- تريدني أن أهدئك، يا ألفريدسون؟
كان يضاعف من لهثه، ويتردد، ولكنه يقرر فجأة أن يجذبها إليه، ويلقيها على بطنها فوق ركبتيه. يرفع فستانها، ويسحب سروالها القصير، ويأخذ بضربها، وزوجه تطلق صرخات ثاقبة، يأخذ بضربها، بضربها، وصرخات زوجه الثاقبة تزداد حدة، يأخذ بضربها، بضربها، بضربها، حتى أنه يأخذ بإلقاء أوامر عسكرية، وصرخات زوجه تتحول إلى صرخات لذة، إلى أن يهدأ، فتنزل زوجه عن ركبتيه إلى كنبة تلقي بنفسها عليها خائرة القوى، ويأخذ هوراس ألفريدسون بالتراخي، يقفل عينيه، وينام.
في الليل، كانت لا رغبة لزوج هوراس ألفريدسون في القيام بفعل الحب، كانت تعطيه ظهرها، وعندما كان يحاول أن يأخذها من ظهرها، كانت ترفض، وتبعده عنها بعنف أقوى من عنفه، فيقوم إلى الصالون ليقرأ، وهو في شبه حالة من الذهول. ليس بسبب زوجه، بسبب ما يقرأ. كل ما كان يقرأ كان يجعله في شبه حالة من الذهول، حتى ولو قرأ "الأمير الصغير"، كل شيء كان يجعله في شبه حالة من الذهول، حتى ولو قرأ من الكوميديا ما قرأ، موليير أو غيره، كان كل شيء يجعله في شبه حالة من الذهول، حتى ولو قرأ شيئًا من النكات القليلة التي سجلتها الذاكرة الشعبية في السويد منذ كان السويد، كان يقرأ النكات، وهو في شبه حالة من الذهول. وفي لحظة من اللحظات كان يرشق أشياء يراها في لهب المدفأة بالماء، لتنتشر رائحة الحريق، ويأخذ في التفكير في أنه أنقذ أبطاله المقربين إلى قلبه من مصير الملعونين الذي كان مصيرهم، فتذهب عنه شبه الحالة من الذهول، ويرتدي ثوب شهريار في ألف ليلة وليلة. كان هذا يحصل في الشتاء، أما في الصيف، فلم يكن هوراس ألفريدسون ليضع حدًا لشبه الحالة من الذهول التي يسقط فيها، كان يبحث عن الحالة من الذهول، الحالة الكاملة من الذهول، وليس شبه الحالة من الذهول، وعندما لا يمكنه تحقيق ذلك عن طريق ما يقرأ، يتوهم أنه في حالة كاملة من الذهول، فيذهب إلى علبة الصيدلية سعيًا من وراء أقراص النوم، ويبتلع منها ما يبتلع، عند ذلك، وهو على وشك إنفاق الروح يكون ذهوله قد وصل أقصاه، ذهوله من نفسه، ذهوله من فعله، ذهوله مما لم يقرأه أبدًا في الكتب، ذهوله من ذهول زوجه لما تصرخ من شدة الفزع عليه، ولما ترفع السماعة، وتنادي سيارة الإسعاف بكلمات مفرومة، وهي تكاد تختنق.
اضطرابات السلوك لدى هوراس ألفريدسون كانت تترجم على مستوى آخر، عاطفي غالبًا، تثير ربما الذهول لدى الغير، ولا يجد لنفسه فيها ما يبرر لنفسه، لم يكن بحاجة ليجد لنفسه فيها ما يبرر لنفسه.
- طاب نهارك، بروفسور، كانت الطالبة إيدا تقول لهوراس ألفريدسون.
- طاب نهارك، يا إيدا، تفضلي، كان هوراس ألفريدسون يقول لطالبته، وهو يدعوها إلى الجلوس في مكتبه الجامعي.
كانت إيدا قصيرة بثديين هائلين لكنها مقبولة، وكانت تريد الجلوس أمام أستاذها.
- تعالي إلى جانبي، يا إيدا، كان هوراس ألفريدسون يقول لإيدا.
- إلى جانبك، بروفسور؟ كانت إيدا تسأل، وهي تستدير جارة كرسيًا.
- إلى جانبي، هنا، كان هوراس ألفريدسون يجيب، وهو يجذب الكرسي أقرب ما يكون منه.
- إنه دومًا موضوعي الفلسفي، بروفسور، كانت إيدا تقول لأستاذها بنبرة يقظة.
- أي موضوع فلسفي، يا إيدا؟ كان هوراس ألفريدسون يسأل، وهو يلف مسند الكرسي الذي تجلس عليه الفتاة بذراعه، ويقترب برأسه من فوق ثدييها الضخمين، ليقرأ ورقاتها.
- موضوعي الفلسفي، بروفسور، كانت إيدا تجيب برد فعل شخص الغضب من طبيعته.
- موضوعك الفلسفي، يا إيدا، كان هوراس ألفريدسون يهمهم، وهو يتظاهر بالاهتمام.
- الجنس والدولة، بروفسور، كانت إيدا تقول بطلعة متعالية.
- الجنس والدولة، موضوعك الفلسفي، يا إيدا، كان هوراس ألفريدسون يعيد، وهو يتظاهر بالجدية، بينما أخذ بذراعه يلف كتفي الفتاة.
- أعتقد أن الدولة رمزها ذكوري، ألا وهو القضيب، بروفسور.
- أتفق معك تمام الاتفاق، يا إيدا.
- وهذا الرمز هو من وراء وزارة الدفاع والجيش والبيروقراطية، بروفسور.
- أتفق معك تمام تمام الاتفاق، يا إيدا.
- ويمكن أن يكون الأب والابن والروح القدس، بروفسور.
- الأب تحت أي معنى، يا إيدا؟
- تحت كافة المعاني الدنيوية، بروفسور.
- الابن تحت أي معنى، يا إيدا؟
- تحت كافة المعاني الدنيوية، بروفسور.
- الروح القدس تحت أي معنى، يا إيدا؟
- تحت كافة المعاني الدنيوية، بروفسور.
كان هوراس ألفريدسون يستدير الآن كليًا أمام ثديي الفتاة العظيمين بعد أن عراهما، والفتاة تتابع بكامل الجد:
- فلا مكان في الدولة للثديين، أعني بالطبع للمرأة، ودورها حتى عندنا في السويد يبقى محدودًا.
كان هوراس ألفريدسون يهمهم بالموافقة آليًا، وهو يملس بيدين رخوتين الثديين الهائلين، وفجأة يقرص حلمتيهما قرصًا عنيفًا يدفع الطالبة إلى الصراخ.
- لا بأس، يا إيدا، لا بأس!
- لا بأس، بروفسور!
- تابعي، يا إيدا!
- لهذا، كانت تتابع بشيء من الشعور بالعظمة، أعتقد أن أفلاطون كان يريد تأسيس مدينته الفاضلة لأجل أن تلعب المرأة الدور الأساسي فيها.
- أفلاطون، نعم، أفلاطون، كان هوراس ألفريدسون يواصل الهمهمة آليًا، وهو يملس بيدين رخوتين البطن الحريري.
- فالأخلاق لدى أفلاطون عقلانية لا دينية، بروفسور.
- كما هي لديّ، يا إيدا، كان هوراس ألفريدسون يواصل الهمهمة آليًا، وهو ينزل بيديه الرخوتين إلى الفخذين الممتلئتين.
- وكما هي لديّ، بروفسور.
- نحن على اتفاق في كل شيء، يا إيدا.
- في كل شيء إلا شيء.
- ما هو؟
- ما تفعل.
- هذا لا شيء، كان هوراس ألفريدسون يواصل إنزال يديه الرخوتين بين الفخذين الممتلئتين، وفجأة يقرص شفتيهما قرصًا عنيفًا يدفع الطالبة إلى الصراخ.
- لا بأس، يا أيدا، لا بأس!
- لا بأس، بروفسور!
- تابعي، يا إيدا!
- الأخلاق والفضيلة لا يعرفهما المرء دون مبادرة العقل في عالم المعرفة، بروفسور، مبادرة تصل بنا إلى معرفة الخير ومعرفة الشر، وبالتالي معرفة النفس، لهذا تجدني أبحث عن معرفة نفسي، وإن شئت عن لعب دوري كامرأة، وعلى دور المرأة أن يكون طبيعًا في الدولة وكليًا، أن يكون الدور الذي هي جديرة به كإنسانة، كنفس فاضلة، وأن تثبت للملأ ما قاله أفلاطون منذ آلاف السنين: الفضيلة للنفس كالجمال للبدن...
خلال ذلك، كان هوراس ألفريدسون يخرج عضوه، ويجبر إيدا على أخذه بأصابعها، وعلى أخذه بفمها، ثم لا يلبث أن يخرسها دافعًا كل عضوه في حلقها.
وفي إحدى المرات، كانت زوجه كعادتها لا تريده أن يأخذها، فذهب يطرق الباب على جارته الكولونيلة، زوجها كان كولونيل المرتبة، في حياته كان الناس يدعونها بمدام الكولونيل، وبعد موته صار الناس يدعونها بالكولونيلة، كان يريد أن يقضي غرضه معها، فعلى الرغم من عمرها، كانت تغطي كبرها بكثير من الابتسامات والمساحيق، لكنها عندما فتحت له، وهي ترتدي البزة العسكرية لزوجها، وصلته موسيقى عسكرية من الداخل، وصرخات من يعذب ويتعذب لمناسبة كان يجهلها، فعاد أدراجه، والكولونيلة العارفة بما يريد تنادي عليه:
- ماذا، يا سيد ألفريدسون؟ لماذا أنت متردد إلى هذه الدرجة؟ ادخل، يا سيد ألفريدسون، ما هذا سوى احتفال صغير بوفاة زوجي. تعال، يا سيد ألفريدسون. آه، يا لك من وغد، يا سيد ألفريدسون!
في الخريف الأخير الذي عرفته ستوكهولم، قبل شتاء بارد جدًا، حتى النوارس في خريف ستوكهولم الأخير جمدت أجنحتها. في الثالث عشر من ديسمبر، هذا التاريخ حُفر في ذاكرة هوراس ألفريدسون كما تُحفر نظريات باسكال ونيتشة وهيدغر، كما تُنقش روايات ستاندال ومان وفوكنر، كما تُصهر نواقيس الكنائس والمدارس والقصور، في الثالث عشر من ديسمبر وقع هوراس ألفريدسون في غرام ابن أخت زوجه الشاب الذي كان في الثالثة عشرة من عمره، كان الشاب الجميل عندهم زائرًا، كالقمر كان الشاب، كان الشاب علم الجمال لدى هيغل، وكان يجلس هوراس إلى جانبه، بعيدًا عن أحضان زوجه الرافضة إياه، قريبًا من لهب المدفأة، لما رأى صورة الفتى الغِرّ في النار، وسمع صوتَهُ صوتَ المعذَّبِ، فأخذه على حين غِرَّة بين ذراعيه، وقبله قبلة طويلة. في الثالث عشر من ديسمبر.
كان طابور من العسكر يمضي تحت نافذة هوراس ألفريدسون، وكان مجرد سماعه لوقع بساطيرهم على البلاط الرطب يدفعه إلى تعذيب نفسه لما لا يعذب غيره. لم يكن معرض غوغان في المتحف الوطني ليمنعه من تعذيب نفسه. كان يلهث على قدمي جلاد مجهول، وكل ستوكهولم كانت تلهث، كانت كل ستوكهولم تلهث كما يلهث هوراس ألفريدسون، كان ستوكهولم، وكان يلهث، وكانت كل ستوكهولم تلهث، كان يلهث على قدمي جلاد مجهول، غير معلوم، غير ملموس، جلاد مقدود من الجليد والدم، وكل ستوكهولم كانت تلهث، كانت تخبط كالسمك الخارج من الماء، وتضرب بالأرض كما يضرب بالأرض هوراس ألفريدسون. وكان هوراس ألفريدسون يلهث على قدمي جلاد الجليد والدم، يضع رأسه تحت قدميه، ويتركه يضغط، ويتركه يسحق، فيكاد هوراس ألفريدسون يموت اختناقًا، لكنه كان يفكر في حذاء جوستين، ويستسلم تحت حذاء الجلاد الوهمي دون أن يشعر بشيء. في البيت، في الشارع، في الجامعة، في ساد ستوكهولم. جلاد وهمي.
- أنتِ جلادة وهمية، يا كاتارينا فريدن.
- لا تتلفظ بحماقات، يا هوراس ألفريدسون.
- تكونين ما لا تكونين.
- هل هذه هي فلسفتك الجديدة؟
- هي هذه.
- هل سمعت، يا كريستينا سفينسون؟
علت الموسيقى في العلبة الليلية إلى الحد الأقصى، وتفجرت حماسة الراقصين، وللحديث مع غيرك، كان عليك أن تصيح في الحجرات التحت الأرضية.
- كيف؟
- هل سمعت ما قال هوراس ألفريدسون؟
- ماذا قال؟
- أنا جلادة وهمية.
- أنت ماذا؟
- جلادة وهمية.
- أود لو أكون جلادة وهمية.
- فلسفته الجديدة.
- كلامه الجديد.
- هام ما تقولين.
- الأهم في رأيي.
- سفسفته الجديدة.
- الفلسفة سفسفة قديمها كجديدها. لنقل فلسفة، ولنفهم سفسفة. جديدها كقديمها، ما يتغير ثوبها، كلامها. إذا كان الكلام جديدًا كانت الفلسفة جديدة، وهذا ليس شأن من شؤون الفلاسفة فقط.
- لكل منا فلسفته الجديدة إذن.
- تحت شرط أن يكون كلام كل منا جديدًا.
- كلام جديد يخرج من تحت لساني، علقت كاتارينا فريدن، وأنا ألعق عضو هوراس ألفريدسون، وهو يصفعني في الوقت ذاته. اعذرني، يا ألفريدسون، نسيت أن أصفعك! قبل هذا يجب أن أصفعك! لماذا لا تصفعين لندغرن وأكرفيلدت، يا كريستينا؟ اصفعيهما لتلعقي بكل حرارتك الجنسية! نعم، هكذا! مزقي بطن الأول فالثاني بأظافرك! كيف تشعرين؟
- كالجليد!
- كُلَّ عامٍ للجليدِ في ستوكهولم كلامٌ جديد.
- نحن في ساد ستوكهولم لا في ستوكهولم وإن كان ساد ستوكهولم في ستوكهولم.
- اتركيني أفعل بدلك، وخذي الفلسفة الجديدة.
- أنا الكلام القديم؟
- سيخنقه في فمك، فلا تخشي شيئًا.
- كيف سأبدأ؟
- ادخلي هذا السيخ فيه.
- سينزف.
- هذا أفضل من أن يخرأ، كما يخرأ كل الكتاب اليوم.
- لا، يا ماخور الخراء! صرخ هوراس ألفريدسون، لا، يا كريستينا سفينسون! رفقًا بي، لا تكوني مجرمة!
- يخرأون كبعضهم البعض، فلا يتميزون.
- كريستينا سفينسون، لا!
- ربما تميز واحد بخرائه عن خراء واحد آخر، بلونه، بثقله، برائحته، لكن الخراء يبقى خراء.
- قلتُ لا، يا ماخور الخراء!
- هو ذنب تطور كلام الخراء إذن.
- كريستينا سفينسون!
- لا خراء يطور كلام الخراء إلا الخراء.
- أيتها المجرمة!
- تقولين يطور؟
- أيتها الجلادة!
- بلغة الخراء.
- أيتها السادية!
- وبلغة الإبداع؟
- أيتها السويدية!
- أَسَنُ الماء.
- يا ماخور الخراء!
- على الفائز بنوبل أن يطور كلام الخراء لا كلام الإبداع.
- يا ماخور الخراء! يا ماخور الخراء!






















القسم الخامس
بيتر أكرفيلدت (1)

كان الموت ممتعًا في ستوكهولم، لأن مقبرة سكوغسكيركوغاردن هي الجنة، وكانت الملائكة تلعب بين أشجار الصنوبر، وهي لا ترتدي أثوابها البيضاء في الشتاء، كانت تترك أثوابها البيضاء للطبيعة، وفي الصيف كانت ترتدي أثوابها الزرقاء الشفيفة، الزرقاء بلون الشمس في ستوكهولم، وبلون الموت، وبلون الأعشاب. كانت الأعشاب زرقاء وسوداء في مقبرة سكوغسكيركوغاردن، سوداء بلون الحياة، كانت الحياة تتكلم في القبور من أفواه الموتى، وكانت تقول الشعر أحيانًا: البحر وطن الكون، لهذا الكون يطفو... كان الموتى يتكلمون مع الأحياء، فلا تعرف الموتى من الأحياء في المقبرة، ولا الأشرار من الأخيار، كان الكل شريرًا خيّرًا في المقبرة، وكانت المقبرة تمد ذراعها، وتلف بذراعها الكل، كأمٍ تلف الكل بذراعها، أو كأبٍ يلف الكل بذراعه بعد أن عاد من رحلة طويلة في قارب بعيدًا عن بحر الموت.
لم تكن جنازة والد بيتر أكرفيلدت كبيرة، كانت جنازة صغيرة، جنازة أقرب إلى حفلة بين أفراد العائلة. كانت بعض النساء الموشحات بالسواد يبكين في المُصَلّى بينما الجوقة تقوم بالترتيل مع عزف قطعة لنيلز لندبرغ، موسيقى كالطبيعة خليطة من جاز وفولكلور وكلاسيك. كان بيتر أكرفيلدت يفكر في النساء المنتحبات، ويقول لنفسه إنهن يبكين على أنفسهن، لأنهن في أجمل مقبرة في العالم، وهن لم يزلن على قيد الحياة، وانطلق يقهقه. استدارت رؤوس الحاضرين إليه، وحدجه القس بعينيه، لكن بيتر أكرفيلدت استمر يقهقه. قطع قهقهته قليلاً، وعاد يقهقه. تذكر، وهو في العاشرة من عمره، كيف حشا فم أخته الصغيرة عند الفطور، الفراكوست، بقطع الخبز المطلية بخبيصة الكبد بعد أن وضع عليها شرائح الجبن والسمك المنقوع في الماء المملح وحلقات الخيار والبندورة فقط لأنها تعبد هذا، وأراد خنقها. ومرة أخرى عاد يقهقه، مع إهمال مطلق من طرف القس والحاضرين. نهض بيتر أكرفيلدت، وهو يداوم على القهقهة، وغادر المُصَلّى.
وهو يقطع إحدى القناطر، وصله صوت يناديه من أعماق الماء الجليدي المحطم: بيتر! كان صوت أخته الصغيرة: بيتر! كان بيتر أكرفيلدت قد عام كثيرًا حتى أصابه العياء، فاستلقى تحت شجرة: بيتر! لم يتحرك من مكانه، كانت أخته الصغيرة في قلب البحيرة، وهي تقاوم ألا تغرق، وكانت تناديه: بيتر! كان بيتر أكرفيلدت يسمع نداءات أخته، ولا يتحرك من مكانه. بيتر! كان يسمع نداءات أخته الصغيرة المستنجدة ب – ي – ت – ر، ولا يتحرك من مكانه. في الأخير، نهض مترددًا، وذهب حتى حافة البحيرة، ورأى يد أخته الصغيرة، وهي ترتفع فوق سطح الماء، وهي تختفي، ترتفع، وتختفي، ترتفع، وتختفي. ولم تعد ترتفع، وبيتر أكرفيلدت لا يبدو عليه أي اهتمام.
- بيتر، لماذا تجلس طول الوقت وحدك؟ كانت أمه تسأله.
- ما، لا أعرف، كان بيتر أكرفيلدت يجيب أمه.
- بيتر، أنا أعرف.
- ما، أنت تعرفين.
- بيتر، أنا أعرف، أقول لك؟
- ما، أنت تعرفين، قولي لي.
- ...لأن أختك الصغيرة ساشينا، ساشيناتي، ماتت غرقًا، ولم يمكنك إنقاذها.
كان بيتر أكرفيلدت ينفجر ضاحكًا، فتزجره أمه:
- بيتر، اخرس، قلت لك اخرس، اخرس أيها الكُلَيْب الأحمق، قلت لك اخرس، اخرس، اخرس...
عندما حاول أخوه الكبير دافيد إنقاذ تجارة أبيه، تجارة كانت على وشك الغرق كساشينا، وبيتر أكرفيلدت لا يبدي أي اهتمام، تضارب مع أخيه، لطمه أخوه، ولطم أخاه، لطمه أخوه، ولطم أخاه، لطمه أخوه، ولطم أخته، لطمه أخوه، ولطم أخاه، لطمه أخوه، ولطم أخاه، دفعه أخوه، فسقط على الأرض، وركب فوقه كما كان يفعل في كل مرة، كما فعل ذات مرة: خذ، خذ، خذ، هذا لأجل ساشيناتي، لأجل ساشيناتي كل هذا، سأقول لماما إنك أردت خنقها، خذ، خذ، خذ، ساشينا، تعالي، وري ما أنا فيه بفاعل، خذ، خذ، خذ، تعالي، يا ساشيناتي، سأقتله من أجلك، ساشيناتي، والله سأقتله من أجلك، سأقول لماما، سأقول لماما، ساشينا، تعالي، وري، سأفرمه من أجلك، هذه هي السكين، ساشيناتي. دافيد. ساشيناتي. لا تلحق به الأذى، يا دافيد. تبكين من أجل هذا الجبان والكسول واللامبالي؟ اتركه وشأنه، وإلا قلت لماما. لن أتركه دون أن أفرمه من أجلك. اتركه وشأنه، اتركه وشأنه. وتبكين من أجله؟ أفعل كل شيء من أجلك، وتبكين من أجله! اتركه وشأنه، اتركه وشانه، اتركه وشأنه، وإلا قلت لماما. لكن دافيد يجرح بيتر في بطنه، ويلقي السكين، ويذهب دون أن ينظر خلفه، وساشينا خلفه تضم بيتر، وتقبله من بطنه، وتبكي، فيدفعها بيتر بأقصى قوة لتسقط على الأرض، ثم يأخذ بضربها، ثم يأخذ بضربها، يأخذ بضربها، ثم يأخذ بضربها، يأخذ بضربها، يأخذ بضربها، وعندما يكف عن ضربها، تعود ساشينا إلى ضمه وتقبيله من بطنه، ساشينا التي تصل بقامتها إلى حدود بطنه، إلى ضمه وتقبيله من بطنه، تعود ساشينا إلى ضمه وتقبيله من بطنه، إلى ضمه وتقبيله من بطنه، إلى ضمه وتقبيله من بطنه، ولعق جرحه.
- أنت جبان وكسول ولامبالي، كان دافيد أكرفيلدت يردد.
- لست جبانًا ولا كسولاً ولا لامباليًا، كان بيتر أكرفيلدت يدافع عن نفسه.
- بل جبان وكسول ولامبالي.
- وفي نهاية المطاف، ماذا يعني كل هذا؟
- هكذا أفهمك، قل إن لا حافز لك.
- بلى.
- بلى ماذا؟ إن لا حافز لك.
- منذ يومين كنت في مالمسكيلنادغاتن.
- قحباتك لم يعد لهن وجود.
- كنت في مالمسكيلنادغاتن، لأن هذا يهمني أن لا تكون للقحبات وجود.
- هذا ليس حافزًا.
- كنت أريد أن أكتب شيئًا عنهن للصحيفة التي أعمل فيها.
- مثل ماذا؟
- البلد الذي ليست فيه بنات للهوى ليس بلدًا.
- هل هذا هو حافزك وتجارة بابا تغرق، بنات الهوى؟
- القانون اللوثري هو السبب.
- في خسارة تجارة والدنا؟
- ستوكهولم ليست ستوكهولم دون...
- قحبات؟
- أن ترى في كل النساء أختك شيء فظيع، شيء فظيع جدًا، شيء فظيع، شيء فظيع، شيء فظيع جدًا، شيء فظيع، شيء فظيع، شيء فظيع، شيء فظيع جدًا، شيء فظيع جدًا، شيء فظيع جدًا جدًا، شيء فظيع جدًا جدًا جدًا.
وانفجر بيتر أكرفيلدت باكيًا.
كان بعض الشبان والشابات تحت نافذة بيتر أكرفيلدت يغنون ويرقصون وبأياديهم قناني البيرة، وكان ينظر إليهم من وراء الزجاج. رفع يده، ولم ينزلها. لم يرفع يده لهم، لكنه رفع يده، هكذا، ولم ينزلها، فرفعوا له أياديهم، وأشاروا إليه بالنزول، فلم يتحرك من مكانه. بعد عدة دقائق، سمع بيتر أكرفيلدت طرقًا على الباب، فراح يفتح. كان شابان وشابة وبأياديهم قناني البيرة، وهم يبتسمون. أعطوه قنينة بيرة، وجذبوه. حاولت الشابة الرقص معه، فلم يرقص. كانت تبتسم، لم تكن تتوقف عن الابتسام، وبيتر أكرفيلدت كان لا يبتسم. كان بيتر أكرفيلدت عابسًا، ولم يجرع من البيرة جرعة واحدة. كان عابسًا، وكان يفكر في عاهرات ستوكهولم القدامى. أخرج من جيبه حفنة كبيرة من النقود، وأعطاها للفتاة، ثم تركها، وهي تصيح من ورائه كي يعود، فلم يعد. وضعت النقود بعد أن فحصتها في رافعة ثدييها، وخفت اللحاق به.
- ماذا دهاك؟ سألت الفتاة، وهي تجذب بيتر أكرفيلدت من ذراعه.
لم يجبها بيتر أكرفيلدت.
- لماذا أنت هكذا؟ اشرب بيرتك لتدفأ، وتعال!
جرع بيتر أكرفيلدت كل بيرته دفعة واحدة، فطارت الفتاة فرحًا. كانت قرب باب أحد البيوت فأسٌ ملقاةٌ لتحطيم الجليد، فحملها، وراح بالجليد تحطيمًا، بهدوء في البداية، والشابة تضحك سعيدة، ثم بأكثر فأكثر عنفًا تحت نظرات الفتاة الفزعة، وعندما انفجر بيتر أكرفيلدت مقهقهًا كمن فيه مس من جنون، ولت الشابة الأدبار.
لن تعرف في ليالي الشتاء الباردة أحدًا، ستوكهولم هي هكذا في الشتاء. لن تجد أحدًا للنوم على صدره، ستوكهولم هي هكذا غريبة عن نفسها. لن تمسك أصابع الموت، ستوكهولم هي هكذا تهرب من بين الأصابع. لن يناديك أحد، ولن يفكر فيك أحد، ولن يبكيك أحد. الوَحدة مهولة في ستوكهولم، لهذا يرقص الشبان في شوارعها، ويحتسون الكحول هربًا، ليس من الوَحدة، وإنما من ستوكهولم، يحتسون الكحول هربًا من ستوكهولم، ستوكهولم النكران والإجحاف، ستوكهولم الشك والارتياب. ماذا تفعل وحدك؟ فيم تفكر؟ فيمن تفكر؟ هل تفكر في أخرى غيري؟ كيف تفكر في أخرى غيري؟ صنعتك مني وتفكر في أخرى غيري؟ جعلتك تكبر وتفكر في أخرى غيري؟ لم أتركك وتتركني لغيري؟ كان بيتر أكرفيلدت يحطم الجليد كي يخرج حصان يركبه، ويعدو حتى نهاية العالم. هناك حيث الشمس محرقة، والرمال مقبرة الدنيا، هناك حيث يموت الإنسان، وبعد ذلك يدخل في الصمت العميق، هناك حيث تبكي النساء على الأحياء.
في علبة الليل ساد ستوكهولم، راح بيتر أكرفيلدت يخنق كاتارينا فريدين، وفي الوقت نفسه يقهقه، ولولا تدخل الأصدقاء لقتل الغالية على قلبه.
- هل جننت؟
- شعرت كمن يغلق رواية على شخصياتها كيلا تهرب، برر بيتر أكرفيلدت فعلته مقهقهًا.
- هو مجنون بالفعل!
- ولماذا تهرب؟
- كيلا تعذب بعضها، عاد بيتر أكرفيلدت إلى تبرير فعلته من جديد مقهقهًا.
- تريدها إذن أن تعذب بعضها.
- أريد.
- لماذا؟
- مثلنا.
- ولماذا أيضًا؟
- لتبقى وحيدة.
- لماذا؟
- مثلنا.
- ولكننا معًا.
- ولكننا وحيدون معًا، وحيدون معًا وكل واحد وحيد من جهته.
- هناك من يناديني، قال رالف لندغرن، وذهب.
- هناك من يحترق في المدفأة، قال هوراس ألفريدسون، وذهب.
- لماذا لا تذهبين، كريستينا سفينسون؟ سأل بيتر أكرفيلدت.
- تريد أن أتركك وحدك مع كاتارينا فريدن؟ حارت كريستينا سفينسون.
- لا.
- سأذهب، قالت كاتارينا فريدن.
- لا أحد ينادي عليكما.
- أنا لا، ولكن هناك في حلبة الرقص ربما وجدت أحدًا، قالت كريستينا سفينسون قبل أن تضيف، هو أنا.
- وأنتِ، كاتارينا فريدن؟
- أنا، سأذهب، هل قلت سأذهب؟ فقدت كاتارينا فريدن التركيز، لنترك بيتر أكرفيلدت وحده، أضافت دون أن تتحرك.
- لكنني سأذهب، قال بيتر أكرفيلدت.
- إلى أين؟
- أمي تناديني.
- أمك أم أختك؟
- أختي أغلقتُ عليها الرواية.
- لهذا تناديك أمك.
- لا أطيق سماع صوتها.
- وإذا ما تمكنت من الهرب.
- سأخنقها.
- كما حاولت خنقي منذ قليل.
- لماذا هربتِ؟
- لم أهرب.
- أنتِ لستِ ساشينا أختي.
- لا.
- أنتِ كاتارينا فريدن.
- هي كريستينا سفينسون.
القسم السادس
رالف لندغرن (1)

المنتزه الجزيرة جورغاردن كان المكان المفضل للسياح، وكان شيئًا من ميناء العشب، ينتهي معه السفر أو يبدأ، وتكون النهايات كالبدايات محطات، فقط محطات. الإنسان قارب نفسه في جورغاردن، لا تناقض في وجدانه، والبحر فكرة خضراء. سنجيء إليكَ كل يوم، لكننا سنرحل غدًا. كل الستوكهولميين لا ينامون عند منتصف الليل. هل هناك ليل في ستوكهولم. الليل أخضر. النهار أخضر. الموت أخضر. الحياة بيضاء. بيضاء كالمتعة. كالوجنة. كالفريز. الفريز الأحمر في ستوكهولم أبيض كلون الدم. لذيذ كطعم الدم. كلي الوجود كالله. وعلى مقربة من كل عابر كان المتحف الشمالي. لماذا المتاحف كثيرة في ستوكهولم، والقصور، والكاتدرائيات؟ كان الكل ملكًا وتاريخًا ودينًا.
- أنا ضد أن ترتدي الحجاب، يا أنيتا، كان رالف لندغرن يقول لابنته الكبرى، سبعة عشر عامًا، والعائلة كلها تتناول طعامها في الهواء الطلق.
- حورية، يا بابا، كانت تصحح الابنة الكبرى رالف لندغرن.
- حورية، لم أعتد بعد على اسمك الجديد، يا أنيتا.
- حورية، كانت الأم تقول، اسم أسهل مما تتصور.
- قلت إنني لم أعتد على الاسم ولم أقل إنه اسم صعب.
- حورية، كانت مارغريتا، الأخت الصغرى، ستة عشر عامًا، ترمي، وهي تضحك.
- حورية، كان هاكان، الأخ الأصغر، خمسة عشر عامًا، يعيد، وهو يضحك.
- أقول أنا ضد أن ترتدي الحجاب، يا حورية، كان رالف لندغرن يقول لابنته من جديد. أنت اخترت دينك، ولم أعترض، لكنني أعترض على حجابك. القرآن لا يجبر على ارتداء الحجاب، القرآن ينصح به ولا يوجب عليه، وليس هذا الحجاب.
- دع ابنتي وشأنها، كانت الأم تقول، هي جميلة هكذا.
- كم أنت جميلة، يا أختي، الحجاب يجعلك جميلة أكثر وجذابة ككل عشيقات الله، كانت مارغريتا تقول لأختها، مارغريتا المرتدية تنورة قصيرة تكشف عن نصف فخذيها، وتيشيرت مفتوح يكشف عن نصف ثدييها.
- حورية بحجابها هي بالفعل جميلة، يا بابا، كان هاكان يقول لأبيه.
- لم أقل إنها ليست جميلة بحجابها، ولكنني أقول إن حجابها هذا لا علاقة له بالإسلام، كان رالف لندبرغ يشرح لأفراد أسرته. كعالم في الأديان، وبكلام آخر كعالم لاهوتي، أنا أدرى الناس بما يقوله القرآن، يقول القرآن أن تغطي المرأة ثدييها، فقط ثدييها.
- ولماذا فقط ثدييها، كانت الأم تعلق، إذا قال القرآن بتغطية المرأة فقط لثدييها، فأنا ضد، على كل عشيقة لله أن تهب له كل جسدها، وإلا ما الفائدة؟ لا تردي على بابا، يا حورية، كل جسدك، وإلا ما الفائدة؟
- نعم، كل جسدك، كل جسدك، كانت مارغريتا تقول لأختها، وهي شبه عارية في ثيابها الضيقة، أن تغطي كل جسدك.
- أن تغطي كل جسدك سيكسي أكثر، كان هاكان يرمي بين ضحك الجميع، حتى رالف لندغرن كان يضحك.
- ولماذا أسود؟ كان رالف لندغرن يعود إلى القول، الأحجبة موجودة بكل الألوان، لماذا أسود؟ اختاري حجابًا زاهيًا يتناسب مع بشرتك البيضاء.
- لأني أكره الألوان الزاهية، يا بابا، كانت حورية ترد على أبيها، منذ طفولتي، وأنا أكره الألوان الزاهية.
- كانت حورية تبكي لما أجبرها على ارتداء الألوان الزاهية، كانت الأم تقول.
- ثم اللون الأسود مع قامتها الطويلة شيء لا أروع، ومع عينيها الزرقاوين، آه، يا إلهي! كأنها حورية بالفعل كاسمها، كانت مارغريتا تعلق.
- أضف إلى ذلك أن لا غبار في السويد، كان هاكان يقول، ستوكهولم بيضاء، والحجاب الأبيض يعني طاقية الإخفاء (كانوا يضحكون كلهم حتى رالف لندبرغ).
وضع هاكان إحدى سماعتي هاتفه المحمول في أذنه، ومارغريتا السماعة الثانية، وأخذا يهتزان ويفرقعان أصابعهما على إيقاع الموسيقى، ومن آن لآن يقولان "ييه"...
- هل كنت تعرفين، يا حورية، أن الحجاب الأول لم يكن أسود؟ كان رالف لندغرن يسأل ابنته.
- لا، لم أكن أعرف، كانت حورية تجيب، ماذا كان لونه؟
- كل الألوان إلا الأسود.
- هذا لأن الأسود في الصحراء جاذب للحرارة، كانت الأم تعلق، وهنا ليست الصحراء.
- هنا ليست الصحراء، ولكن هناك لم يكن هذا هو السبب، كان رالف لندبرغ يوضح. كان السبب ذوق النساء، والأسود لم يكن على ذوق النساء، فاتفق تاجر يريد تصريف بضاعته مع أحد الشعراء ليطري الحجاب الأسود، أطراه بلغة تفهمها النساء، فتهافتن على ارتداء الحجاب الأسود، وكانت أول دعاية في التاريخ (كانوا يضحكون كلهم حتى رالف لندبرغ).
ييه...
- حَجّبوا كل جسد المرأة، ثم تلاعبوا بها، لغاية إخضاعها، همس العالم اللاهوتي لشخص غائب.
- عندما أختار ما أريد من دين أعتقد أنني سأختار الدين الإسلامي كحورية، قال هاكان بعد أن أبعد السماعة عن أذنه.
- كحورية، أعادت مارغريتا، وهي منسجمة تمام الانسجام مع الأغنية عبر السماعة التي بقيت تضعها في أذنها، وتقول: ييه...
- اللحية شيء مدهش، لكن إلى الآن لا لحية لي على الرغم من حلقي لها كل يوم، وجنتي لم تزل ناعمة كماما.
- كماما، أعادت مارغريتا، وبعد ذلك: ييه، ييه، ييه...
- وأنا لا يزعجني أن أعتنق الدين اليهودي، خصلتا الشعر مقابل السالفين شيء مدهش، أو أن أختار الدين المسيحي كماما.
- كماما.
- وأبقى أجرد الوجه كالقساوسة عندنا. ولِمَ لا أعتنق أي دين؟ كبابا.
- كبابا.
- فأبقى على حب الأديان الثلاثة دون أن أكون متدينًا.
- ييه، ييه، ييه...
- أنتِ كماما أم كبابا؟ صاح هاكان في أذن أخته.
- كبابا.
- أنا لا أعرف بعد.
- ييه، ييه، ييه...
فتح رالف لندغرن عينيه، فوجد نفسه يجلس وحيدًا في الصالون. كان الحوار لم يزل مستمرًا ولا أحد معه، كان يجلس وحده في الصالون، ولم يزل الحوار مستمرًا:
- حورية في حجابها شيء مدهش، شيء مدهش، حورية في حجابها شيء مدهش، ردد هاكان، أليس كذلك يا مارغريتا؟ صاح هاكان في أذن أخته الصغرى.
- ييه، ييه، ييه...
- لكن هذا ليس رأيي، قال رالف لندغرن، وكما قلت لك، يا حورية، أنا ضد أن ترتدي الحجاب، هناك الكثير من المسلمات اللواتي لا يرتدين الحجاب، أسود أم أبيض، أنا ضد أن ترتدي الحجاب.
- أنت حر، يا بابا، فيما ترى، وأنا حرة فيما أرى، قالت حورية.
- ييه، ييه، ييه، قالت مارغريتا وهاكان بعد أن أعاد وضع السماعة في أذنه.
- الحرية ليست سوداء أو بيضاء، يا حورية، ألح الأب.
- اترك حورية وشأنها، يا رالف، تدخلت الأم.
- نعم، اترك حورية وشأنها، يا بابا، قالت مارغريتا. أليس كذلك، يا هاكان؟
- اترك حورية وشأنها، يا بابا، قال هاكان.
- لا تزعل مني، يا بابا، كانت حورية تقول لرالف لندغرن، حورية غير الموجودة في الصالون، وهي تمسك يد أبيها.
كان رالف لندبرغ يحمل اليد الخيالية إلى فمه، ويقبلها.
- أنا لا أزعل منك، يا ابنتي.
- لا تزعل مني، طيب؟
- أنا لا أزعل منك، أنا لا أزعل منك، يا حبيبتي.
- أريدك ألا تزعل مني، ألا تزعل مني، يا بابا.
- أنا لا أزعل منك، أنا لا أزعل منك، أنا لا أزعل منك، يا حبيبتي.
كان الأبناء الثلاثة الخياليون يَنُطُّونَ على أبيهم، وهم يقهقهون، والأم الخيالية تطلب منهم:
- اهدأوا، يا أولاد، اهدأوا!
بعد عدة دقائق من الصمت، كان رالف لندغرن يشم رائحة عطرة، رائحة الموت والحرية، فينهض، ويبحث عن مصدرها، وهو ينظر باتجاه الباب، كان يرى في فوهة الباب امرأة نصفها الأعلى عار، بثدي مقطوع:
- هذه أنت، يا جوستين؟
- هذه أنا، يا رالف.
- ولماذا لا تدخلين، يا جوستين؟ تعالي، تقدمي، اقتربي مني. نعم، هكذا، تعالي بين ذراعيّ. سأغطيك بذراعيّ. هل تشعرين بالبرد، يا جوستين؟
- قليلاً، يا رالف.
- سأغطيك بذراعيّ، يا جوستين. سنجلس على الكنبة، وسأغطيك بذراعيّ. المرة القادمة، لا تخرجي بصدرك العاري هكذا. ستوكهولم باردة، وستصابين بالزكام. هل تنعمين بالدفء بين ذراعيّ، يا جوستين؟
كانت جوستين لا تجيب.
- ستوكهولم باردة. هل تسمعينني، يا جوستين؟
كانت جوستين لا تجيب.
- باردة هي ستوكهولم. جوستين. هل تسمعينني؟
كانت جوستين لا تجيب.
- ستوكهولم باردة. جوستين، هل نمت، يا حبيبتي؟ ستوكهولم باردة. باردة. ستوكهولم باردة. جوستين. جوستين. ستوكهولم باردة. نجوم ستوكهولم كثيرة. كثيرة نجوم ستوكهولم، يا جوستين. باردة هي ستوكهولم. ستوكهولم باردة. ستوكهولم. نجوم. كثيرة. كثيرة نجوم ستوكهولم. كثيرة نجوم ستوكهولم، يا جوستين. كثيرة. باردة. ستوكهولم. ستوكهولم. باردة. كثيرة. ستوكهولم. ستوكهولم. ستوكهولم. جوستين، جوستين، جوستين... هل نمت، يا جوستين؟ تعال يا موسى، وتعال يا عيسى، وتعال يا محمد، جوستين أممكم، وأممكم جوستين. لن تتركوها اليوم في البرد تهلك، كما تركتم ضحايا الأمس في الجحيم يهلكون. شُق بها البحر، يا موسى، وأنقذها مما هي فيه. أعرف أنك لن تفعل، ولن يفعل أخوك الأوسط عيسى، لأن جوستين أمه، وهو يريد لها الموت، فلا تراه مرفوعًا على الصليب. أما أخوك الأصغر محمد، فلن يرفع إصبعًا واحدةً من أجل جوستين، ليبقى ثديها الجميل المقطوع عاريًا إلى أبد الآبدين. ليس لديكِ إلاي كنبي زمانك، يرأف بك، يا جوستين. سأرف بك، لأنك كل الضحايا السابقة واللاحقة، ولن أتردد عن الموت من أجلك. سآتيك بالنجوم، برهان وفائي وإخلاصي. جوستين، جوستين، جوستين... نامت حبيبتي جوستين.
كانت نجوم ستوكهولم تبين من النافذة، كانت كلها تتلألأ، كانت كلها تبين من النافذة كاللآلئ، وكانت كثيرة، كانت كثيرة جدًا، كانت النجوم كثيرة جدًا، ككل نجوم السويد، كانت النجوم كثيرة جدًا، كانت لكل سويديّ آلاف النجوم، مئات آلافها، ملايين النجوم، مئات ملايينها، وكانت لكل نجوم الكون السويد. كانت نجوم ستوكهولم في السماء، وعلى الأرض، وفي كل مكان، في كل مكان كانت نجوم ستوكهولم. كانت نجوم ستوكهولم في الأحلام، في أحلام الأحياء، وفي أحلام الموتى، وكانت نجوم ستوكهولم في الكتب، كانت تتلألأ في الكتب، فتضيء أمهات الكتب، وتعيد للحياة الحياة. كانت نجوم ستوكهولم في العيون، وعلى الشفاه، وبين الأصابع، زرقاء في العيون، خضراء على الشفاه، سوداء بين الأصابع. كانت نجوم ستوكهولم في الأشرعة، وفي الأجنحة، وفي المخدات، الحب كان نجوم ستوكهولم، والتحليق كان نجوم ستوكهولم، والريح كانت نجوم ستوكهولم. نجوم ستوكهولم. ثلوج ستوكهولم. جليد ستوكهولم. كانت نجوم ستوكهولم في كل مكان، كانت نجوم ستوكهولم كل مكان، وكانت ستوكهولم باردة كثدي ينام في العراء، لكنها كانت تشتعل باللآلئ، بلا غرابة ولا تنافر، كانت تشتعل بنار باردة تحرق الخيال، فتجعل منه موقدًا كبيرًا من الحكايات والمغامرات.
- حكايات ومغامرات قفاي، في نهاية المطاف، علق رالف لندغرن، وهو يعرّض مؤخرته لسوط كاتارينا فريدن، ويصرخ من عظيم الألم.
- وماذا تنتظر في ساد ستوكهولم؟ ردت كاتارينا فريدن، وهي تعود إلى ضرب مؤخرته من جديد.
- أنا لا أحتمل الكي، يا كريستينا سفينسون، رجا هوراس ألفريدسون.
- أنا لا أحتمل الفصد، يا كريستينا سفينسون، توسل بيتر أكرفيلدت.
- أنا لا أحتمل لا الكي ولا الفصد، قالت كريستينا سفينسون.
- إذن لماذا تفعلين؟
- ليس أنا.
- مَنْ، يا دين الرب؟
- هل تريدين أن أكويه، هوراس ألفريدسون، أن أفصده، بيتر أكرفيلدت، يا كاتارينا فريدن؟ سألت كريستينا سفينسون على صراخ المعذَّبَيْن.
- لماذا تسألينيه؟
- والثالث، رالف لندغرن، هل تريدين أن أفصده، أن أكويه؟
- ماذا ترى، يا لندغرن؟
- ليس هذا جزءًا من حكاياتي.
- ولا أنا.
- ليس لنا ذوق واحد في نهاية المطاف، عملت كريستينا سفينسون.
- جائزة نوبل توجب هذا، ألا يكون لنا ذوق واحد، أكدت كاتارينا فريدن.
- نسيت نوبل، ابن القحبة هذا! شتم رالف لندغرن.
- وتوجب هذا، أن تشتم العالم بأكمله.
- توجب ألف مرة هذا، إنها الجالد والمجلود، الكاوي والمكوي، الفاصد والمفصود! انتظارها كعدم انتظارها لعنة!
- والذين ينتظرونها منذ قرون حتى ما قبل موتهم؟
- فليعرّضوا أقفيتهم لسوطك، تكون جائزة نوبل التي لهم!
- حنون سوطي!
- أقفيتهم تستأهل كل خير!
- ليس أنت!
- أنا قفاي اعتاد على كل شر!
- الشر خير لقفا كقفاك!
- أنا على كل حال لم أفكر يومًا في نوبل، أنا كاتب عادي جدًا، يا عزيزتي!
- لهذا السبب ربما ستحصل عليها.
- دون أن أكون شاعرًا ولا روائيَا ولا ممحونًا؟
- دون أن تكون.
- فريدن، أنت تجاوزتني بخططك الشيطانية، أعتمد عليك.
- ثق بي.
- بك أم بسوطك؟
- إذا وثقتَ بي وثقتَ بسوطي وإذا وثقتَ بسوطي وثقتََ بي.
- سأروي لكم أعظم حكايات قفاي، قال رالف لندغرن دون أن يبالي بصرخات الألم والتوسل. في العام الماضي، لم أجد كاتبًا واحدًا على وجه الأرض يستحق جائزتنا، فقلت لنفسي لتكن نوبل لمن لا يستحقها. كان كاتبًا مجهولاً من التيبت، حتى في بلده لم يكن معروفًا. تعرفت عليه بالصدفة في رحلة سياحية لن أنساها ما حييت، ليس لأنها كانت أروع رحلة، وليس لأن الدهشة التي فقدتها منذ طفولتي وجدتها هناك. كان الدليل، وكان يفقد التركيز مثلك، كاتارينا فريدن، كل خمس دقائق، ليس مثلك، ويتركنا نكمل بخيالاتنا قدر المستطاع الناقص في كل مرة مما يعرض، وإذا بالمعابد تتحول إلى شيء آخر، وبالأعياد، وبمراسم الحياة، فالحياة في التيبت عبارة عن سلسلة من المراسم تتلو بعضها البعض إلى ما لا نهاية، لهذا كانت الحياة أبدية هناك. لو أن هذا الشخص كاتب، قلت لنفسي، لأتحف البشرية بأجمل الكتب. خاطرتُ، وسألتُهُ إذا ما كان يكتب، وكان يكتب. لما قرأت ما يكتب، كانت خيبتي كبيرة، فما يكتبه لا يتعدى الإنشاء المدرسي. وعلى الرغم من كل شيء، لم أدخر وُسْعًا في حصول التيبتي على الجائزة، كلكم يعلم هذا، وما لا يعلمه أحد منكم، رهاني على أن يكمل القارئ بخياله الناقص فيما يخلق الكاتب كلما فقد التركيز.
















