أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معقل زهور عدي - من ثقافة العنف الى ثقافة اللاعنف














المزيد.....

من ثقافة العنف الى ثقافة اللاعنف


معقل زهور عدي

الحوار المتمدن-العدد: 1257 - 2005 / 7 / 16 - 11:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الصراع بين الدول ثمة، في كلِّ حرب، انتصار وهزيمة. وتأتى الحرب "امتدادًا للسياسة بوسائل أخرى"، على حدِّ قول كلاوزفيتس. ويبرِّر المنتصرُ لشعبه ويلاتِ الحرب وفظاعاتِها بالانتصار وما يجلبُه من مكاسب. أما في الصراعات الاجتماعية، فالأمر مختلف: العنف هنا لا يأتي أبدًا امتدادًا للسياسة، بل قَطْعٌ لها وبديلٌ عنها. وبغضِّ النظر عن الطرف المنتصر، يبدو أن المجتمع، في كثير من الأحيان، هو الخاسر الأكبر.
والعنف موضوع هذا المقال ليس العنف الاضطراري الذي تدافع به الشعوبُ عن حقوقها ومصائرها، بل هو العنف داخل المجتمع الواحد وبين مكوِّناته البنيوية. إذ ليس العنف وقفًا على تيار فكرى أو سياسي محدد: فلدى التيارات الفكرية والسياسية كافة قابليةٌ للتحول إلى العنف حين يوجد مَن يستفيد من حالة الأزمة والكبت التي يمر بها المجتمع بين مرحلة وأخرى، فيقوم بإنهاء منطق الحوار والعقل وقطع الطريق عليه وتسويق العنف.
فالتيار الاشتراكي يمكن له أن ينخرط في العنف ويبرِّره بأن يضفي عليه صفة "العنف الثوري"؛ والتيار القومي يمكن له أن ينزلق إليه بإثارة التعصب القومي وتحويل مفهوم "الأمَّة" إلى هوية تناحرية؛ وكذلك التيارات الدينية يمكن أن تنزلق إلى العنف على منزلق التكفير وإثارة التعصب؛ وهناك تيارات أخرى تفتقر إلى الفكر، ولكنها لا تفتقر إلى القدرة على تعبئة الناس ودفعهم إلى العنف!
أول ضحية للعنف هو المنطق والعقل: فحين يزدهر العنف، تنمو أسوأ الدوافع الغريزية والأنانية على حساب التفكير السليم. ومع صعوده، يحمل العنف مخزوناتِ الانقسامات والتناقضات الموروثة كلَّها، وأكثر أشكال الوعي تخلفًا وشراسة. ولكي يتمكن العنف من البقاء، يعمل باستمرار على الحطِّ من إنسانية الإنسان: الحضارة والثقافة، الروح الدينية الحقيقية، التسامح والمحبة – كل تلك القيم العظيمة يجري تحطيمها على مذبح العنف؛ ومن أشلائها يستمد العنف غذاءه للاستمرار والتمدد.
على امتداد عدة عقود، دفعت المجتمعاتُ العربية ثمنًا باهظًا لدورات من العنف أثبتتْ عقمها وعبثيَّتها وانعدام وجود أيِّ منطق متماسك يسوِّغها. وحده كان الخيار في فتح باب العنف كافيًا لتدمير مالا يقدَّر بثمن من الأرواح والممتلكات والعودة إلى نقطة الصفر – أو ما تحتها!
إن وجود التناقضات الاجتماعية لا يبرِّر العنف، كما أن العنف ليس نتيجة بسيطة لوجودها؛ بل إن هنالك مصدرًا آخر للعنف هو ثقافة العنف. وسواء أتت هذه الثقافة محمولة على نظريات جاهزة (كالعنف الثوري ونظريات التكفير)، أو أتت عبر تدفق متفرق من أفكار ذات مصادر متعددة، كالتعصب القَبَلي والمذهبي والقومي أو البربرية المستعادة تاريخيًّا، فإن ثقافة العنف تلعب الدور الحاسم في قلب التناقضات الاجتماعية السِّلمية إلى تناقضات عنيفة، لا تتوقف حتى تدمِّر طاقة المجتمع وتُهلِك الحرث والنسل.
ليست هذه محض تأملات، ولكنها عِبرةُ تجارب مريرة مرَّتْ بها مجتمعاتُنا خلال العقود السابقة. وإن كانت المحنة الجزائرية آخر درس قاسٍ لنا جميعًا، فعسى أن تكون الأخيرة، وأن يستيقظ وعيٌ جديد لمرحلة جديدة – وعي يقوم بإنجاز قطيعة تامة مع ثقافة العنف، بعد تعريتها من جميع أقنعتها وتجلِّياتها، وإدانتها في وضوح ودون تردد، ومن بعدُ الانتقال إلى ثقافة اللاعنف.
ثقافة اللاعنف لا تعنى تجاهُل التناقضات الاجتماعية، سواء كانت بين فئات اجتماعية أو بين شرائح طبقية أو بين قوميات إلخ، ولكنها تعني اعتماد أسلوب سِلميٍّ في حلِّ جميع تلك التناقضات، مبني على اللاعنف، ومناهضة أية توجهات عنيفة داخل المجتمع.
والدولة هنا معنية بهذا التحول أيضًا. فداخل كلِّ دولة تتجمع بؤرٌ لا تحصى لثقافة العنف آتية من المجتمع ومتراكبة مع آليات السيطرة والقمع، حيث يتحول العنف إلى قوانين ومؤسَّسات ونزعات تنتظر الفرصة للانفلات من عقالها.
ثقافة اللاعنف لم تعد ترفًا فكريًّا، ولا دعوة برجوازية حالمة. لقد أصبحت ضرورة مصيرية، ومقدمة لإنهاء دورات العنف المغلقة المهلِكة، وفتح طريق التطور السِّلمي والتحول الديموقراطي. ولا يمكن لمثل هذه الثقافة أن تنتشر وتتوطد من دون بذل جهود مضنية في خلايا المجتمع الحية كلِّها لإقامتها على أنقاض ثقافة العنف، من البيت، إلى المدرسة، إلى الأحزاب السياسية والفعاليات الفكرية، إلى الدولة بجميع مؤسَّساتها.
إدانة ثقافة العنف، وتحريم اللجوء إليه داخل المجتمع، مهما كانت المبررات – تلك هي رسالة ثقافة اللاعنف. إذ لم تعد الأوطان تتحمل دورات جديدة من العنف لا تُحصَد منها غير الكوارث.