القسم السابع
كاتارينا فريدن (2)

- آآآآآآآآآه! أطلقت أم كاتارينا فريدن آهة مديدة، كم رائحة المضاجعة لذيذة في ساد ستوكهولم، اللُّهاث، العُواء، الصُّراخ، الهُواس، الانهيار، الرقص المجنون، المنافاة للأخلاق، الأيام الخاليات، تركيز السلطات، تركيز الفكر، كل شيء هنا لذيذ، فريد، ليس له نظير في الحياة.
- الحياة هنا، يا أمي، قالت كاتارينا فريدن.
- تعالي إذن لنعيش!
سحبت الأم ابنتها من اليد إلى حلبة الرقص، وراحت المرأتان تهتزان تحت الأضواء المعتمة على مزيج موسيقي من كل نوع، موسيقى ليست موسيقى، هجينة، همجية.
- آه! أعبد هذا، لهثت أم كاتارينا فريدن، وأنتِ؟
- وأنا.
- كل تعبي من أجل العيش ذهب سدى قبل هذا.
- لم يذهب شيءٌ كبيرٌ.
- أنت تمزحين؟
- الحياة بقدر الوقت الذي نقضيه في ساد ستوكهولم.
- أنت تطمئنينني.
- ما عدا السهو والغلط.
- الغلط؟
- غلط الحس.
- هذا أفضل من أن يغلط المرء غلطة فاحشة.
- لا تفكري في هذا!
رأت الأم نفسها بين ذراعي أحد الشبان.
- لن أفكر إلا في هذا، صاحت مشيرة إلى الشاب، وهو يغيب بها في زاوية بعيدة من الحلبة، وقهقهتها تغيب معها.
توقفت كاتارينا فريدن عن الرقص، وعبست، وما لبثت أن عادت إلى طاولتها. جرعت قنينة الجعة دفعة واحدة، وارتدى وجهها قناع التفكير، فالتركيز لعبة في نهاية المطاف، والتفكير شأن من شئون الحياة، الحياة في ساد ستوكهولم.
- لماذا لا ترقصين معه؟ قطع أحدهم تفكيرها.
- معه أم معك؟
- معنا نحن الاثنين.
- ليس حالاً.
- إذن لنذهب حالاً إلى غرفة تحت.
- لا، شكرًا.
- خسرتِ حياتك!
غالب الظن أنني خسرت حياتي، قالت كاتارينا فريدن لنفسها. كانت في ساد ستوكهولم لا تعيش، كانت تموت، فالموت كالحياة في علبة الليل الوقت الذي نقضيه. نظرت إلى ساعتها، وارتدى وجهها قناع التفكير من جديد. حملت قنينة جعة أمها، وجرعتها دفعة واحدة. الحمد لله أن لا أخ لها، فلو كان لها أخ لخافت. لا أخ ولا زوج ولا عشيق، وزوج أمها لا حساب له بعد أن غدا سكيرًا. "اتركيني أشرب منك، كاتارينا، يا ابنتي!" "تشرب مني كيف؟" "منك." "مني؟" "منك، منك." "مني، مني." "منك، منك، منك." "مني، مني، مني." "هل فهمتِ؟" "أيها الفاسد العقل، يا رابّي!" بعد أن غدا ملتاثًا، بسببها غدا سكيرًا، ملتاثًا، بسبب شفتيها، وثدييها، ووِرْكَيْها. لم يعد يسعدها ذلك، خاصة بعد أن بدأت أمها تجبرها على إرضائه. كانت أمها تخاف من فقدانها إياه، ولم تترك لكاتارينا فريدن خيارًا آخر غير الرضوخ. عندما كان الحلم أكبر من كل الرغبات المطريركية، كانت تنزع قناع التفكير، وترتدي قناع عدم التركيز. كم كان ذلك سهلاً! إلا أن أمها كانت تغضب، فتحطم كل شيء، ولا تتردد عن تحطيم رأسها، رأس كاتارينا فريدن. وعند ذلك، لم يكن يصمد أمام الشيطانية المطريركية شيء.
على المشرب، طلبت كاتارينا فريدن قنينة جعة، وأرادت العودة بها إلى طاولتها لما أمسكتها يد ناعمة.
- لستِ ضد أن تنام بنتان معًا؟ اقترحت الفتاة.
- لا، ابتسمت كاتارينا فريدن.
- إذن ماذا تنتظرين؟
- الحقيقة أنني مشغولة البال.
- ليس هناك أحسن من هذا في هذه الحال.
- لا، أشكرك.
- اسمعي...
- ربما فيما بعد.
- لا تفكري كثيرًا في قضيبك!
نظرت كاتارينا فريدن إلى ساعتها، وجرعت كل قنينة الجعة دفعة واحدة. عادت إلى حلبة الرقص، وبحثت بعينيها عن أمها دون أن تجدها.
- عني أنت تبحثين؟
استدارت، ووقعت على هوراس ألفريدسون.
- إنها أمي.
- اتركيها وشأنها، بضع جلدات لا تؤذي أحدًا.
- صحيح، ولكن...
- ولكن ماذا؟ لا تكوني خراية! الحرية كالعبادة مطلقة في ساد ستوكهولم!
- أنت تخريني بكلماتك الكبيرة!
- نزعت قناع الفلسفة، وارتديت قناع الله.
- هذا بالأحرى لندغرن.
- ومن يكون لندغرن، هذا المأفون، لاحتكار الله في ساد ستوكهولم؟
- تعال نرقص!
- أرغب في تعذيبك.
- بل أنا.
- هذا المساء دوري.
- هل هي لعبة؟
- الجسد مجرم، لهذا كانت للرجل عصا.
- وللمرأة أيضًا عصا.
- نسيت أننا في ساد ستوكهولم.
- أرأيت؟
- كل شيء في علبة الليل هذه بخصوص الجسد ممكن.
- وبخصوص الروح؟
- لا تفقدي التركيز، رجاء، كاتارينا فريدن!
راح يراقصها من ظهرها، وهو يبالغ في الالتصاق بها.
- هل تشعرين به؟
- أشعر به.
- سأجلدك به بعد قليل.
لكنها تركته يجلد به نفسه، وغابت بين الأجساد الراقصة.
- ما بِكَ؟ سأله رالف لندغرن المراقص لكريستينا سفينسون.
- كاتارينا فريدن ضاعت هناك.
- هل هي هنا، كاتارينا فريدن؟ سألت كريستينا سفينسون.
- ضاعت هناك.
- هيه! إلى أين أنت ذاهب؟
- اتركه، يبدو أنه لم يضاجع كالعادة.
- أنا أيضًا لم أضاجع كالعادة، قال بيتر أكرفيلدت من ورائهما، وهو يرقص وحده.
- أنت شيء آخر.
- أنا شيء آخر ماذا؟
- أنت تكتفي بالاستمناء.
- ولكن بماذا أقسم لك؟
- بقفا أختك.
فتحت كاتارينا فريدن باب إحدى الغرف التحت الأرضية، ودخلت في شبه العتمة على صرخات أمها كلما ساطها أحد المرتدين للجلود السوداء، الملثم بقناع يخفي كل الوجه: كان الشاب. رأتها عارية تمامًا عري سكان الجحيم، وعملت على ألا تراها. بدلت ثيابها، وتلثمت، ثم أشارت إلى الشاب بالمجيء، فجاء سرًا، سلمها السوط، وبالمقابل سلمته النقود. أخذت مكانه، وبدأت بأمها جلدًا، أسيلاً في البداية، أثار استغراب الضحية، وأصيلاً في النهاية. كانت تسوط أمها بيد الشيطان، وترفع قلاع الشر. وكلما أطلقت أمها صرخة، كلما أطلقت هي الأخرى صرخة. "خذها من ثدييها، يا دين الرب!" قال الصدى. "هذا لأجل ثدييّ!" نبرت كاتارينا فريدن. "كاتارينا، هذه أنتِ؟" توسلت أمها. "وهذا لأجل ردفيّ!" "كاتارينا، ارأفي بأمك!" "وهذا لأجل فخذيّ!" "كاتارينا، ستقتلين أمك!" "وهذا لأجل ساقيّ!" "كاتارينا، يا صغيرتي كاتارينا!" "وهذا لأجل قدميّ!" "يا صغيرتي كاتارينا! يا صغيرتي كاتارينا!" ألقت بالسوط أرضًا، وصعدت كاللبؤة على أمها، وراحت بها تمزيقًا.
- لن أفقد التركيز، يا أمي!
- أوه، يا صغيرتي كاتارينا!
- بعد أن مزقتك، سأعضك.
- ليس من ثديي. آي! آي! يا صغيرتي كاتارينا. يا كلبتي!
- ومن بطنك.
- آي! آي!
- ومن فرجك.
- آي! آي! آي!
- ومن كلك.
- لا، يا كاتارينا! لا، يا صغيرتي! يا صغيرتي كاتارينا!
- وبهذه السلسلة سأخنقك.
- النجدة.
- في ساد ستوكهولم لا أحد يأتي لنجدة أحد.
- اتركيني أذهب، يا حبيبتي!
- لا مكان نذهب إليه في الجحيم.
- فكيني! أطلب منك المعذرة!
- المعذرة؟ أية معذرة؟
- أطلب منك المعذرة!
- فات الأوان.
- المعذرة!
- وبهذا السيخ سأحشوك.
- المعذرة! المعذرة!
- فات الأوان.
- المعذرة! المعذرة! المعذرة!
- فات الأوان.
- لم أكن أعلم ما سَخَّمْتُ بصدرك.
- مساخرك.
- تسلسل أفكاري.
- تسلطك على ميولي.
- كان عليّ أن أحميك على طريقتي، تمتمت الأم، وهي تذرف الدمع السخين، كان عليّ أن أتحداني ضد كل العقبات، كان عليّ أن أكون بقوة الصخر في عالم جبان. لم أتردد عن فعل أي شيء من أجلك، عن قبول ما لا يُقبل، عن الغطس في بحيرات الجليد المائع لأصطاد. نِمت مع أكثر من واحد غدا معلمي، غررت كثيرين لم يفوا بوعودهم. كان عليّ أن أكون أمك وأباك قبل أن يموت أبوك، قبل أن يغدو كحوليًا، هو الآخر، قبل أن يُجَنّ. وكان عليّ أن أصنعك مثلي، قوية لا تأبه بشيء، أن أصنعك غير مثلي، مثقفة، جامعية، تضرب على الطاولة. تحقق لي معك ما لم يتحقق لي معي، فقلت لم أفشل في حياتي، لم أغدُ عاهرة، لم أجمد على أحد الأرصفة. استطعت التغلب على كل الرجال، وكل النساء، ولم يعرف الندم طريقه إلى قلبي، ولا الذنب، ولا السمك الهائم على وجهه، لأني كنت مغامرتي.
القسم الثامن
كريستينا سفينسون (2)

- ألفونس، يا حبيبي، لماذا الجنس شغلك الشاغل؟ قالت كريستينا سفينسون لرالف لندغرن.
- ألفونس! أبدى رالف لندغرن استغرابه، لست زوجك، يا كريستينا سفينسون.
- نحن في ساد ستوكهولم، فابحث لك عن واحدة غيري.
- أنا لا أريد واحدة غيرك.
- ألفونس! لا تكن عنيدًا كجحش تركي!
- ألفونس! ألفونس! طيب، ألفونس!
- هناك جميلات أكثر مني.
- جميلات أكثر منك ربما، ولكنهن لسن جنسيات مثلك.
- أنا الباردة برود الجليد؟
- الباردة شيء والجنسية شيء.
- أرى ذلك.
- ماذا؟
- رِدفي مدور أكثر من اللازم.
- رِدفك وثديك وثغرك.
- ثغري! لم يلفت ثغري أبدًا انتباهي!
- ثغرك شيء غير معقول!
- هل تعتقد؟
- ثغر إنغريد بيرغمان ثغرك.
- أنا إنغريد بيرغمان.
- إذن لهذا.
- لا أعتقد.
- أؤكد لك.
- وثديي؟
- إنجيل بأكمله.
- ثدي مريم؟
- ثدي كل المسيحيات.
- ورِدفي؟
- رِدف كل المحجبات.
- هل أسلمت أم ماذا؟
- ابنتي.
- ابنتك ماذا؟
- أسلمت.
- لهذا تحب أرداف المحجبات؟
- أحب رِدفك.
- لكني لست محجبة.
- لا حاجة لكِ بذلك.
- تراني محجبة دون أن أكون محجبة؟
- ما هي سوى استعارة دينية لجمال رِدفك.
- أمرك خطير، يا ألفونس!
- أمري؟
- الجنس شغلك الشاغل.
- ها أنت تعودين!
- قل لي، يا ألفونس...
- من هو هذا الألفونس؟ سأل بيتر أكرفيلدت من ورائهما، وهو يرقص وحده.
- تخيل أنه أنا.
- ستدفعك إلى الانتحار أنت أيضًا.
- ليس قبل أن أجعله ينتحر بين رِدفيها.
- هل رأى أحدكم كاتارينا فريدن، سأل هوراس ألفريدسون بهيئة ضائعة.
- بحثت عنها تحت؟
- بحثت.
- مارس الاستمناء إذن كبيتر أكرفيلدت.
- ولكن بماذا أقسم لك؟
- بقفا أختك.
على شاشة عملاقة، رقصت إحدى جميلات التزلج بمايوهها الشفاف، والكاميرا تركز على مفاتنها: رِدفيها، فخذيها، ثدييها. تدلى لسان بيتر أكرفيلدت، وجمد مبهورًا.
- ماذا، يا أكرفيلدت؟ صاح هوراس ألفريدسون.
- إنه كمن يغطس برأسه في حفرة من الجليد المذاب، علقت كريستينا سفينسون.
- لذيذ الجليد المذاب!
- بلذة السمك.
- ماذا، يا أكرفيلدت؟
- يا إلهي! همهم بيتر أكرفيلدت.
- لهذا السبب أنت حزين؟
- لم أرَ جمالاً كهذا الجمال!
- اغرف منه ما شاء لك، فسيحتاجك ذلك لما...
- ولكن بماذا أقسم لك؟
- بقفا أختك.
جذبت كريستينا سفينسون رالف لندغرن، ونزلت به إلى غرفة تحت أرضية، فهجم عليها، وأخذ يقبلها من كل وجهها. كشف صدرها، وتناول بعنف ثدييها. سقط بين فخذيها، ورفع فستانها. مزق بنطالها، وبشراسة عضها. فجأة، جمد على برودتها.
- ألم أقل لك، يا ألفونس؟
- إذا كان الأمر كذلك، فلن يستسلم أبدًا هذا الألفونس.
رماها على السرير، وهددها بالسلسلة، فأغلقت عينيها، وتوسلت لمريم العذراء، لكنه انهار، وبكى.
- ماذا، يا ألفونس؟
- لماذا أنت عنيفة إلى هذه الدرجة؟
- أنا عنيفة أم أنت؟
- أنتِ، أنتِ، أنتِ!
- كلي لكَ، فتعال!
- أنت عنيفة، عنيفة!
- أَفْتَحُ فخذيّ.
- عنيفة!
- أُدْخِلُ أصابعك.
- عنيفة!
- أكثر.
- عنيفة!
- أكثر، أكثر.
- عنيفة!
- أكثر، أكثر، أكثر.
- مجرمة!
- أَسْتَمِرُّ.
- مدمرة!
- أَسْتَمِرُّ، أَسْتَمِرُّ.
- بربرية!
- أَسْتَمِرُّ، أَسْتَمِرُّ، أَسْتَمِرُّ.
- فاشية!
- أكثر، أكثر، أكثر. يا دين الرب! آه! آه! آه! أنت تستفزني بتباكيك! مضحك أنت! ألا ترى في ساد ستوكهولم كيفني مريضة ومستبدة؟ كفيكنغ زمان أنا، غامرتُ بنفسي، وأبدًا لم أعد. كانت طريقتي في الازدراء، السعي وراء الحِداد، المطاردة. كنت أنا، لم أكن هي. هو. الخراء. المرض الذي لا يعالج. الفرادة. فرادة المرض. فرادة الخراء. من حقنا أن نكون مرضى. مجانين، مهووسين. لا أذكر إذا ما كنت في صحة جيدة. صحة جيدة لي هذا يعني جنس جيد. قضيب طويل يخترقني من فرجي إلى فمي ويجعلني أصرخ، أهز الكون، فأطلقتُ الصراخ في المظاهرات، وهززتُ العالم في المسارح. وبعد ذلك، كان عليّ أن أنام وحدي معي أو وحدي مع غيري.
سال عرقها، وترامى رالف لندغرن تحت قدميها. وبعد بضع ثوان، أملست جبهة صديقها برقة.
- اقترب، يا ألكسندر، طلبت من رالف لندغرن.
رفع رالف لندغرن رأسه، وألقاه بين فخذيها.
- كن أقل عنفًا من أسقف أمك مع فاني، همست كريستينا سفينسون، أختك الصغيرة، عدني بأن تكون رقيقًا معها، هلا وعدتني، يا ألكسندر؟
- فاني، ماذا دهاك؟
- هلا وعدتني؟
- الوعود تذهب هباء منثورًا عَهْدَ جوٍ نُعاملُ فيه بقسوة.
- ألكسندر، هلا وعدت فاني؟
- فاني، لن أفي بوعدي.
- عِدْ فاني، أرجوك!
- أعدك.
- آه! كم أنا سعيدة الآن، سأعرف كيف أعتصم بالصبر الآن.
- لمقاومة ماذا؟
- تعذيب أسقف أمك.
- سأقتله لك.
- لا، يا ألكسندر! أنت تنسى ماما!
- وهي ألم تنسنا لما تزوجت من أسقفها؟
- تبقى أمنا.
- ليس أنا.
- تبقى ماما أمنا.
- وزوجها المجرم؟
- يبقى زوج أمنا.
- فاني! العائلة أنا على قفاي!
- ليس أنا.
- انتظري لما أكبر قليلاً، وسأبرهن لكِ أن العائلة أنا على قفاي!
- أنا على قفاك؟
- أنتِ ليس الشيء نفسه.
- أنا ماذا؟
- أنت الحرام، المعاصي، جهنم، أنت فاني!
- يا حبيبي!
- أنت فاني!
- وأنت ألكسندر!
- أنت عائلتي!
- وأنت عائلتي!
- ماما وزوج ماما على قفاي!
- لا تسئ إلى ماما!
- أنا جائع، هل أنت جائعة؟
- لا تسئ إلى أمنا!
- سأعمل ساندويتش بخبيصة الكبد.
- هل تسمعني؟ لا تسيء إلى ماما!
- هل تريدين ساندويتش بخبيصة الكبد؟
- لا تسئ إلى ماما!
- لن أسيء إلى ماما، ولكن العائلة أنا على قفاي!
- إذا كان الأمر لا يسيء إلى ماما، العائلة أنا أيضًا على قفاي!
- هل أضع في ساندويتشك خيارًا وبندورة؟
- عندما يموت أسقف أمنا، لن أرتدي ثياب الحداد، لن أشرب القهوة السوداء، لن أطرد الغربان عن طاقتنا، سأترك جسدي الأبيض عاريًا بين يديك، وسأشرب معك العرق المستورد من لبنان، وسأجعل من المناقير الصفراء شهواتي، وعندما تغضب منا ماما، وتطردنا قائلة فلتذهبا إلى الشيطان، سنذهب إلى مكان لا يعرفه أحد في ستوكهولم، وهناك سنتبادل اسمينا، أنت فاني، وأنا ألكسندر، لأني أقوى منك في كل شيء، ولا حاجة لي إلى أن أكون ما أنا عليه، سأقطع ثديي اللذين تحبهما، وأعطيك إياهما، وأنت ستقطع قضيبك الذي أحبه، وتعطيني إياه. هل تسمعني، يا ألكسندر؟ بعد ذلك، سنعيش كما نرغب نحن لا كما ترغب العائلة، هكذا أنا أفهمك لما تقول العائلة أنا على قفاي!
















القسم التاسع
هوراس ألفريدسون (2)

- إيدا! نادى هوراس ألفريدسون، هذه مفاجأة.
- بروفسور، هتفت إيدا، ماذا تفعل هنا؟
- منذ متى تترددين على ساد ستوكهولم؟
- الواقع أنني أبحث عنك.
- ومن قال لك؟
- ماذا؟
- أنني في علبة الليل الشيطانية هذه؟
- هيغل.
- هيغل يعرف هذا المكان؟
- وهل قطع هيغل قضيبه؟
- إذن، فهو هيغل.
- في علم الجمال الذي كتبه فصل ناقص.
- سأكون سعيدًا لو نكتبه سويًا.
- هل وجدتَ كاتارينا فريدن؟ سأل بيتر أكرفيلدت هوراس ألفريدسون.
- أقدم لك إيدا.
- وكاتارينا؟
- لم أجدها.
- سأبحث لك عنها.
- كم هو غريب الأطوار هذا الرجل!
- إنه الصحفي المعروف بيتر أكرفيلدت.
- أنا لا أعرفه.
- هل أنتِ بصدد تطهير النفس أم تطهير الجسد؟
- لا الواحد ولا الآخر.
- إنها التطورية التي يقترحها واحد غريب الأطوار كبيتر أكرفيلدت.
- نظرة إليه تشعل المرأة، فتحار في أمر شبقها.
- تعالي، يا إيدا! توقفي عن النظر إلى الناحية التي ذهب منها هذا المستمني!
- يا ليتني أنا!
- أنتِ ماذا؟
- أن أفعله له.
- إيدا، يا حبيبتي، بماذا تتلفظين؟
- أنا حائرة في أمر شبقي.
- فلنذهب إلى ناحية شبه معتمة ترضين فيها مسّك الشبقي.
- ليس معك، بروفسور، معه.
خلته، وهو يصيح من ورائها:
- إيدا! باسم هيغل عودي!
- هيغل! ألقت كريستينا سفينسون، هل هو صاحبك؟
- صاحبته، سخر رالف لندغرن.
- أنتما، هل حشا ساد أحدكما في رِدف الآخر؟
- أنا، رد رالف لندغرن، ولكن ليس في الرِّدف.
- هذه صلاتك التي لك، علق هوراس ألفريدسون.
- صلاته هذا كثير، المسكين! تهكمت كريستينا سفينسون.
- لا تقولي لي إنك حصلتِ على انتعاظك، سفينسون؟ تهكم هوراس ألفريدسون.
- كما لم يحصل معي منذ قرون، زايدت كريستينا سفينسون.
- تهانيّ، يا لندغرن! طن هوراس ألفريدسون. لندغرن، إلى أين؟ لماذا هو معتم في ليل ساد ستوكهولم؟
- بروفسور، لم أعثر على صديقك.
- هذه إيدا، هذه كريستينا.
- إيدا؟
- طالبتي.
- سأبحث عن كاتارينا فريدن.
- تعالي، يا إيدا.
- لماذا؟
- لتشبعي نهمك.
- ظننت لتشبعني ضربًا.
- هناك ناحية شبه معتمة.
- ستتركني أفعل هذه المرة كما أريد.
- سأترك عنقي لك.
- ليس عنقك، ولدك.
- اخنقيه، اذبحيه، دمريه!
- ساد ستوكهولم ليس المدينة الفاضلة.
- وأنا لست أفلاطون.
- ومن تكون؟
- كلبك.
- أحب هذا.
- نعلك.
- أحب هذا أفضل.
- حفنة سكر تحت لسانك.
- حفنة ملح.
- إذا أردتِ.
- لماذا لا تفعل هذا مع زوجتك؟
- زوجتي لا تفعله مثلك.
- هي لا تحبك.
- أنا لا أحبها.
- وهل تحبني؟
- لا أحبك.
- عجيب أمرك!
- أحب لسانك.
- عجيب أمري!
- بإمكانك قول ذلك.
- وثديي، هل تحبه؟
- لا أحبه.
- وبطني هل تحبه؟
- لا أحبه.
- وفرجي هل تحبه؟
- ...
- متردد؟
- الفرج، أي فرج، هو الفكرة لدى هيغل.
- المتسلطة، المتعجرفة، المريضة.
- نخضع له ولا نحبه.
- جلاد هو فرجي.
- كأسد، كبوتفليقة، ككيم جونغ-أن.
- أنت تتملقه.
- لا تريدين أن أقول كخادم الحرمين الشريفين؟
- أنا بركان بفضله.
- ثوران.
- أن أقوم بثوران على صواب، هذا يعني فلسفيًا أن أقوم بثوران على خطأ، عرضت إيدا فكرتها، والهدف أن أتحاشى ما أسمعه من جواب "لا جديد" كلما سألتُ "كيف الحال؟" كان عليّ أن أقنع نفسي عن خطأ أن العكس هو الصحيح: كل شيء جديد! وفي الواقع، ليس هناك من جديد فعلاً. كان كل شيء يتوقف على ثقل ثديي الضخمين، هذا يعني فلسفيًا عليّ كامرأة. أن يكون لي قضيب بالفعل، حتى وأنا آخذ قضيبك بفمي، أن أشعر بأنني قادرة على أن أكون، وبطريقة تزعج، تثير الاستنكار، تزعزع. نحن في السويد، يا دين الرب! في مركز العالم! وأنا سويدية قبل أن أكون امرأة، ولأني سويدية كل النساء نساء، حتى تلك اللاتي يمصصن فروج رجالهن تحت الحجاب. نساء. آدميات. لبؤات. نُذِلُّ الإذلال، ونُذِلُّ الإقدام. نساء كما يجب. من السهل كسرنا كأباريق الفَخّار، ومن السهل جرحنا كسيقان الزهر، ومن السهل ذبحنا بالقبلات، ولكن ليس من السهل زرعنا في حقول الشوك. لساني حقل من الشوك الناعم تُصلى به الهَيُولَى، فلا تَخِزُ في عقلي، ولعابي سيل من الشوق العارم تُسقى منه الرجولة، فلا تظمأُ في حلقي. هذا هو بركاني، دون فلسفة.
- على مهلِكِ، على مهلِكِ!
- لا تكن أخلاقيًا كأبي، بروفسور!
- الواقع أنني لا أريد القذف بسرعة.
- كل شيء يجري بسرعة في السويد.
- إلا هذا.
- أول الأشياء هذا.
- إلا هذا، إلا هذا.
- وكل شيء يقوم حسب كودات.
- نعم، فلتتصرفي حسب كودات.
- حسب كودات السير مثلاً.
- أوه، أوه!
- أبي من النوع العنيد الذي يحترم كودات السير كالإنسان الآلي، هذه هي أخلاقه، ممنوع الوقوف، السير بسرعة ثلاثين كيلومترًا في المدينة، اتجاه أوحد، وأنا طلعت عليه.
- اتجاه أوحد، اتجاه أوحد!
- في إحدى المرات اضطررت إلى السير في الاتجاه الأوحد المضاد، فلم يغف لي جفن طوال الليل.
- الاتجاه الأوحد المضاد، الاتجاه الأوحد المضاد!
- معذرة، بروفسور، أنا لا أستطيع!
- الاتجاه الأوحد المضاد، يا دين الرب!
- إنها أخلاقي، بروفسور!
- أخلاق قفاي، يا دين الرب!
- إلا إذا كنتَ على استعداد للسهر معي حتى الصباح، بروفسور.
- ألف مرة أنا على استعداد.
- وما الذي تعطينيه من ضمان؟
- إيدا، يا دين الرب!
- يقال إنهم سيمنعون السيارات من السير في كل ستوكهولم حفاظًا على فضائها من التلوث، ستكون ثورتنا الخضراء منذ الفيكنغ! استقلالنا الجديد! كونيتنا الأكيدة! الفردية في تحققها الإنساني! الأفلاطونية قفًا للمرأة وثديًا! الرغبات الأكثر عنادًا! الممارسات الأكثر غرابةً! الأفكار الأقل شذوذًا! سيذهب العصر القضيبي دون رجعة، وتنشأ سلطة الذكر والأنثى على أكمل وجه، نوع من بَطْمَطْرَكِيّة سويدية يقتدي بها العالم. تصور، بروفسور، أن أبي ضد، بالنسبة له طالما هو يحترم كودات السير، فلا داعي إذن لكل هذا الهوس، هذه هي أخلاقه، وأنا، من هذه الناحية، لم أطلع عليه.







القسم العاشر
بيتر أكرفيلدت (2)

- بيتر! جأر دافيد، الأخ الأكبر، جُؤارَ نزلاء مستشفى الأمراض العصبية، ماذا تفعل في ساد ستوكهولم؟
- أبحث عن ساشينا، أجاب بيتر أكرفيلدت باكتئاب ويأس.
- ساشينا؟
- أختنا الصغيرة.
- إلى الجحيم، أختنا الصغيرة!
- هل رأيتها؟
- لا أريد أن أراها.
- اعذرني إذن.
- بيتر!
- ألا ترى أنني مشغول؟
- مشغول بالبحث عن ساشينا.
- وهل هناك أحد غيرها؟
- تعال، يا بيتر، صاحت كريستينا سفينسون، ها هي كاتارينا فريدن.
- أبحث عن ساشينا.
- ظننت أنك تبحث عن كاتارينا.
- ساشينا.
- تجعلني أُغضي على القذى، يا أخي الصغير.
- دون ساشينا لن يقر لي قرار، يا أخي الكبير.
- سأبحث عنها معك.
- كلا ثم كلا!
- يا بيتر، صاح هوراس ألفريدسون، ولكن كاتارينا فريدن هنا.
- أكرفيلدت، صاحت كاتارينا فريدن، أنا هنا.
- إنه لا يسمع، علق رالف لندغرن.
- ولا يرى.
- ولا يدخن.
- يبحث.
- هل تعرف كل ناحية من نواحي ساد ستوكهولم؟ سأل دافيد، وهو يرتعش ارتعاش المجانين.
- علبة الليل هذه هي عالمي الثاني، أكد بيتر كئيب الفؤاد.
- والأول؟
- لا تستفزني، يا دافيد!
- أنا لا أستفزك.
- لا تثر ماما ضدي.
- ماما!
- لا تقاوم القوة بالقوة.
- وما علاقة هذا بماما؟
- ماما تفضلك عليّ وعلى ساشينا.
- ماما؟
- ساشينا! نادى بيتر أكرفيلدت إحدى الفتيات.
- ماما تفضلك أنت على ساشينا وعليّ.
- أنت وساشينا دومًا ما كنتما عصابة واحدة.
- ليس صحيحًا.
- بلى صحيح.
- كم قنينة جعة احتسيت؟
- ساشينا! نادى بيتر أكرفيلدت إحدى الفتيات.
- كم قنينة؟
- لم أعدّها، ثلاث، أربع.
- حالتك تستلزم الانتباه.
- تعني العناية لواحد معتوه مثلي.
- مثلي.
- مثلنا.
- سننزل تحت.
- هل أنزل معكما؟ سألت إحدى الفتيات.
- ما رأيك؟
- ليس قبل أن نجد ساشينا.
- لن نجدها.
- سنجدها.
- ساشينا لا تتردد على المواخير.
- ساد ستوكهولم ليس ماخورًا.
- هو أسوأ.
- ساشينا!
- ماخور حديث بعد أن أغلقوا كل المواخير الأخرى، شيطاني.
- إلهي بما أنه شيطاني.
- حضارتنا فيه تنيك بعضها.
- لماذا تَرَكَتْ ماما ساشينا تذهب وحدها؟
- أنا تحت أمركما، ألقى أحد المقنّعين.
- ساشينا كبيرة اليوم تعرف إلى أين تذهب.
- ماما لا تحب ساشينا، لهذا تركتها تذهب دون أن ترافقها.
- قلت لك ساشينا كبيرة اليوم.
- ساشينا!
- ساشينا تنام مع من تشاء.
- أيها القذر!
- لن تنام فقط معك.
- أيها القذر! أيها القذر!
- أيُّهُ القذر فينا؟
- أيها القذر! أيها القذر! ايها القذر!
- لهذا لن تجد ساشينا.
- ساشينا!
- لن تجدها قلت لك.
- سأجدها.
- لن تجدها، لن تجدها.
- سأجدها، سأجدها.
- لن تجدها، لن تجدها، لن تجدها.
- سأجدها، سأجدها، سأجدها، وسأقتلها.
- لن تقتلها.
- أنت أيضًا بعد ماما تعتقد أنني جبان.
- بعد بابا.
- بابا لم يحبني يومًا، أحبتني ماما.
- عدم حبه لك ليس السبب.
- وما هو؟
- سأوذيك.
- معتاد.
- لن أوذيك أكثر مما تؤذيني، يا برودة أعصابك!
- سلاحي الوحيد.
- ماذا؟
- برودة أعصابي، اعتقادي بالغائب، أو اعتقادي بحضوره، قهقهتي.
راح يقهقه، فثارت أعصاب دافيد، وبكفه أغلق فمه.
- يا دين الرب! قال دافيد.
- أَتَعَلَّلُ بكلامٍ فارغ، قال بيتر.
- كلام لا يقبل أي اجتهاد.
- كلام رنان.
- ليس فقط ما تقول.
- ...
- هل تسمع ما يغنون في ساد ستوكهولم؟
- لا.
- هل ترى من يرقص؟
- لا.
- هل تدخن ما يدخنون؟
- لا.
- الحشيش قضية أخرى.
- أحب رائحته.
- ماخورية.
- فردوسية.
- صناديق السجائر مرمية على الطاولات للتدخين مجانًا، شطارة من منتجيها في اصطياد مدخني المستقبل السويدي. خذ واحدة.
- لا، قال بيتر أكرفيلدت، وهو يسحب سيجارة.
- سأشعلها لك.
- شكرًا!
- عفوًا!
- لستُ ضيق العقل.
- تقول هذا لساشينا؟
- لكل شيء.
- ضاقت بك الحياة.
- تصرفي تصرف كل جبان! كُلْ، يا بيتر، كانت ماما تطلب، لا، كنت أجيب، أنا شبعان، ولا ألبث أن آكل. تعالَ، يا بيتر، كانت ماما تطلب، لا، كنت أجيب، أنا تعبان، ولا ألبث أن أذهب. عُمْ، يا بيتر، كانت ماما تطلب، لا، كنت أجيب، أنا لا أحسن العوم، ولا ألبث أن أعوم. وعندما كان بابا مريضًا، كنا نعلم أنه سيموت، ولم نكن نعلم متى. مات بابا، فقلت لماما إنه بابا. إنه بابا ماذا؟ سألتني ماما. لم أكن أجرؤ على قول إنه مات. إنه بابا، أعدت، فبكت ماما. ويوم تقاتلنا أنا وأنت من أجل ساشينا، بعد ذلك قلت لأختنا الصغيرة إنك الخراء، وإنني..
- ليس كما تقول، فأنت مذ كنا صغارًا لم تتبدل، تفضل أن تسمع ضرب ساشينا على البيانو، وعلى عكسي لم تسع إلى تعلم حتى بعض النوتات. كنتَ تكتفي بما تعرفه ساشينا، بما تفعله أختنا الصغيرة. كانت ضربات ساشينا من القوة والمهارة وكأنها تفرض عليك أن تكون ضعيفًا وغمرًا، وكانت تبدو على ملامحك علامات الرضى. أنا، كنت أغير من قوتها ومهارتها وفي الوقت ذاته من ضعفك وغمرك، فأستسلم لمنقار النسر، أتركه يقصف عنقه في كفي. عندما كبرنا أنا وأنت بعيدًا عن ضربات ساشينا على البيانو بعد أن ضربها النسر بمخلبه، شددت رحالي، وقلت هذا البلد سأغادره، وسأنساه. لن أبكي عليه، لن أحبه، لن أقلق لأجله. أردت نسيان ضرب ساشينا على البيانو، فنسيت السويد ولم أنس ساشينا.
عادت الفتاة تسأل:
- ماذا يا أصحاب؟ هل أنزل معكما؟
- تعال ننزل، يا بيتر!
- بيتر؟ ابتسمت الفتاة، الاسم الذي تمنيت على أمي أن تسمينيه.
- لكِ قضيب إذن؟ ابتسم دافيد، وهو يرتعش.
- اصطناعي، وفقط عند اللزوم، هل تريد أن أقرضه لك؟
- يكفيني ما لدي.
- سأقرضه لبيتر.
- مع برودك الجنسي ممكن، قال دافيد لأخيه، وهو يضرب بيده على ظهره ضربات آلمته.
- سأريكَ ما هو برودي الجنسي، نبر بيتر، وهو يجذب الفتاة بعنف إلى الطابق التحت الأرضي الأول.
- كل حجرات الطابق التحت الأرضي الأول مشغولة، قال لهم الخادم، انزلوا إلى الطابق التحتي الثاني أو الثالث، الثالث خاص بالشقق.
- لا حاجة لنا إلى شقة، رد دافيد بعصبية، فنحن لن نقضي الليلة هنا.
- إذن الطابق التحتي الثاني.
بدأ بيتر أكرفيلدت بتعرية الفتاة، وهما في المصعد. كان يقهقه كمن مسه الشيطان، وكان أخوه الكبير يقهقه، هو أيضًا، كمن مسه الشيطان.
- لا شك أنكما أخوان، ألقت الفتاة.
- لأننا نشبه بعضنا، هاجمها دافيد.
- لأنكما تقهقهان بطريقة واحدة، أوضحت الفتاة.
- دافيد، ساشينا! جمد بيتر أكرفيلدت وشفتاه على شفتي الفتاة.
- دافيد! رن صوت الفتاة.
- ساشينا! أعاد الأخ الصغير ذاهلاً.
- ما لها ساشينا؟
- طعم قبلتها.
كانوا في الممر، فأخذ دافيد الفتاة بين ذراعيه، وقبلها بعصبية.
- والله طعم قبلتها!
- دعني أقبلها أيضًا!
- هيه! على مهلكما أنتما الاثنان.
- ليس قبل أن أقبلها أنا أيضًا.
- دع ساشينا لي!
- لستُ ساشينا!
- طعم قبلتها، قرفة وسُم.
- قهوة عربية ودم.
- سأريكما أنني لست ساشينا.
- ساشينا! بكى بيتر.
- ساشينا! بكى دافيد.
في غرفة الساديين، ارتدى الأخوان أكرفيلدت ملابس الشياطين، ملابس الشياطين كانت العراء الأبيض، وارتدت الفتاة ملابس الملائكة، ملابس الملائكة كانت العراء الأسود. بيد حملت السوط، وبأخرى السلسلة. وخلافًا لما هو متوقع، لسعت الأول بالسوط والثاني بالسلسلة، وطرحتهما أرضًا.
- ساشينا! ابتهل بيتر.
- أُخَيَّتُنا! ابتهل دافيد.
- ساشينا؟ فليكن! أرعدت الفتاة.
- عاقبينا! عاد بيتر يبتهل.
- اجعلينا كلابًا! عاد دافيد يبتهل.
- سيكون لكما ما ترغبان! عادت الفتاة ترعد.
- دومًا ما كان ولدًا صعب المراس، أشار دافيد إلى أخيه.
- وهو صعب الإرضاء، أشار بيتر إلى أخيه.
وتركا للجبارة الحق في تقرير مصيرهما، وترك الواحد والآخر نفسه يزحف في الهاوية زحف من استكان إلى الهوان ومشى الهُوَيْنا، دافيد أعماه دمه، فضاع في أحضان الشياطين، وبيتر ترك نفسه من الغبطة في دمه يعوم، فضاع في أحضان المالنخوليا. استعاد في خياله فتاة التزلج كوكبةً من الملائكة والقوانين، وغطس بجسده بين فخذيها بينا عضوه بيده، وهو يلهث، والتاريخ يلهث معه، وهو يقاوم، والمعابد تقاوم معه، ثم غلبت عليه الرغبة، فهطل الوَدْفُ، وأغرق ستوكهولم في الظلام الأبيض.














القسم الحادي عشر
رالف لندغرن (2)

- حورية! عَجَّ رالف لندغرن بابنته.
- بابا! هتفت حورية.
- ماذا تفعلين هنا في بيت الرجس؟
- إنه هاكان، أخذ معنا موعدًا هنا، أنا ومارغريتا.
- مارغريتا هنا أيضًا؟
- أيضًا.
- أينها؟
- ...
- لا تضحكي!
- إنها تحت.
- تحت، يا دين الرب!
- لا تُضِعْ نَفَسَكَ باطلاً، يا بابا!
- كيف لا أُضِيعُ نَفَسِي في هذا الخراء؟
- من حقها أن تفعل ما تشاء، إنه جسدها في نهاية المطاف.
- جسدها في هذا الماخور!
- ساد ستوكهولم ليس ماخورًا، بابا.
- هو ماذا إذن؟ كنيسة؟
- وليس كنيسة.
- لهذا أنتِ هنا في حجابك!
- وليس مسجدًا.
- هل يكون كَنيسًا؟
- وليس كَنيسًا.
- هو ماذا؟
- علبة ليلية ليست كغيرها. نحن في السويد، بابا!
- في أكبر ماخور!
- بابا، من فضلك!
- ها أنا ذا، قال هاكان.
- ها أنتَ ذا أخيرًا، قالت حورية.
- أعتذر عن التأخر! مساء الخير، يا بابا!
- أختك تحت!
- مارغريتا؟
- تحت، يا دين الرب!
- لماذا تركتِها؟ عاتب هاكان حورية.
- هي حرة بجسدها تفعل فيه ما تشاء، حسمت حورية.
- هل سمعت ما تقوله أختك المحجبة؟
- سمعت، وأنا متفق معها.
- أنا لا.
- غريب أمر واحد مثلك عالم باللاهوت دنيوي، بابا!
- سأشخ على العالم باللاهوت الدنيوي الذي هو أنا!
- بابا!
- مارغريتا لم تزل صغيرة، يا دين الرب!
- ليست صغيرة صغيرة، هل أذكّرك بعمرها؟
- لم تزل بعد قاصرة.
- خلال عدة شهور تصبح بالغة.
- لندغرن، صاح هوراس ألفريدسون، لماذا لا تأتي بأبنائك إلى طاولتنا؟
- خلال عدة أشهر.
- وما الفرق؟
- عدة أشهر.
- لم أكن أعلم أنك عقلية قديمة إلى هذه الدرجة.
- رالف، صاحت كاتارينا لندغرن، تعال بأبنائك أو نأتي.
- طيب، طيب!
- سنأتي إذن، قال هوراس ألفريدسون.
- لا، لدينا مشكلة نحلها أنا والأولاد.
- هل أجلب لك سوطًا، اقترح هوراس ألفريدسون، وانفجر ضاحكًا.
- اخرس! نبرت كريستينا سفينسون.
- اخرس! أعاد بيتر أكرفيلدت، وانفجر ضاحكًا.
- هاكان! أمر الأب، انزل في الحال، ونادِ أختك!
- وكيف لي أن أعرف أينها؟
- ابحث عنها!
- لا، لن أبحث عنها ككلاب الأمن!
- هاكان، قل لبابا.
- أن يقول لي ماذا؟
- هاكان، قل لبابا لماذا نحن في ساد ستوكهولم.
- ليس كي يجلدوا لي صغيرتي مارغريتا؟
- قل لبابا، يا هاكان.
- أنا كلي آذان صاغية.
- هاكان.
- بابا، لم أعد أذهب إلى الثانوية منذ عدة أشهر.
- أولاد القحبة! لم يرسلوا لي رسالة واحدة.
- كنا نخبئها، بابا.
- وأمكم تعرف؟
- لا.
- لماذا، يا هاكان؟ أنت أيضًا تريد أن تعذب أمك، أن تعذب أباك؟
- أعذب أمي، أعذب أبي، أنت تَهْذِي أم ماذا؟
- الآن أنا أهذي!
- كل ما في الأمر أنني لم أعد أطيق الأمر.
- هاكان أكبر بكثير من عمره، بابا.
- أرى ذلك! لهذا يريد أن يدفن نفسه في الخراء!
- أنا لا أريد أن أدفن نفسي في الخراء، بابا!
- وكيف تفسر فعلتك؟
- كما قالت حورية.
- وماذا ستفعل في عالم الخراء؟
- سأرى.
- لن ترى.
- سأرى، سأرى.
- لن ترى، لن ترى.
- سأرى، سأرى، سأرى.
- لن ترى، لن ترى، لن ترى.
- يا دين الرب! قولي له، حورية!
- هاكان سيرى، بابا.
- يا دين الرب! سيرى ماذا، حورية؟
- ما سيفعل في المستقبل.
- سأرى ما سأفعل في المستقبل.
- لأنك لا ترى ما ستفعل في المستقبل؟
- لا.
- يا دين الرب!
- توقف عن قول يا دين الرب، بابا!
- يا دين الرب!
- بابا!
- واحد ذكي مثل هاكان!
- أنت مخطئ، بابا!
- أنت ذكي لأنك سويدي!
- لأني خراء، بابا!
- لأنه هاكان، بابا!
- لأنه سويدي!
- أنت ذكي لأنك سويدي، بابا!
- لا تسخر، هاكان!
- أنا لا أسخر.
- هو لا يسخر، بابا.
- لم تخن ماما يومًا.
- في ساد ستوكهولم تقول هذا!
- ساد ستوكهولم ليس خيانة.
- وما هو؟
- خيانة ليست خيانة.
- إخلاص.
- إخلاص ليس إخلاصًا.
- ليس هذا ما يبرر ذكائي السويدي.
- ماما، هذا آخر ما يهمها. آه، بابا؟
- ماما، لم تخني يومًا.
- بلى.
- هاكان!
- ماذا تقول؟
- لا شيء، ظننت أنك...
- لهذا تقول عني ذكيًا لأنني سويدي؟
- وماذا كنتَ ستفعل؟
- السويدي الذكي لن يفعل شيئًا لأجل إنقاذ المظاهر.
- لم أكن أعرف أنك جبان إلى هذه الدرجة، بابا!
- الذكي جبان بطبعه.
- ليس إلى هذه الدرجة.
- الجبن أحسن الحلول.
- لن ترغمني على العودة إلى الثانوية، بابا؟
- لا.
- أترى كيف أنت جبان؟
- وأنت يا من يحاول الهرب من صعوبات الحياة كالأرنب؟
- أنا جبان مثلك.
- لا.
- بلى بلى.
- لم يكن الله معي يومًا، لهذا كفرت به، هذا صحيح، وليس لصعوبات الحياة، أما إذا كنت تعتبر العالم اللاهوتي الدنيوي الذي مثلي جبانًا لأنه دنيوي، فهذا شيء آخر، إنه موقفك من موقفي لا من شخصي. ماما لم تعتبرني أبدًا جبانًا لأنني أترك لها أن تقرر في كل شيء، في أكلنا وشربنا ولبسنا وطريقة حياتنا، طريقة حياتنا، هاكان، يكفي أن تنظر إلى أختك حورية في أي ثوب هي...
- بابا!
- هذا لأن ماما شجعتها...
- ماما شجعتني هذا صحيح ولم تقرر طريقتي في الحياة.
- ماما تَرَكَتْها تفعل.
- لأنك جبانُ ماما.
- أنت لا تريد أن أرفع يدي عليها.
- سوطك، بابا، أنت لا ترفعه عليها، وترفعه على غيرها.
- كفى أنتما الاثنان!
فرشت حورية سجادة حريرية أخرجتها من حقيبة يدها، وأخذت تصلي دون أن تأخذ إذنًا من أحد. كانت طريقتها في إسكات أبيها وأخيها، فالاثنان صمتا، وحدقا بها. لما انتهت، ابتهلت إلى الله ابتهالاً طويلاً ميز كل واحد منهما في همس الصوت عدةَ مراتٍ ذِكْرَ اسْمِهِ.
- هنا، تصلين هنا، في ساد ستوكهولم! استنكر هاكان.
- قل له، بابا! طلبت حورية دون أن تترك سجادتها.
- في الإسلام تَغْلِبُ النيةُ على كل شيء، إذا كانت نيتك سليمة كان فعلك سليمًا.
- ولكن الصلاة في علبة ليل!
- أوائل المسلمين كانوا يصلون تحت أقدام الأصنام في مكة، فما يفسد من مكان يصلح بالصلاة.
- شكرًا بابا! ابتسمت حورية قبل أن تتوجه بكلامها إلى أخيها، والشيء الآخر، والشيء الآخر... قل لبابا، يا هاكان.
- أي شيء آخر، يا دين الرب؟
- هل أقول أنا لبابا؟ طيب. بابا، هاكان يخرج مع واحدة "بلاك".
- واحدة بلاك.
- سويدية، بابا.
- سوداء ولدت هنا.
- ذكية.
- لستُ ضد.
- أعرف أنك لستَ ضد.
- إذن مم كنت تخشى؟
- ترددتُ ككل جبان، هذا كل ما هنالك، بابا.
- ادعها إلى البيت.
- طيب.
- ماما تعرف؟
- لا.
- مارغريتا تعرف؟
- نعم.
- أنا وماما لا.
- لا.
- أنتم أبناء لقذرين.
- ...
- ادعها إلى البيت.
- ...
- هل سمعتني؟
- سمعتك.
- ادعها إلى البيت.
- سأبحث عن مارغريتا، قالت الأخت الكبيرة، وهي تنهض، وتطوي السجادة، وتضعها في حقيبة يدها.
- لا، ليس أنتِ! عارض الأب. بحجابك، أنا لا أريد!
- وما به حجابي؟
- سيسخرون منك.
- لن يسخروا مني، الكل يحترم الكل هنا.
- قفاي!
- بابا!
- معذرة!
- هكذا كنا نفعل صغارًا ونحن نلعب عندما يغيب أحدنا.
- حقًا! ما زلتم صغارًا.
- كان الواحد منا ينتظر على أحر من جمر الغضى أن نجده.
- هذا إذا ما لم يكوِ أختك أحدٌ من الممسوسين.
- لن يكوي مارغريتا أحد.
- أو يفصدها أو يشقها.
- لا تبعث الخوف في قلبي، بابا!
- الخوف هنا جزء من لعبة الكبار!
- سأناديها.
- حورية.
- نعم، بابا.
- سآتي معك.
- وأنا كذلك.
- وأنتَ كذلك.
وبعد عدة لحظات:
- سأعود إلى الثانوية، بابا.
فتحوا الغرف التحت الأرضية واحدة بعد الأخرى بحثًا عن مارغريتا، فاختطفتهم أياد مجهولة. وجد رالف لندغرن نفسه بين أذرع قوية لرجال ونساء أذرعهم في قوتها سواء، وكذلك هاكان وحورية. ذهب العالم اللاهوتي من ذراع إلى ذراع حتى وقع على فتى يشبه جوستين، فكاد عقله يطير. "جوستين!" صاح رالف لندغرن. أخرسه الفتى بقبلة طويلة، وجذبه إلى سرير مسماري ألقاه عليه، فصرخ رالف لندغرن والمسامير تخترق جسده. ليهدئ بعضًا من وجعه، جاء الفتى بعضوه إلى فم العالم بالأديان، فجننه. أخذه كما يأخذ المزامير والآيات، وهو يريق عليه العمر، وكل المتعة تغرقه في موجها، متعة الجسد، ومتعة الروح. دَلَّله بين أصابعه، وأغدق عليه وابلاً من حرارة يديه، ومن جديد بين شفتيه، ومن جديد في فمه، وأغدق عليه وابلاً من حرارة فمه. همس دائخًا "يا الله!" استعاد الإيمان، فانتفض انتفاض العضو في فمه، ساخ، كالشمعة ساخ، ذرف الدمع، وأعاد القول "يا الله!" وبدوره، ارتقى بعضوه إلى فم الغِرِّ، فتناوله الغِرُّ بِحُمَيّا، وقضمه. صرخ رالف لندغرن كما لم يصرخ من قبل، وتلوى على السرير المسماري، والدم يتفجر من كل بدنه. الدم. المني. هذا الدِّبْق. هذه القذارة. هذا البّزَّاق. يتراخى. يزلق، فتزلق روحك، وتحس تحت لسانك بطعمٍ مَسْخٍ، طعم الوجود. تدوخ، وتتساءل هل هذه هي الحياة؟ قبل قليل، كانت الحياة كلها بين ذراعيك، والآن تتركها تذهب من ورائك. تشعر بالتفاهة. أنت، العالم، الآلهة. وبالنهاية. الموت، القبر، العدم.
في أثناء ذلك، وجد هاكان نفسه على صدر فتاة لم تتجاوز العشرين من العمر، لها جديلتان صغيرتان، وثديان صغيران، ووجهٌ طفليّ لا ينقطع عن الابتسام. ابتسم هاكان للوجه الملائكي، وقبّله برقة خوفًا عليه من الانكسار، لكنه تفاجأ بعنف شيطاني، والفتاة تغتصبه قبلةً كَلِبَةً مزقت شفتيه، وما لبث أن أحس إلى جانب عضوه المنتصب بعضوٍ آخرَ منتصبٍ مثله. كانت الفتاة فتى متخنثًا. تصارع العضو مع العضو، باليدين والفمين والرِّدفين، وخرج الاثنان من الصراع مهزومين. ما ألذ الهزيمة! الهزيمة الهزيمة والهزيمة المغلّفة بالانتصار! ما ألذ الشعور بكونك مغلوبًا على أمرك! ما ألذ أن تسعى إلى ذلك بيديك وقدميك، بكلك! ما ألذ العقاب! ما ألذ الولادة من جديد من بين رِدفين يقذفانك، وفي الوقت ذاته يقذفان الخراء! لَذة ما بعدها لَذة الخراء، الحياة، على عتبة الشباب، في قلب الخراء. لذة الحياة. لذة الخراء. تمجيده. عبادته. الخضوع له. الخراء. اللذة. خراء اللذة. لذة الخراء. رِدفان يقذفانك كما يقذفان الخراء. أقصى لذة. ثم تفوح رائحة الخراء، فتسد أنفك بيدك، وتقاوم، تصرخ. منذ قليل كنتَ تصرخ من اللذة، والآن تصرخ من شدة رائحة الخراء. الحياة. الشباب. الرهان. الحياة رهان، الحياة خراء. لذيذ. رائحته تزكم الأنوف، تخنق الأنفاس. رائحة الخراء. رائحة الحياة.
وعلى العكس، رقّت أصابع مغتصبي حورية على وشاحها، وسالت دموعهم على حجابها. لم يخلعوه، تركوه استيهامًا يدغدغ أبدانهم منذ آلاف السنين. رفعوه عن فخذين بيضاوين كنار الجحيم، وثديين متدليين كرمان النعيم. وبعد ذلك، تبادلوها كلهم في محراب ساد: أنا أحطم عفتي، بابا، لينجح هاكان في حياته، همهمت حورية، وعلى الرغم من ذلك، سيخفق هاكان في كل شيء. مارغريتا أخفقت، وأنا في صدد الإخفاق، إلا أنني في هذا العالم سعيدة، سعادة الشيطان سعادتي. عالم قاسي القلب هذا العالم، يمجد الأقوى، يَعِزُّ الأَرْجَل، يعبد الأخرأ، يُطفئ شموس منتصف الليل، يُشعل أقمار منتصف النهار، عالم أسود القلب هذا العالم، بلون حائك الجليد. لمن نتركه، وهو لنا؟ ما نحب؟ من نحب؟ ها أنا أترك كل ما أحب، كل من أحب، وأول من أحب الله، وأركض نحو غياب ذراعيك!

















القسم الثاني عشر
كاتارينا فريدن (3)

ربطت كاتارينا فريدن جوستين من يديها وقدميها وقوفًا، وتناولت قضيبًا حديديًا تقدمت به منها.
- هذا لا شيء، قالت كاتارينا فريدن لجوستين، قضيب حديدي.
- أرى ذلك، أجابت جوستين.
- لكن ما لا ترين شيء آخر.
- ما هو؟
- الطائر.
- أنا لا أرى طائرًا.
- يحلق هكذا، تتظاهر كاتارينا فريدن بتحليق القضيب الحديدي، وينقض على فمك.
- آي! أنت توجعينني.
- وبمنقاره يدخل.
- آي! على مهلك.
- يداعب لسانك، ويسعى إلى التغلغل في حلقك.
- آه! يا إلهي.
- يدخل قليلاً في حلقك.
- آآآه!
- يدخل أكثر.
- آآآآآآه!
- أكثر.
- آآآآآآآآآه!
- كله، ويكاد يخنقك.
- الرحمة!
- ليس أنا، هو.
- الرحمة!
- العقرب.
- أنا لا أرى عقربًا.
- يزحف هكذا، وينحرف بين فخذيك.
- آي! أنت توجعينني.
- وبمقصه يدخل.
- آي! على مهلك.
- يداعب مشفريك، ويسعى إلى التغلغل في فرجك.
- آه! يا إلهي.
- يدخل قليلاً في فرجك.
- آآآه!
- يدخل أكثر.
- آآآآآآه!
- أكثر.
- آآآآآآآآآه!
- كله، ويكاد يخنقك.
- الرحمة!
- ليس أنا، هو.
- الرحمة!
- الثعبان.
- أنا لا أرى ثعبانًا.
- يزحف هكذا، وينحرف بين رِدفيك.
- آي! أنت توجعينني.
- وبرأسه يدخل.
- آي! على مهلك.
- يداعب مستقيمك، ويسعى إلى التغلغل في أحشائك.
- آه! يا إلهي.
- يدخل قليلاً في أحشائك.
- آآآه!
- يدخل أكثر.
- آآآآآآه!
- أكثر.
- آآآآآآآآآه!
- كله، ويكاد يخنقك.
- الرحمة!
- ليس أنا، هو.
- الرحمة!
- هل صدقتِ؟
- لم أصدق.
- إنه قضيب حديدي.
- أعرف.
- طالما تعرفين.
- أرجوك!
- افتحي فمك!
- آه! يا إلهي.
- سأدخله هذه المرة عدة مرات متتالية، فلا تصرخي، الصراخ في ساد ستوكهولم لا يجدي نفعًا.
- آآآآآآآآآه!
- ولكني لم أبدأ بعد.
- آآآآآآآآآه!
- أنت بنت عاقلة.
- آآآآآآآآآه!
- سأعيد الكرة للمرة الثانية، فلا فائدة من الصراخ، أنت بنت عاقلة.
- آآآآآآآآآه!
- صراخك هذه المرة أقل قوة.
- الرحمة!
- سأعيد الكرة للمرة الثالثة.
- الر...
- أنت بنت عاقلة.
- كأس ماء.
- لتقيئيه؟ لا، شكرًا. ابعدي بين فخذيك!
- آه! يا إلهي.
- سأدخله هذه المرة عدة مرات متتالية، فلا تصرخي، الصراخ في ساد ستوكهولم لا يجدي نفعًا.
- آآآآآآآآآه!
- ولكني لم أبدأ بعد.
- آآآآآآآآآه!
- أنت بنت عاقلة.
- آآآآآآآآآه!
- سأعيد الكرة للمرة الثانية، فلا فائدة من الصراخ، أنت بنت عاقلة.
- آآآآآآآآآه!
- صراخك هذه المرة أقل قوة.
- الرحمة!
- سأعيد الكرة للمرة الثالثة.
- الر...
- أنت بنت عاقلة.
- كأس مَنْي.
- لتبلعيه؟ لا، شكرًا. ابعدي بين رِدفيك!
- آه! يا إلهي.
- سأدخله هذه المرة عدة مرات متتالية، فلا تصرخي، الصراخ في ساد ستوكهولم لا يجدي نفعًا.
- آآآآآآآآآه!
- ولكني لم أبدأ بعد.
- آآآآآآآآآه!
- أنت بنت عاقلة.
- آآآآآآآآآه!
- سأعيد الكرة للمرة الثانية، فلا فائدة من الصراخ، أنت بنت عاقلة.
- آآآآآآآآآه!
- صراخك هذه المرة أقل قوة.
- الرحمة!
- سأعيد الكرة للمرة الثالثة.
- الر...
- أنت بنت عاقلة.
- كأس مخاط.
- لتلعقيه؟ لا، شكرًا.
- الرحمة!
- سنواصل.
- آه! يا إلهي.
- لا تتوسلي.
- الرحمة!
- هذا جمر.
- لا، ليس هذا!
- الجمر يحب الحديد والحديد يحب الجمر.
- النجدة!
- الصراخ في ساد ستوكهولم لا يجدي نفعًا.
- العون!
- قبلة، قبلة واحدة فقط لا غير.
- العون.
- اختاري! من ثغرك؟ من فرجك؟ من عجيزتك؟
- العون!
- لن يسمعك أحد.
- العون!
- سأختار عنك. من عجيزتك.
- النجدة!
- طيب إذن من فرجك.
- العون!
- من فمك.
- العو...!
حضر أحدهم، وقدم نفسه بوصفه قاضيًا.
- لم أتأخر عن الحضور حال سماعي "العون"، قال القاضي.
- سمعت خطأً، يا سيدي القاضي، قالت كاتارينا فريدن، فلا أحد يطلب العون.
- العون! نفخت جوستين بِخَوَر.
- وهل أسمع غير أسمع؟
- اذهب بعونك لمن هم وراء القضبان!
- وهذا القضيب الذي بيدك، أليس واحدًا منها؟
- يبدو أنك من النزاهة لدرجة لا تفرق فيها بين قضيب وحبيس!
- أحسنت القول، أيتها الفتاة! وأنا لهذا هنا، بدافع النزاهة!
تناول من يد كاتارينا فريدن القضيب الحديدي، وذهب به إلى جوستين شبه الغائبة عن الوعي، ولرأسها المثقل المتدلي لم يفلح مع فمها. فكها، وتركها تتساقط، ووجهها إلى السماء. عند ذلك، تمكن من وضع القضيب في فمها.
- ال...عو...ن!
- يبدو عليها الإجرام.
- تقول يبدو؟
- على الجرم أن يعالج بالجرم.
وضغط القاضي القضيب حتى منتصفه في حلق جوستين التي أغمي عليها، قلبها على بطنها، وتقدم بفرجه من رِدفيها. كان وشمُ ثعبانٍ فوقهما بقليل، صِلٌّ يرفع رأسه، ويمد لسانه. لعق بلسانه عضو القاضي، مصه، ثم ابتلعه. بعد ذلك، استدار، وزلق بين الرِّدفين.


* * *

في المحكمة، كان المدعي العام يعدد جرائم جوستين:
- الحريق والسرقة والقتل ليست فقط كل التهم الموجه إلى هذه الفتاة الشيطان، فهي آخر التهم لا أولها، وقبل ذلك كانت على وشك الذهاب إلى منصة الإعدام لولا صاحب قلب كبير عرف بفصاحته كيف يدافع عنها. حقًا عاملها البعض معاملة الحيوان، لكنها استحقت هذه المعاملة، وكان قِسٌّ على وشك أن يقطع رأسها، لكنها كالشيطان تستوجب هذا العقاب، وكفرد في عصابة لتزوير النقود ضاعفت من فقر الفقراء، وأضعفت من قدرة شرائهم على ما يسد رمقهم، ففسق بها من فسق، لكنها بيت الداء كانت ولم تزل! لهذا أطلب من هيئة المُحَلَّفين ألا يبخلوا على جوستين في إدانتها، وأن يكون الإعدام أخف الأحكام.
- الكلام الآن للدفاع، قال القاضي.
- ...
- أين محامي الآنسة دوراند؟
- ...
- أُعطي الكلام لمن يرغب في الدفاع عن المتهمة بين الحاضرين.
- أنا، سيدي القاضي، قالت امرأة ثرية تلف شعرها ووجهها بالتل الأسود، وهي تخترق القاعة.
- تقدمي! اكشفي عن هويتك!
- جولييت دوراند، أخت جوستين.
علا ضجيج الحاضرين، فأسكتهم القاضي بقدومه.
- سكوت!
- جولييت! قالت جوستين بصوت واطئ.
- لا يسمح القانون بحق دفاع الأخت عن أختها، توجه المدعي العام بالكلام إلى القاضي.
- لا يسمح إلا في حالة واحدة، غياب الدفاع، رد القاضي.
- سيدي القاضي، تدخلت جولييت، وهي ترفع التل الأسود، أنا لم أر أختي جوستين منذ عشر سنين، ولما كانت بعد في الثانية عشرة من عمرها، فهي إذن بحكم القانون عني غريبة، ولولا تقديمي لنفسي لما عرفني أحد.
- ماذا تريدين أن تقولي لدحض الحجج ضد أختك؟
- كل التهم باطلة.
علا ضجيج الحاضرين، فأسكتهم القاضي بقدومه.
- سكوت!
- الحريق لم تكن يدها بل يد سيدها، والسرقة لم تكن يدها بل يد سيدها، والقتل لم تكن يدها بل يد سيدها.
علا ضجيج الحاضرين من جديد، فأسكتهم القاضي بقدومه.
- سكوت! مرةً أخرى هذه البلبلة وأُخلي القاعة!
- وها هي الإثباتات.
اقتربت جولييت من القاضي، وقدمت بيد أصابعها مليئة بالخواتم الثمينة الحجارة ثلاث وثائق قرأها رئيس المحكمة بسرعة قبل أن يقول:
- هذه الأوراق لا تؤكد ولا تنفي شيئًا.
ومدها للمدعي العام، الذي مدها بدوره بعد تصفحها لهيئة المُحَلَّفين بينما جولييت تتبادل نظرات متفاهمة مع أحد الجالسين في الصفوف الخلفية: دافيد، عشيقها، فأكد دافيد بهزة من رأسه.
- سيدي القاضي، اسمح لشهود الإثبات بالحضور.
- نسمح لشهود الإثبات بالامتثال لنا.
قام من بين الحاضرين رجلان وامرأة، وتقدم ثلاثتهم بقدم مترددة.
- يالله! يالله! حث القاضي.
- قَدِّموا أنفسكم، طلبت جولييت.
- نورمان السكاكيني، من رتب القتل دون أن يرتكبه.
- سارفيان اللص، من رتب السرقة دون أن يرتكبها.
- ديبورا الجهنمية، من رتبت الحريق دون أن ترتكبه.
- والإثباتات؟ نرفز القاضي.
- سيدي القاضي، شهود الإثبات على شهود الإثبات، اقترحت جولييت.
- لسنا في عرس، يا سيدتي!
- وإلا ذهب رأس أختي جوستين بِشَرْبَةِ ماء.
- نسمح لشهود الإثبات على شهود الإثبات بالامتثال لنا.
قام من بين الحاضرين رجل وامرأتان، وتقدم ثلاثتهم كسابقيهم بقدم مترددة.
- يالله! يالله! حث القاضي.
- قَدِّموا أنفسكم، طلبت جولييت.
- سيمون الجميلة، تم القتل تحت سقفي.
- ريبيكا الغنية، تمت السرقة تحت سقف جاري.
- جيرار الغبي، تم الحريق تحت سمعي وبصري.
- ما رأي هيئة المُحَلَّفين؟ سأل القاضي، وفي الحال اقتربت الرؤوس من الرؤوس.
- سيدي القاضي، تدخل المدعي العام، اترك لرجالي الوقت للتحقيق.
- بعرف القانون، عَكَسَ القاضي الحجة على صاحبها، ينتهي افتراض الجرم بحضور شاهدي إثبات ونحن لدينا ستة.
- هيئة المًحَلَّفين لا ترى حقًا مانعًا في إطلاق سراح المتهمة، مع استحضارها أمام القضاء عند اللزوم، إلى أن يتم التأكد من كل الشهادات، بتّ أحد الأعضاء.
- أخيرًا! طن القاضي قبل أن يصدر حكمه، تُقِرّ المحكمة بإطلاق سراح الآنسة جوستين دوراند وجعلها رهن إشارتها. رُفعت الجلسة!
في متاهات دار العدل، أخذ دافيد، عشيق جولييت، يوزع سرًا أكداس النقود على شهود الإثبات واحدًا واحدًا، وهؤلاء يختفون حالاً بين الأعمدة.





القسم الثالث عشر
كريستينا سفينسون (3)

أنامت كريستينا سفينسون جوستين على السرير، وربطتها بالجلود. وشمٌ لنسيجِ عنكبوتٍ كان على سرتها، خرجت منه رُتيلاء، وانتظرت. نظرت كريستينا سفينسون إلى الرُّتيلاء، ونظرت الرُّتيلاء إلى كريستينا سفينسون. حملتها، ووضعتها على ثدي جوستين الأيسر. انتصب الثدي الأيسر لجوستين، وكأنه يريد ذلك. أغمضت جوستين عينيها من التلذذ، وتأوهت.
- هلا بدأتِ؟ رجت جوستين.
- هذا كي أذبح فرّوجًا، قالت كريستينا سفينسون، وهي تقذف الرُّتيلاء على الأرض، وترفع مِشرطًا أمام عيني جوستين.
- أنا لست فرّوجًا، ردت جوستين، وقد عادت تُراوح في مكانها.
- طبعًا لا.
- ماذا تريدين؟
- أن أذبح فرّوجًا.
- جِدِي لك فرّوجًا غيري.
- هذا لا شيء.
- لماذا أنا؟
- هذا أهونُ من نزحِ بئر.
- أجيبي! لماذا أنا؟
- اختاري أنت أين أفصدك.
- آآآآآآآآآه!
- أنت تنسين أنك في ساد ستوكهولم.
- وماذا يعني أني في ساد ستوكهولم؟
- الضياع.
- الضياع!
- كل شيء يضيع في ساد ستوكهولم، وأول الأشياء الصراخ. هل تسمعين أحدًا يصرخ؟
- لا.
- ومع ذلك الكل يصرخ.
- آآآآآآآآآه!
- ماذا قلنا؟
- اطلبيني ما شئتِ.
- لن تقدري.
- أقدر.
- فصدك ما شئتُ.
- مقابل ألا تفعلي.
- ألا أفعل؟
- ألا تفعلي.
- وانتظاري كل هذا الوقت؟
- الانتظار في ساد ستوكهولم؟
- ليس هناك غيره.
- آآآآآآآآآه!
- لم تقولي.
- سأموت.
- لن تموتي.
- وستجلبين المشاكل لنفسك.
- مشاكل في ساد ستوكهولم؟
- مشاكل.
- أبدًا.
- سأوكل إذن أمري إلى الله.
- لم تقولي.
- آآآآآآآآآه!
- سأفتح رسغك.
- لا.
- وتينك.
- لا.
- الوريد تحت لسانك.
- آآآآآآآآآه!
- لم تقولي.
- اغرزي مشرطك في قلبي!
- أيتها اللعين، تريدين توريطي!
- أريحيني، أرجوك!
- أنا هنا لا لأريحك.
- آآآآآآآآآه!
- لم تقولي.
- اغرزي مشرطك في سُرتي!
- ليتفجر خراؤك؟
- في فرجي.
- أحب فرجك.
- في ظهري.
- أحب ظهرك.
- إذن لماذا كل هذا الكره؟
- أنا لا أكرهك.
- وماذا يعني كل هذا؟
- الحب!
- لا فائدة.
- لم تقولي.
- آآآآآآآآآه!
- لم تقولي.
- أود الذهاب إلى الحمام.
- فيما بعد.
- فيما بعد متى؟
- فيما بعد.
- حاجتي ملحة.
- افعلي تحتك.
- سأفعل.
- افعلي.
- فعلت.
- ما ألذ رائحتك!
- آآآآآآآآآه!
- لم تقولي.
- سأغمض عينيّ.
- عين العقل.
- لا توجعيني.
- هذا ليس بيدي.
- ستوجعينني.
- حتمًا.
- وبعد ذلك؟
- سألمس دمك بأصابعي.
- سيكون ساخنًا.
- سأحتمل.
- أنا لا.
- لن أكون مكانك.
- أعرف.
- لم تقولي.
- سأغمض عينيّ.
- أنت لا تغمضينهما.
- سأغمضهما.
- لن أنتظر طويلاً.
- سأغمضهما.
- هل أغمضتهما؟
- آآآآآآآآآه!
لم تكن جوستين هذه المرة، كانت امرأة شبه عارية تتلوى على أريكة في شبه الظل.
- ماذا تفعلين هنا؟ نبرت كريستينا سفينسون بعنف.
تلوت المرأة أكثر، وهي تصعّد زفرات طويلة.
- هل تعانين آلامًا كبيرة؟
أكدت المرأة بهزة من رأسها، فأمسكت كريستينا سفينسون ثديها، فعنقها، ففمها، وسارعت إلى الحمام لتقيء. تناولت من صندوق الدواء إبرة مخدرات، وأمسكتها بأصابع عازمة. ترددت أمام الجسد السقيم، وقررت زرعها في ثدي جوستين.
- أنا أُغمض عينيّ، أكدت جوستين، وهي تفتحهما واسعًا من الرعب على منظر الإبرة، وهي ترتفع، وهي تنخفض داقةً ثديها الأيسر.
صرخت المعذبة كما لم يصرخ أحد، وثديها سمكة تلعبط، لا تريد الموت. وما هي سوى بضع دقائق حتى اخترقت جوستين عالم الجحيم الجليدي، فرأت في قلب السُّهْبِ شجرة تفاح أحمر، كانت وحدها في العزلة البيضاء، ولا حدود للفضاء. ومن أبعد ناحية في المطلق، بدأت تصلها أصوات حوافر تعدو وعجلات تدور بأقصى سرعة لم تميزها جيدًا في البداية. وبعد قليل، برزت عربة فخمة وأربع بنات بيضاوات كالملائكة في ثيابهن الشفيفة، وهن يُخرجن رؤوسهن، ويصرخن، وقد قطعن الأمل في الوقوع على من ينجدهن. مضت العربة بشجرة التفاح، وهزتها هزًا عنيفًا كاد يقتلعها من جذورها. انتثر الأحمر على الأبيض، وما لبث الأخضر أن راح يملأ عالم الجحيم.

* * *

قطعت العربة الفخمة التي تجرها أربعة أحصنة المنتزه الضخم، وحطت جوستين وجولييت ودافيد عند باب القصر المحصن، فسارع ثلاثتهم بالدخول، والاختفاء بين ظلال الأثاث وتواريخها. وما أن وجدت جوستين نفسها في الشقة المعدة لها حتى ألقت جسدها على السرير الوثير، وأطلقت نفسًا عميقًا.
- سأعمل كل ما في وسعي على راحتك، يا حبيبتي، قالت جولييت، وهي تجلس قرب أختها، وتمسك يدها.
- لن تنجحي، يا جولييت، همهمت جوستين.
- كل ما عانيتِ، يا ليتني أنا!
- لماذا أنقذتني، يا أختي؟
- وهل هذا سؤال يسأل؟
- لماذا لم تتركيهم يقضون عليّ هذه المرة؟
- جوستين، هذا أقل شيء تفعله أخت في سبيل أختها.
- آه! جولييت.
- نعم، يا حبيبتي.
- آه! لو تعرفي.
- أعرف.
- لن تعرفي.
- الحق أني لا أريد أن أعرف.
- أنا بيت مهجور.
- ليس الآن بعد وجودك في هذا القصر.
- ليس الآن؟
- أنا متأكدة.
- أشك في ذلك.
- لم أعد أنتظرك، قالت جولييت فجأة.
- أنا ما انتظرتك يومًا، همهمت جوستين.
دخل دافيد، كزوبعة من كرم الأخلاق وحسن الضيافة.
- جوستين الحُسْن، هتف دافيد، هذا بيتك، كل من هم فيه، أنا أولهم، في خدمتك.
- شكرًا، دافيد، همهمت المعذبة، وهي ترسم بسمة عديمة اللون على ثغرها.
- دافيد وأنا نحن أسعد الناس بوجودِكِ ما بيننا، عبّرت جولييت عن شعورهما.
أغمضت جوستين عينيها، وهي ترسم على ثغرها دومًا بسمتها العديمة اللون.
- الخادمات سيعددن لك الحمام، تابعت جولييت، وسترتدين أنظف الثياب وأنعمها، وبعد ذلك سنتعشى معًا، حياتك الجديدة ستبدأ.
- حياتها الجديدة بدأت، قال دافيد هاشًا باشًا.
- رولاند قال لي إنه يحبني، همست جوستين، وهي مغمضة العينين، إنه سيتزوجني، لم يكن يهذي للحمى التي أصابته بسبب جرحه، قال إنه سيبدأ حياته معي، إنه سينجب مني، لم يكن يهذي، قال لي إنه يحبني، بريساك...
- رولاند.
- رودان، قال لي إنه يحبني، أنا العذراء المعجِزة للقديسة-ماري-الغابات.
- أنتِ ماذا؟
- أنا الرأس الذي قطعه أسقف غرونوبل ورماه في نار المدفأة، كادت النار تلتهم العذراء المعجِزة للقديسة-ماري-الغابات لولا أنني أطفأتها، وبعد ذلك، في الليل، نادتني، كانت تريد أن أقطع لها ثديها، ثديها الجميل أن أقطعه لها، فأخذتُ أقهقه.
- لا تقهقهي، يا حبيبتي، ابتهلت جولييت، وهي تأخذ أختها بين ذراعيها.
- ثديها الجميل أن أقطعه لها. مجرد التفكير في هذا يسبب غثيان النفس!
توقفت جوستين عن القهقهة، وعادت تغمض عينيها، وترسم على شفتيها بسمتها العديمة اللون. بدت منها حركة من يغفو، ويذهب في نوم عميق، فتبادل سيد وسيدة القصر نظرة قلقة. انسحبا، وأغلقا الباب بهدوء من ورائهما.

القسم الرابع عشر
هوراس ألفريدسون (3)

ربط هوراس ألفريدسون جوستين فوق طاولة، وأراد أن يشق بِجِلْدَةٍ فمها، فتحرك تمساحٌ من وشمٍ على ذقنها فاغرًا فمه مهددًا إياه. أغمض هوراس ألفريدسون عينيه، وفتحهما.
- يا إلهي! همهم هوراس ألفريدسون.
- ماذا؟ استهجنت جوستين أمره.
- التمساح!
- أي تمساح؟
- على ذقنك.
- الوشم؟
- إذن فهو وشم!
- انتظر!
- لماذا؟
- لأكلمك.
- تريدين كأس ماء؟
- لأكلمكَ قلتُ.
- يحق لي ألا أسمعك.
- اسمعني!
- تكلمي!
- ستشق بطني، أليس كذلك؟
- سأشق بطنك وصدرك ورأسك.
- كما يفعلون للموتى.
- على الإطلاق.
- ولكني لست ميتة.
- ليس مهمًا.
- مهم.
- لكِ وليس لي. لن أرتكب جريمة قتل. ممنوعة الجرائم في ساد ستوكهولم.
- ولكني سأموت.
- لن تموتي.
- سأتألم.
- هذا صحيح.
- ليس قلبك برؤوف.
- هذا صحيح.
- لماذا؟
- لم أسأل نفسي لماذا.
- اسألها.
- ربما لأنني كنت أكره القطط وأنا صغير، فأرشقها بالحجارة، وأسبب لها الألم الشديد.
- لماذا لا تشرّح لك إذن قطًا؟
- ممنوع جلب القطط في ساد ستوكهولم.
- حررني، وسأحضر لك قطًا في حقيبة يدي.
- الخطر سيكون كبيرًا.
- لن يكون هناك أي خطر.
- ...
- ماذا قلت؟
- ليس الشيء كالشيء.
- التشريح هو التشريح، حيوان، إنسان، جماد، واحد.
- ليس الجماد.
- أريد القول...
- وليس الحشرات.
- أي القطط تحب؟
- التي تلتهم الجرذان.
- لماذا الجرذان؟
- نحن لا نعلم.
- نحن لا نعلم ماذا؟
- تنسين الطاعون.
- الطاعون هنا في السويد وفي عصرنا؟
- نحن لا نعلم.
- أي القطط تحب؟
- قلت لكِ التي تلتهم الجرذان.
- أقصد نوعها.
- الفارسية.
- لماذا؟
- لأنها تلتهم الجرذان.
- اتفقنا، سآتيك بفارسية.
- لم نتفق.
- أنا أعرف الكل في ساد ستوكهولم، الكل في جيبي.
- ليس أنا.
- ليس أنتَ ماذا؟
- لستُ في جيبك.
- أقصد...
- كَلَّمْتِني بما فيه الكفاية.
- انتظر!
- دعيني أشق بهذه الجلدة فمك كيلا يزعجني صراخك.
- وإذا ما أحضرت لك واحدة؟
- واحدة؟
- واحدة مثلي.
- واحدة مثلك وأنت لديّ؟
- أحسن مني.
- التشريح لا يهمه أحسن أو أسوأ، التشريح هو التفجير، تفجير الدم والخراء والنخاع بعد قطع اللحم.
- اللحم ليس واحدًا.
- بلى بلى.
- ليس واحدًا، وبالتالي الدم والخراء والنخاع ليس واحدًا. تريد أن أثبت لك؟
- مع واحدة مثلك؟
- مع اثنتين مثلي.
- ...
- لا تتأوه!
- أنا حائر.
- لا حيرة في ساد ستوكهولم، الحيرة تبدأ على عتبته وتنتهي في الميناء، ليس بعيدًا عن الحيتان.
- لا أثق بك.
- ثق بي.
- لا.
- ثق.
- مع اثنتين مثلك.
- مع اثنتين مثلي.
- توأماك.
- ليماي.
- لا أثق بك.
- فكني.
- لا يعدل المرء عن قراره في ساد ستوكهولم.
- فكني، يا دين الكلب!
- ستسببين لي المتاعب.
- فقط فكني.
- وما الضامن؟
- تعال معي إذا أردت.
- دعيني أشق...
- يجب أن تثق بي.
- لا شيء يضمن.
- كما في كل مكان.
- ما عدا في ساد ستوكهولم.
- بالنسبة لكَ.
- دعيني...
- فكني، يا دين الكلب!
- لا أثق بك.
- فكني.
- سأفتح بطنك أولاً.
- تحب رائحة الخراء كما أرى.
- كثيرًا.
- لن تفكني إذن.
- لا.
- سألوثك.
- هذا لا يهم.
- ستنتشر عنك رائحة الخراء في كل مكان تذهب إليه.
- هذا لا يهم.
- لن تنام وفي مِنخريك رائحة الخراء.
- هذا لا يهم.
- لا فائدة إذن.
- لا فائدة.
- أيها الفيلسوف المُخفق!
تعثر هوراس ألفريدسون ببسطار عسكري، وسقط بطوله على الأرض، وهو يضرب رأسه بجرار انفتح، وبان فيه مسدس جميل كقمر ستوكهولم. ابتسم له أول ما وقعت عليه عيناه، وتناوله بأصابع مرتعشة. لمسه كما لو كان يلمس جسد امرأة، وضغطه على ثديه، وعلى بطنه، وعلى فرجه، وجعله بين فخذيه.
- مُخفق؟ تستطيعين أن تقولي، قال هوراس ألفريدسون، وهو يهدد جوستين بالمسدس المنتصب بين فخذيه. تعرف ذلك زوجتي، ولم تقله أبدًا لي، ويعرف ذلك أصدقائي، كل أصدقائي، وهم لذلك ينعتونني بالعسكري، ويعرف ذلك طلبتي، ولا يجدون ما يفعلون سوى طاعتي. حتى أنا خبأت عني ذلك، فتهت في اعتباراتٍ مُضَلِّلَة. في أحد الأيام، كدت أقتل طفلاً، هذا لأني فيلسوف مُخفق. كنا نقضي أنا وزوجتي عطلة الشتاء تحت قدم الجبل الأبيض، كل هذا الأبيض في بلدنا لم يكن كافيًا. كنت في أعلى الهضبة، وزوجتي في أسفلها. لست أدري لِمَ لَمْ أكن في أسفل الهضبة، وزوجتي في أعلاها. فهمت بعد ذلك، لأني لم أكن مخفقًا في الفلسفة بل في كل شيء. طلبت مني زوجتي أن آتيها بالزلاقة، لِمَ الزلاقة، وهي في أسفل الهضبة؟ انحدرتُ عدة خطوات، ثم، لست أدري لماذا، تركت الزلاقة تزلق باتجاهها، فلم تزلق باتجاهها، وانحرفت باتجاه طفل كان يعبر تحت. أخذت أركض كالمجنون لأمسك الزلاقة، لأبعد الطفل عن مسارها، كنت أعرف أن لا هذا ولا ذاك ممكن. وفي اللحظة الحاسمة، سحبت الأم ابنها. لم تكن ترى الزلاقة التي كانت ستقضي عليه. أخذتْ يده، وذهبتْ به بعيدًا، بكل عادية.

* * *

قضت جوستين أيامها بين منتزه القصر الباريسي وشقتها فيه، كانت تتجول في النار الخضراء وحدها، دون رفيق، أو كانت تغلق عليها الباب، وتنام في حضن الذكريات، دون مُنادٍ. رهيبة كانت ذكريات جوستين، ومع ذلك كانت تعيش عليها. كانت طريقتها اللاعادية في الحياة العادية، الروتين، الوقت الطويل، السأم، السلوك الحميد لكل من هم حولها. وعلى مقربة ليست بعيدة من القصر، كانت تتفجر من حين إلى حين صيحات تضع البنادق حدًا لها. لا طعم للسلوك الحميد كان وكل فرنسا لقمة سائغة في فم من لا أخلاق لهم، فرنسا ترقد على جمر، وتنهض على جمر. أشعرها ذلك بضعفها، وحنت إلى بؤسها. فهمت أنها، وهم كانوا يغتصبونها، كانت الأقوى، وهم كانوا يسوطونها، وهم كانوا يكوونها، وهم كانوا يحشونها، وهم كانوا يمزقونها بأنيابهم وأنياب الكلاب. بكت على الماضي الفظيع الذي عاشته، وهي في الثانية عشرة، وهي في السادسة عشرة، وهي في الثانية والعشرين، وعلى المدن الفظيعة التي قطعتها، أوسير وفيان وغرونوبل وليون، وزادها ذلك عزلة وسأمًا. كانت الحرية مقيِّدة لها، والسلام عبئًا، فكدرتها الحرية، وأعياها السلام. وعندما كانت البلابل تشدو، وهي على مقربة من إحدى بحيرات المنتزه، كانت جوستين تبكي، فلم يعد شيء يطربها، لم يعد الجميل يهز عواطفها. وعلى أي حال، عواطف جوستين لم يكن يهزها إلا الشرير.
- الحياة هكذا، يا حبيبتي، مرة لك ومرة عليك، قالت جولييت لأختها ذات يوم لتخفف القليل عنها.
- تريدين القول الواحد فينا مرة غالب ومرة مغلوب، تصحح جوستين.
- هذا لا يبرر بأي شكل سأمك وعزلتك.
- أين الغالب وأين المغلوب؟
- أترين؟
- في زمننا زالت الحدود ما بينهما.
- أريحي نفسك إذن، واعتادي على حياتك الجديدة.
- وما أنا بفاعلة بالله عليك؟
- ستقتلين نفسك في آخر الحساب.
- تنسين أمرًا ثانويًا.
- ما هو؟
- سرطان ثديي.
- ستقطعينه وتقطعين معه كل حياتك الماضية.
- وهل ستبقى لي حياة؟
- جوستين، يا حبيبتي!
- يا للمصيبة!
- لقد انتهى كل شيء!
- أحقًا لقد انتهى كل شيء؟
- أنت هنا في كل أمان!
- أحقًا أنا هنا في كل أمان؟
- لن يلحقك أقل سوء!
- أحقًا لن يلحقني أقل سوء؟
- ماذا أفعل كي أُسَكّن روعك؟
- لا شيء.
- كل شيء عادي هنا.
- تريدين القول كل شيء عادي غير عادي.
في الليل، لم يكن يرضي جوستين نومها العادي. كانت ذكرياتها الفظيعة تقيم معها هدنة خلال الليل، تريد ذكرياتها أن تريح نفسها من ذكرياتها، فتطاردها اللاذكريات، حياتها المسئمة في القصر. في النهار، لم يعد التنزه يرضيها، ولا القيلولة في أية ساعة تريد. التهمت الكتب، قرأت منها ما استطاعت عليه، فمكتبة القصر كانت تضم بين طياتها الآلاف. وجدت في القراءة بعضًا من سعادتها البائسة، إلى أن جاء رجال الشرطة بأمر من محكمة التفتيش. جعلوا من الكتب أهرامات في شوارع التمرد، وأحرقوها. سمعت كل باريس صرخات شخصيات الروايات واستغاثاتهم، ورأت كل باريس كيف عصر الأنوار على الصرخات والاستغاثات يزداد توهجًا. سنشرب من ماء النافورة، قالت الأفواه الظمأى. سننام تحت سماء مليئة بالنجوم، قالت الأجساد التعبة. سنحلم بالحرية، قالت الأثداء المقموعة.









القسم الخامس عشر
بيتر أكرفيلدت (3)

وضع بيتر أكرفيلدت جوستين في قفصِ كلابٍ ما بينهما حاجز، وبدا عليه أنه لا يسمع نباحها لجوعٍ يمزقُ لها الأحشاء. فجأة، نهض، وضربها بقدمه.
- لا تضغطي عليّ، أيتها الكلاب القذرة! نبر بيتر أكرفيلدت.
- نباحها فظيع! شكت جوستين.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- إذن لماذا؟
- لتقطّعَكِ بأسنانها.
- أنتَ لا قلب لك.
- بإمكانكِ أن تقولي هذا.
- مقابل كيلو ونصف لحم تريدها أن تقطّعني بأسنانها؟
- كيلو ونصف لحم أغلى.
- أغلى مني؟
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- الحيوانات ممنوعة في ساد ستوكهولم.
- ليس أنا.
- كيف تفعل؟
- لن أقول لك.
- تدفع.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- تُفْسِد.
- لا معنى للفساد في مكان الفساد.
- ساد ستوكهولم فساد؟
- وكل ستوكهولم.
- هذا ما أريد رؤيته.
- لن أخرجك لِتَرَيْ.
- في الشتاء الضباب كثير لا شيء يُرى.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- اخرسي، يا دين الكلب!
- تسبين دينها، وتريدين أن تخرس؟
- اخرسي، يا دين الرب!
- أفضل هذا.
- ومتى ستطلقها؟
- لست أدري.
- أنت لن تطلقها؟
- بلى.
- سأطعمها شيئًا آخر.
- لا تحب إلا اللحم الآدميّ.
- ليس أنا.
- أنتِ.
- لماذا؟
- لا تسألي.
- قل.
- تظنينني أحب هذا؟
- إذن لماذا؟
- لن أقول لك.
- غريب الطبع أنت.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- ولئيم.
- لا.
- بلى بلى.
- لا.
- وأناني.
- قليلاً.
- أرأيت؟
- ماذا؟
- لئيم.
- لا.
- لا تتركها تنبح أكثر، فلم أعد أحتمل.
- لا أريد أن أطلقها. ليس بعد.
- أشكرك!
- اخرسي، يا دين الكلب! قلدها.
- أوشكتْ على التقامِ قدمِكَ.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- بلى بلى.
- كلاب ضارية، فماذا تتوقعين؟
- احذر في المرة القادمة.
- لن تكون هناك مرة قادمة.
- ستطلقها.
- من عندها إلى عندكِ.
- ليس من عندها إلى عندكَ.
- بإمكانك أن تقولي هذا.
- وإذا ما نبحتُ مثلها؟
- انبحي. ليس هكذا، هكذا.
- أنت تنبح مثلها.
- في ساد ستوكهولم، الكل ينبح مثلها.
- يلهث.
- ينبح.
- يصرخ.
- ينبح.
- يجأر.
- ينبح.
- عوووووووووووووووو!
- عوووووووووووووووو!
- بإمكانكَ أن تقولَ هذا! قلدته.
- نعم.
- تتقنُ هذا.
- أتقنُ ما لا أتمنى.
- كأمرك معي.
- كأمري معك.
- أَمضي بعد كلابك.
- إنها طريقتي في الإغراء.
- في الإذلال.
- شيء فوق طاقتي.
- لا كآمانيك.
- كل ما تمنيته لم يتحقق! شيء غير ملموس، أمانيّ! كمن يتابع المايوه في حلبة التزلج الفني، وينتظر الكشف عن رِدفين مدورين يضغطهما، أو عن فخذين خجولتين يدفن رأسه بينهما، يعجبه المنظر ولا يلذه، فلا شيء ملموس، ليس كصعقة الحب مثلاً.
- سأقطف لك تفاحة.
- لماذا؟
- لتحل أمورك.
- لتطرديني.
- من جحيم إلى جحيم.
- وكيف لي أن أحل أموري؟
- تظل المسألة مسألتك.
كان على ساعدها وشمٌ لشجرة تفاح أحمر، قطفت واحدة، وأعطته إياها.
- اقضمها!
- انتظري!
أخرج قرص فياغرا من جيبه، وشربه مع كأس ماء.
- لأجل أن تكون الوصفة كاملة، قال.
- أَعْرِفُ الآنَ لماذا كل ما تمنيته لم يتحقق، قالت.
- كان عليّ أن أعالج طاقتي الحيوية الشبقية. هل تريدين قُرصًا؟
- هاتِ.

* * *

تفاجأت جوستين بحضور آرون، الأخ الأصغر لدافيد، كان في مثل عمرها، وكانت صعقة الحب. فاضت جوستين حنانًا، وشعرت بمشاعر تعرفها لأول مرة في حياتها، انجذبت إليه، وانجذب إليها. لم يتركا بعضهما لحظة واحدة إلا حين الذهاب إلى النوم، ولو كان الأمر بيدهما لناما معًا منذ الليلة الأولى، ولم ينتظرا كما كان العُرف ليلة العرس.
- هل كنا نعرف بعضنا، يا جوهرتي؟ وجد آرون نفسه يسأل، وهو يتنزه مع جوستين ممسكًا بيدها.
- كنا نعرف بعضنا دون أن نعرف بعضنا، ابتسمت جوستين.
- أقدارنا بيد الأقدار.
- أقدارنا، فقط أقدارنا.
- فقط أقدارنا.
- وكنا نتكلم مع بعضنا دون أن نتكلم مع بعضنا.
- ما يقوله العشاق في الغربة كنا نقول.
- ما يقوله العشاق، فقط ما يقوله العشاق.
- فقط ما يقوله العشاق.
- وكنا نداعب بعضنا دون أن نداعب بعضنا.
- بيد الله كنا نداعب بعضنا.
- بيدنا، فقط بيدنا.
- فقط بيدنا.
- كالبرق لما يداعب الرعد والرعد لما يداعب البرق.
- البرق والرعد هما للسماء ابنان ونحن للغبراء ابنان.
- إرادة الطبيعة هما ونحن إرادة الحياة.
- طال الفِراق.
- وفاض الشوق.
- طال الغياب.
- وفاض الدمع.
- اللاعدل لاعدل.
- اللاعدل عدل.
- ليس لهذا السبب يتأخر العشاق.
- قليلاً.
- القليل كثير.
- لماذا تأخرتَ إذن كثيرًا؟
- أنا أم أنتِ، يا كَنزي؟
- أنتَ، أنا، كلانا.
- لماذا تأخرنا إذن كثيرًا، يا حُلوتي؟
- كان علينا أن نتأخر كثيرًا لنحب بعضنا كثيرًا.
احتضنها، وطبع على ثغرها قبلة بوزن الريشة.
- حذار! أنت توجعني!
- قبلة النحل للورد توجع؟
جعل أصابعه تزلق على وَرِكِها.
- حذار! أنت توجعني!
- سقوط الشلال في حضن الماء يوجع؟
ضغط رأسه على بطنها.
- حذار! أنت توجعني!
- بيات الطائر في عشه يوجع؟
- تعالَ!
- أنا آتٍ.
- هناك من ينادي علينا.
- ملاك الحب؟
- ملاك الوجع.
- لن أترك للوجع أن يجد إلى قلبك سبيلا.
- إلى جسدي.
- وإلى جسدك.
- إلى جسدي، فقط إلى جسدي، فالقلبُ ابنٌ للجسد.
- أهبُكِ جسدي.
- كم أنت طيب القلب، يا آرون!
- كيلا يصيبَ جسدَكِ أقلُّ وجع.
- هل ترى الغمام في السماء؟
- أرى.
- إنه جسدي.
- يقصفه الرعد فيتساقط مطرًا.
- هل ترى الأعشاش في الأشجار؟
- أرى.
- إنها جسدي.
- تهدمها الريح فتحلق طيرًا.
- هل ترى الأعشاب في البستان؟
- أرى.
- إنها جسدي.
- تحرقها النار فتشتعل زُمُرُّدًا.
جذبته من يده، وذهبت به إلى الكوخ. خلعت ثيابها، واستلقت عارية. أخافه جمالها، فخلع بدوره ثيابه، وهو يرتعش. قبلها من ثغرها، ومن ثديها، ومن بطنها، ومن فخذها، ومن ساقها، ومن قدمها، وجوستين تطلق تأوهات العناق الأول. وعندما اخترقها، صرخت من الوجع، وكأنها تفقد للمرة الأولى بكارتها.






















القسم السادس عشر
رالف لندغرن (3)

ركض رالف لندغرن من وراء جوستين بمخدة يريد خنقها، وجوستين تهرب من زاوية إلى زاوية. تعثر العالم اللاهوتي بتمثال القديسة العذراء، وتداعى تداعي الخواطر والأفكار. كان ذلك لجوستين مدعاةً لفتح الباب، دون أن تفلح. كشفت ثديها الأيسر، وبحثت عن مفتاحٍ تخبئه، فعرضَ رالف لندغرن ثديَهُ، ووشمُ مفتاحٍ يبدو للعين.
- هل هذا ما تبحثين عنه؟
- كيف أَخَذْتَنِيه؟
- وهل أنا مجنون كي أقول لكِ؟
- أنت غير مجنون مجنون.
- في الليل لا تتوقف الشياطين عن التحدث معي، تُغريني بأثدائها المقطوعة، تَخْرُجُ من كتبي الدينية، وتُهددني إذا ما لم أقتلكِ خنقًا قَتَلَت ابنتيّ وابني، ولماذا خنقًا سألتها، إلقاؤك في حفرة في جليد البلطيق أسهل، فلم أقنعها.
- سّرِّي عنك الهموم بشكل آخر، طلبت جوستين.
- وإلا سيكون الجحيم مثواكَ، قالت لي.
- إنه الدورُ السرمديُّ كما تراه شياطينك.
- الروح الشريرة لا تفوتها شاردة ولا واردة.
- تفوتها.
- كيف؟
- أن تتظاهر بخنقي، وأن أتظاهر بموتي.
- وبعد ذلك؟
- ستلهو الروح الشريرة بغيرنا.
- خنقُكِ شرطٌ لا بد منه.
- وخنقُكَ؟
- خنقي!
- شرط المعاملة بالمثل.
- ألستِ مشمئزة من الحياة؟
- شكواي من الحياة أقوى من أسباب شكواي.
- صعوبةُ المِراس من أخلاقك، نرفز رالف لندغرن.
- لن يصلحَ أمرُكِ، يا جوستين، نرفزت جوستين.
- لن تهربي إلى آخر الزمان، ألقى رالف لندغرن بين يدي جوستين كمن يلقي بين يدي شخص غائب.
- ألسنا في آخر الزمان هنا في ساد ستوكهولم؟ عاندت جوستين.
- لم أحسب آخر الدقائق.
- احسبها، فماذا تنتظر؟
- وهل أنا مجنون كي أحسبها؟
- ستنتهي وسننتهي.
- ليس قبل أن أضع هذه المخدة على وجهك، وأضغط.
- لن أدعك تفعل.
- ليس أنتِ...
- من يقرر؟ بلى! أنا التي سَتَنْفُقُ.
- بإرادتي.
- وهل هناك إرادة لأحد في ساد ستوكهولم؟
- لا.
- أرأيت؟
- سأتظاهر بذلك.
- لن أتركك تنجح.
- أنت ستموتين بشكل أو بآخر.
- ليس خنقًا.
- اختاري.
- ليس الآن.
- الزمان في ساد ستوكهولم على وشك الانتهاء.
- ليس بعد.
- وإذا ما دفعتك من النافذة؟
- لا نافذة هناك.
- سنخرج، وسنصعد إلى أعلى برج، فأدفعك.
- أريد الموت في ساد ستوكهولم، آخر مكان لآخر زمان.
- وإذا ما أحضرتُ سُمًا.
- لا صيدلية هناك.
- سنخرج، وسنذهب إلى صيدلية، فأسمك.
- أريد الحياة في ساد ستوكهولم، آخر نَفَس لآخر حوت.
- قبل قليل كنتِ تريدين الموت والآن تريدين الحياة، قليل من الجد.
- وإذا ما خنقتك أنا؟
- فكرة مُعادة.
- سأضع المخدة على وجهك، وأضغط.
- ستريحينني منك.
- أترى؟
- ليس الأمر سهلاً.
- سنمهد للأمر.
- كيف؟
- سأتركُكَ تنتقم مني قبل موتي، بتعذيبي كما تشتهي، وذلك بإدخال أصابعك في كل الفتحات.
- وبعد ذلك؟
- لما تتهالك إعياءً أضع المخدة على وجهك، وأضغط.
- سيُثْقَلُ ضميري.
- كيف؟
- عندما أتركُكِ من بعدي.
- سأجد واحدًا غيرك يريد خنقي.
- لا.
- لماذا؟
- سأخنقك أنا.
- لن تَجِدَ واحدةً غيري تخنقها.
- في هذا المكان لا.
- في كل ستوكهولم.
- لا أعتقد.
- ستجد.
- لن أجد.
- أؤكد لك.
- دعيني أخنقك.
- أؤكد لك قلت لك.
- لا تخنقي متعتي رجاء.
- أنتَ من سيخنقها معي.
- يكفي أن أفكر في أنفاسك تحت ضغط أصابعي فأنتصب.
- وبعد ذلك.
- لست أدري.
- أرأيت؟
- إذن لن أخنقك.
- أنا مُلْكُكَ.
- أعرف أن هذا غير صحيح.
- كيف أثبت لك؟
- أنا في وضع المنتصب.
- أتريدني أن أخلع ثيابي؟
- اخلعي.
- لن تخدعني.
- لن أخدعك.
- كلمة شرف؟
- كلمة شرف.
دخلت امرأةٌ بصدرٍ عارٍ ثديُها الأيسرُ كان مقطوعًا، فسارعت جوستين إلى دفن وجهها في صدر رالف لندغرن.
- أنا آسفة! اعتذرت المرأة، أخطأت في الغرفة.
في الممر، سمعاها تردد:
- هل أخذتَ الخبز؟
- لنذهب من هنا! ابتهلت جوستين.
- هل أخذتَ الخبز؟
- أرجوك!
- هل أخذتَ الخبز؟
- سأترك ثدييّ لأظافرك، بطني، فرجي، كلي، لنتيه بعيدًا عن هذا التيه!
- هل أخذتَ الخبز؟

* * *

أبلغ الجرّاح جولييت بكلمات وخيمة العاقبة أن العملية لن تكون سهلة، وأن جوستين ستموت إذا ما كان سرطانها قد انتشر في كل جسدها. سالت دمعة ساخنة على خد الأخت الكبرى، وأسلمت أمرها لله. صَلَّت في مُصَلّى المستشفى، وأشعلت شمعة وضعتها قرب قدمي تمثال المسيح. لم تدعُ لإنقاذ أختها الصغيرة مرةً بل ألف مرة. وبينا هي تتراوح بين يأس ورجاء، أحست بيد على كتفها، فاستدارت لتقع على امرأة بكامل جمالها وأناقتها.
- هل هو غالٍ على قلبك؟ سألت المرأة.
- هي، أوضحت جولييت.
- غالية على قلبك هي.
- هي أختي.
- كم عمرها؟
- سبع وعشرون سنة.
- لم تزل في ريعان الشباب.
- كما تقولين.
- والحال هذه، وحده القديس أنطوان من يجيب إلى مطلبك.
- وعيسى؟
- لا.
- سيبلغ عيسى القديس أنطوان.
- لن يبلغه.
- ستموت جوستين.
- اسمها جوستين؟
- نعم.
- لو كنت مكانك لما صليت، لما دعوت.
- لماذا؟
- كل واحدة اسمها جوستين لا صلاة ولا دعاء لها، وعلى أي حال لا الصلاة تنفع ولا الدعاء ينفع في وضعٍ حرجٍ كوضع أختك كما أفترض. جوستين لن ينقذها أحد!
- ستنقذها طفولة لم تكن طفولة.
- بل ستدمرها.
- سينقذها شباب لم يكن شبابًا.
- بل سيدمرها.
- سينقذها نُضج لم يكن نُضجًا.
- بل سيدمرها.
- والآلام التي دفعت ثمنها غاليًا؟
- ستريحها الآلام منها.
- والخيبات التي كانت حياتها؟
- سترتاح الخيبات منها.
- والعهود التي لم يف بها أحد لها؟
- لن تريح العهود أصحابها.
- عليّ الذهاب، فاسمحي لي!
- لا تغضبي!
جذبت المرأة جولييت من ذراعها، وبعنف قبلتها.
- هذا آخر ما توقعت! نبرت جولييت، وهي تخلّص نفسها، وفوق هذا في المُصَلّى!
اندفعت المرأة عليها، وأسقطتها على طاولة مُقَبِّلةً كاشِفَةً عن فخذين لم ينحت فنان غير الله مثلهما، وبعد مقاومة غير مجدية، استسلمت جولييت للعناق.
- أنتِ لا تؤمنين، ألقت جولييت، وهي تعيد ارتداء ملابسها.
- أومن.
- ليس بالله.
- بكِ.
- والأخلاق لديكِ؟
- أنتِ.
- أنتِ لا أخلاق لديكِ؟
- أنا.
- وفي الليل تنامين في أي حضن؟
- أنام.
- لا تختارين.
- أختار ولا أختار.
- لعالمك طقوس من يريد تغيير العالم على حساب غيره.
- طقوس قفاي!
- سأدعو لك.
- لستُ جوستين، لكني سأحيا.
- من أجلها، لم أترك بابًا إلا وطرقته.
- لستِ من طراز الأبطال، أنتِ.
- من أجلها، تطرفتُ في القول.
- طريقة في التصرف سيئة.
- من أجلها، خرجتُ عن طاعة دافيد.
- دافيد من؟
- زوجي.
- ما طاوعك قلبك على ذلك.
- ثم أسلمتُ أمري لله.
- قاعدة الاستسلام لأخف المتاعب.
- جوستينُ هي أيضًا الاستسلامُ للإغراء.
- تريدين القول الاستسلامُ للأهواء.
- للمعاصي.
- للإدمان.
- لوشاية الواشين.
- إسناد التهم.
- انحطاط الأخلاق.
- أسوأ الاحتمالات.
- إساءة الظن.
- إساءة المعاملة.
- سَوَّدَ اللهُ وجهها!
- آمين!
بعد أقل من ساعة، وجولييت تنتظر في الممر الطويل، جاء الطبيب بخطواتٍ متثاقلة ووجهٍ جَهْم...





القسم السابع عشر
ساد ستوكهولم (1)

الثدي وما أدراك ما الثدي؟ صغيرًا كان أم كبيرًا، طويلاً كان أم عريضًا، أبيض كان أم أسمر أم أسود أم أصفر أم جهنم؟ الثدي الطفل، الثدي البكر، الثدي البالغ، الثدي البالع، الثدي الخالع العِذار؟ الثدي الذابح الشفاه؟ الثدي النابح، الثدي النائح، الثدي السائح بين مدن الجسد وبلاد الرمان؟ الثدي الغامز بحلمته كل أحلام الرجال، الثدي الراكل بقدمه كل أوهام النساء، الثدي اللاكم بيده في مضاجع العض والخلب كل أجرام السماء؟ الثدي اللاهث فوق البطن، تحت البطن، شاقًا عصا الطاعة والامتثال؟ الثدي القاتل، الثدي الغادر، الثدي الذي هو بالنعمة كافر؟ الثدي العادل لما يغدو الظلم عدلاً في دنيا النرجس والأغلال؟ الثدي الذي يتنزه على عنقك، يحترق على صدرك، يغرق بين فخذيك؟ الثدي الحروب الخاسرة، الثدي القلوب السادرة، الثدي العقول العاقرة؟ الثدي التحدي، العدو المرئي، الموت الأبدي؟ الثدي الأَبابة إلى الوطن، المسلخ في كل مدينة، القدس أبشع مدينة؟ الثدي الذي ينطق عندما تأخذه بيدك، الذي يغني عندما تعلقه على كتفك، الذي يثمل عندما تسقيه منه؟ الثدي الذي يدفعك إلى الإيمان بالله وبالشيطان، بفريز الريفييرا وتفاح الشام، بقرطٍ لحلمة وقرطٍ لسُرَّة، إلى الإيمان بالذهب وبالنار؟ الثدي الذي يعدو في الشوارع فتعدو الشوارع، الذي يصرخ في الآفاق فتمتد الآفاق، الذي يشخ في شفاه النحل فيكون العسل؟ الثديُ عقابُ الإجّاصِ للإجّاص، والسلامِ للسلام، والحربِ للحرب؟ الثديُ لعنةُ الهوى، وجهنمُ السهاد، وجنةُ بيغال؟ الثدي الذي تأكله وأنت شبعان، الذي تشربه وأنت رويان، الذي تحبسه ويبقى حرًا!
على حلبة الرقص، كان الرقص المجنون على موسيقى مجنونة، من حول منصة تنطنط عليها فتاة عارية تمامًا، فنرى تفاصيل ثديها، وتفاصيل فرجها، وتفاصيل رِدفها، نعطيها كما نعطي للشيطان أرواحنا لنصل بالمتعة إلى أقصاها. وبين فترة وأخرى، كانت تجلس على خازوق، تُدخله فيها، وتُخرجه منها. ومن حول طاولة في علبتهم الليلية، جلس أعضاء هيئة تحكيم جائزة نوبل للآداب الخمسة، وهم يحتسون الجعة. رفضوا الكلام عما جربوه مع جوستين، فالوقت لم يكن للخوض في مسألة كالخوض في الوحل، لكنهم تبادلوا بعض ردود الفعل.
- بفضل ألبير رامو، قال هوراس ألفريدسون، محرض الأفكار والصور هذا، أينما ذهبنا بفكرنا، سيكون محور هذا الفكر ثدي جوستين، وأينما ابتعدنا بخيالنا، سيكون في قلب هذا الخيال ثدي جوستين، سيظل ثدي جوستين يطاردنا.
- يطاردنا أم نطارده؟ سألت كاتارينا فريدن.
- يطاردنا ونطارده، أجاب رالف لندغرن.
- يهددنا، قالت كريستينا سفينسون.
- يهددنا ونهدده، قهقه بيتر أكرفيلدت.
- إنه مشروع من خاب سعيه.
- الخوف المرضي.
- خَوَرُ العزيمة.
- مدار السرطان.
- الخيانة العظمى.
- لهذا كان ثدي جوستين الكلمات الخائنة.
- الكاذبة.
- الملوثة بالمني والبصاق.
- الخادشة للحياء.
- المعتدية على الذات.
- جيشًا من أسماء الحال.
- طائفةً من الكُنى.
- نظامًا من أفعال الأمر المطلق.
- وغير المطلق.
- حكومةً من أسماء النصب.
- انظروا مَنْ هناك، أخطر هوراس ألفريدسون.
التفتوا إلى ناحية فيها رئيس الوزراء السابق.
- ما رأيكم لو ندعوه إلى الالتحاق بنا؟ اقترح هوراس ألفريدسون.
- أرفض رفضًا قاطعًا، استشاطت كريستينا سفينسون.
- هذا ما لا يبدو لي مناسبًا، أيدتها كاتارينا فريدن.
- سندعو صولجانه، ألقى بيتر أكرفيلدت، وأراد القهقهة كعادته.
- لن تقهقه وإلا قتلتك! نبرت كريستينا سفينسون.
- كيف تمكنت من رؤية عصا كهذه في عَتَمَةِ ساد ستوكهولم؟ أطرى رالف لندغرن.
- أبصرُ من العُقاب، أكرفيلدت! أطرت كاتارينا فريدن بدورها.
نهض بيتر أكرفيلدت، وهوراس ألفريدسون يقول من ورائه:
- لا حماقات!
وفي الوقت ذاته، رأوا عددًا من الشخصيات الهامة تدخل محيطةً برئيس الوزراء السابق، وتأخذ مكانًا حول طاولته.
- أنت مصمم دومًا على دعوته إلى الالتحاق بنا؟ قالت كريستينا سفينسون ساخرة.
- هارالد إنجموند، يا دين الرب! مغمغ هوراس ألفريدسون.
- ولِمَ لا؟ للمافيا الحق في بعض من رئيس وزراء سابق، قال رالف لندغرن.
- لكن لا مافيا لدينا! أبدت كاتارينا فريدن استغرابها.
- أنت تثبتين أنك تعيشين على هامش فرجك تمامًا! أنبتها كريستينا سفينسون.
- انظروا من تقول!
- أنا لا فرج لي، كما لو كان غير موجود.
- الآخر، سأل هوراس ألفريدسون، أليسه رئيس البلدية؟
- هو بعينه، أكد رالف لندغرن، كنوت فريدولف، الذي لم يعد رئيسًا للبلدية.
- سيصير رئيسًا للبلدية في الانتخابات القادمة.
- طبعًا، كل شيء يُتلاعب به في ساد ستوكهولم.
- ولِمَ لا أنا؟ قالت كاتارينا فريدن.
- هذه البلهاء، قاطعت كريستينا سفينسون، أراها جيدًا كرئيسة بلدية ستوكهولم.
- لِمَ لا أنتِ؟ لأنهم يعملون علي بابا والأربعين حرامي باسم الحرية، وأنتِ امرأة حرة بالفعل.
- ها هو! قال بيتر أكرفيلدت، وهو يضع صولجان رئيس الوزراء السابق على الطاولة.
- حذار من أن يراه! قال هوراس ألفريدسون، وهو ينقله بين أصابعة، ويرمي بنظرة حذرة نحو صاحبه المنشغل بقرع قنينته بقناني من هم بصحبه. أولاد الشر! ها هم يلسعون السويديين بسياطهم الخفية.
- ما رأيك؟ سأل رالف لندغرن، وهو يشير إلى الصولجان برأسه.
- إنه أعظم قضيب ألمسه بأصابعي! هلل هوراس ألفريدسون.
- دعني أرى، قالت كاتارينا فريدن، وهي تلتقطه بأصابعها. كما تقول، كل السلطة!
- دعيني أرى، قال رالف لندغرن، كل الحكم دون نتائج!
- دعني أرى، قالت كريستينا سفينسون، كل الإصلاحات الفاشلة!
- أؤيدك، قالت كاتارينا فريدن، كيلا أثبت أني أعيش على هامش فرجي!
- ولكنك تثبتين أنك تعيشين على هامش فرجك تمامًا للمرة الثانية!
- آه! يا إلهي. كيف أرضيكِ؟
- أن تحمليه، وأن تُدخليه، رمى بيتر أكرفيلدت، وقهقه على الرغم من صيحات كريستينا سفينسون القامعة.
- هكذا! هكذا! ردد بيتر أكرفيلدت، وهو يختطف الصولجان، ويقفز من حول طاولتهم.
- اجلس! أمرت كريستينا سفينسون، سيراك!
- حتى العنق!
- هذا الرأس الحديدي لن يدخل!
- كل الحكومة ستدخل، وهو حتمًا لن يدخل!
- كل الحزب!
- كل السويد!
- كل أحداث الشرق الأوسط!
- كل البنوك التي أفلست في العالم!
- كل التلفونات المحمولة التي تحت التنصت في كل مكان على وجه المعمورة.
- هل تسمح لي أن أسمع ما تقول؟
- أسمح، بشرط ألا أسمع.
- هل تسمح لي أن أقبض ما تدفع؟
- أسمح، بشرط ألا أقبض.
- هل تسمح لي أن أفجر ما تريد؟
- أسمح، بشرط ألا أفجر.
- في السوبر ماركت لا تنسي شراء المُقَلِّح!
- لا تُغرِ العَداوة بين الناس!
- لا تُغرِ الكلاب على المارة بالأحرى!
- سنمر كلنا.
- هم أيضًا؟
- الأوائل.
- وسنفتح صفحة جديدة.
سمعوا كاتارينا فريدن تطلق التأوهات، وهي تغمض عينيها، وتضغط بيدها على فرجها، وكل جسدها يهتز. بعد عدة ثوان، تراخت، وأخرجت المُهْتَزَّ من بين فخذيها.
- هل تريدينه؟ خاطبت كريستينا سفينسون.
- لن ينفع معي، نفت، وهي تأخذه، وتدسه.
- خذي هذا أنفع لك، يا سيدتي الصغيرة، اقترح رجل بصوت مسالم تبدو عليه سمات الإجرام، وهو يقبض على عضوه.
- نحن هنا، يا ماخور الخراء! طن هوراس ألفريدسون بنبرة عسكرية.
- لا تغضب، يا سيدي، سارع الرجل إلى القول، أردت فقط أن أقدم خدمة للسيدة الصغيرة.
- قلت لك نحن هنا!
ونهض هوراس ألفريدسون دافعًا إياه.
- اتركه وشأنه، يا ألفريدسون! أمرت كريستينا سفينسون، وهي تلقي بالمهتز على الطاولة. وبسرعة البرق، اختطفه رالف لندغرن. فتح بنطاله، ووضعه.
- هو لنا أيضًا، قال.
- أنا جائعة، قالت كاتارينا فريدن.
- للجنس دومًا، قال رالف لندغرن.
- لطبق.
- تعرفين جيدًا أن الأكل تحت، في الحجرات والشقق.
- فلننزل.
- ليس بعد.
حاذاهم ثلاثة فرسان ملكيين، وهم يتصارعون بالكاب والسيف مع ثلاثة من أعوان الكاردينال ريشليو. كانوا يسببون الألم المبرح لبعضهم البعض، فيتصايحون ويتسابون.
- كل هذا من أجلي، أنا آن النمسا، تباهت كريستينا سفينسون.
- أنت آن النمسا! أعادت كاتارينا فريدن ساخرة.
- اتركيها، يا دين الرب! صاح هوراس ألفريدسون بكاتارينا فريدن، وما لبث أن قال، نعم! وهو يتلفت من حوله. ناداني أحدهم!
- ليس أنت، أنا، قال رالف لندغرن.
- ظننت أنه أنا.
- أنا، قلت لك أنا.
- جاء الصوت من النار.
- هل أعد لكم شيئًا تأكلونه؟ سألت كاتارينا فريدن.
- لك، أليسك جائعة؟
- أنا لست جائعة، أنتم.
- على كل حال، هنا ليس مطبخك. انظروا إلى أكرفيلدت، لمن يرفع يده؟
- لرئيس الوزراء السابق.
- رئيس الوزراء السابق يجلس في الناحية المعاكسة.
- ماذا، يا أكرفيلدت؟
- تلك المرأة تحييني.
- ولكن لا امرأة هناك.
- انظروا كم كنت جميلة في "والله... خلق المرأة" أشارت كريستينا سفينسون إلى لقطات لبريجيت باردو على الشاشة العملاقة. أذكر كيف كان فاديم يخريني تمامًا بملاحظاته السادية، وكان يأمرني أن أفعل، فأفعل، وكأني قضيبه.
- أنزل يدك، يا أكرفيلدت!
- إذن أنتم لستم جوعى!
- لا ولا ولا!
- هل تشمون رائحة الدخان؟
- وعندما كان فاديم يشتهيني، كان يوقف التصوير، ونذهب إلى ناحية منعزلة على الشاطئ.
- أنزل يدك، يا دين الرب!
- كنت آمره افعل، فيفعل، يقبلني من كل جسدي، ولا أتركه إلا بعد أن أنهكه.
- كما تريدون، إن لم تكونوا جوعى.
- يا دين الرب! يا دين الرب!
- عندك الحق، أشم رائحة دخان.
- ألم اقل لكم؟
- المارجوانا.
- لا.
- ماذا إذن؟ الحشيش.
- لا.
- قفا بريجيت باردو.
- قليل من الاحترام لأفضل نجمة في العالم.
- شكرًا كثيرًا.
- عندما تجوعون قولوا لي.
- عندما نجوع ننزل تحت.
- كما تريدون.
- لا الحشيش ولا المارجوانا إذن ماذا؟
- هومر سمبسون.
- أنا لا أدخن لا المارجوانا ولا الحشيش.
- إنديانا جونز.
- دخنت النارجيلة في القاهرة.
- باربكيو، يا دين الرب!
- زملائي آيات الله يعشقون هذا، كل يوم لو أمكن.
- آية الله أنت؟
- هل تريد أن أعطيك الإثبات؟
رفعت كريستينا سفينسون تنورتها.
- هل هناك أكثر من هذا إثبات؟
- أنا جائعة.
- كاتارينا فريدن، يا دين الرب!
- هذا لا يثبت شيئًا.
- ربما كنتِ ليمَ غيرك كالقذافي مثلاً أو سليمان أو بن لادن.
- هؤلاء، ما زالوا أحياء؟
- ما زالوا.
- إذا لم تكونوا جوعى...
- أخيرًا، يا أكرفيلدت!
- المرأة، كانت تحييني، ثم لم تعد تحييني.
- لستَ أنتَ.
- ألم يلقوا جثته في البحر؟
- القذافي، قتلوا ليمه، ثم قتلوا من قتله، الأمر واضح.
- إذا لم تكونوا جوعى...
- ليم جوستين، المحترق في المدفأة، الأمر واضح.
- إذا لم تكونوا جوعى...
بدأت مسابقة كل مساء: الأوتاد القوية.
على موسيقى رومانسية، راح ثلاثة رجال وثلاث نساء يخلعون ثيابهم الجلدية، وهم يتلوون في أحضان بعضهم، الأيادي ناعمة على الأجساد، وأكثر ما كانت الأيادي تنعم بين الأفخاذ. خلع الرجال آخر قطعة عن ذكور منتصبة بقوة الحديد، فبدأت النساء تعلق عليها السلاسل واحدة تلو واحدة والهتاف الحماسي يتصاعد من كل جانب. ضَعُفَ الأول فالثاني والسلاسل تتساقط، الضحكات تصاحبها والتعليقات الساخرة، وفاز الثالث مع التصفيق الصاخب للحضور وقبلات النساء الثلاث مكافأةً.
عادت الموسيقى المجنونة، وعاد الراقصون المجانين، فذهب رئيس الوزراء السابق ليرقص، وكل من كان معه، سمعوه يمازح هذه وتلك، ويعانق هذه وتلك، يمازح هذا وذاك، ويعانق هذا وذاك.
- لطيف رئيس وزرائنا السابق! علقت كاتارينا فريدن.
- ألفريدسون! زعقت كريستينا سفينسون، قُرْصُكَ!
- مهدئ الأعصاب؟
- وهل هناك غيره؟
- ها هو.
- هاتِ!
- ليس مع الكحول.
- اتركني!
- يتسلى! علق هوراس ألفريدسون.
- ألفريدسون!
- قُرص ثان؟
- بسرعة!
- كل تلك العذراوات اللاتي يحطن به!
- ألفريدسون، ما أنت سوى خراء!
- قُرص ثالث؟
- كل هذا رهيب! همهم رالف لندغرن.
- المهتز؟ قهقه بيتر أكرفيلدت.
- تراجيدي! أضاف رالف لندغرن، وهو يخرج المهتز، ويعيده إلى كاتارينا فريدن.
- هيه! إلى أين؟ صاحت كاتارينا فريدن باتجاه بيتر أكرفيلدت.
- سأعيده إلى صاحبه.
- الصولجان؟
- لا، قضيبي!
- كوميدي!
- تراجيدي قلتُ.
- كوميدي أقولُ.
انقض بيتر أكرفيلدت على رئيس الوزراء السابق، وراح به ضربًا، ولا أحد استطاع إيقافه. بدا لأول مرة في حياته غير ما هو عليه، على حقيقته، حقيقة تُظهر أخرى: توقي أصول الدولة. بعد عظيم جهد، استطاع حراس المافياويين تخليصه الصولجان. قلبوه على بطنه، وأشبعوه ضربًا.
- ماذا فعلت، أيها المجنون؟ قال له صديقاه، وهما يعودان به إلى الطاولة.
- أردت أن أمارس الابتزاز الجنسي على طريقتي، أجاب بيتر أكرفيلدت، وأراد الانفجار مقهقهًا، فلم يستطع من شدة الوجع. وعلى العكس، قهقهت كريستينا سفينسون.
- لماذا تقهقهين؟ سألت كاتارينا فريدن.
- لأنه يكذب، بررت الصديقة.
- ولكن بماذا أقسم لكِ؟
- بقفا أختك.
- لا مزاح.
- أنا لا أمزح.
- ماذا كنت سأقول؟ وأردت أن أرفض الطبقة السياسية، أضاف بيتر أكرفيلدت، وأراد الانفجار مقهقهًا، فلم يستطع من شدة الوجع. وعلى العكس، قهقهت كريستينا سفينسون.
- لماذا تقهقهين؟ عادت كاتارينا فريدن تسأل.
- لأنه يكذب، بررت الصديقة من جديد.
- ولكن بماذا أقسم لكِ؟
- بقفا أختك.
- لا مزاح.
- أنا لا أمزح.
- وأردت أن أعبر عن تضامني مع الناس.
- لماذا تقهقهين؟
- لأنه يكذب.
- ولكن بماذا أقسم لكِ.
- بقفا أختك.
- يكذب، تدخل هوراس ألفريدسون، ولكنه يكذب بصدق.
ابتسم بيتر أكرفيلدت، وتخيل الثلج يندف في ساد ستوكهولم، طلع القمر في العلبة الليلية، وأضاء الميناء. كانت حفلة المراكب، حرية القضاة، المحاكم، العدالة. قبلات مشتهي المماثل. من اللسان. من الحلمة. من الفرج. العبادة. عبادة الأصنام، الآلهة، المال.
أحضر النادل قنينة بيرة لكل واحد.
- هذا على حساب رئيس البنك المركزي، قال النادل، دورته لكل رواد ساد ستوكهولم.
- رئيس البنك المركزي هنا؟ أبدى هوراس ألفريدسون دهشته.
- إنه هناك، أشار النادل بإصبعه إلى صف من الزبائن.
- هناك أين؟
- هناك.
قاموا ليروا، إذا بالمصطفين يكشفون عن مؤخراتهم واحدًا واحدًا ليسوطها رجل يبدو عليه أنه الحاكم الفعلي للسويد، ومقابل ذلك، كان يدفع مائة كورون.
- من أجل مائة كورون أنا مستعدة لكل شيء، قالت كريستينا سفينسون، وذهبت لتقف في الصف.
- أنا أيضًا، قالت كاتارينا فريدن، لسد الرمق، وذهبت لتقف في الصف.
- أنا... تردد بيتر ، بعد كل الضرب الذي نلته...
- فكر في المائة كورون، يا أكرفيلدت.
- طيب. على كل حال توجعت إلى الحد الأقصى، وهذا لن يزيدني وجعًا.
- رِدْفَة طيبة، قال هوراس ألفريدسون ورالف لندغرن، وهما يعودان إلى طاولتهما.
بعد لسعها بالسوط، قاءت إحدى جميلات ساد ستوكهولم: الأقراط في كل مكان من وجهها، شفتاها، منخراها، حاجباها، أذناها. جذبها رئيس البنك المركزي بعنف، وأمرها ببلع قاذوراتها عقابًا لها. لم يقف العقاب عند هذا الحد، ذهب بها ثلاثة من أعوانه إلى ناحية شبه معتمة، وعلى طاولة ألقوها، أمسك بها اثنان من ذراعيها، والثالث حشاها بقضيب فجّر غائطها. غرف منه سعة ملعقة كبيرة، وشمه، فاستطاب رائحته. تقدم من الفتاة، وجعلها تشم غائطها، وكلها قرف واشمئزاز. فتح فمها رغمًا عنها، وأطعمها إياه، وهي تصرخ وتقاوم بلا جدوى.
- نعم، نغير الوقائع العنيدة في ساد ستوكهولم، نكسر لها رأسها، همهم هوراس ألفريدسون.
اخترقت امرأة أنيقة جدًا علبة الليل.
- ولا أعند هناك من هذا الواقع، رمى رالف لندغرن بإشارة من رأسه إلى المرأة.
- الواقع عندما يغدو واقعة! اندهش هوراس ألفريدسون.
- إذا أردت أن تربح مليار كورون في الشهر اتبع الفرس!
- زوجة صناعي السيارات ألبن فيلهلم هنا؟
- عندما تتذوق سوط ساد ستوكهولم.
- ليس بلسانك.
- بقفاك.
- مليون كورون في الشهر!
- مليار كورون في الشهر.
- وأنا لا شيء لدي على التقريب في حسابي!
- حاول جَلدها، ربما كان حظك الأوحد.
نهض رالف لندغرن إلى صندوق الكبابيد، وضع فيه قطعة نقدية، وجاء لهوراس ألفريدسون بواحد.
- على المرء أن يكون حذرًا مع هذه الطبقة.
تقدم منهما أحد الظالعين، ووقف كالتمثال بينهما، وانتظر.
- ماذا يريد، هذا المغفل؟ تهكم هوراس ألفريدسون.
أخرج رالف لندغرن من محفظته ورقة نقدية أعطاها للرجل، وبدوره، أخرج الرجل من جيبه حبتي اكستازي أعطاهما لرالف لندغرن. أودع هذا كف صديقه حبة، ووضع حبة في فمه ابتلعها مع جرعة بيرة.
- خذها لتربح المليار! أغرى رالف لندغرن.
- ستحملني إلى السماء السابعة، تردد هوراس ألفريدسون قبل أن يبتلعها مع جرعة بيرة.
- هذا ما يجب فعله.
- وذاك الذي ينظر إلينا؟
- إنه لا ينظر إلينا.
- بلى.
- إنه أعمى.
أخذ الأعمى يغمز دون توقف.
- ليس أعمى.
- هذه عَرّة.
إذا بشقراء جميلة كإلهة تذهب إلى الأعمى، وتهمس في إذنه ما جعله يرسم ابتسامة واسعة على شفتيه. حمل عصاه، ونزل بصحبة الفتاة إلى حجرة تحت أرضية، في الوقت الذي انطلقت فيه الزغاريد، قرعت الطبلات، وعلت المزامير، كان العرس، العروس بيضاء سويدية في الثياب القبائلية، والعريس أسمر مغربي السحنة، وكان العريسان يركبان حصانين، ويرقّصانهما على إيقاع الأنغام. زوّجهما بعد ذلك رئيس البلدية السابق، وهو يخلع ثيابهما إلى أن عراهما تمامًا. تناول سوطًا، ولسعهما، فعادت الزغاريد تنطلق من جديد، ونزل بصحبتهما كل من كان معهما إلى شقة في الطابق التحت الأرضي الثالث.
- وتلكم اللواتي يجلسن هناك؟ سأل رالف لندغرن.
- مقاومات عراقيات، أجاب هوراس ألفريدسون.
- ألم يسقطن في ساحة الشرف؟
- تلك التي على اليمين الأكثر جنسية الأكثر همجية تقدمت للانتخابات النيابية، كانت ترتدي الحجاب التام، على إعلاناتها الدعائية صورة لها لا يُرى فيها وجهها، وإلى جانبها صورة زوجها، وهو يرفع إصبعه مشيرًا إليها، وعبارة تقول إنها امرأة فلان، يعني هو، فانتخِبُوها. تم انتخابها، ونالت مسئولية إحدى اللجان الهامة، المالية أو الأمن، وهي دومًا ترتدي الحجاب التام دون أن يرى أحد وجهها. اتخذت لجنتها قرارات خطيرة ليست في صالح هذه المافيا السياسية أو تلك، فقُتل زوجها اقتصاصًا منها. بعد هذا الحادث، حصلت على حق اللجوء السياسي عندنا.
- ها هن يَقُمْنَ.
- ستكون المفاجأة عندما يستدرن.
- يا إلهي! ما أجمل أردافهن!
- في العراق يغطين وجوههن، وفي السويد يكشفن أردافهن.
- يضعنها في هالة قمرية.
- قدسية.
- ضراتها.
- صلاتها.
- فمي محرابها.
- لكل رِدف عالم، عالمٌ كلُّ رِدف، كرة أرضية، لهذا كراتٌ أرضيةٌ ما بيننا، طرية، أبية، تتمنى الدخول فيها، وإغلاق الباب عليك إلى الأبد. لكل رِدف سلطة، سلطةٌ كلُّ رِدف، مقر الملك، لهذا مقراتٌ ملكيةٌ ما بيننا، وطيدية، عنجهية، تتمنى الصعود عليها، والبقاء فوقها إلى الأبد. ولكل رِدف طريقة، طريقةٌ كلُّ رِدف، مذبحة قضيبية، لهذا مذابحٌ قضيبيةٌ ما بيننا، حَرِيَّة، سحرية، تتمنى الذبح بينها، وإهراق دمك إلى الأبد. وأنت لما تتهاوى على رِدف كما تتهاوى الجبال، وتريد بلسانك أن تخترق الجبال، يمد الرِّدف لسانه، ويخترقك، تُدخل رأسك، ويُدخل رأسه، تُدخل يدك حتى كوعك، ويُدخل يده حتى كوعه، تُدخل جسدك، ويُدخل جسده، تتعاركان كجيشين، وضحاياكما الأنهار والبحار والشلالات، فالمتعة شلالات وبحار وأنهار تهدر في الأكوان والأجساد. تعرف المرأة أن الأكوان والأجساد تنظر إلى عجيزتها، وهي تسير، فتميل، لهذا كانت تغنج، وتعرف أن للعظام والأنذال عيونًا لينظروا إلى عجيزتها، وهي تخطر، فتغيب، لهذا كانت تخجل. وفي لحظة من لحظات يأسك الجسدي والروحي تتساءل عن الجمال وما هو، وكل هذا الجمال، وفي خيالك أجمل العجيزات، وهي تتفجر بالخراء، فتحتار، ولا تلبث حيرتك أن تزول مع استعدادك لتفتح فمك، وتجعل من فمك حوضًا، ومن كلك سوطًا، ومن وجودك أفقًا للوجود، ورائحة الخراء الكريهة رائحة العقول والورود.
- وذاك الذي يخفي كل وجهه من وراء قناع؟
- شاعر فلسطيني من الدرجة العاشرة يقوم مع الدين ويقعد ولا يقعد مع الشعر ويقوم.
- شاعر ومتدين؟
- شاعر ومتدين وفي ساد ستوكهولم! أخلاقي من قفاه! يخدش حياءه أقل كلام عن زُب الرجل وكُس المرأة!
- بلا حياء!
- انظر إليه، ها هو يقوم.
- يا إلهي! ما أبشع رِدفيه!
- يضعهما في هالة قمرية هو الآخر.
- قِمامية.
- دعنا!
- حَبَّتُكَ بدأ مفعولها.
- أنا ليس بعد.
- أرى العالم قصيدة مشوهة كتبها كلب، لم يقلد فيها أحدًا لا من الشرق ولا من الغرب، كلما عوى شنف الآذان، حتى آذان الشعراء الذين في قبورهم، بودلير ورامبو والسياب، فنهضوا ليعيدوا كتابة قصائدهم.
- وتقول حبتي بدأ مفعولها!
- أنا دخيل على المواد المهيجة للشهوة.
- للعقل. للورد.
- أرأيت؟
- سأقول لك متى الحبة يبدأ مفعولها. لما ترى فرج المرأة منجمَ الإنسانية: تزحف الإنسانية على بطنها لتسحق اشتياقها فتسحق نفسها، وتزلق على فخذها لتخنق هيامها فتخنق غيرها، وليس غيرها سواها. تتيه في غابات الأمازون فتجد نفسها في الربع الخالي، تغرق في بحر ميامي فتجد نفسها في خليج سان تروبيز، تحلق في سماء باريس فتجد نفسها في مطار ريو دي جانيرو. تأكل فرجها ولا تشبع، تشربه ولا تُروى، تَدْخُلُهُ ولا تخرج. قالوا الله لأنهم لم يجدوا إلا الله الأسمى، وقالوا الماخور لأنهم لم يجدوا إلا الماخور الأدنى. فرج المرأة هو الوسادة التي يضع الوجود عليها رأسه لما يقتل الفلاسفة أدمغتهم عند التفكير فيه، وهو لفمكَ شفتان، وللسانكَ كهفان، ولعجزكَ قوتان. رائحته لم يستطع أساطين العطور تقليدها، مزيج من بول الياسمين وغائط النحل. رائحة العقل.
انتبه الصديقان إلى شاب وشابة يضمان بعضهما بحرارة، وهما يذرفان الدموع الحرى، يقبلان بعضهما قبلات من الوجه لا تُعَدّ ولا تُحصى، ويواصلان البكاء، يبتسمان، وهما يبكيان، ويعودان إلى ضم بعضهما بحرارة، ومن حولهما تزهر القصائد وتنير الأقمار. تحول ساد ستوكهولم إلى بحر من العواطف والأحلام، وكان الإبحار على مراكب الهوى، فاستيقظت أذواق البشر.
- هذه هي السويد التي لا يدركها العالم، همس رالف لندغرن، وهو يشير بإصبعه إلى العاشقين الشابين.
وضع هوراس ألفريدسون وجهه بين كفيه، وانفجر باكيًا، في اللحظة التي علت فيها صيحة ناجمة عن آلام المخاض، كانت المرأة تفتح فخذيها على الأرض واسعًا بين ذراعي رجلها، ورجلها يطلب المدد من أيادي الساديين، فحضر أكثر من واحد، وتوزعوا الأدوار. مدوا لها يد العون حتى بلغ البحر أقصاه، وإذا بالوليد يبكي مع ضحكات الكل، ضحكات الأم، ضحكات ساد.
دقت فجأة موسيقى جنائزية، فحمل رواد علبة الليل التوابيت، وهم يرتدون ثيابهم السادية، وراحوا ينتقلون بها من مكان إلى آخر، وهم في كامل حزنهم. كان بعضهم يبكي شجنًا، وبعضهم يسلي بعضهم بلف الذراع حول الكتفين، أو بمداعبة الثديين، أو بالطبطبة على الإليتين، لما فجأة أخذ جميع الحزانى يضربون أنفسهم ضربًا عنيفًا، بالسياط والسلاسل والقضبان. كانوا يصرخون، ويقولون كلمات تعبر عن حبهم للموتى مثل: ستشتاق أسناني لثديك! هذه السلسلة سأحطمها من بعدك! ستظل رائحة شخاخك في أنفاسي إلى الأبد! ماذا سأفعل دون لعق خرائك؟ الموت لن يحرمني منك! تنكر أحدهم تحت ثياب القِسيس، وقرأ من كتاب رامو بعض السطور على أرواح الموتى:

لن يكون الموت كما كان الموت، ولن يكون القبر كما كان القبر، سيمضي كل شيء تحت إِمْرَةِ الأموات، لا بأمر الأحياء سيمضي، فينتهي الشك فيما بعد الموت، لأن ما بعد الموت الموت الذي هو ما بيننا، عند ذلك، لن يكون عذاب الدنيا شيئًا كبيرًا، فيهون كل عذاب، وأول ما يهون عذاب جوستين في ثديها.

دخلت مجموعة من الخوارنة والرهبان، وأخذت على عاتقها إدارة المأتم. دعس رجال الدين المتنكر بأقدامهم، وأشعلوا البخور. حملوا الصلبان، ورددوا بعض ما في العهد القديم، والكل يعيد من ورائهم. أطالوا، فزهق المشيعون، وأرادوا الانسحاب، فساطوهم، وأجبروهم على البقاء والترداد إلى ما لا نهاية.







القسم الثامن عشر
ساد ستوكهولم (2)

لم تكن جوستين تحلم بالوقوع على مكان تشعر فيه بالحرية كالعلبة الليلية "ساد ستوكهولم"، مكان تختلط فيه الموسيقى بالخيالات، والكؤوس بالشفاه، والأسرّة بالأجساد، فتطيع غرائزها، لا تطوّح بها الطوائح، ولا يُنظر إليها في طمع. طوت الماضي طي السجل، وبانت في عينيها أطياف الفرحة. ظفرت بمتعة في كونها خيالاً وشفةً وجسدًا، وأروت ظمأها. أحسنت الظن في كل شيء، وكانت هادئة المظهر.
- ليست هذه جوستين، قالت كاتارينا لندغرن.
- جوستين، نادت كريستينا سفينسون، هل أنت جوستين؟
- أنا جوستين، ابتسمت الفتاة.
- جوستين، أية جوستين؟
- جوستين.
نهضت المرأتان، واقتربتا من جوستين. ترددتا أمام ابتسامتها، قليلاً، ثم بحركة واحدة قرصت كل منهما ثديًا من ثدييها.
- آي! أطلقت جوستين.
- تقولين آي؟ استفسرت الصديقتان.
- أقول آي.
- جوستين! ناداها أحدهم.
- نعم.
- هل ننزل تحت؟
- بعد قليل.
- تحت تنزلين؟ استغربت كاتارينا لندغرن وكريستينا سفينسون.
- تحت أنزل.
- سأنتظركِ تحت، قال الرجل.
- طيب.
- برغبتك تريدين؟
- بدونِ رغبةٍ أريد.
- عجيب!
- الواقع أن هذا شخص أعرفه.
- غنيّ؟
- فقير.
- تحبينه؟
- أعرفه.
- جوستين! ناداها ثانٍ.
- نعم.
- هل ننزل تحت؟
- لا.
- وهذا؟ لماذا ترفضين؟ هلا تعرفينه؟
- أعرفه.
- إذن.
- لأنه لا يرضيني.
- ليس فقيرًا إذن.
- بلى.
- جوستين! ناداها ثالث.
- نعم.
- هل ننزل تحت؟
- لا.
- وهذا؟ لماذا ترفضين؟ هلا يرضيكِ؟
- يرضيني.
- إذن.
- لأنه غني.
- أنت تضحكيننا.
- ولأنه يذكّرني على الرغم مني بكلب كنت أُعنى به في أحد الأديرة، أخاطبه بصيغة الجمع: أنتم، حضرتكم، لو سمحتم.
- الكلب! انفجرت المرأتان ضاحكتين.
- أضحِكَاني معكما، تدخل بيتر أكرفيلدت، وانفجر ضاحكًا.
- جوستين كانت تخاطب كلبًا بصيغة الجمع.
- أنا لا تخاطبني بصيغة الجمع.
- نقول لك كلبًا.
- والخنزير؟
- لا، قالت جوستين.
- أعرف الآن لماذا تخاطبينني بصيغة المفرد.
انفجرت جوستين ضاحكة.
- هل ننزل تحت؟
- لدي أحدهم.
- بعده إذن.
- سأرى.
- احجزي لي دورًا.
- طيب.
- ونحن أيضًا، قال هوراس ألفريدسون ورالف لندغرن.
- طيب.
- سنرقص مع بيتر أكرفيلدت.
- طيب.
- لا تنسينا.
- طيب.
- أنت على كل الألسن.
- طيب.
- لم تقطعي ثديك؟
- حززته بشفرة، فانبثقت منه فراشات زرقاء.
- لا تحبين الفراشات الزرقاء؟
- لا.
- نحن نحبها.
- ليس ثديي.
- بلى بلى.
- في الليل أتركه وحده.
- ثديك؟
- فيبكي.
- فيحترق.
- فيبكي.
- للظلام.
- لكني لا أبالي به.
- تتركينه يبكي؟
- أتركه يبكي ليعتاد.
- ماذا؟
- الوِحدة.
- نحن لا نعتاد الوِحدة.
- عليه أن يعتادها.
- والآخر؟
- يبكي.
- لماذا؟
- الآخر يبكي على الآخر.
- نحن نفهمه.
- ليس أنا.
- عندما يذهب لن يكون الأمر سهلاً.
- له؟
- لنا.
- ليس لي.
- سنرقص مع بيتر أكرفيلدت.
- طيب.
- لن يكون الأمر سهلاً لنا.
- ...
- ها هو ينادينا.
- طيب.
- لا تنسينا.
- طيب.
كان الكل يرقص بقناع أسود يحمي من طاعون أسود سببه جرذ أسود، وعلى الشاشة العملاقة مئات آلاف الجرذان السوداء، ملايينها، مئات ملايينها، تخرج من سفن شحن النفط الراسية في موانئ الخليج، وتسارع بالانتشار غازيةً جزيرة العرب، قاطعةً البحر الأحمر، مبتلعة مصر والسودان وليبيا وكل بلدان شمال أفريقيا إلى أن تلقي بأجسادها منتحرةً في المحيط. كانت الموسيقى تزداد حدة كلما عظم الخطر واشتد الهول، وكانت قهقهات الراقصين تعلو مع علو صرخات الموجعين، وكلما نفق مئات الآلاف من البشر، ملايينها، مئات ملايينها، فالكارثة الإنسانية كانت مثيرة، وآثارها على الأبدان المصابة كانت ممتعة: عقد ودمامل بين ثنيات الفخذ وتحت الإبط وبين الرِّدفين. اختلط الأنين في ساد ستوكهولم، فلم يعرف إذا كان أنين المجلودين بالحب أو المجلودين بالطاعون، واختلط التاريخ، فلم يعد يعرف إذا كان تاريخ العرب أم تاريخ الأوروبيين، حتى المدن زحفت إلى ستوكهولم، وغدت ستوكهولم بطاعونها مدينة المدن، والسويد بلد البلدان. عوى الراقصون وهم يتسلقون قمم الانتشاء ليبتعدوا أكثر ما يكون الابتعاد عن الداء، وليبقوا أطول ما يكون الطول من الوقت، في الوقت الذي كان فيه نابليون بونابرت يعود المصابين في يافا، دون أن يخاف من الموت معهم، أو، ربما ليموت معهم. راحت ملايين الجرذان تفتح أفواهها، وتقرض كل شيء حي، وكل شيء غير حي: الخشب والتنك والحجر. وراحت أموات المصابين بالطاعون القدامى في وهران تقوم من قبورها لتترك مكانها للأموات المصابين بالطاعون الجدد. التهمت الحمى الجدران بعد أن زحفت من الأجساد إلى الجدران، وراح البحر يعض البشرية لتشرب دمها باكتيرياه الخضراء. أجمل موسيقى كانت في ساد ستوكهولم مع أجمل مشهد لرقصة الموت، لموت الجسد في حضن الجسد، لما جذبت كاتارينا فريدن وكريستينا سفينسون امرأتان إلى زاوية شبه معتمة. تَلَعْبَطَ السمكُ على السمك، فالنهود سمك، والبطون سمك، والفروج سمك، والأفخاذ سمك، والسيقان سمك. زلق السمك على السمك، دخل في الفروج وخرج، ونط السمك على السمك، فعض النهود، وبصق، نفق السمك على السمك، فدفن نفسه في السرات، وغاب. كانت أيادي النساء الأربع قوافل من السمك، وخصورهن شلالات للسمك، وأردافهن شبكات صيد. سقطن أربعتهن فيها، وهن يتلوين، في أحضان بعضهن، وهن ينهقن كالسمك، وهن يزأرن كالسمك، وهن ينعقن كالسمك. لم يمزقن الشبكة من أجل الهرب، ومزقن شفاههن قبلاً، حارت شفاههن من قُبلها، فذهبن بألسنهن إلى شفاه مهابلهن، وهناك جعلن من شفاههن جراذين تعض، وتفتك، وتنشر المرض. اخترقت الجراذين مهابلهن، ونعظت، فكان وقت هِزّة الجماع، رحن من جديد ينعقن، ويزأرن، وينهقن... كالسمك.
تحت، كانوا كلهم هناك، كاتارينا فريدن، كريستينا سفينسون، هوراس ألفريدسون، بيتر أكرفيلدت، رالف لندغرن، وعلى أنغام المركب الطيف لفاغنر، كانت جوستين تنتقل من واحد إلى آخر، وهي تحاور الرغبة تارة باللين، وتارة بالشدة. عاريةً كانت أجسادهم، ربطتها جوستين بالحبال الجلدية، ودلكتها بالكريمات الفيتامينية. كانت عارية الجسد هي الأخرى، خفيفة كفراشة، تحط بثديها على هذه الشفة أو تلك، عنيفة كعُقاب، تغرز مِخلبها في هذا الرِّدف أو ذاك. وكانت تعانق بحنانة الأم، وكانت تعاقب بفظاظة الأب. وما أن كانت صرخات الوجع تنطلق حتى تخفت وتزول، وكذلك كانت الضحكات، لكن كل ذلك ما كان سوى تمهيدات الحق من العذاب كالرعشات كانت نذير الحق من الحمى.
- من أين تريدينني أن أدخله، كاتارينا فريدن؟ سألت جوستين، وهي تلوح بقضيبٍ حديديّ.
- فلنوقف هذه اللعبة، من فضلك! رجت كاتارينا فريدن دون أن تنظر إلى جوستين.
- تقولين لعبة؟
- جوستين، من فضلك!
- ليس قبل أن أدخله في فمك.
صرخت كاتارينا فريدن.
- وفي فرجك.
صرخت كاتارينا فريدن.
- وفي رِدفك.
صرخت كاتارينا فريدن.
- أكثر، أكثر، أكثر...
- كفى!
- توسلي!
- الرحمة!
- أكثر، أكثر، أكثر...
- جوستين!
- أكثر، أكثر، أكثر...
- الرحمة، يا جوستين!
- لستِ حبلى؟
- لا.
- تفقدين التركيز؟
- لا.
- وقعتُ حبلى، أنا. كم مرة؟ لم يعد باستطاعتي عدها. ولأنهم كانوا يُدخلون أدواتهم فيّ كنت أُسْقِطُ. في إحدى المرات كان الطرح كبيرًا، فعضهم، وأنقذني. بعد ذلك، صعد إلى ثديي الأيمن، وشرب، كان ظامئًا.
- ثديك الأيمن!
- ظامئة أنت؟
- نعم.
- شرب كل ما فيه من حليب، في ثديي الأيمن.
- لم يترك لي قطرة واحدة.
- سأعطيك ثديي الأيسر، عضيه، أكثر، أكثر، أكثر، فيه الكثير من الدم.
- لن أترك لغيري قطرة واحدة.
- سأعود إليكِ.
- جوستين، ارتعدت كريستينا سفينسون، ليس هذا ما اتفقنا عليه، رجت، وهي لا تنظر إليها.
- اتفاق قفاي، يا صغيرتي!
- كل شيء إلا الفصد!
- سأشرط أذنك هذه، هكذا.
- جوستين!
- والأخرى كيلا تزعل من الأخرى.
- الرحمة!
- وسأحز حلمتك هذه، هكذا.
- الرحمة، يا جوستين!
- والأخرى كيلا تزعل من الأخرى.
- آه! يا إلهي.
- وسأجدع مشفرك هذا، هكذا.
- الرحمة، أيها الشيطان! إليّ، يا ابن القحبة!
- والآخر كيلا يزعل من الآخر.
- إليّ! إليّ!
- لن يحل هذا مشكلك. ستزدادين برودة. ستحملين جثتك.
- سأحمل جثتي.
- صباح الخير، يا جثتي! مساء الخير، يا جثتي! هل أنت جائعة، يا جثتي؟ تريدين أن تشخي، يا جثتي؟ تخرأي؟ تعالي لألمس ثديَكِ، يا جثتي! بطنَكِ، فرجَكِ، خراءَكِ، يا جثتي!
- يا جثتي!
- الانتحار غير مجدٍ، يا جثتي! الجثة لا تنتحر لأنها منتحرة! كم من مرة حاولت جثتي المنتحرة الانتحار دون فائدة؟ كنت أضغط بيدي على فرجي، أريد أن أنتحر من تحت! من فوق لم أنجح، ومن تحت لم أنجح! وعندما شربت ماء الجافيل وكدت أنجح، غسلوا لي معدتي، كانوا يحبون جثتي، ويتبادلونها فيما بينهم كيلا يموتوا!
- كيلا يموتوا!
- سأعود إليكِ.
- لن أكون الأول بين ثلاثتنا، حذر هوراس ألفريدسون دون أن ينظر إلى جلادته.
- أحب رائحة الدخان التي يتضوع بها خراؤك، ابتسمت جوستين.
- جوستين، ضعي هذا المشرط جانبًا!
- كل أصابعي تغوص في الدم، وهي تسعى إلى الغوص أكثر.
- الدم والخراء ليس واحدًا.
- للوصول إلى الخراء يجب المضيّ بالدماء.
- جوستين، أرجوك!
- لا تتباكى كالمرأة، أيها الجبان!
- الرحمة!
- لست الله ولست الشيطان.
- الرحمة، يا جوستين!
- هاتِ بطنك البدين!
- أيها الكابورال، ماذا تنتظر؟
- نعم، هكذا.
- ماذا تنتظر، يا دين الرب!
- كُنْ طيعًا كقضيب!
- أيها الكابورال!
- رائحة الدخان التي يتضوع بها خراؤك تجاوزت كل رائحة لدخان آخر، اسألني أنا، فأنا خبيرة بروائح الدخان بعد كل الحرائق التي أشعلتها! حرائق في كل مكان ذهبت إليه، في الأديرة، في الحقول، في القصور! هذا لأني أحب رائحة الدخان، رائحة موغلة في القدم، منذ العام 1789.
- يا دين الرب! يا دين الرب! يا دين الر...
وأغمي عليه.
- سأعود إليكَ.
- جوستين، خذيه قبلي، توسل بيتر أكرفيلدت بين يدي شاربة الدم، وهو يشير إلى رالف لندغرن دون أن ينظر إليها.
- سآخذك بأسناني، عَوْ، عَوْ، عَوْ!
- أفضل الموت.
- غرقًا؟
- إذا كان الغرق يحميني من أسنانك.
- عضوك أكثر مني طولاً.
- ليس بنافع.
- هل آتيك بقرص فياغرا؟
- جوستين، ليس الوقت للمزاح.
- وكل هذا ما هو؟
- مزاح كل هذا؟
- مزاح!
- جوستين، اذهبي بهدوء!
- عَوْ، عَوْ، عوووووووووووو!
- الرحمة!
- ابتهل أنت الآخر لله!
- أعرف أنه لا يأتي.
- للشيطان.
- شرحه.
- نادِ على أصدقائك!
- ليس لدي أصدقاء، ليس لدي إلا الأعداء.
- عوووووووووووو!
- الرحمة، يا جوستين!
- تحب هذا!
- لا يغرنك انتصابه!
- عوووووووووووو!
- يا دين الكلب!
- لعنتك في محلها!
- يا دين الكلب! يا دين الكلب!
- عوووووووووووو!
- جوستين، كفى!
- ليس قبل أن أقضمه.
- اطلبيني ما شئت.
- اسمك.
- خذيه.
- عملك.
- خذيه.
- بيتك.
- خذيه.
- لكني لن أتركه سالمًا.
- لم يكن يومًا سالمًا.
- سأهرّبه أو سأسرقه ولن آخذه لأني لا أحب أن آخذ، أحب أن أسرق أو أهرّب، فمتعة التهريب كالسرقة متعة ما بعدها متعة، تفوق متعة الجماع، تفوق المتعة الحرام!
- اسرقيه! هرّبيه!
- خذ قرص الفياغرا هذا، وسأعود إليكَ.
- جوستين، اخنقيني بسرعة، وخلصيني! طلب رالف لندغرن، وهو ينظر إلى جوستين ولا ينظر إليها. لم يخلصني الله ولم يخلصني الإنسان، فلم أعد أومن لا بالله ولا بالإنسان!
- ببطء، سأخنقك ببطء، حتى تسمع أنفاسك ديدان الأرض.
- ولِمّ كل هذا الحقد؟
- لا لشيء، فقط لأني أختٌ لها.
- لديدان الأرض؟
- لقفا أمك.
- أمي لا يد لها في كل هذا.
- وأختك؟
- لا أخت لي.
- وابنتك؟
- ابنتي لها ما لها.
- سأفعل من أجلها.
- افعلي، ولكن بسرعة.
- ببطء.
- ببطء، ولنخلص.
- لا تبدأ بالركل!
- إنها قدمي التي لم أعد أسيطر عليها.
- قدمك.
- قدمي.
- لا تأخذ بالنهيق!
- بالشهيق.
- بالنهيق.
- إنها أمي.
- لخوفها عليك.
- لا تنتهي بالعض!
- لم نبدأ بعد.
- سنبدأ.
- ألا تطلب الرحمة؟
- على قفاي!
- ستذهب إلى الجنة.
- على قفاي!
- سأضغط.
- اضغطي.
- بكل قواي.
- على قفاي!
- وإذا ما خنقتك من قفاك؟
- على قفاي!
- الخنق أصعب طُرُقِ القتل! جربت الذبح، وجربت السَّم، وجربت الرمي بالنار، وجربت الدفع من عن سطح، وجربت الإغراق في البحر، ولم أجد أصعب من الخنق! وبعد الخنق تجتاحك الهلوسات، تصرخ العينان المتفجرتان، تنوحان، ترجوان، لا تكفان عن النداء!
- على قفاي!
لم يكونوا ينظرون إلى جوستين، كانوا كمن ينظر إلى جوستين أخرى، يتكلم مع ظلها. فكتهم، وأمرتهم بحمل بعضهم البعض، والوقوف على قدم واحدة، أن يحمل الواحد الجميع، وعندما تزل بهم القدم كانت تجلدهم، فقاموا جبالاً تساقطت، وقاموا أهراماتٍ تساقطت، وقاموا أبراجًا تساقطت. استعد كل منهم على القيام بمعجزة، فأحضر بيتر أكرفيلدت حوتًا، وأحرق هوراس ألفريدسون مدينةً، وجعل رالف لندغرن من أمةٍ كفارًا، وسقت كريستينا سفينسون كل السويديات من بين فخذيها، وطوحت كاتارينا فريدن كل السويديين على قدميها دون أن يقوموا. ابتعلت هذه القواميس، وتلك ارتدت كل الشخصيات. لاعب هوراس ألفريدسون نيتشه هازمًا، وحاور رالف لندغرن الأنبياء محاججًا، وأفحم بيتر أكرفيلدت الصحفيين في العالم أجمع نابذًا. عهرت كاتارينا فريدن الملاكات، وجردت كاتارينا سفينسون الملكات. جعل هوراس ألفريدسون من صحون العلم صحونًا للجهل، وخاط رالف لندغرن من الخلاعة فساتين للأديان، وكتب بيتر أكرفيلدت المقالات على أرداف الفضيلات من النساء. تآخى خمستهم مع ثلاثة، الشيطان والشيطان والشيطان، وتلاقى خمستهم في أماكن ثلاثة، جهنم وجهنم وجهنم، وبكى خمستهم على أثداء ثلاثة، ثدي جوستين وثدي جوستين وثدي جوستين.
نزل بيتر أكرفيلدت في حوض الأسماك والنبات أول من نزل، عاريًا لا شيء يستر جسده، لا شيء يستر روحه، وأخذ مكانًا في إحدى زواياه، تبعته كاتارينا فريدن، فرالف لندغرن، فهوراس ألفريدسون، فكريستينا سفينسون، كانوا كلهم في كامل عريهم الروحي والجسدي. أخذوا هم الآخرون مكانًا في زاوية من الزوايا، وراحوا ينظرون إلى الأسماك، والأسماك تنظر إليهم. وشيئًا فشيئًا، اختلطت الأسماك بهم. قفزت في أحضانهم، وعانقتهم. قبلتهم الأسماك، وقبلوها. جذبتهم الأسماك من أياديهم، وجذبوها. لعبت الأسماك معهم، ولعبوا معها. وعندما تعبت الأسماك، وتعبوا، تهالكوا على بعضهم. نامت الأسماك على أجسادهم، وناموا معها. كان وقت فعل الحب قد جاء، فلعقتهم الأسماك، وهم لعقوها. انتصبوا كلهم، وبأفواههم أخذوا بعضهم، ثم غطس كل واحد في الآخر، فتصاعد أنين العناق من أعماق الماء، وملأ سماء ساد ستوكهولم.



















القسم التاسع عشر
ساد ستوكهولم (3)

في شمال ستوكهولم، يقع ساد ستوكهولم الأزرق، في كيستا، وفي علبة الليل، علبة أشهر من القصر الملكي كونغليغا سلوتيت، كان الموعد المتفق عليه بين أعضاء هيئة تحكيم نوبل للآداب الخمسة في إحدى الشقق المترفة، في الطابق التحت الأرضي الثالث، على الساعة الثالثة، وذلك للتداول في ترشيح الروائي الفرنسي ألبير رامو، وتناول روايته "جوستين أو التعاسة المنسية" بالبحث والنقاش.
فتحت كريستينا سفينسون باب الجناح ببطاقتها الإلكترونية، فوجدت نفسها مقابل كاتارينا فريدن، وبيدها كوب من الشمبانيا.
- كنت أعتقد أنني الأولى، قالت كريستينا سفينسون.
- أنت الأولى، يا عزيزتي كريستينا، حتى ولو كنتِ الثانية، قالت كاتارينا فريدن.
- أشكرك، يا عزيزتي، أنت كلك ذوق، ردت كريستينا سفينسون.
ترامت كريستينا سفينسون على كنبة، وأخرجت من حقيبتها، كتاب "جوستين أو التعاسة المنسية"، وفيه عشرات الأوراق المحشوة بين الصفحات، بينما صبت لها كاتارينا فريدين كوب شامبانيا قبل أن تعيد الزجاجة إلى عربة مليئة بشتى أنواع المشهيات. قدمت الكوب لزميلتها، وقالت، وهي تومئ إلى الكتاب:
- كلما جاءت عيناي في عيني هذا الكتاب يراودني انطباع أن يدًا تخرج منه، وتصفعني.
وضعت كريستينا سفينسون الكتاب إلى جانبها مقلوبًا، وتناولت الكوب:
- لا غرابة إذا ما قلت لك إنه الشعور ذاته الذي يراودني.
- حقًا؟ الشعور ذاته؟
- الشعور ذاته.
- إذن لن يكون الأمر صعبًا ما بيننا عندما سيحضر الآخرون.
- إضافة إلى ذلك، كل كلمة في هذا الكتاب موجهة ضدي، لم أجد نفسي بين سطوره.
- وأنا أيضًا لم أجد نفسي بين سطوره، أو، لنقل وجدت نفسي قليلاً بين سطوره.
- لم أجد نفسي لا قليلاً ولا كثيرًا بين سطوره، لم أجد نفسي، ولم أجد غيري ممن يشبهني.
- أنا كنت أسمع أصواتًا تخرج منه كما يسمع رالف لندغرن أصوات الإلْف، وتجعلني أفقد التركيز، فأضطر إلى إعادة القراءة.
نظرت كريستينا سفينسون إلى ساعتها، وقالت:
- لقد تأخر الآخرون.
لم تكن كاتارينا فريدن تسمعها:
- وتعود الأصوات إلى الخروج، فتضغط على روحي، شيء أقرب إلى أصوات المعذبين، فأقوم لأشرب قدح ماء، لكني أقذف الماء من فمي، دون أن أستطيع ابتلاعه.
- قراءة هذه الرواية اعتداء روحي، يا كاتارينا فريدن.
- أعود إليها، فلا أستطيع جمع أفكاري. أرميها جانبًا، فأسمع أصواتًا تجيء من الخارج، ليس من الباب أو من النافذة، وإنما من الخارج، من خارج الأشياء، يا كريستينا سفينسون.
- أفهم جيدًا ما تقولين، يا كاتارينا فريدين، أصوات تجيء من خارج الوجود، وتحاول السيطرة على عقلك.
- هنا تغلي الأفكار في رأسك، وتشلك، لهذا لا تستطيعين فعل ما تريدين.
- أو تفعلين ما لا تريدين، تعتقدين أنك شخص آخر أو قطعة من شخص آخر.
- ليس بالضبط هذا، يا كريستينا سفينسون، ليس بالضبط هذا.
- غالبًا ما اعتقدت بأنني ثدي جوستين المقطوع.
- ليس بالضبط هذا، يا كريستينا سفينسون، ربما كان هذا، ولكن ليس بالضبط هذا.
- دون أن أكون ثدي جوستين المقطوع، لكنني غالبًا ما اعتقدت بأنني ثدي جوستين المقطوع.
- أما أنا فغالبًا ما اعتقدت بأنني قضيب ساد إلى درجة تجعلني أغيب عن الوعي، فأقوم بأفعال مجنونة ضد جسدي.
فتح هوراس ألفريدسون الباب على حين غرة، ودخل، فقابلته كريستينا سفينسون ب:
- ها أنت أخيرًا! ولكن أين الاثنان الآخران؟
- في الطريق، قال هوراس ألفريدسون، وهو يقبل زميلتيه من خديهما، ثم: ما لها كاتارينا فريدن؟ لها سحنة شاحبة.
- لا شيء، قالت كاتارينا فريدن عابسة، كنت أفكر في أمي القحبة، كانت تريدني التركيز دومًا، فلا أجد إلى التركيز سبيلاً.
- نحن المجانين لا حاجة بنا إلى التركيز، يا كاتارينا فريدن، قال هوراس ألفريدسون، وهو يطلق ضحكة، فلا تبتئسي كثيرًا.
- كما قلت نحن المجانين، رمت كريستينا سفينسون.
- ولا حاجة بنا إلى الفهم، أضاف هوراس ألفريدسون، وهو يصب لنفسه كوب شامبانيا، ويبتلع بعض المشهيات. ولا حاجة بنا إلى التبرير، ولا حاجة بنا إلى التفسير، القول لدينا ابن ساعته.
- الفعل، تريد أن تقول الفعل، قالت كاتارينا فريدن.
- والفعل لدينا ابن ساعته، الدخول في الثقوب والخروج منها، بكل الوسائل، في مقدمتها القضبان، وهذا أولها، أشار إلى عضوه.
جاء وجمعها من ظهرها بين ذراعيه، وراح يهتز وإياها، وهي تقهقه، وتردد:
- توقف، يا هوراس ألفريدسون، توقف، ليس هذا وقته.
- ولِمَ لا؟ تعالي، يا كريستينا سفينسون، وخذينا بين ذراعيك، سنكتب أعظم نظرية فلسفية عن الجنس الآني.
- توقف، توقف، يا هوراس ألفريدسون، رددت كاتارينا فريدن، وهي لم تنقطع عن القهقهة.
انتهرته كريستينا سفينسون:
- توقف، يا هوراس ألفريدسون، لا تكن عسكريًا في كل شيء.
توقف هوراس ألفريدسون، وجاء يترامى إلى جانب كريستينا سفينسون:
- لستُ عسكريًا في كل شيء، يا كريستينا سفينسون، ولكنني مهستر في كل شيء، في كل شيء جميل، اعترفَ، وهو يكشف عن ساقي كريستينا سفينسون، ويداعبها منهما.
- توقف، يا هوراس ألفريدسون، انتهرته كريستينا سفينسون من جديد، توقف عن فعل هذا، وأنت تفعل هذا، لدي شعور بأنه أبي.
- لك ساقان جميلتان، يا كريستينا سفينسون، رمى هوراس ألفريدسون، ماذا أستطيع أن أفعل غير ما أفعل إذا كانت لك ساقان جميلتان؟
- أعرف أن لي ساقين جميلتين، أجابت كريستينا سفينسون، وهي تزيح يده بعيدًا عنها، إنهما ساقا إنغريد بيرغمان، لكنهما ليستا لك، أو، لنقل، ليستا لك الآن.
- حمدًا لله أنهما ليستا لي الآن، فساقا أمي لم يكونا لي أبدًا.
- أنا لست أمك، يا هوراس ألفريدسون.
- أنتِ لست أمي، هذا صحيح، وحمدًا لله مرة أخرى أنك لستِ أمي، ولكن...
- ولكن ماذا؟
- ها أنا أفكر في أمي وفي ساقيك.
جاءتهم طرقات على الباب، فقامت كريستينا سفينسون لتفتح. دخل بيتر أكرفيلدت ورالف لندغرن، وهذا الأخير يرفع البطاقة الإلكترونية بين إصبعين، ويقول:
- هذا الخراء لا يعمل!
قهقه بيتر أكرفيلدت، بينما سألت كريستينا سفينسون:
- لماذا تأخرتما؟
- في ستوكهولم لا تسألي أحدًا لماذا تأخرت، أجاب رالف لندغرن، كل شيء جائز في ستوكهولم على الرغم من كل هذه الماكينة الحضارية التي هي حياتنا.
قهقه بيتر أكرفيلدت من جديد، وذهب مباشرة إلى عربة الأكل دون أن يسلم على أحد.
- هي حركة السير.
- لا.
- إذن ماذا؟
- حركة الدماغ.
- حقًا، نحن نسير في رؤوسنا.
- قرأتُ مقالاً في جريدة ضدي... مرحى، يا كاتارينا فريدن، مرحى يا هوراس ألفريدسون.
- مقال في جريدة ضدك؟
- أموت من الجوع، جوع المعدة أقوى بكثير من جوع الفرج، قال رالف لندغرن، وهو يلتهم بعض المشهيات، وبيتر أكرفيلدت يقهقه وحده دون أن يلتفت إليه. مقال عن صعوبة حركة السير في ستوكهولم.
- مقال في جريدة ضدك عن صعوبة حركة السير في ستوكهولم، تهكمت كريستينا سفينسون.
- أنت مخرية كزوجة ألفريدسون، يا كريستينا سفينسون!
- ما بها زوجتي؟
- مخرية!
- وزوجتك؟
- أقل.
- أفهم الآن لماذا مقال في جريدة عن صعوبة حركة السير في ستوكهولم ضدك، عادت كريستينا سفينسون إلى التهكم.
- لا، لم يكتبه الصحفي الكبير، أوضح رالف لندغرن، وهو يشير بإصبعه إلى بيتر أكرفيلدت الذي عاد يقهقه.
- مقال عن صعوبة حركة السير ضدك شيء مثير للاهتمام، يا رالف لندغرن، تدخلت كاتارينا فريدن بسحنتها الشاحبة.
- لك سحنة مذهلة، يا كاتارينا فريدن، همهم رالف لندغرن.
- سحنة شاحبة، قالت كاتارينا فريدن.
- مذهلة، سحنة مذهلة، سحنة دينية مذهلة.
- أشكرك، يا رالف لندغرن، قالت كاتارينا فريدن، وهي تضحك، بينما يقهقه بيتر أكرفيلدت، وهو يواصل الأكل والشرب.
- مذهلة.
- لم يكن هذا رأي هوراس ألفريدسون.
- وما يدريه هوراس ألفريدسون بالسحن المذهلة، السحن الدينية المذهلة، هو أدرى بسحن الشخاخات طالباته، أما السحن المذهلة، السحن الدينية المذهلة، فهي من اختصاصي.
رمى بيتر أكرفيلدت فجأة كأسه على عربة الأكل، وذهب ليفتح الباب، نظر في الممر، ثم عاد إلى مكانه، ملأ كوب شمبانيا آخر، وذهب ليجلس على طاولة بنغ بوغ، وما لبث أن أخذ مكانًا في قفص حديدي بعيدًا عن الجميع.
- ذكرتني بالشخاخات طالباتي، يا لندغرن، قال هوراس ألفريدسون.
- ماذا، يا هوراس ألفريدسون؟ الشخاخات طالباتك اللواتي ذكرتك بهن ماذا؟
- لا شيء، اسأل كاتارينا فريدن أو كريستينا سفينسون.
- عندما كنت طالبة شخاخة، قالت كريستينا سفينسون، كنت أرغب في تغيير العالم على صورتي، ليست بالضبط صورتي، هي بالأحرى الصورة التي كنت أريد أن تكون لي، صورة لعظيمة العظيمات، لأني في الأصل كنت عظيمة. كنت طالبة شخاخة عظيمة، وكان أستاذ فلسفة كألفريدسون يقول لي، ونحن في الفراش، الفلسفة منذ أفلاطون إلى اليوم لم تفهم الإنسان لأنها لم تفهم المرأة كما أفهمها. كان الوحيد الذي يحولني من امرأة وانية الشبق إلى امرأة كلبة.
- هذا من الناحية العملية، ومن الناحية النظرية، كيف كان يفهمها المرأة؟ سألت كاتارينا فريدن.
- لم أعد أذكر ما قاله لي، أو بالأحرى أذكر، كان يفهم المرأة... لا، لم أعد أذكر. كان يفهمها، كان على عكس غيره من الفلاسفة، على عكس غيره من الفلاسفة كان يفهمها. كان يفهمها...
- ها أنت تظنين نفسك كاتارينا فريدن، حذرها رالف لندغرن.
- كان يفهمها...
- لهذا كان أعظم فيلسوف لفرج المرأة، رمى هوراس ألفريدسون تحت تصفيق الجميع. المرأة تعادل الفرج، هذا كل شيء. وبالفعل، الفرج هو محور كل حياتنا.
- والقضيب؟ سأل بيتر أكرفيلدت من قفصه، وانفجر يقهقه.
- القضيب شيء استثنائي كالفكرة الملموسة لدى هيغل أي بعد أن تتحول إلى شيء مبدع، أجاب هوراس ألفريدسون. القضيب يعادل الإبداع في تحققه الأسمى. هل تريدون شرحًا عمليًا؟ وأخذ يفك أزرار بنطاله.
- هناك ما هو أهم الآن، قالت كريستينا سفينسون، وهي تمسك يده، وتعيد إقفال أزرار بنطاله.
- حقًا، هناك ما هو أهم. ولكن قولي لي لماذا نحن هنا؟
- لا شيء هام لك، يا هوراس ألفريدسون، أجابت كريستينا سفينسون.
- هيا، لِدِي!
- الأهم هو هذا، قالت كاتارينا فريدن، وهي تحمل رواية "جوستين أو التعاسة المنسية"، وتدفعها بين ذراعي هوراس ألفريدسون، ثم ذهبت لتجلس في القفص مع بيتر أكرفيلدت، وهذا يقهقه دون سبب.
أنصتوا كلهم لما يقرأه هوراس ألفريدسون:
- في الصباح، لم ننهض من الفراش، بقينا ننام، كانت أجسادنا تعبة، وكان الأهم من كل شيء في الوجود أن نريح أجسادنا. كنا في أجسادنا، لهذا كنا تعبين، وكنا نريد النوم كي نرتاح، كي نريح أجسادنا. لم نكن نريد النهوض من الفراش، فأجسادنا كانت تعبة، ونحن كنا في أجسادنا، وكنا نريدها أن ترتاح، لنرتاح، ثم لننهض من الفراش، ونذهب إلى أعمالنا. لم يكن الذهاب إلى أعمالنا مهمًا، كانت أعمال كل يوم، ولم تكن مهمة. ربما كانت مهمة لغيرنا، ولكنها لم تكن مهمة لنا، كانت أعمال كل يوم، وكان علينا أن ننجزها، مهمة أم غير مهمة، كان علينا أن ننجزها، ولهذا كان علينا النهوض من الفراش، لنذهب إلى أعمالنا. أعمال غير مهمة، كان علينا أن ننجزها، ولكننا لم ننهض من الفراش، لأن أجسادنا كانت تعبة، وكان علينا أن نريحها. وبما أننا كنا نسكن فيها، في أجسادنا، كنا تعبين، وكان علينا ألا ننهض من فراشنا لنذهب إلى أعمالنا، كان علينا أن نرتاح، فنريح أجسادنا، لأننا ونحن تعبون لن نقوم بأعمالنا كما يجب، ولن ننجزها. كان علينا أن ننجز أعمالنا على الرغم من عدم أهميتها، ولما كنا تعبين، لن ننجز أعمالنا، لن ننجزها كما يجب، لن ننجزها. لهذا لم ننهض من الفراش في الصباح، ولم ينهض البحارة، ولم ينهض الأمراء، ولم ينهض الصعاليك، ولم ينهض الشحاذون، ولم ينهض القوادون، ولم ينهض بائعو السياسة والحكمة والغُلمة، ولم ينهض أحد من الفراش، كنا تعبين كلنا، وكان علينا أن نرتاح.
ذهبت كاتارينا فريدن في عناق طويل مع بيتر أكرفيلدت، بينما تمددت كريستينا سفينسون على الكنبة، وهي تلهث، فأعطى هوراس ألفريدسون كتاب ألبير رامو لرالف لندغرن، وذهب بأصابعه إلى كتفي كريستينا سفينسون، وراح يمسدهما لها. فتح رالف لندغرن الكتاب، وأخذ بالحديث إلى جوستين:
- ثديك المقطوع ارتاح من عناء الحياة، يا جوستين، هو وحده من يستطيع إنجاز عمله كاملاً، أما ثديك الآخر، فعليك أن تبقيه معلقًا إلى الأبد، كيلا يرتاح من عناء الحياة، ولا يستطيع إنجاز عمله كاملاً. مع الأسف، لن أستطيع فعل أي شيء من أجل ثديك المقطوع، هكذا مصير كل شيء جميل، ألا نستطيع فعل أي شيء من أجله. لهذا هو جميل، ثديك المقطوع، لهذا هو عميق، لهذا هو خالد. منه تزحف الديدان إلى أعمارنا، فتلتهمها. أعمارنا تلتهمها الديدان بأفواهها أو تقرضها الصراصير بأسنانها، لهذا نحن عشاقٌ لثديك المقطوع، ثديك الزاحفة منه الديدان إلى أعمارنا، أعمارنا لا قيمة لها، لهذا نتركنا عاشقين لثديك المقطوع كي نُدمرنا.
ذهب رالف لندغرن إلى بيتر أكرفيلدت وكاتارينا فريدن المتعانقين في القفص دومًا، وفصلهما عن بعضهما.
- ماذا، يا رالف لندغرن؟ سألت كاتارينا فريدن.
- أريد فقط أن أسألك كم مرة قرأتِ هذه الرواية؟
- لست أدري، عشرات المرات، لماذا؟
- أردت فقط أن أعرف.
- هل هي حالك؟
- هي حالي.
- وهي حالي أنا، صاحت كريستينا سفينسون من طرف، وهي تتحرر من بين أصابع هوراس ألفريدسون.
همهم هوراس ألفريدسون مكتئبًا:
- وهي حالي أنا أيضًا.
ترك بيتر أكرفيلدت القفص، وأخذ الكتاب من يد رالف لندغرن، وبدأ بقراءته. عندما وجدهم يحدقون فيه كلهم، اعترف:
- أنا لم أقرأه مرة واحدة، فلنقل قرأت فقرة من هنا، وفقرة من هناك، وراح مقهقهًا.
- هكذا سنقول إن واحدًا منا لم يقرأه، همهم هوراس ألفريدسون من جديد، وقد تضاعف اكتئابه.
لكنهم سمعوا بيتر أكرفيلدت يقول:
- ساشيناتي، يا أختي الصغيرة، أنا أعرف كل قصتك، أقرأها كل يوم دون أن يكتبها أحد. ساشينا، ساشيناتي، أُخَيتي، كنت أخًا مخلصًا لك. أُخَيتي مدللتي، لم أكن هناك على طرف البحيرة، كان ذلك القذر هناك، كان يراك تغرقين، ولم يفعل شيئًا. كان ينظر إليك دون أن يراك، كان أعمى مفتوح العينين، كان يراك دون أن يراك. كنت تغرقين، وكنت تنادين، وهو، كان ينظر إليك دون أن يراك. كنت تصرخين، ولم يكن يسمعك تصرخين، كان يراك دون أن يراك، ويسمعك دون أن يسمعك. قالت له ماما، انتبه على ساشيناتي، انتبه على أُخَيتك، وأنتِ كنتِ تحتجين، لا يا ماما، أنا كبيرة، لا أريد أحدًا أن ينتبه عليّ. انتبه على ساشيناتي، انتبه على ساشيناتي، تلح ماما. طيب، يا ماما، سأنتبه على ساشيناتك، قال الآخر لماما. وأنت ترددين، لا يا ماما، أنا كبيرة، أنا كبيرة. وماما للآخر أيضًا، انتبه على ساشيناتي، انتبه على ساشيناتي. أمطرت السماء، فأمسكتِ بيد الآخر، بيد أخيك الكبير عليك، وجريتِ به إلى وِقاء لم يكن بعيدًا جدًا. كان بعيدًا، لكنه لم يكن بعيدًا جدًا. كنتِ في ثوب السباحة، وكنتِ تغرقين في المطر، وكنتِ ترتجفين عندما وصلتما تحت الوِقاء، وكنتِ تضمين نفسك بين ذراعي أخيك الكبير لتدفأي، كنتِ ترتعدين من البرد، وكنتِ تسعين إلى الدخول في جسد أخيك الأكبر منك، ذلك القذر، لتحصلي على بعض الدفء، وكان يسمعك ترددين لماما أنا كبيرة، أنا كبيرة، وماما، انتبه على ساشيناتي، انتبه على ساشيناتي، فأخذك أخوك الكبير بعد أن خلع عنك ثوب السباحة المبتل، أخذك كلك بين ذراعيه، لينتبه عليك، لينتبه عليك كما قالت ماما، أخذك كلك بين ذراعيه، وعندما بدأتِ بالبكاء، وأنتِ كلك عارية بين ذراعيه، أفلتكِ من بين ذراعيه، فتركتِهِ كمن يُترك الملعونون وحدهم في الجحيم أمام مصائرهم، ونزلتِ في البحيرة.
انفجر بيتر أكرفيلدت يقهقه، فردعته كريستينا سفينسون:
- اخرس، يا لك من وغد، اخرس!
لم يخرس على التو، لكنه بعد ذلك حط في الصمت، ودمعة حرى تسيل على خده. ذهبت كاتارينا فريدن إليه، ودفنت وجهه في صدرها.
همهم هوراس ألفريدسون متسائلاً، وهو يترنج:
- هل هذا هو الطريق إلى الجحيم؟
- تعال، قالت له كريستينا سفينسون، الطريق إلى الجحيم من هنا.
جعلته يعتمد عليها، وراحت به تدور في الجناح بلا هدف، وعلى الجدار سوط أسود معلق.
- ساد، هل تسمعني؟ هتف هوراس ألفريدسون، هل تسمعني، يا ساد؟
- أسمعك، أجابت كريستينا سفينسون.
- هل تسمعني جيدًا؟
- أسمعك جيدًا.
- لكنني أنا لا أسمعك، أشمك ولا أسمعك، لك رائحة لذيذة، رائحة مزيجة من عفة وعفونة، أشبه برائحة امرأة تضاجع. رائحة لا يمكن لمها، رائحة أبدية، رائحة شيطانية، رائحتك الشيطانية تعبق بأنفاسي، لهذا كانت لكل الحداثة تلك الرائحة الشيطانية، رائحتك، رائحة غائطية ربما، لكنها رائحة ملهمة، مدمرة للحواس، وخلاقة، رائحة مبدعة، رائحة كل ملعون. وأنا على الطريق إلى الجحيم أشمك، فأظفر بما لم يظفر به أحد قبلي من الفلاسفة، أظفر بطوباوية شيطانية، طوباوية دموية، كل جوستين التي لك هي هذه الطوباوية الشيطانية، وكل معذبيها، وكل غير معذبيها، طوباوية جاءت من أبعد مكان في الفكرة ومن أبعد زمان لتنقل مصائرنا على ظهر الوجود، فنرى أنها كلها واحدة، وكلها تنهل من بين فخذي جوستين جوهرها، جوهر لكل القذرين في العالم الذين هم نحن.
- خذ، أيها القذر، يا أيها القذر الآخر لا الأخير، قالت كريستينا سفينسون لهوراس ألفريدسون، وهي تنزع السوط الأسود عن الجدار، وتقدمه له. أنت تدري ما أنت به صانع. هل تسمع ما أقوله لك؟
- أنا أشمك، أسمعك بشمي، رائحتك الزكية، رائحة العفونة والعفة.
- خذ!
تناول هوراس ألفريدسون السوط الأسود بينما كشفت كريستينا سفينسون عن إليتيها، وهي تنحني، فأخذ الفيلسوف الجامعي يسوطها، وهي راضخة صارخة حتى لم تعد تحتمل ذلك، فسقطت على الأرض، وبدأت تهذي:
- الفصول ليست كبعضها، ولكنها كلها متشابهة. كل واحد منا فصل من الفصول، وكل واحد منا يشبه الآخر. العاصفة يخضع لها فصل الشتاء، والنحل يخضع له فصل الربيع، والشمس يخضع لها فصل الصيف، والريح يخضع لها فصل الخريف. ساد كان العاصفة والنحل والشمس والريح، وجوستين كانت كل الفصول. جوستين كانت كالطبيعة تجلدها العاصفة والنحل والشمس والريح، كالطبيعة تجلدها الطبيعة، يجلدها ساد. جوستين كانت نحن، وساد كان نحن، جوستين وساد كانا الطبيعة، كانا البشرية، البشرية كانت نحن، والطبيعة كانت نحن، وجوستين وساد كانا نحن، كانا الطبيعة، كانا البشرية. جوستين كنتها لما كنت إنغريد بيرغمان، وكارين بوي، وفكتوريا السويد، ولم أكنها، وكنت غيرها، كنت فصلاً من فصول الموت، فصلاً من فصول العدم، فصول العدم كثيرة جدًا، فصول العدم كثيرة جدًا جدًا، فصول العدم لا يمكن عدها، فصول العدم كثيرة جدًا جدًا جدًا، فالموت في كل يوم، وفي كل يوم يموت العشرات بل المئات من الآلاف. في كل يوم يموت الكثير من البشر، الكثير الكثير من البشر، في كل يوم يموت الكثير الكثير من البشر، وكل موت بشري فصل خاص، لهذا كانت فصول الطبيعة أربعة، ونحن على شاكلتها، كلنا نتشابه، ليست فصول الطبيعة كبعضها، لكنها تتشابه، ونحن على شاكلتها، وكانت فصول العدم كثيرة، كثيرة، كانت فصول العدم بعدد البشر، فلكل إنسان فصله العدميّ، والعدم جوهر الوجود.
رفعت كاتارينا فريدن كريستينا سفينسون عن الأرض، ورمتها بين ذراعيها على كنبة، وراحتا تقبلان بعضهما، من الفم، ومن العنق، ومن الثدي، ومن البطن، ومن الفخذين، ومن الساقين، ومن القدمين، والرجال الثلاثة ينظران إليهما بألسنة متدلية كالكلاب. ثم سكنتا فجأة، نهضتا، وهما تسويان ثيابهما، وصاحت كاتارينا فريدن بالرجال الثلاثة:
- ابعدوا عنا نظراتكم، أنتم تجلدوننا بنظراتكم.
قبلت كريستينا سفينسون ثلاث قبلات سريعة، وحملت كتاب ألبير رامو، وهي تهزه في وجوههم:
- لقد سرق ألبير رامو أفكاري!
- ما تقوله كاتارينا فريدن صحيح، أكدت كريستينا سفينسون، وأنا أيضًا، لقد سرق هذا الكاتب أفكاري.
- وأنا لهذا لا أجد فيه نفسي، أضافت كاتارينا فريدن، فيه شيء مني، فأعجز عن التصديق، وأشعر كمن يعذبني أحدهم. هذا الكاتب جلاد، مسألته ألا يتركنا في حالنا.
- نفقد التركيز، ونفقد الأحاسيس، أكدت كريستينا سفينسون من جديد.
- المحسوس بالحس أو بالعقل ينتمي إلى عالم الهواجس، أوضحت كاتارينا فريدن، الثدي المقطوع لجوستين ليس تعاستها المنسية، فهذه التعاسة حاضرة في ذاكرتنا ما بقيت ذاكرتنا، إنه قدرنا. كان ثدي أمي قدرًا بالنسبة لي، منذ جئت إلى الوجود كان ثدي أمي قدرًا بالنسبة لي. الثدي المقطوع لجوستين هو ثدي أمي. ثدي أمي قدري. المقطوع. ثدي جوستين. قدري. بقيتُ أرضع من ثدي أمي منذ مولدي إلى يوم موتها، فثدي أمي قدري. ثدي جوستين. المقطوع. المريض. الميت. المبتور. المقتول. المسفوح. ثدي جوستين. الفضاء الضيق لوحش لا يسعه فضاء في العالم. الثدي المريض فكرتي المسروقة، عمري المسروق، أيامي القادمة، قدري، هذا الثدي السرطاني قدري، أيامي القادمة. خذها من ثدييها، أقول لك، كانت تقول أمي لزوجها، كانت تعني أن يأخذني من عمري، أن يأخذ أيامي القادمة قبل أن تأتي. خذها من ثدييها، يا دين الرب، خذها، خذها، خذها من قدرها، أريدها أن تبقى دون قدر، خذها أقول لك، يا دين الرب، خذها، خذها، خذها، وتقول لي، تعالي، يا حبيبتي، خذي حلمتي، يا حبيبتي، كل ثديي لك، كل قدري لك، كل عمري الفاني من أجلك، خذي كل عمري، واتركي لي عدمي، فماذا ينفع العمر، ماذا ينفع، عدمي، حياتي، ماذا ينفع؟ وتصفع زوجها، خذها، أقول لك خذها، يا دين الرب، ادخل في ظهرها، وخذها، واترك لها ثديي، قدري، عمري، خذ أيامها القادمة، لا تنس، إياك أن تنسى، لئلا تضيع دوني حبيبتي، عمري، قدري...
حل صمت طويل، صمت عميق، صمت ثقيل، قطعه هوراس ألفريدسون:
- أنا جائع، وأنتم؟
رفع السماعة، وطلب:
- أحضر لنا سمك قرش وليد، وكل الباقي.
وأقفل.
لم يكن أفضل من الآخرين، كان يبدو عليه التشتت، التفكك، كثوب مليء بالأزرار المفككة. وكان كل منهم يلمس جسده، مع قلق خافت، ولا يقع على حدود جسده. لم تكن لأجسادهم حدود، كانوا لا يصلون إلى نهاياتها، لأذرعهم لم تكن نهاية، ولا لأثدائهم، ولا لسيقانهم، كانوا يشعرون بأجسادهم كما لو كانت دون نهايات، كالآفاق دون نهايات، وكانوا لهذا قلقين، كان القلق يرتسم على وجوههم، والخوف، والشك، كان الخوف والشك يدفعانهم إلى القلق، ويضاعفان منه، قلق غير طبيعي، قلق ميتافيزيقي، كان قلقهم لا نهاية له، كان قلقًا ما ورائيًا، مستقيمًا، ممتدًا، قلقًا لا نهاية له. لم تعد تترابط أفكارهم:
- طلبت لكم ألذ أنواع السمك... قال هوراس ألفريدسون، وهو ينظر إلى حالهم، ولم تكن حاله بأحسن من حالهم، من المحيط يصطادونه، الأمواج عالية في المحيط، الأمواج تبتلع العالم، العالم يتابع مباراة كرة قدم بين السويد والنرويج، المحيط مليء بالمتفرجين، هناك كان الصبية يلعبون بالكرة، في زقاق من أزقة غاملا ستان، مراكش مدينة ساحرة، أزقتها مليئة بالصبية وأسماك القرش، رائحة أسماك القرش المشوية فيها أزكى رائحة، تشبه رائحة ساد...
وصلتهم طرقات خفيفة على الباب أنقذتهم مما هم فيه، فوثبوا لاستقبال عربة الأكل، أعطى رالف لندغرن الخادم بعض الكورونات، وصرفه، بينما جر كل منهم كرسيًا قريبًا من سمك القرش الوليد. أخذ هوراس ألفريدسون يقطع اللحم الأبيض الطري، ويرميه في صحونهم، بينما صب رالف لندغرن لهم النبيذ في الكؤوس، ووزعها عليهم. حمل بيتر أكرفيلدت قدحه وصحنه، وذهب داخل القفص ليأكل وحده. وبينما هم يأكلون بلذة، سمعوا قهقهة بيتر أكرفيلدت. وبعد قليل، قهقهت كريستينا سفينسون، هكذا دون سبب. شبعوا، وتراموا هنا وهناك، فقدوا وثوبهم الحيوي، وغرقوا في الصمت. نظروا إلى بعضهم، بدا الكره في عيني كاتارينا فريدن لهم جميعًا، ثم ما لبثت، أن مالت عليهم، وراحت تشد على أياديهم بود، وهم لا يفعلون شيئًا، ثم وهم يدفعونها عنهم، ويقومون إلى زوايا مختلفة، حتى أن بيتر أكرفيلدت قد ترك قفصه فجأة، فتح الباب، وذهب في الممر الطويل مغادرًا.
- بيتر أكرفيلدت، صاحت كريستينا سفينسون من ورائه، ولما التفت: إلى أين؟ لم ننته بعد!
عاد بيتر أكرفيلدت، وذهب ليقف خلف رسمٍ لنافذة على الجدار، رفع يده، وأبقاها مرفوعة، ولما لم ينزلها، سألته كاتارينا فريدن:
- ماذا، يا بيتر أكرفيلدت؟
- ماذا، يا كاتارينا فريدن؟ سأل بيتر أكرفيلدت بدوره.
- لمن ترفع يدك؟
- أنا أرفع يدي؟
- أنت ترفع يدك، أنت ترفع يدك لمن؟
نظر بيتر أكرفيلدت إلى يده المرفوعة، وقال:
- أنا لا أرفع يدي.
- بلى، أنت ترفع يدك، لمن ترفع يدك، ونحن في الطابق الثالث التحت الأرضي؟
- أنا لا أرفع يدي.
- أنت ترفع يدك، لماذا؟
- أنا لا أرفع يدي.
- غريب ما تفعل وشاذ.
- أنا لا أرفع يدي، قال بيتر أكرفيلدت، وهو يرفع يده دومًا.
- أنت ترفع يدك، أنت ترفع يدك.
- أوه! هناك من يشير إليّ، قال بيتر أكرفيلدت، وهو يحرك يده.
- هناك من يشير إليك، ونحن في الطابق الثالث التحت الأرضي!
- هناك يد في جوف الماء تشير إليّ.
- يد في جوف الماء!
- في جوف الماء.
- هناك يد في جوف الماء؟
- تشير إليّ.
- تشير إليك؟
- تشير إليّ... يد في جوف الماء.
- تعال، يا صديقي المسكين! تعال إلى جانبي.
تردد بيتر أكرفيلدت، وهو بعد أن حرك يده، أنزلها، ثم جاء يجلس إلى جانب كاتارينا فريدن.
- تعال، قالت كاتارينا فريدن، وهي تلف كتفيه بذراعها، ثم توجهت بكلامها إلى الباقين، فلنعرض للمسألة.
- أية مسألة؟ سأل بيتر أكرفيلدت.
- ترشيح ألبير رامو لجائزة نوبل للآداب.
- سنعطيه إياها، قال رالف لندغرن، أقول هذا دون أن يكون لدي أي دافع ديني بوصفي عالمًا لاهوتيًا، وعلى أي حال، لا هو، ولا أشهر رواياته "جوستين أو التعاسة المنسية" يدخلان في هذا التصنيف. سنعطيه إياها.
- هكذا، سنعطيه إياها! تهكمت كاتارينا فريدن.
- أنتم لن تنسوا خصومنا في هيئة التحكيم، وعلى رأسهم الناقد المخضرم أوسكار كاستنفيلت، أضافت كاتارينا فريدن.
- لهذا سنعطيه إياها، أكد رالف لندغرن، لأننا لن ننسى أوسكار كاستنفيلت وشلته، هم لن يعطوه إياها، ونحن سنعطيه إياها.
- لن نعطيه إياها، قال هوراس ألفريدسون.
- هكذا، لن نعطيه إياها! تهكمت كاتارينا فريدن من جديد.
- لأننا إذا ما لم نعطه إياها أعطاه إياها خصومنا، وبهذا نكون كمن أعطاه إياها.
- الأمر ليس على مثل هذه الميكانيكية، ولا على مثل هذه البساطة، نعطيه، فلا يعطون، لا نعطيه، فيعطون، علقت كريستينا سفينسون.
- إذن نعطيه ولا نعطيه، رمى بيتر أكرفيلدت، وهو يقهقه، ويبعد ذراع كاتارينا فريدن عن كتفيه.
- موافقة، قالت كاتارينا فريدن، نعطيه ولا نعطيه، ولكن كيف؟
- اتركوا بعض الوقت للفيلسوف ليفكر، قال هوراس ألفريدسون، وهو يشير إلى نفسه. لا للعالم في الدين ولا للأستاذتين الجامعيتين الكبيرتين ولا للصحفي الكبير.
- الرجاء أن تفكر بصوت عال، طلب رالف لندغرن.
- بصوت عال... بصوت عال...
- بصوت عال. الرجاء أن تفكر بصوت عال.
- أولاً وقبل كل شيء، أوضح هوراس ألفريدسون، يجب التمييز بين رامو وأهم أعماله رواية "جوستين أو التعاسة المنسية"، طيب؟ ثانيًا يجب التمييز بين رامو وساد، أوكي؟ ثالثًا يجب التمييز بين رواية ساد ورواية رامو. في الحالة الأولى، سنكون مع رامو لا مع روايته، وفي الحالة الثانية، سنكون مع ساد لا مع رامو، وفي الحالة الثالثة، سنكون ضد رواية ساد ورواية رامو. والنتيجة؟ سنكون مع رامو، وستذهب الجائزة إليه.
- أنا أرى التالي، تدخل رالف لندغرن، في الحالة الأولى، سنكون مع رواية رامو لا معه، وفي الحالة الثانية، سنكون مع رامو لا مع ساد، وفي الحالة الثالثة، سنكون مع رواية ساد ورواية رامو. والنتيجة؟ سنكون مع رامو وروايته، وستذهب الجائزة إليه.
- تريد القول إننا سنكون مع رامو وروايته ورواية ساد، علق هوراس ألفريدسون، وهذا ما سيعطل على رواية رامو الشيء الكثير، أن نكون مع الروايتين، سينقص ذلك من قيمة رواية رامو، ومن رامو، وستكون الطريق إلى حجب الجائزة مفتوحة لخصومنا.
- ولماذا لا نكون ضد الرواية ورامو في الحالات الثلاث، فتذهب الجائزة لساد؟ إنه يستحقها بعد كل ما عانى من محاكمات وإهانات وسجون، قال بيتر أكرفيلدت، وانفجر مقهقهًا.
- يا ليت كانت الجائزة تذهب إلى الأموات لكنا أعطيناها لكل من يستحقها ولم يحصل عليها، قال هوراس ألفريدسون، ونهض ذاهبًا إلى الحمام.
- لن نعطيه إياها، قالت كاتارينا فريدن.
- أؤيد كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون.
- لماذا لن نعطيه إياها؟ سأل رالف لندغرن.
- لأن الرواية كلها سياسة دون أن تقول كلمة واحدة عن السياسة، أجابت كاتارينا فريدن.
- أؤيد كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون.
- تقولين كلها سياسة، ومع ذلك، أنت لا تسعين للوصول إلى المعنى المجرد لسياسة، وباللغة الروائية إلى تصور السياسة، رمى رالف لندغرن في وجه كاتارينا فريدن.
- الرواية كلها سياسة، ألحت الأستاذة الجامعية، والخط السياسي للكاتب معروف، الخط السياسي ضدنا.
- أؤيد كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون.
- ضدنا كيف؟ سأل رالف لندغرن. أنت تقولين ضدنا لتفلتي من كيف هو ضدنا، الخط السياسي، هذا إذا ما كان الخط السياسي بالفعل ضدنا.
- هل قلت ضدنا؟ سألت كاتارينا فريدن فاقدة التركيز.
- آه! يا إلهي. أنت لا تضاجعين، أيها الماخور، كاتارينا فريدن.
- بما أنني قلته، عادت كاتارينا فريدن إلى القول، وهي تغلق عينيها بشدة، الخط السياسي ضدنا على طول الخط ودون كيف.
- هذا صحيح، ما تقولينه ليس في صالح الكاتب، يا كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون.
- في صالحه أم ليس في صالحه، هذا شيء آخر، علق رالف لندغرن. هل نبدأ بالسياسة أم بفكرة السياسة؟ هل نبدأ بالجميل أم بفكرة الجميل؟
قهقه بيتر أكرفيلدت، وقطع قهقهته فجأة، وهو يسارع إلى الحمام. حاول أن يفتح الباب على هوراس ألفريدسون، وراح يطرقه، لكن هوراس ألفريدسون كان يتأمل المسدس الذي أخرجه من جيبه، وهو في شبه حالة من الذهول. كان يتأمله، ويشمه، ويشده إلى صدره. كان المسدس جميلاً، وكان هوراس ألفريدسون يسعى إلى أن يكون جميلاً كمسدسه، وقويًا كمسدسه، ورهيبًا كمسدسه. كان يريد، وهو يقبض على مسدسه، أن يقبض في الوقت ذاته على كل نظريات نيتشه التي لم يكن متفقًا معه حولها، فلم يكن هوراس ألفريدسون مع حق الحياة للأقوى، كان مع حق الحياة، فقط مع حق الحياة، ولكنه في تلك اللحظة بالذات، تحت ذلك الشرط بالذات، كان عاشقًا لمسدسه، وكان يمسكه بقوة، وكأنه يريد أن يمسك العالم بخناقه.
- إذا بدأنا بالسياسة، بالجميل، بالظاهر، بالخاص، بالخاصية، كعالم لاهوتي، وهنا يجدر بي التحديد، كعالم لاهوتي وثني، أقول إنها في صالح الكاتب، أكد رالف لندغرن. وعلى مستوى آخر، "نوبلي"، إذا ما تعلق الخط السياسي بالشخص، لماذا إذن أعطى غيرنا الجائزة لنيرودا؟ سأكتفي بنيرودا، فهناك عشرات من الشعراء المسيسين غيره الذين ترشحوا للجائزة أو حصلوا عليها. اتركي الشخص وشأنه، يا كاتارينا فريدن، واتركي السياسة في أعماله وشأنها، واحكمي على كيفية إنتاجها، وإياك أن تتجاهلي السياق. السياسة محنة إذا ما قُدمت كظاهرة، لكنها إذا ما كانت سياقية في تصورها، فهي تغدو شيئًا آخر، كالتفاحة بين الأسنان، تحت هذه الصورة أريد أن أُجمل تعبير "الأحاسيس المستحبة" الشهير. وعلى كل حال، في "جوستين أو التعاسة المنسية"، العمل الأساسي لرامو، لا توجد سياسة لا سياقية ولا غير سياقية، وليس من ذنب الكاتب أن في رموزه البعيدة هناك من يرى السياسة أو ملامح منها.
- ومن ناحية أخرى، قالت كريستينا سفينسون، الرواية كلها اقتصاد دون أن تقول كلمة واحدة عن الاقتصاد.
- أؤيد كريستينا سفينسون، قالت كاتارينا فريدن.
- مارغريت يورسُنار.
- عفوك؟
- أنا مارغريت يورسُنار، يا كاتارينا سفينسون.
- أوه! أؤيد مارغريت يورسُنار، تلعثمت كاتارينا فريدن.
- يا إلهي! أرعد رالف لندغرن، ولكن في الرمز دومًا ما نصل إلى أكثر من تأويل، أيها الماخور، الرمز ليس فقط المسألة والحل، بل المسائل والحلول، ثدي جوستين هو النظام الرأسمالي، وسرطان الثدي هو الأزمة المالية.
- كل هذا اقتصاد، اقتصاد، قالت كريستينا سفينسون.
- أؤيد كريستينا سفينسون، قالت كاتارينا فريدن.
- قلنا مارغريت يورسُنار.
- أؤيد مارغريت يورسُنار.
- وماذا تقولان لو أقول لكما إن الرواية كلها دين؟ سأل رالف لندغرن عضوتي هيئة التحكيم بابتسامة تدل على إفحام محدثتيه بالحجج.
- لا، ليس هذا، نفت كاتارينا فريدن، وهي تغلق عينيها بشدة، الرواية كلها وثنية.
- أؤيد كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون.
- نحن على طريق الضياع في صحراء التمثيل الإنساني، رمى رالف لندغرن يائسًا، كل هذه المواضيع ثانوية، وهي تبعدنا عن الجوهر، روعة الرواية بكل ما تحوي من عدم في الألم.
عاد بيتر أكرفيلدت يطرق الباب على هوراس ألفريدسون الذي فتح، فدفعه، ودخل الحمام كالسهم، ثم راح يتبول في كل مكان دون أن يغلق الباب. أول ما لحق هوراس ألفريدسون بالآخرين، قال له رالف لندغرن:
- ثدي جوستين المقطوع الآن دين واقتصاد وسياسة وكل المواضيع الثانوية الأخرى، أما الموضوع الجوهري، الوجودي...
- هناك خمسة طيور في الحمام، رمى هوراس ألفريدسون بشيء من الغطرسة، وهو يشد على المسدس في جيب سترته.
- خمسة طيور؟
- خمسة طيور!
- خمسة طيور؟!
- وهي تتكلم خمس لغات مختلفة، ومع ذلك، تفهم الطيور عم تتكلم.
- هذا لأن الموضوع جوهري وواحد، قال رالف لندغرن.
- بالضبط، أكد هوراس ألفريدسون بشيء من الازدراء، أما نحن الخمسة، فنتكلم لغة واحدة عن مواضيع خمسة ليست جوهرية، لهذا لن نفهم بعضنا، ولن نتفاهم، لهذا لن نُدخل أيادينا حتى الكوع، ولن نتضاجع.
- لن نتضاجع، لن نتفاهم... أعاد رالف لندغرن، حول هذا العمل الأدبي، وعلينا ألا نتفاهم، كما أستطيع أن أرى في الأخير، لأن هذا من طبيعة كل كتاب يحمل سمة العبقرية.
عاد هوراس ألفريدسون يشد على المسدس في جيب سترته بشيء من الاستعلاء، ورفع السماعة، وطلب للجميع بيرة، لكن كاتارينا فريدن، بدت مقطبة الوجه:
- الرواية كلها وثنية، كلها أنظمة صنمية، كلها صراعات أو تحالفات بين قوى ميتافيزيقية، ثدي جوستين المقطوع يمثل كل هذه القوى، وهو يتعدد تعدد أشكالها، إنه ليس نظامًا واحدًا، إنه عدة أنظمة، بعدة سرطانات، وهو كنظام انتخابي في بلدنا، أحزاب الأغلبية سرطانه مقابل أحزاب الأقلية سرطانه الآخر.
- أؤيد كاتارينا فريدن، قالت كريستينا سفينسون، وأضيف أن هذا فيما يخص كل شيء السينما المسرح الرسم النحت الرقص الأغنية الضرب بالملاعق على أقفية الطناجر، يعني موسيقى اليوم، كلها ثدي جوستين المقطوع بسرطانه، فلنقل أثداء جوستين المقطوعة بسرطاناتها.
نفخ رالف لندغرن يائسًا:
- وعلى الرغم من ذلك، ها أنا أصرخ: أنقذني بالله عليك، يا ألفريدسون، من تأثير العبقرية!
ضحك هوراس ألفريدسون دون أن يخلع ثوب الغطرسة:
- إنه التصور الثالث، السخيف...
قاطعته كريستينا سفينسون:
- السخيف!
- معذرة! أريد القول الأهوج.
- الأهوج!
- الأحمق.
- الأحمق!
- هذا التصور الثالث لا يضع الفنجان على صحنه بل جانبًا. الفنجان، الذي هو ثدي جوستين، ما تدعوه الأستاذتان الجامعيتان "الأنظمة"، ليس التعبير الخارجي، التعبير المغترب للروح، وليس الخاصية المؤدية إلى الكونية. ثدي جوستين المقطوع يبقى مع ذلك معلقًا، إنه العدم دون روح.
- وبكلام آخر، قال رالف لندغرن، ثدي جوستين ثلاثة، ثدي جوستين، وثدي جوستين، وثدي جوستين.
ضحك أستاذ الفلسفة:
- أشكرك على الصورة!
أوضح الأستاذ في علم اللاهوت:
- الفكرة معبرًا عنها، والظاهرة معبرًا عنها، والظاهرة والفكرة – هنا كلتاهما واحدة - غير معبر عنهما. في هذه الحالة الأخيرة ما أدعوه بالموضوع الخام.
- كل المواضيع كما تراها فريدن وسفينسون، قال هوراس ألفريدسون. ليست كتعبير مادي، ليست كتعبير رباني.
- لم أكن أعلم أنك وثني أنت أيضًا، أيها الفيلسوف، رمت كاتارينا فريدن.
- أنا فيلسوف بدون بطاقة، رد هوراس ألفريدسون.
- بل ببطاقة، أكدت كريستينا سفينسون.
- لم أنته بعد من عرض وجهة نظري، قال هوراس سفينسون مفكرًا. ثدي جوستين المقطوع ليس الفكرة عندما تغترب عن نفسها، وليس الظاهرة عندما تغدو اغترابًا، ثدي جوستين المقطوع هو التمثيل الأدبي لاغتراب الإنسان، إنه ذاتنا وقد غدت شيئًا آخر، وهو لهذا السبب من القوة كاستعارة، يجعلنا لا نرى فيه أنفسنا، ولكنه يرينا أنفسنا. أما الرواية، فهي تنطلق من جانب مفقود لدى ساد، وتقيم عليه كل البنى الفكرية والتخيلية، إنها إبداع الناقص، بمعنى الكامل فلسفيًا.
- وماذا عن كاتبها؟ سألت كريستينا سفينسون.
- ألبير رامو... إنه صائد الأحلام، أجاب هوراس ألفريدسون، وفي كلماته ترن نبرة الإعجاب.
- ومثله الأعلى؟ رمت كاتارينا فريدن، وهي تغلق عينيها بشدة. هل قلت مثله الأعلى؟ نعم، ومثله الأعلى؟
- الإنسانية، قال هوراس ألفريدسون ورالف لندغرن بصوت واحد.
بعد ذلك، حل صمت عميق، وطويل، وثقيل، صمت رصاصي سقط على أكتافهم، فجعلهم يجلسون هنا وهناك مبعثرين، حائرين، قلقين. لم ينظروا إلى بعضهم، لم ينظروا إلى أنفسهم، ولم تكن ظلال لهم يختبئون خلفها. تناول هوراس ألفريدسون سلسلة حديدية راح يلوح بها، رماها، وتناول تفاحة من جاط تفاح أحمر كبير متروك إلى جانب، وقضمها، وبعد ذلك اتجه نحو الراديو، وفتحه على أغنية قديمة لأبا راح يغني معها، وهو يقضم تفاحته. ألقى التفاحة كيفما اتفق، وأخذ كريستينا سفينسون بين ذراعيه، فراقصته، وهي تضحك، بينما رالف لندغرن وكاتارينا فريدن يجمدان كحجرين.
- تعالا، نادى هوراس ألفريدسون، تعالا ارقصا، تعالا، يا لندغرن ويا فريدن، تعالا، فلنستعد لحظة شيخة من شبابنا!
أخذ أربعتهم يرقصون ويغنون ويضحكون، خرج بيتر أكرفيلدت من الحمام على أصواتهم، نقل التفاحة التي رماها هوراس ألفريدسون بيده، وقضمها، ثم ألقاها بدوره كيفما اتفق، وبدأ بالرقص وحده، كما لو كانوا غير موجودين بالنسبة له. أخذ يتحرك كالتفاحة الميكانيكية، وهم يضحكون عليه. استلقى على السجادة، وأخذ يلف على نفسه كالتفاحة الميكانيكية، غير مبال بضحكهم. بقوا هكذا مع صخبهم، إلى أن سمعوا طرقًا عنيفًا على الباب. فتحوا لخادم الطابق معتذرين، تناولوا قناني البيرة مقابل بعض الكورونات، وعادوا يرقصون ويغنون ويضحكون وهم يجرعون البيرة من أفواه قنانيهم.
فجأة، قرعت تلفوناتهم المحمولة كلها في وقت واحد، فأوقفوا الموسيقى، وأخذ كل واحد يبحث عن تلفونه بيد مرتبكة:
- آلو.
- آلو.
- آلو.
- آلو.
- آلو.
- أنا كاتارينا فريدن.
- نعم، لندغرن، رالف لندغرن.
- كيف؟ هو بعينه، هوراس ألفريدسون.
- آلو، آلو... ساشينا؟ آلو، آلو، آلو، ساشيناتي؟...
- مارغريت يورسُنار؟ هي بعينها.
قال الصوت في آذانهم جميعًا:
- نحذركم!
وانقطع الخط.
- فَكْيُو!
- سأنيك أمك!
- سأنيك أختك!
- سأنيك أباك!
- سأنيك ربك!
أعاد كل واحد هاتفه إلى المكان الذي كان فيه، وبقوا حيارى.
- لم يكن الصوت غريبًا عني.
- كأنه صوت ساشينا، ساشيناتي، أُخَيتي.
- لم يكن الصوت صوت امرأة.
- ساشيناتي.
- أليسه أوسكار كاستنفيلت؟
- لم يكن الصوت غريبًا عني.
- من يكون؟
- لم يكن الصوت غريبًا عني.
- نحذركم، قال الصوت نحذركم.
- ساشينا، ساشيناتي.
- نحذركم.
- قال نحذركم.
- قال نحذركم كلكم.
- لا، قال نحذركم، ولم يقل نحذركم كلكم.
- قال نحذركم.
- ساشيناتي.
- قال نحذركم، نحذركم.
- قال نحذركم مرة واحدة. نحذركم.
- مرة واحدة.
- قال نحذركم مرة واحدة.
- نحذركم.
- ساشينا، ساشيناتي.
- قال نحذركم. لم يقل أحذركم.
- لم يقل أحذركم. قال نحذركم.
- لم يقل أحذركم.
- ساشيناتي، ساشيناتي، ساشيناتي.
- قال نحذركم.
- نحذركم.
- ساشينا، ساشيناتي.
فتح بيتر أكرفيلدت الحاسوب ليقرأ إيميلاته، عشرات الإيميلات: نحذركم، نحذركم، نحذركم... علب رسائلهم الإلكترونية: نحذركم، نحذركم، نحذركم... علب رسائلهم الإلكترونية كلهم: نحذركم، نحذركم، نحذركم... ترامت كاتارينا فريدن بين ذراعي بيتر أكرفيلدت سعيًا من وراء بعض الحنان، كانت لها سحنة المفجوع، وبدا القلق يعشش في كل زاوية من زوايا وجهها. كانت مسكونة بالقلق واليأس، ولم يكن بيتر أكرفيلدت في حال أحسن، كان يعاني من تقلص عضلي لا إرادي، كل عضلة من عضلات ذراعيه اللتين تلفان كاتارينا فريدن كانت تنقبض، وكان التشنج يزحف على وجهه بأصابعه اللامرئية، فيبدو كمن يُعتصر بين أصابع أخطبوط أهوج. راحت كريستينا سفينسون تكشف عن ثدييها وفخذيها، وتغني مقلدة ماريلين مونرو في حركاتها: آي وانا بي لَفد باي يو... لكنها لم تنجح في إغراء الرجلين الآخرين. كانا هما أيضًا يعانيان من أزمة اكتزاز، أزمة انقباض، أزمة انقباض مستمر. على مرآهما، استولى على كريستينا سفينسون الهلع، فأخذتهما بين ذراعيها، وذهبت بهما إلى السرير الضخم بما يحتوي عليه من ألبسة جلدية وأدوات سادية، جعلتهما يستلقيان الواحد إلى جانب الآخر، ثم سارعت إلى الحمام، أغلقت عليها الباب، وأخذت تقيء. قاءت في كل مكان، وهي تنحني، وهي تجثم على الأرض، وهي ترفع رأسها، وهي تعود وتنحني، وتجثم على الأرض، وترفع رأسها. بعد عدة دقائق، قامت، وغسلت وجهها. تأملت وجهها في المرآة، ابتسمت الأخرى لها، ولم تبتسم. عندما عادت إلى الجناح وجدت الأربعة، كاتارينا فريدن وبيتر أكرفيلدت من طرف، ورالف لندغرن وهوراس ألفريدسون من طرف، يلعبون البنغ بونغ، ويصيحون، وهم في كامل التهلل. ذهبت إلى التلفزيون، وفتحته. لم يكن هناك ما يستحق المشاهدة. أقفلت التلفزيون، وطلبت كاتارينا فريدن على هاتفها المحمول، بقي الهاتف يرن في جيب كاتارينا فريدن، يرن، يرن، وأربعتهم يسمع، ولا أحد يبالي بالرنين. راحت تتجول في الجناح، فاكتشفت في قرنة ثلاجة صغيرة ملأى بالأكل والبيرة. نقلت قنينة بيرة، وفتحتها. شربت من فوهتها، وهي تفكر أنهم يتآمرون عليها، وهم لهذا يعزلونها. عادت إلى الحمام، وجلست على حافة البانيو. لم تدر كيف سقطت قنينة البيرة من يدها، فدقها الرعب، وانفجرت باكية.























القسم العشرون
التحكيم

لم يكن أحد من أعضاء هيئة التحكيم جالسًا حول الطاولة المستديرة، كان عليها الجاط الكبير للتفاح الأحمر إلى جانب مزهرية كبيرة فيها باقة من الورد الأصفر. وقف بيتر أكرفيلدت ينظر إلى الليل من رسم النافذة الجداري بينما استلقى هوراس ألفريدسون على السرير الضخم، وجلس رالف لندغرن على كرسي مقابل كاتارينا فريدن، وهناك على الكنبة جلست كريستينا سفينسون، وهي تُقَلِّبُ صفحات كتاب ألبير رامو بيد عصبية. انفجر بيتر أكرفيلدت يضحك فجأة، وصمت فجأة. داومت كريستينا سفينسون على تقليب الصفحات، وانتهى بها الأمر إلى قذفه جانبًا، ثم سحلت بنصفها السفلي حتى لامس رأسها قعر الكنبة.
- بعد قتل زوجي لنفسه، وذهابه عني إلى الأبد، ذهبت عني الدورة الشهرية، اعترفت كريستينا سفينسون.
- هل هو سن انقطاع الطمث عندك، يا كريستينا سفينسون؟ سأل هوراس ألفريدسون.
- ربما، ولكن لماذا مباشرة بعد قتل زوجي لنفسه؟
- الأرواح المعذبة يكفيها أقل صدمة.
- الأرواح الحساسة، تريد القول.
- لنقل الأرواح، لكل روح طريقتها في التعبير عن هولها.
- هذا إذا ما كان الهول كما نراه في الحياة.
- في القصص. كما نراه في القصص.
في غضون ذلك، تكون كاتارينا فريدن قد ذهبت قرب بيتر أكرفيلدت، وأخذت تنظر من النافذة الجدارية الرسم إلى الليل مثله، بينما جاء رالف لندغرن، وجلس إلى جانب كريستينا سفينسون على الكنبة.
- حقًا هول جوستين بسرطان ثديها أعظم هول، همهم رالف لندغرن، وكاتارينا فريدن ترفع يدها إلى ثديها، وتضغط عليه.
- عندما كانت جوستين بنتًا في الثانية عشرة من عمرها لم يكن لها ثدي، همهم بيتر أكرفيلدت.
- كان لها ثدي دون أن تراه أو تحس به، قال هوراس ألفريدسون، وهو يجلس على حافة السرير الضخم، ويداعب بيده السلسلة الحديدية والقضبان والأسياخ والجلود السوداء. وعندما وقعت عليه عيناها لأول مرة، كان ثديها بقدر حبة الكمثرى. الظاهر لم يعد وهمًا، تمامًا كعالمنا.
- اخرس! نبرت كاتارينا فريدن بِغُلّ وهي تضغط على ثديها، وتكاد تختنق. اخرس! اخرس! عالمنا لم يكن أبدًا وهمًا!
اعتمدت على كتف بيتر أكرفيلدت، فوضع هذا يده فوق يدها الضاغطة على ثديها، وأخذ يضغطه معها. اعتدلت كريستينا سفينسون في جلستها، فأخذ رالف لندغرن يدها بين يديه، وقال لها:
- كاتارينا فريدن لا تعلم أن الظاهر خادع وعلينا أن نبرهن على ذلك بذبح أرواحنا. ذبح أرواحنا. هكذا تكون أعمارنا. بذبح أرواحنا. من هنا جاءت كل تعاسات جوستين، وما تعاستها الأخيرة، تعاستها المنسية، سوى لحظتها الأساسية، لحظة جوهرها الأساسية، هل أقول اللحظة الأساسية للجوهر؟ لحظة أساسية أدركتها جوستين.

طرقت جوستين باب الدير طرقات عديدة متواصلة، وفي الأخير فتح القس، وفحص جوستين من قمة الرأس إلى أخمص القدم قبل أن يدخلها، ويوصد الباب من ورائها بالمفتاح. قال لها:
- كنا جميعًا بانتظارك.
لم تفهم جوستين في البداية، وعندما وقعت عيناها على كل تلك الوجوه الفاسقة لقساوسة الدير الآخرين، أدركت المصير الذي ينتظرها.

- أو بكلام آخر، قال رالف لندغرن، ذبحت روحها، برهنت على أن الظاهر كان خادعًا.
- عالم رديء وبائد، همهم هوراس ألفريدسون، وهو يقوم ليقعد على كرسي، كرالف لندغرن، مقابل كريستينا سفينسون.
دفعتهما كريستينا سفينسون عنها بعيدًا، ونهضت لاهثة.
- ابتعدا عني، أرعدت، أنتما تخنقانني!

- سأقوم بكل ما تريد القيام به مع ابنتك، همهمت جوستين بين يدي الأب الوغد، فقط وفر عليها عذاباتها.
- وما يضمن لي أنك ستفعلين؟ سأل الأب الوغد.
- أنت لن تصدقني إذا ما حلفت لك.
- لا، لن أصدقك.
- هل تصدقني إذا ما قلت لك إن لي ثديًا مريضًا.
- وماذا يعني هذا أن لك ثديًا مريضًا؟
- يعني هذا أنني إذا ما لم أقطعه كان مصيري الموت، وأنا لن أقطعه، فافعل فيّ كل ما تشاء.

انفجرت كاتارينا فريدن باكية، فقهقه بيتر أكرفيلدت، لكنها انقضت عليه، وراحت به صفعًا إلى أن توقف عن القهقهة، انحنت على نفسها، وجثمت على الأرض، وبدأت بالعواء، وبيتر أكرفيلدت يصرخ: ساشينا! ساشيناتي! ثم قالت دفعة واحدة:
- كان عليّ أن أذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد مع أمي وزوج أمي لأن الخوري طلب من أمي وزوج أمي أن يصطحباني معهما ولأن قداس الأحد شيء كالضماد للجراح، وأنا جراحي كانت كثيرة غير محتملة، أعوض عنها بجراح أخرى أكثر، فأكثر، جراح أخرى، وأخرى، جراح حمراء وخضراء وخبازية، جراح من كل لون، جراح كانت ديني، لا علاقة لها بالوهم، كانت كلها جراح حقيقية، من غير دم هذا صحيح، لكنها كانت كلها حقيقية، وكنت أذهب بجراحي إلى كل مكان، فأصبح للعالم ألوان جراحي، لم يكن ذلك وهمًا، أصبح للعالم ألوان جراحي، ألوان جراحي، للعالم، أصبح للعالم ألوان جراحي، جراح لونها خبازيّ، لونها أخضر أو أحمر أو بنيّ، لهذا، الثلج في ستوكهولم لونه خبازيّ أو أخضر أو أحمر أو بنيّ، لا لون له.

- يا سيدتي، هل تريدينني أن أمارس الفسق مع كل هؤلاء الأوغاد؟ سألت جوستين السيدة النبيلة التي هي في عهدتها.
- معهم كلهم دون أي استثناء، أكدت السيدة النبيلة.
- وهل سيقوى جسدي على التعذيب؟
- سيقوى.
- وجسدي كيف أهبه لهم؟
- تهبينه لهم كله كما هو.
- حتى ثديي كما هو؟
- حتى ثديك كما هو.
كانت جوستين قد انفجرت باكية، فسألتها السيدة النبيلة:
- لماذا تبكين، يا جوستين؟ من لهنّ الحظ مثلك على معاشرة كل هذه النخبة من الأرستقراطيين لكنّ أسعد النساء في العالم.
- لا لشيء، يا سيدتي.
كشفت السيدة النبيلة عن ثديي جوستين، وقبلتهما من حلمتيهما، وهي تقول:
- حلمتك حبة عنب أسود دون أن تكون، وحبة كرز أبيض دون أن تكون، وحبة زيتون ذهبيّ دون أن تكون، ومنقارٌ هي حلمتك، ومخلبٌ هي حلمتك، ونابُ ثعبانٍ هي حلمتك.

همهم هوراس ألفريدسون، وهو يخرج مسدسه من جيب سترته، ويداعب أنبوبته:
- ورصاصةٌ هي حلمتك، نضغط هنا، فتخرج من هنا، فيسقط أحدهم قتيلاً، وفقط. لا خداع هناك، ولكن في الفعل كل التراجيديا، لا تقليد شكلي للطبيعة، ولكن كل روعة الأعمال الخالدة.
وراح يضع فوهة المسدس في رأسه، ويتظاهر بإطلاق النار، وفي فمه، وتحت ذقنه، وفي قلبه، وفي بطنه، وبين فخذيه، فانفجر بيتر أكرفيلدت يبكي، ويردد:
- ساشينا، ساشيناتي... سأقول لماما كل شيء، قال دافيد. لا تقل لماما كل شيء، رجته ساشينا. كل شيء، سأقول لماما كل شيء، قال دافيد. لا تقل لماما كل شيء، دافيد، لا تقل لماما كل شيء، رجته ساشينا أيضًا وأيضًا. سأقول لماما، سأقول لماما. لا تقل لماما، لا تقل لماما. سأقول لماما كل شيء. لا تقل لماما كل شيء. سأقول لماما. لا تقل لماما. سأقول لها. لا تقل لها. سأقول لها كل شيء. لا تقل لها كل شيء. لماما، لماما، سأقول لماما. لماما، لماما، لا تقل لماما. سأقول لماما، سأقول لماما، سأقول لماما. لا تقل لماما، لا تقل لماما، لا تقل لماما. سأقول لماما كل شيء، كل شيء، كل شيء، سأقول لماما كل شيء. لا تقل لماما كل شيء، كل شيء، كل شيء، لا تقل لماما كل شيء.
كان العالم غير كامل، كل شيء، كل شيء، كل شيء، لم يكن كل شيء كاملاً، ولم يكن مستقرًا.

- سأدعك وشأنك، يا جوستين، قال الفلاح الكريه للفتاة المشردة، وبعد أن جعلها تصرخ قليلاً، وهو يُدخل يده فيها حتى كوعه، أضاف، هذا لأنك مريضة.
لكنه أخذ ثديها المريض بين أسنانه، وراح يلوكه، وراح يلوكه، وراح يحاول قطعه، وجوستين تصرخ من شدة العذاب. وبعد أن يئس من قطعه، همهم الفلاح الوغد:
- كانت آخر محاولة لي كي أحتفظ بك.
بدأ الفلاح الوغد يبكي، كان لديه إحساس بفقدان كل ما يملك، أرضه لم تعد ذات قيمة، حياته، فصل الشتاء، ولم يكن هذا وحده ما يدفعه إلى البكاء، كان لديه إحساس بفقدان كل ما يكونه، ذاته لم تعد شيئًا من الأشياء، جوهره، كل ما ورثه من أخلاق.

لوّح هوراس ألفريدسون بالمسدس، ونبر:
- هذا هو جوهرنا، وهذه هي ذاتنا، وهذه هي أخلاقنا، لكنها تبقى كلها دون معنى إلى أن نطلق ويسقط أحدهم، دون ضحية لا طعم للحياة.
تناول رالف لندغرن المسدس من يد صاحبه، وراح يصوبه إليهم واحدًا واحدًا، وهم من الخوف يصرخون، ويخبئون أنفسهم، وفي الأخير همهم:
- بعد ذلك، لن تكون محاولتي الأخيرة.
أعاد المسدس لهوراس ألفريدسون، فوضعه في جيب سترته، والعالم اللاهوتي يقول:
- لن يعدو الأمر أكثر من التضحية الفردية من أجل الوصول إلى التمام، تمام الفرد، وامتلاك سمائه. جوستين من هذا النوع، لكن كل شيء غدا معطلاً لديها، عندما عرفت بسرطان ثديها. كانت كل تعاساتها نوعًا من التضحية الفردية، كل الوحوش التي التهمتها كان التهامها لها ميتافيزيقيًا، لهذا لم تشبع من الوليمة التي كانتها جوستين، حبيبتي جوستين. كم من مرة خَرَجَت تحت سماء ستوكهولم الصقيعية وتعود عندي كي أدفئها. هل البرد شديد جدًا كما هو عادته؟ إذن لماذا تخرجين عارية الصدر، يا حبيبتي؟ تعالي كي أغطي لك ثديك الوحيد، تعالي جوستين، تعالي بين ذراعيّ، لا تتركي ثديك الأوحد طليقًا هكذا، ربما اختطفه لك أحدهم، فماذا سيبقى لك؟ ثديك الوحيد، ثديك الجميل، وثديك الثاني، ثديك المقطوع، الموجود فقط في الخيال، أجمل ثدي في الوجود. ثديك المجدوع، ثديك الإله، إله الرعد ثديك، يقطع العالم في عربة، وبقدومه يدق البرق، فيدرأ المفاسد، ويحول دون التعاسات. اتركي ثديك المقطوع يأتي بالمطر، وتعالي جوستين بثديك الآخر إليّ، لا تتركيه طليقًا هكذا، فيغير منه الحمام، ويغدو شرسًا. لا تتركيني، يا حبيبتي. تعالي تغطينني بثديك الوحيد، تعالي جوستين، أشعر بالبرد، برد ستوكهولم ساحق، جلاد، ماحق، برد ستوكهولم لا برد بعده ولا برد قبله، برد ستوكهولم الجحيم، خذيني بين ذراعيك، وغطيني بثديك الجميل، اجعليني جميلاً كما كنت، واعطفي عليّ، لا تتركيني وحدي عليلاً مقطوعًا مضيعًا في الأرض الخراب.
كانت كريستينا سفينسون كمن اخترق عالمًا ضائع الحدود، كبيتر أكرفيلدت كانت تنظر من حولها، فترى دون ترى:
- جاءوني من كل جهة، من الشرق ومن الغرب ومن الشمال ومن الجنوب، جاءوني ليقتلوا شهوتهم فيّ، كل البرابرة جاءوني، وكل المتحضرين جاءوني، جاءوني لأن الذنب ذنبي، ولأني لم أدرك كيف أتصرف معهم. كان جسدي لهم هدفًا، ولم يكن جسدي طيعًا، ليس لأنه كان قادرًا على رفضهم، ولكن لأنه كان باردًا. كان كجسد ستوكهولم باردًا، كشمس ستوكهولم، كقمر ستوكهولم. كان جسدي باردًا بين أصابعهم، كان قد غدا باردًا منذ وقت طويل، منذ ما قبل أن يقتل زوجي نفسه. كان جسدي باردًا كأجساد القطط الميتة، فبدأوا بالانتقام من جسدي البارد ومن كل القطط الميتة. لم يكتفوا بإفراغ بنادقهم في ثديي، لم أكن أصرخ، كانوا يفرغون بنادقهم في ثديي، وأنا أشاهدهم صامتة. كنت أنظر إلى وجوههم، كانوا كلهم خائفين، لهذا أفرغوا كل بنادقهم في ثديي. كانوا يعتقدون أنه ثدي جوستين، لهذا أفرغوا كل بنادقهم في ثديي، وأنا كنت أنظر إلى وجوههم. لم أقل لهم لست جوستين، تركتهم يفعلون. كانت تنبعث عنهم رائحة المني، كما لو كانوا يضاجعون جوستين، وكانوا يفرغون بنادقهم في ثديي، وهم يلهثون. كما لو كانوا يقذفون فيّ، وهم لهذا كانوا يلهثون، ويكادون يلفظون أنفاسهم الأخيرة: كانت لذتهم قد وصلت أقصاها، وكان ثديي لم يزل حيًا على الرغم من مئات الطلقات. كان يقفز كالطفل، ولم يلبث ثديي أن هرب، فلحقته، وأجبرته على العودة، فعادوا يفرغون فيه بنادقهم بعد أن عبأوها، وبقوا هكذا طوال الليل، وثديي لم يزل حيًا. كان ثديي يرهب قاتليه، وكان قاتلوه يمتعهم ذلك، لهذا أمضوا الليل، وهم يطلقون النار عليه، وهم يضاجعونه...
ذهبت كريستينا سفينسون إلى الثلاجة الصغيرة في القرنة هناك، وأحضرت خمس قناني بيرة، وزعت أربعًا، واحتفظت بواحدة:
- ثم جاء دور بطني، كانوا يشتهون بطني بكل الرغبة التي أرادوا فيها ثديي، فأطلقوا عليه، وأفرغوا كل بنادقهم. رأيتهم، وهم يلهثون من التعب. كان خوفهم قد ذهب، لكن تعبهم بقي إلى الأبد، تعب أمة بأكملها كان تعبهم، وكانوا ضائعين، ضياع أمة بأكملها كان ضياعهم، ولم يتوقفوا عن إفراغ بنادقهم في بطني، بطني الأملس كرمل الثلج، وبقي بطني أملس على الرغم من كل الرصاصات التي أطلقوها. كانوا ينادونني، وهم يفرغون بنادقهم في بطني، كانوا يقولون لي تعالي، يا جوستين، لماذا لا تأتين لتأخذي بطنك، بطنك الأملس من كل رمل الثلج يهلكنا، لم يعد لدينا الكثير من الطلقات، تعالي، يا جوستين، تعالي، يا جوستين، تعالي إلى قاتليك، يا جوستين، تعالي يا جوستين، لكنني لم أذهب...
حمل بيتر أكرفيلدت جاط التفاح الأحمر، وذهب ليلعب به لعبة الطابات الحديدية.
- ثم جاء دور فخذيّ، أطلقوا عليهما النار، وفخذاي تقهقهان، كانتا تقهقهان، كانت فخذاي تقهقهان، مما جننهم، فأطلقوا معظم الرصاص الذي في بنادقهم. ولم يكتفوا بذلك، راحوا بفخذيّ ضربًا بأعقاب بنادقهم، بينما ظلت فخذاي تقهقهان، وأنا، لم أستطع فعل أي شيء لإيقافهما. كانتا تقهقهان كمن يدغدغهما الشيطان، وكل الوحوش الذين عرفتهم جوستين يطلقون على فخذيّ رصاصهم. فرغت بنادقهم، ولم يعد لديهم ما يعبئونها به من رصاص، فراحوا بهما ضربًا بأعقابها من جديد حتى تحطمت بنادقهم، وعند ذلك، توقفت فخذاي عن القهقهة، وأخذتا تبكيان، وتصرخان، وتناديان، فلم يلب أحد في العالم النداء.
لفتها كاتارينا فريدن بذراعها، وذهبت بها إلى السرير الضخم، بينما التحق هوراس ألفريدسون ورالف لندغرن ببيتر أكرفيلدت، وأخذا يلعبان معه بالتفاح لعبة الطابات الحديدية. همست كاتارينا فريدن في أذن كريستينا سفينسون بضع كلمات جعلتها تضحك، وتهز رأسها علامة الموافقة، فأخذت الأولى تخلع ثياب الثانية حتى عرتها تمامًا. مددتها على السرير، وهددتها بالسلسلة والأسياخ، وتظاهرت بجلدها وربطها. جاءت بباقة الورد الأصفر، أخذت تقطع التويجات، وتزينها: شعرها، جبينها، حلمتيها، بطنها، فخذيها، ساقيها، قدميها. صوّرتها بهاتفها المحمول عشرات الصور، ثم خلعت هي الأخرى ملابسها، وتركت كريستينا سفينسون تتظاهر بربطها وجلدها. وبعد ذلك، زينتها كما زينتها، وصورتها كما صورتها. جلست الاثنتان الواحدة إلى جانب الأخرى، ووضعت كل منهما قناعًا. أمسكت كل منهما بحلمة الثانية، وراحتا بنفسيهما تصويرًا، وهما تكركران. دفعت الواحدة الثانية على ظهرها، وامتطتها، وهي تأخذ لها الصور اللامتناهية، ثم وقفتا وجهًا لوجه على السرير، وعادتا إلى التصوير، وهما تكركران دومًا، وكصدى يكركر إخوتهما الشياطين الثلاثة، ساد ونوبل ورامو، إلى أن أعياهما ذلك. ترامتا على بطنهما، الواحدة إلى جانب الأخرى، وذهبتا في رحلة استعراضية لكل اللقطات. تبادلتا الهاتفين، وهما لا تكفان عن الكركرة، إلى أن جمدت كاتارينا فريدن فجأة على صورة لثدييها، ثدي يشرئب إلى أعلى قليلاً أكثر، وثدي يبحث في الأرض عن شيء أضاعه.
أوقف الرجال الثلاثة لَعِبَهُم على مرأى كاتارينا فريدن، وهي تذرف الدموع الحرى، وجاءوا ليقفوا على الأمر. عندما رأوا الصورة المرعبة، بقوا في أماكنهم ذاهلين. ثلاثة كانت أماكنهم، جهنم ساد ستوكهولم وجهنم ستوكهولم وجهنم السويد. ألبسوا كاتارينا فريدن ثيابها، ثم ألبسوا كريستينا سفينسون ثيابها، وعادوا يهبطون سويًا سلالم الجحيم.

وفي الجحيم، كانت تسعى جوستين، وكل فرنسا تسعى معها، كل آثار التعذيب كانت على جسدها، الكي، الفصد، الجلد، العض، الخدش، القمح، النحل، الورد، كل إشارات الملاحم على الأرض والصراعات بين الكواكب، وكل مقدمات البراكين والصواعق، كل مقومات الثورات، كل الثورات، ثورات البحار كثورات الرياح، وكل دوافع الغضب من الغضب، والحقد على الحقد، وسلطة الوجع على سلطة التوجيع. كان على الجسد أن ينهض بأمر الجسد، وبأمر الجسد أن ينهض الجسد بالوجود. حمل الجسد الشوارع والأحياء والمدن على كتفيه، وركض في الشوارع والأحياء والمدن. وقع ذلك عند الفجر، تمامًا كما كان عهد جوستين بعد أن يتحطم الليل بين فخذيها، وتذهب إلى النوم. عند الفجر، لما كانت فرنسا تشبع نومًا، وجسدها في فراش البؤس أجمل الأجساد وأروعها. جسدها الأبيض البض، جسدها الذي لم يعد عن العناق يبحث، وعاد يبحث عن عناقٍ لن يكونَ بعدَهُ عناق، العناق مع الحرية، وبعد ذلك مع الأخوة، فكان التضامن باقة ورد أصفر. هَدَمَ ثدي جوستين المقطوع القصور على أصحابها، فهرعت من المواخير كل الأثداء لتكون معه، وفي ساحة الكونكورد أخذت الأثداء تغني:

سلام عليك أيها الجلاد
الفضل لك
هنيئًا لك أيها الجلاد
اللوتس منك
أديت ما عليك أيها الجلاد
لنؤدي ما علينا




القسم الحادي والعشرون
الجائزة

في الصباح، كانت كاتارينا فريدن تنام، وهي ترتفع بوسطها على ذراع الكنبة مادة رجليها حتى ذراع الكنبة الأخرى، ورأسها منقلب إلى الوراء، وكان بيتر أكرفيلدت ينام جالسًا على طرف الكنبة، وهو يضع خده على ثديها المريض، بينما ينام رالف لندغرن خلف الطاولة المستديرة، وهو يدفن وجهه في الكتاب المفتوح على دفتيه لألبير رامو. في السرير الضخم، كان هوراس ألفريدسون ينام بالثياب السادية، وقد جعل من مسدسه مخدته، وبشكل معاكس، كانت كريستينا سفينسون تستلقي في ثياب المنحرفين على السرير نفسه، وقد جعلت من تويجات الزهر مخدتها، بينما بقيت عيناها مفتوحتين. رن منبه هاتف أحدهم دون أن يتحرك أحد، وبعد قليل الثاني، فتحرك واحد أو اثنان، وبعد قليل القليل الثالث، فتحرك الكل، وبعد قليل قليل القليل الرابع والخامس في وقت واحد، ففتح الأربعة عيونهم في الوقت الذي أغلقت فيه كريستينا سفينسون عينيها. بعد صالة الحمام التي ذهبوا إليها كلهم معًا، طلب هوراس ألفريدسون الفطور للجميع، وما هي سوى بضع دقائق حتى جاء الخادم بعربة الأكل. أعطاه هوراس ألفريدسون بعض الكورونات قبل أن يصرفه، وبدأوا بتناول فطورهم دون أن ينبسوا ببنت شفة.
لم يأكلوا بوفرة كما هي عادتهم، قام رالف لندغرن إلى خزانة زجاجية، وأخرج منها علبة سيجارات، وعلبة كبريت، وورق لعب. أخذ مكانًا من وراء الطاولة المستديرة، وبعد أن أشعل سيجارًا، أخذ يخلط أوراق اللعب دون أن ينظر إلى أحد. لحقت به كاتارينا فريدن، ثم كريستينا سفينسون، وأشعلت كل منهما لنفسها سيجارًا. أخرج بيتر أكرفيلدت من الخزانة المزججة قبعة كاوبوي وضعها على رأسه، وأخذ مكانًا من حول الطاولة المستديرة. أشعل هو الآخر سيجارًا، ووضع كل ما في جيبه من نقود، وكذلك فعل الآخرون، وبدأ رالف لندغرن بتوزيع أوراق اللعب.
في غضون ذلك، ذهب هوراس ألفريدسون إلى الثلاجة الصغيرة، وأحضر لكل واحد قنينة بيرة، جرع بيرته من فوهة القنينة، وأخذ مكانًا بينهم، وبعد أن أشعل لنفسه سيجارًا، وضع كل ما في جيبه من نقود أمامه، والمسدس وضعه في الوسط، فوهته باتجاه رالف لندغرن التي أزاحها باتجاه كاتارينا فريدن، وبدورها أزاحتها باتجاه كريستينا سفينسون، وبدورها هي الأخرى أزاحتها باتجاه بيتر أكرفيلدت، وبدوره هو الآخر أزاحها باتجاه هوراس ألفريدسون، فأعاد هذا الأخير المسدس إلى جيبه. بدأوا يلعبون البوكر، فخسرت الأستاذتان الأكاديميتان والصحفي، بينما استمرت اللعبة بين العالم اللاهوتي والفيلسوف. وعندما ربح العالم اللاهوتي، أخرج الفيلسوف مسدسه، وراح به تهديدًا. أطلق الثلاثة الخاسرون صرخة، وتخبأوا تحت الطاولة المستديرة.

* * *

- ماذا تريدان أن أفعل من أجلكما، يا سيدتيّ، سأل بيتر أكرفيلدت كاتارينا فريدن وكريستينا سفينسون، وهو يعيد قبعته إلى الخزانة المزججة، ويخرج منها سماعة الطبيب.
- أنا لي ثدي معطوب، دكتور، همهمت كاتارينا فريدن، وهي...
- أنا مصابة بالبرودة الجنسية، دكتور، همهمت كريستينا سفينسون.
جعل بيتر أكرفيلدت كاتارينا فريدن تتمدد على الكنبة، وكشف عن ثديها المريض، وبسماعته أخذ يسمع دقاته. جعلها تجلس، وبيده راح يمسس ثديها بطريقة أقرب إلى المداعبة، وهو يبالغ في ذلك، مما أهاج كاتارينا فريدن تحت النظرة الباردة لكريستينا سفينسون. أخيرًا قال بيتر أكرفيلدت:
- هذا لا شيء، يجب قطعه.
استدار إلى كريستينا سفينسون، وقال:
- الآن دورك، يا سيدتي.
دفع كاتارينا فريدن، فكادت تسقط على الأرض، وجعل كريستينا سفينسون تتمدد على الكنبة. كشف عن فخذيها، وبسماعته أخذ يسمع دقات فرجها. وما لبث أن أدخل يده في سروالها القصير، وبأصابعه راح يمسسها، راح يمسسها، راح يمسسها، دون أن يبدر عنها أي رد فعل.
- هذا لا شيء، يجب قطعه.
كانت كاتارينا فريدن قد ذهبت إلى حيث رالف لندغرن وهوراس ألفريدسون يتمددان بنصفهما السفلي في السرير الضخم، وفي حضنهما الحاسوب، الأول يضع قناعًا على عينيه، والثاني يرتدي دومًا الثياب الجلدية.
- تذكرة واحدة إلى لابوني، يا سيدتي؟ سأل رالف لندغرن.
- تذكرتان، قالت كاتارينا فريدن، وهي تشير بيدها إلى كريستينا سفينسون القادمة من ورائها.
- تريد تذكرتين، همس رالف لندغرن في أذن هوراس ألفريدسون، وهما يضحكان لبعضهما.
- درجة أولى، يا سيدتي؟ عاد رالف لندغرن يسأل، وهو يضرب على الملامس.
- درجة أولى، أكدت كاتارينا فريدن.
- تريد درجة أولى، همس رالف لندغرن في أذن هوراس ألفريدسون، وهما يضحكان لبعضهما.
بعد قليل من البحث:
- في قطار اليوم لا مكان في الدرجة الأولى، يا سيدتي، قال رالف لندغرن، وهو يضرب على الملامس، فخلصه هوراس ألفريدسون إياها، وراح يضرب عليها بعصبية.
- بل هناك مكانان في الدرجة الأولى، هتف هوراس ألفريدسون، وهو يمد لسانه ساخرًا برالف لندغرن، المكانان الأخيران في قطار اليوم.
- حسنًا، قالت كاتارينا فريدن، وفي اللحظة التي وصلت فيها كريستينا سفينسون قالت لها: هناك مكانان في الدرجة الأولى في قطار اليوم، فلم يبد على وجه كريستينا سفينسون أي رد فعل.
- المكانان الأخيران، أكد هوراس ألفريدسون.
- يا له من حظ! هتف رالف لندغرن، وهو يجذب الحاسوب من بين يدي هوراس ألفريدسون، اليوم في الدرجة الأولى سيتم عرض فيلم "ذهب مع الريح"، بوف! بوف! وانفجر هو وزميله يضحكان، بوف! بوف! ويميلان على بعضهما، ويتعانقان بساقيهما، بوف! بوف! ويطبعان على شفتيهما قبلة خفيفة.
صعد بيتر أكرفيلدت على كرسي، وأخذ يضرب بالسلسلة، ويخطب:
- أكثر العواصف شدة قادمة، وأنا رجلها، لن يقف في وجهها أحد غيري، في كل السويد لا أحد أشد مني عزمًا على مواجهتها، لأني أحب السويد، ولأني أكثر السويديين قدرة واستطاعة. انظروا إلى بحر البلطيق تقعون على صورتي، لأني كسمك البلطيق أكثر السمك حيويةً وبياضًا، وانظروا إلى مرايا الجليد تقعون على صورتي، لأني كآلهة الفيكنغ، أكثر الآلهة حنانًا وتحننًا، وانظروا إلى جدائل الذهب تقعون على صورتي، لأني كشعر سِيف، أكثر المعادن قيمةً وغلاءً...
كان رالف لندغرن وكاتارينا فريدن وكريستينا سفينسون قد جاءوا يحيطون ببيتر أكرفيلدت الذي أخذ يصرخ بنبرة هتلرية وغرته تتساقط على جبينه:
- أنا أكثر العواصف القادمة شدة، لن يصمد في وجهي أحد، في كل السويد لا أحد أشد مني عزمًا، لأني أحب السويد، ولأني أكثر السويديين قدرة واستطاعة. انظروا إلى بحر البلطيق تقعون على صورتي، وانظروا إلى مرايا الجليد تقعون على صورتي، وانظروا إلى جدائل الذهب تقعون على صورتي. جدائل الحب، جدائل الموت. المرأة السويدية. المرأة الذهبية. المرأة الجليدية. البيضاء. الشقراء. المحولة. المجننة بفتنتها. المدمرة بوهميتها. المجبرة على الشيزوفرينية. بجمالها. بخرائها. بألوهيتها. البيضاء. الشقراء. الجوستينية. جوستين من عندنا، بكل سعاداتها، بكل سعاداتنا. خراؤها الأشقر كل سعاداتنا. جوستين من عندنا. جوستين التي من عندنا أنا هي. بخرائها الأشقر. بكل عظمة خرائها الأشقر. بكل أرخبيلات الخراء الأشقر، وكل جبال جليد الخراء الأشقر، وكل أمم الخراء الأشقر، الأحمر، الأخضر، الأزرق، الأصفر، الأحمق، البرتقالي. بكل عظمة خرائها الأشقر...
رآهم هوراس ألفريدسون، وهم يقتربون برؤوسهم في ضباب الفاشية، بيتر أكرفيلدت وكاتارينا فريدن من ناحية، رالف لندغرن وكريستينا سفينسون من ناحية. كانوا في الضباب، ولم يكونوا واضحين، ثم تبدت له صورهم الظلية شيئًا فشيئًا. كانوا في ثياب من الفرو الثقيل، وأقدامهم في أحذية من الجلد السميك، وهم يستعدون للذهاب إلى أقصى أقاصي السويد على زلاجتين تجر خمسةُ كلاب هوسكي كلاً منهما، وتتبع خمسةٌ أخرى كلاً منهما للتناوب.
- سنذهب حتى الدائرة القطبية، قال بيتر أكرفيلدت لكاتارينا فريدن.
- لا أعتقد أنها فكرة جيدة، يا أكرفيلدت، قالت كاتارينا فريدن.
- وكذلك أنا، لا أعتقد أنها فكرة جيدة، قالت كريستينا سفينسون لرالف لندغرن.
- إنها الطريقة الوحيدة لشفائكما، قال رالف لندغرن متوجهًا بكلامه إلى بيتر أكرفيلدت.
- الطريقة الوحيدة لشفائنا، هذا ما نود الاعتقاد به، قالت كاتارينا فريدن.
- برودتي تعالج بالبرد؟ تساءلت كريستينا سفينسون.
- بوخز إبر الجليد، قال رالف لندغرن.
- إنها طريقة قديمة جدًا كان أجدادنا الأوائل يقومون بها يوم كان العالم كله كتلة واحدة بيضاء، وإبر الجليد ليست أيها، إنها من قلب الصفاء، أوضح بيتر أكرفيلدت.
- تأبير ثديي بالجليد النقي علاجًا لسرطانه، همهمت كاتارينا فريدن.
- وأنا... ولم تكمل كريستينا سفينسون جملتها.
- ستشفى كلتاكما، أكد رالف لندغرن.
ربطوا أمتعتهم ومؤونتهم على الزلاجتين، وشغّلوا الجي بي إس، نظام التوضيع العالمي، ووجهتهم كانت الدائرة القطبية. دخلت كل من المرأتين في مقصورة من الجلد مربوطة بإحدى الزلاجتين، ورشق كل من الرجلين الكلاب بسوطه الأسود، وانطلق الموكب إلى قلب المجهول.
ارتحلوا خمسة أيام وخمس ليال، كانوا يتوقفون لتبديل الكلاب وأكل السجق وشرب البيرة، وبعد ذلك يواصلون الانزلاق، إلى أن بدأت تلفهم بأذرعها أولى الغابات العذراء المثقلة أغصانها بالثلج، وكأنها تحمل ثياب الجبابرة من سكان العوالم الماضية. كانت ثيابهم مرصعة باللآلئ، وكانت تبدو في قلب الغابات أطياف الأميرات بجدائلهن الذهبية. كن يضحكن لهم، ومع عبورهم يختفين. وكانت النار تدق هنا وهناك على حين غرة، ثم تنطفئ. وتحت أقدامهم كانت مخلوقات صغيرة تفتح عيونها، كانت تنهض، وتضحك، ثم تركض ليبتلعها الفضاء. كانت كاتارينا فريدن سعيدة سعادة الطوباويين، كانت في قلب حلم لم يكن حلمًا، تتجول في رأسها، فتترك من ورائها آثار قدميها أقمارًا وشموسًا. وكانت كريستينا سفينسون تكركر دون أن تستطيع الإمساك بنفسها، كانت كمن تدغدغها أصابع ليست مرئية، فتميل، وتهمس مثلجة الصدر. وكان بيتر أكرفيلدت مفتونًا بما يجري، لم يكن نفسه، ترك ذلك الشخص الآخر الصموت الذي فيه في ستوكهولم، وبدا أكثرهم تألقًا، بدا أجملهم، وأكثرهم شبابًا. وكان رالف لندغرن ينظر من حوله بين مصدق ومكذب، كان لديه شعور بأنه شخص رباني، ابنًا لأودن، كان يحس بأنه إله ابن إله، ولم يندهشوا عندما سمعوه يقرض الشعر:

الذهب شعرك الطويل
العالم جسدك الأبيض
العشاق آثار أقدامك

نسيت كاتارينا فريدن لماذا هي هناك، كانت جزءًا من عالم الغابات العذراء. لم تعد تعرف ما التركيز من عدمه، ما العدم من عدمه، وما التعاسة من عدمها. كانت كريستينا سفينسون جزءًا من عالم الفرح الأبيض، عالم الدفء الأبيض. لم تعد تعرف غيرها من البشر، غيرها من الحقائق، وغيرها من الأحلام. كان بيتر أكرفيلدت جزءًا من عالم الطبيعة أمه، لم يعد يعرف شيئًا اسمه الاغتصاب، شيئًا اسمه الجحيم، وشيئًا اسمه العذاب الأبدي. وكان رالف لندغرن جزءًا من عالم الحقوق للجميع، لم يعد يعرف الضحية وما تعنيه، السفالة وما تعنيه، والديانة وما تعنيه. أوقفوا مركبي الجليد، وذابوا بأجسادهم في التلقائية. لم تعد كاتارينا فريدن تفكر فيما مضى من أيامها، كانت قد ولدت الآن. لم تكن تعرف أنها ولدت كبيرة، لكنها كانت تعرف أنها ولدت الآن. لم تعد كريستينا سفينسون تحس بثقلها، كانت خفيفة بخفة النديفة. لم تكن تحلق، لكنها كانت تحس بنفسها ترتفع في السماء. لم يعد بيتر أكرفيلدت يرى في كل امرأة أخته، كانت المرأة العاهرة كالمرأة الأخت امرأة كما يراها. كانت المرأة امرأة أولاً وقبل كل شيء، لكنه كان يريد أن يحبها، فقط أن يحبها. ولم يعد رالف لندغرن يبحث في الوهمي عما هو شائن، كان الوهم جميلاً، كان الوهم حقيقيًا. لم يكن ممن شان خُلْقًا، لكنه كان يتشيع لمن لا خلق له، والكل لا خلق له في عالم لا يعرف الرذيلة. كانوا يقفون على أعتاب العالم الجديد، لم يكن العالم الذي يعرفونه، ولم يكونوا هم أنفسهم. لم يكونوا حقيقة كل يوم، كانوا الحقيقة. الحقيقة البيضاء، المرصعة باللآلئ. كانت الحقيقة كما هي في الوهم، فلم يعد الوهم وهمًا، ولم تعد الحقيقة حقيقة، كانت الحقيقة كما هي في الوهم، كما هي في الحلم، كما هي في الكلمات، كما هي في ريشة غوغان، كما هي في إزميل رودان، كما هي في وتر موزارت. كانت الحقيقة الوهم، غير الموجودة، وفي الوقت نفسه كلها هناك، بين أصابعهم، وكل القصص الألفية كانت هناك بكل الأبطال، كل القصص، كل الأبطال، كل الكوزمولوجيا الشمالية.
نصبوا خيمة واحدة لهم جميعًا، وناموا عرايا في أحضان بعضهم. لم يكونوا العقل ولا الروح، كانوا الشهوة، لم يكونوا الشهوة المعذَّبة ولا الشهوة المعذِّبة، كانوا الشهوة، كانوا. فرشوا الشهوة، أو بالأحرى افترشوا أنفسهم، ودخلوا في لا عدم الانسجام. انسجموا مع أفكارهم في أفكارهم ومع عواطفهم في عواطفهم ومع علاقاتهم في علاقاتهم بالعالم. لا فضائل أخرى غير فضيلة الشهوة. اخترقوا عالم الكمال، ولم تعد النفس فضاء للصراع. وعندما أغمضوا أعينهم، وناموا، حلموا نفس الحلم. لم يحلموا الحلم نفسه دفعة واحدة. حُلْمُ كلِّ واحدٍ كان جزءًا منه، وكانت الأجزاء في مجموعها الحلم الذي حلموه. كانوا يحلمون بعقولهم، وكان حلمهم في مصراعه الأول عن شقِّ طريقٍ طويلٍ يصل ألف جزيرة من جزر السويد ببعضها. كان الفصل شتاء، وكان الجليد يجمّد الماء ما بينها، ولم يكن من الممكن شق الطريق الطويل بين الألف جزيرة. في المصراع الثاني من حلمهم، كان الفصل ربيعًا، وكان الجليد يذوب، ويترك كتلاً كبيرة منه ما بين الألف جزيرة، ولم يكن من الممكن شق الطريق الطويل. في المصراع الثالث من حلمهم كان الفصل صيفًا، وكان الجليد قد ذاب تمامًا، والماء كثيرًا بين الألف جزيرة، ولم يكن من الممكن شق الطريق الطويل. في المصراع الرابع من حلمهم كان الفصل خريفًا، وكان الجليد قد عاد إلى التشكل من جديد، وإلى التكتل كتلاً كبيرة ما بين الألف جزيرة... وظلوا يحلمون الحلم ذاته.
في الصباح، نهضوا على قرص الشمس الأسود، قرص كبير في فضاء دموي لامتناهٍ، يغطي كل الدائرة القطبية. وجدوا الكلاب كلها مقطعة، ملتهمة أو نصف ملتهمة، والغابات العذراء كلها مغتصبة، محترقة أو نصف محترقة. لم تكن نهاية العالم، كان العالم دون فضيلة، العالم على حقيقته، فلم يكن العالم غير هذا، والصورة الأخرى للعالم لم تكن سوى وهم. راحوا ينتقلون في الدم والنار، وهم عرايا، بحثًا عن شيء يغطون به عيوبهم، فأجسادهم كانت كلها عيوبًا. عادت إليهم عذاباتهم، فتذكروا أنهم كانوا هناك بحثًا عن إبر جليدية تزيل السرطان والبرودة الجنسية. تنافرت طباعهم، وبالتالي لم يكن بحثهم مجديًا، وظلوا هكذا دون أي رابط يربطهم بما هو حولهم. وصلهم وقع حوافر لخيول تعدو دون أن يروها، وهي تكاد تسحقهم، ولم تكن هناك خيول. سمعوا صهيل الخيول، وهي تبتعد في الأفق القصيّ. أحسوا بأجنحة لطيور تصفق فوق رؤوسهم، وهي تكاد تضربهم، ولم تكن هناك طيور. نعقت الطيور، وابتلعتها السماء دون أن تبين. تخيلوا ظلالاً لدببة قطبية تختلط بظلالهم، وهي تكاد تخنقهم، ولم تكن هناك دببة قطبية. أطلقت الدببة القطبية صراخ الهالكين، وذابت في النار ذوبان الفضة... وظلوا يعيشون الواقع ذاته.

* * *

في علبة الليل ساد ستوكهولم، وعلى التحديد في جناح الملاعين والمجانين من الطابق الثالث التحت الأرضي، كانت اللوحة المُرَوِّعة: كاتارينا فريدن ملقاة على الكنبة بصدر مبتور الثدي، الثدي بيد بيتر أكرفيلدت اليسرى، والسكين بيده اليمنى، والدم يرشقه من قمة الرأس حتى أخمص القدم. كريستينا سفينسون ملقاة على الأرض وكأس متشظية الحواف مغروسة بين فخذيها، بينما يجمد رالف لندغرن غير بعيد منها، والدم يرشقه من قمة الرأس حتى أخمص القدم. هوراس ألفريدسون، مسدسه بيده قرب رأسه المتفجر على الطاولة المستديرة، وكتاب ألبير مالرو "جوستين أو التعاسة المنسية" يغرق في الدم.

وكان يغرق في الدم العالم، فثدي جوستين المقطوع كان العالم، عجزه من عجزه، ولؤلؤه الأسود من لؤلؤه. كان السوط يلتف عليه عندما يلسع، ليتذوق طعم القومية، ويُطعم أبناءه تفوق الجنس الآري، وسفالة العَظَمَة. وكان السوط يعلو به إلى سماء الانحطاط، وعلى الأرض يلقيه في قمامة القيم. كانت كل القيم عجز ثدي جوستين المقطوع، واجتياح مدن اللوتس، اجتياح مدن النفوس، وإشعال الحرائق فيها. لم تعد للقيم قيمة على صدر الوجود المقطوع ثديه، لم تعد للوجود قيمة بعد أن فقد الوجود هوية الوجود، بعد أن عزفت الطيور عن الغناء في بولونيا، بعد أن انتقمت الأثداء من الأثداء بقطعها. إلى اليوم تُقطع الأثداء لتُرمى للكلاب الجائعة كما رُمي ثدي جوستين للكلاب الجائعة، فقط لأنه ثدي جوستين، المنتصب، المتحدي، الناقر بحلمته، والذي تفيض الأنهار عن حوافه كما تفيض الدموع. كان زمن البكاء قد جاء، وكان الشقاء لفاجعة النحل بالعسل. لم يكن السوط يضحك لأن الثدي يبكي، كان يبكي هو أيضًا على الطيور التي يذبحها. الطيور، الجراح، حنان الأفاعي. كان ثدي جوستين المقطوع يذرف الدموع عنا جميعًا، نحن القوادون الذين بعناه في سوق المضاجعة العالمي.

* * *

كان النهار رماديًا في ستوكهولم، وللعابرين سحنة المنحرف المِزاج. كانت الكآبة ثوبًا للمدينة، والصمت عنوانًا لأهلها. كان رالف لندغرن يتقدم بخطوات واسعة، وبيتر أكرفيلدت يتبع لاهثًا من ورائه.
- لا تسرع، صاح بيتر أكرفيلدت برالف لندغرن، تكاد أنفاسي تنقطع.
أخذ بيتر أكرفيلدت يحل ربطة عنقه، ويعتمد بيده على الجدران، وهو يظلع، للصعوبة التي تواجهه في اللحاق بزميله.
- لا تسرع، صاح بيتر أكرفيلدت برالف لندغرن من جديد.
صعد سلم القنطرة، وقدمه تزلق.
- لا تسرع، يا رالف لندغرن، صاح بيتر أكرفيلدت، وهو يجر خطواته الثقيلة على القنطرة.
نزل بيتر أكرفيلدت سلم القنطرة من الناحية الأخرى، وهو يكاد يقع، وعاد إلى السير بصعوبة في أحد الأزقة، اصطدم بالناس، وبالجدران، وانحنى على نفسه لاهثًا. لم يعد يستطيع النطق، وهو على وشك الاختناق. خلع ربطة عنقه، ورماها أرضًا، وبعد عدة خطوات بثقل الحديد، خلع سترته، ورماها أرضًا. ثم خلع حذاءه، فجواربه، فقميصه، فبنطاله، ورماها أرضًا. أخذ يهمهم دون صوت "لا تسرع"، وهناك رالف لندغرن لا يبالي به، يداوم على السير بسرعة. وقبل الصعود إلى قنطرة أخرى كانت الموسيقى، وكانت الأعلام، وكانت الأشرطة، وكان الناس يتفرجون تحت على سباق السفن الصغيرة المحركة عن بُعد، وكأن هذه الناحية من ستوكهولم لم تكن ستوكهولم. كانت رشاشات البخار الساخن قد أذابت الجليد لمسافة كبيرة تحت القنطرة، وكان العيد هناك، والموت هناك، وجدائل سِيف هناك التي صنعها الأقزام من الذهب ولها القوة على النمو كالشعر. وهو يغذ الخطى في منتصف القنطرة، سمع رالف لندغرن شيئًا يسقط في الماء، شيئًا يخبط بالماء، وبعض الصرخات، فالتفت، ولم ير بيتر أكرفيلدت. خُيل له أنه يسمع قهقهته، فخف يطل من فوق القنطرة، وهو ينقل على يده ملابس الصحفي الكبير الداخلية، ورأى دوامات لا تنتهي. بقى جامدًا في مكانه حتى تلاشت الدوامات، غاب عن نفسه والعالم، وبعد قليل، أعادته إلى نفسه والعالم ألحان فاغنر في غروب الآلهة.

* * *

وجد رالف لندغرن نفسه في غيتو وارسو، بين الناس القادمين من عدم الوجود الذاهبين إلى عدم الوجود، المعطوبين، المشوهين، المغتصبين، أنصاف الأحياء، أنصاف الأموات، المقامرين على أرواحهم، العابثين بأرواحهم، المعذبين، الهالكين، التعسين، الذين تركوا كل شيء من ورائهم، كل شيء، الذين تركوا كل شيء، الذين تركوا كل شيء من ورائهم، الذين حضورهم هناك لم يكن بالصدفة، ثم غدا كل حضورهم صدفة للزمن الضائع، نوعًا من العزف على الناي من أجل بكاء لا يجيء، وحزن لا يجيء، وتعاسة لا تجيء، فكل هذا جاء. ورالف لندغرن لم يكن حضوره هناك بالصدفة، كان رالف لندغرن هناك مذ كان غيتو وارسو، وكان لا يبحث عن شيء، ككل الذين كانوا في غيتو وارسو. انتهى لديه كل انتظار، البريد كل صباح، فواتير الكهرباء، إشعارات الضمان الاجتماعي. انتهى لديه انتظار الانتظار، الأرق في الليل، الدواء مدى الحياة، إلحاد ابنته حورية. تذكر أنه لم يبك بصدق مرة واحدة في حياته، فسالت على خده دمعة مسحها بعنف، دمعة الجلاد قال. لقد انتهى زمن البكاء، ولقد انتهى زمن الضحك. مات بيتر أكرفلدت ومات معه الضحك، ليس لأنه مات، ولكن لأن الضحك لم يكن هذا، كان الضحك شيئًا آخر، ولقد انتهى زمن الضحك. كان ذلك مؤذنًا بانتهاء كل الأزمان، زمن المضاجعة أولها، لهذا ماتت كاتارينا فريدن، وهي تضاجع، وكريستينا سفينسون، وهي تحلم بثدي مقطوع حار تدفنه بين فخذيها، وهوراس ألفريدسون، وهو يرضخ لنيتشه في الأخير. تغيير الموقف عند الرضوخ كتغيير الثعبان لجلده، دَيْن إنمائي لفوائد المعرفة، ليس كالممحون الذي كانه، ليس كالمماحين الذين كانوا يمتدحون روح المثابرة لديه، كانوا يدفعونه من حيث لا يدرون إلى ثبات الآراء، بمعنى تفاهة التفرد، وكانوا يصبغون يده بفن "اليساري"، ولا يوجد لاهوتي يساري، يوجد لاهوتي وفقط، كالثدي المدفون بين فخذين، مقطوع أم غيره يظل ثديًا. والموت مضاجعة في عصره غير الموت مضاجعة في عصر ساد، لكل عصر مضاجعوه، والمضاجعة كظاهرة تتبدل تبدل الظرف المرتهن بها تمامًا ككل كتابة، ككل شأن من شؤون الهوى والمعرفة وشتى الفنون. في أمريكا أمس، ارتهنت الظاهرات بظرف العنصرية، وبالتالي موسيقى الجاز كمجاز للحرية، واليوم الهاتف النقال كانتقال إلى حرية رقمية، حرية الديجيتال كمعادل لحرية اللا اختيار في غيتو وارسو، حرية اللا كتابة، حرية اللا حرية، حريات لا تؤثر في المجتمع كالروايات لا تؤثر فيه، لا تؤثر في شيء كقهقهات بيتر أكرفيلدت لا تؤثر في شيء، لأنها ترافق وفي الوقت نفسه لا توافق، تدلل وفي الوقت نفسه تبلبل، تتجاوز وفي الوقت نفسه تتراجع، لأنها ككل كلامٍ إبداعٌ شيزوفريني الطبع. لم يفهم أصحاب الكتب المقدسة هذا، فقالوا لم يأتِ مثلها، وغير مثلها الكثير. لكن أصحاب غير مثلها ذرفوا الدمع عليها، وقالوا اليوم ليس هناك مثلها. لِمَ كل هذا البكاء على الماضي وآثاره حاضرة أبدًا؟ أبطاله الملعونون الإنسانيون، إنسانيون لأنهم ملعونون، وملعونون لأنهم الإنسانية، آثار القحبة آثاره أبدًا حاضرة كالتراجيديات آثارًا. ساد أكثر معاصرة من أي وقت مضى، كأنبياء اليوم، ولأن ثدي جوستين المقطوع يبقى أبدًا كالأدب أبديًا، لا يجرفه الظرف كما تجرف الرمل الأمواج، لا يجرفه الوضع كما يجرف الموت الأصدقاء. الاشتراكية على الطريقة السويدية لهي الموت الجماعي للأصدقاء، الفلسفة على الطريقة السويدية لهى العصرنة القضيبية في ثياب ساد، اللاهوت على الطريقة السويدية لهو الطقس الجسدي في معابد علب الليل، لهذا يدعو الحديث عن دعم النضال الاشتراكي في السويد لأجل ثدي جوستين المقطوع إلى الضحك في زمن انتهى فيه الضحك. كان الثدي المقطوع لجوستين يضاجع من يشاء في ساد ستوكهولم بعد أن يمارس كل المستحيلات السادية، وبعد ذلك يذهب ليموت بين فخذين عدوتين، فهل هذا نضال أم تراجيديا الإنسان؟ يفهمه رامو عندما يقول أدافع عن قيم، أحقق أحلامًا، أسعى ليشرب الناس من البيرة أجودها. وما هذا الادعاء السويدي اللي ما عاد يمشي: الطريق الصحيح إلى مستقبل اشتراكي إنساني جميل! بالله عليكِ، يا أثداء جوستين الثلاثة، هل هناك من طريق أولاً، لا صحيح ولا غيره، هل هناك من طريق صحيح وكل الطرق خطأ؟ نعم، عن الطريق الخطأ نُبين ونبني المستقبل الإنساني الجميل، كما كان يقال في المواخير القديمة، اشتراكي أم غيره غير مهم، وليس بالضرورة أن يكون هذا المستقبل اشتراكيًا ليكون جميلاً. خرائيًا. وعلى عكس روسو وفولتير، أقول إن الفرد لا يعني الإنسان الاجتماعي، لماذا الاجتماعي، يا دين الرب؟ لماذا كل هذا الخراء، يا قحبة الخراء؟ دائمًا الكلمات الكبيرة التي تجعل منها كما هو الحال في الدين مقدسة! كما هو الحال في المضاجعة! الفرد إنسان وفقط، الإنسان في مفهومه المُكَنّى هو اجتماعي في ذاته وزماني في ذاته ومكاني في ذاته، وتحت هذه الإبعاد يصبح كونيًا، يصبح مثله في أي مكان، يصبح إنسانًا، يصبحه الإنسان في غيتو وارسو.
وبينا كان رالف لندغرن يحث الخطى في الجحيم، رأى جوستين بصدرها العاري، كانت تحمل ثديها المقطوع كطفل، وتروح وتجيء. كانت تقول كلماتٍ غير مفهومة، وهي تهدهد بين ذراعيها ثديها المقطوع كطفل، وتروح وتجيء. لم يعرف رالف لندغرن أنها جوستين، لكنه وقف ينظر إليها، ولم يفارقها بعينيه. كانت جوستين تحمل ثديها المقطوع كطفل، وتهدهده، وتروح وتجيء، تهدهده، وتروح وتجيء، تهدهده، وتروح وتجيء، تهدهده، وتروح وتجيء، ثم ما لبثت أن رفعته إلى أعلى، إلى أعلى ما يكون، كمن تريد أن يراه الله، وقذفته بكل قوتها، فسقط في غبار الجحيم، وراح في الصمت يصرخ، وفي العتمة يعدو. ضرب الموتى بقدمه موقظًا، فتحركوا قليلاً بين الخرائب، وعادوا يغفون. كانوا بلا معرفة أو حكمة، فأفكارهم خرائبهم، وأفعالهم خرائبهم، وهم فقدوا لَذة السؤال والإزعاج. كان عليهم أن ينهضوا، ليحاسبوا ويعاقبوا الأحياء. وحده لم يكن ثدي جوستين المقطوع قادرًا على فعل شيء، فها هو يعود إلى ضرب الموتى بقدمه ليقوموا، فيقوموا قليلاً، ويعودوا إلى النوم. كانت حاجته إلى الفكرة المتسلطة أكثر بكثير من حاجته إلى السلطة المطلقة. أن يكونَ الفكرة المتسلطة، وأن يجدَ الشخص الفارضها. في تلك اللحظة، وصل التراموي، وهو يطلق النفير، لكنه لم يستطع تفادي رالف لندغرن، فسحقه تحت عجلاته.

* * *

أوسكار كاستنفيلت، العضو في هيئة تحكيم جائزة نوبل للآداب، أخذ يشق طريقه في الممر الداخلي للتراموي بصعوبة، وهو يحمل كتابًا، بين ركاب تجمعوا كلهم خلف النوافذ من الناحية التي كان فيها جسد رالف لندغرن المنسحق، وغادر المركبة الكهربائية. مد رأسه بين الرؤوس الدائرة حول الجثة، وسمع اثنين يتحاوران.
- لا بد أنه أحد البحارة الذين ينتحرون كل يوم سأمًا من الإبحار، قال الأول.
- لماذا لم يفكر في شيء آخر؟ قال الثاني.
- هذه هي كل المسألة.
- لو كنت مكانه لفكرت في شيء آخر.
- في شيء آخر ماذا؟
- في شيء آخر.
- وهل يسعف التفكير أحدًا عزم على الانتحار في التفكير في شيء آخر؟
- على كل حال البحارة لا يفكرون في شيء آخر.
- لست بحارًا ومع ذلك أنا لا أفكر في شيء آخر.
- غير الانتحار؟
- غير كل شيء آخر.
- ككل السويديين.
- ككل السويديين.
- إنه قدرنا.
- ألا نفكر في شيء آخر؟
- ألا نفكر في شيء آخر.
ابتعد أوسكار كاستنفيلت، وهو يحاول التفكير في شيء آخر، وبعد ذلك، أوقف تاكسي.
- إلى الأكاديمية، من فضلك، قال أوسكار كاستنفيلت للسائق.
لم يبدر من السائق أي رد فعل، سار بزبونه من شارع إلى آخر، وفي المدينة يسود الصمت.

هذا ثديي
تعال تأخُذْهُ أيها المغفل الصغير
كلُّ أخلاِقيَّتِكَ سأضاجعها

هذا حِضني
تعال تأخُذْهُ أيها المغفل الصغير
كلُّ عقِليَّتِكَ سأضاجعها

هذا فرجي
تعال تأخُذْهُ أيها المغفل الصغير
كلُّ عبادَتِكَ سأضاجعها

هذا رِدفي
تعال تأخُذْهُ أيها المغفل الصغير
كلُّ مُحْتَرَمِيَّتِكَ سأضاجعها

هذا فخذي
تعال تأخُذْهُ أيها المغفل الصغير
كلُّ خرائيَّتِكَ سأضاجعها

اتفاقًا، ألقى السائق نظرة، عَبْرَ المرآة الارتدادية، على الكتاب الذي يقرأه أوسكار كاستنفيلت، "ساد ستوكهولم"، والتفت إليه.
- لقد قرأته، قال السائق.
فلم يعره أوسكار كاستنفيلت اهتمامًا، كان يحاول التفكير في شيء آخر.
- لقد قرأته، أعاد السائق، وهو ينظر إلى أوسكار كاستنفيلت عبر المرآة الارتدادية.
أغلق العضو في هيئة تحكيم جائزة نوبل للآداب الكتاب، وانتظر ما يريد السائق قوله.
- لقد قرأته، أعاد السائق للمرة الثالثة.
تلاقت عيناهما عبر المرآة الارتدادية، ففهم السائق ما لم يقله أوسكار كاستنفيلت: "طيب، لقد قرأته، وبعدين؟"
- إنه الأفضل من بين كل ما قرأت، رمى السائق، وهو يرسم ابتسامة خفيفة على شفتيه.
بقي أوسكار كاستنفيلت بعض الوقت، وهو لا يبدي اهتمامًا، وشيئاً فشيئاً بدأت الابتسامة تتسع على شفتيه، بينما راح السائق، من الحماس، يغذ السير على الطريق الطويل لأكاديمية المحظوظين.


الكتابة الرابعة
يوم الأحد الموافق 2014.04.13
باريس
















أعمال أفنان القاسم

المجموعات القصصية

1) الأعشاش المهدومة 1969
2) الذئاب والزيتون 1974
3) الاغتراب 1976
4) حلمحقيقي 1981
5) كتب وأسفار 1988
6) الخيول حزينة دومًا 1995

الأعمال الروائية

7) الكناري 1967
8) القمر الهاتك 1969
9) اسكندر الجفناوي 1970
10) العجوز 1971
11) النقيض 1972
12) الباشا 1973
13) الشوارع 1974
14) المسار 1975
15) العصافير لا تموت من الجليد 1978
16) مدام حرب 1979
17) تراجيديات 1987
18) موسى وجولييت 1990
19) أربعون يومًا بانتظار الرئيس 1991
20) لؤلؤة الاسكندرية 1993
21) شارع الغاردنز 1994
22) باريس 1994
23) مدام ميرابيل 1995
24) الحياة والمغامرات الغريبة لجون روبنسون 1995
25) أبو بكر الآشي 1996
26) ماري تذهب إلى حي بيلفيل 1999
27) بيروت تل أبيب 2000
28) بستان الشلالات 2001
29) فندق شارون 2003
30) عساكر 2003
31) وصول غودو 2010
32) الشيخ والحاسوب 2011
33) تراجيديا النعامة 2011
34) ستوكهولم 2012
35) شيطان طرابلس 2012
36) زرافة دمشق 2012
37) البحث عن أبولين دوفيل 2012
38) قصر رغدان 2012
39) الصلاة السادسة 2012
40) مدينة الشيطان 2012
41) هنا العالم 2012
42) هاملت 2014

الأعمال المسرحية النثرية

43) مأساة الثريا 1976
44) سقوط جوبتر 1977
45) ابنة روما 1978

الأعمال الشعرية

46) أنفاس (مجموعة قصائد أولى – ثلاثة أجزاء) 1966
47) العاصيات (مسرحية شعرية) 1967
48) المواطئ المحرمة (مسرحية شعرية) 1968
49) فلسطين الشر (مسرحية شعرية) 2001
50) الأخرق (مسرحية شعرية) 2002
51) غرافيتي (مجموعة قصائد فرنسية) 2009
52) غرب (ملحمة فرنسية) 2010
53) البرابرة (مجموعة قصائد أخيرة) 2008 – 2010

الدراسات

54) البنية الروائية لمصير الشعب الفلسطيني عند غسان كنفاني 1975
55) البطل السلبي في القصة العربية المعاصرة عبد الرحمن مجيد الربيعي نموذجًا (جزءان) 1983
56) موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح 1984
57) البنية الشعرية والبنية الملحمية عند محمود درويش 1984
58) بنيوية خاضعة لنصوص أدبية 1985 – 1995
59) دفاعًا عن الشعب الفلسطيني 2004
60) خطتي للسلام 2004
61) شعراء الانحطاط الجميل 2007 – 2008
62) نحو مؤتمر بال فلسطيني وحوارات مع أفنان القاسم 2009
63) حوارات بالقوة أو بالفعل 2007 – 2010
64) الله وليس القرآن 2008 - 2012
65) نافذة على الحدث 2008 - 2012



[email protected]




ادخل مستشفى مجانين جائزة نوبل!

خاطر كما يخاطر الرجال النوابغ!

عِش العدم!

ساد ستوكهولم رواية في رواية تنطلق من جانب مفقود في عمل ساد "جوستين أو تعاسات العفة"، ويقيم المؤلف عليه كل البنى الفكرية والإبداعية عبر مَلْوَن من الشخصيات الفريدة من نوعها، خمسة أعضاء في هيئة تحكيم جائزة نوبل للآداب، كلهم مصابون بالشيزوفرانيا – في هذا السياق هي بالأحرى طريقة في السلوك لدى العباقرة - وكلهم لا عَرَضِيّون (اللا عَرَضيّ هو غير المُتَكَشِّف عن أعراض يلحظها المريض بنفسه) يطرحون مسائل وجودية جوهرية، ويعبرون عن كيفيات مختلفة من أجل النظر إلى العالم، ليصلوا بالتالي إلى المصائر التراجيدية التي يصنعها البشر لأنفسهم، والتي ليس الجنس سببها، كما يرى ساد، ولكن دافعًا من دوافعها، فالأسباب كثيرة، وهي من التعقيد لدرجة أن "المجانين" وحدهم من يمكنهم عرضها، وغالبًا ما يكون عرضهم دراميًا. حتى ستوكهولم مدينة مجنونة، مدينة شيزوفرينية، ومن هنا يأتي كل سحرها.

وعلى عكس ما يدعوه أفنان القاسم "أدب الخل"، ليس ماءً ولا نبيذًا، نجده يُرضي رغباتنا برواية يتحابك فيها سحر الأسلوب، وسحر الموضوع، وسحر النبرة، وغريب المواقف، وعجيب الحالات، ويقين الاحتمالات، ليقول الإنساني بكل بأسه وكل بؤسه.







* أفنان القاسم من مواليد يافا 1944 عائلته من برقة قضاء نابلس له أكثر من ستين عملاً بين رواية ومجموعة قصصية ومسرحية ومجموعة شعرية ودراسة أدبية أو سياسية تم نشر معظمها في عواصم العالم العربي وتُرجم منها اثنان وثلاثون كتابًا إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والروسية والعبرية... دكتور دولة ودكتور حلقة ثالثة من جامعة السوربون ودكتور فخري من جامعة برلين، أستاذ متقاعد عمل سابقًا في جامعة السوربون ومعهد العلوم السياسية في باريس والمدرسة المركزية الفرنسية وجامعة مراكش وجامعة الزيتونة في عمان والجامعة الأردنية، تُدرّس بعض أعماله في إفريقيا السوداء وفي الكيبيك وفي إسبانيا وفي فرنسا...



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللعبة القذرة لأوباما ونتنياهو وهنية وعباس
- الشعب الفلسطيني لا يستحق العيش!
- ساد ستوكهولم القسم الحادي والعشرون والأخير الجائزة نسخة مزيد ...
- ساد ستوكهولم القسم العشرون التحكيم نسخة مزيدة ومنقحة
- ساد ستوكهولم القسم التاسع عشر ساد ستوكهولم (3) نسخة مزيدة وم ...
- ساد ستوكهولم القسم الثامن عشر ساد ستوكهولم (2) نسخة مزيدة وم ...
- ساد ستوكهولم القسم السابع عشر ساد ستوكهولم (1) نسخة مزيدة وم ...
- ساد ستوكهولم القسم السادس عشر رالف لندغرن (3) نسخة مزيدة ومن ...
- ساد ستوكهولم القسم الخامس عشر بيتر أكرفيلدت (3) نسخة مزيدة و ...
- ساد ستوكهولم القسم الرابع عشر هوراس ألفريدسون (3) نسخة مزيدة ...
- ساد ستوكهولم القسم الثالث عشر كريستينا سفينسون (3) نسخة مزيد ...
- ساد ستوكهولم القسم الثاني عشر كاتارينا فريدن (3) نسخة مزيدة ...
- ساد ستوكهولم القسم الحادي عشر رالف لندغرن (2) نسخة مزيدة ومن ...
- ساد ستوكهولم القسم العاشر بيتر أكرفيلدت (2) نسخة مزيدة ومنقح ...
- ساد ستوكهولم القسم التاسع هوراس ألفريدسون (2) نسخة مزيدة ومن ...
- ساد ستوكهولم القسم الثامن كريستينا سفينسون (2) نسخة مزيدة وم ...
- ساد ستوكهولم القسم السابع كاتارينا فريدن (2) نسخة مزيدة ومنق ...
- ساد ستوكهولم القسم السادس رالف لندغرن (1) نسخة مزيدة ومنقحة
- ساد ستوكهولم القسم الخامس بيتر أكرفيلدت (1) نسخة مزيدة ومنقح ...
- ساد ستوكهولم القسم الرابع هوراس ألفريدسون (1) نسخة مزيدة ومن ...


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - ساد ستوكهولم النص الكامل نسخة مزيدة ومنقحة