#معقل_زهور_عدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ضرورة تبلور خط اليسار داخل المعارضة السورية
- بالأمل والمحبة والتصميم - منتدى الأتاسي سيبقى
- جورج حاوي - الاستشهاد والشهادة
- المعارضة السورية والمسألة الكردية
- المعارضة السورية- التحديات والمخاطر
- الديمقراطية -الطائفية والديمقراطية الوطنية
- من واشنطن الى دمشق مع التحية
- ماذا تعني مناهضة العولمة؟
- المؤتمر القومي العربي رهان على الماضي أم المستقبل
- سورية مابعد لبنان والخروج من النفق
- العرب واميركا والعداوة العاقلة
- لبنان من الدولة الى الثورة
- قراءة لميزان القوى في لبنان مابعد الانسحاب السوري
- الثابت والمتحول في المعارضة اللبنانية
- وداعا للسلاح
- نحو مقاربة هادئة للوضع المتفجر في لبنان
- سيوم براون- وهم التحكم - القوة والسياسة الخارجية في القرن ال ...
- سيوم براون - ( وهم التحكم- القوة والسياسة الخارجية في القرن ...
- نحو برنامج سياسي مشترك للقوى الوطنية الديمقراطية في سورية ول ...
- العولمة وأفول الدولة القطرية


المزيد.....




- -الأسبوع القادم سيكون حاسمًا جدًا-.. أبرز ما قاله ترامب عن إ ...
- هل اغتيال خامنئي عامل حاسم لكي تربح إسرائيل الحرب؟
- لجنة الإسكان بالبرلمان توافق على زيادة الإيجار القديم بنسبة ...
- مصر تكرم أشهر أطبائها في التاريخ بإطلاق اسمه على محور وكوبري ...
- -تسنيم-: مقتل 7 أشخاص في قصف إسرائيلي استهدف سيارتين مدنيتين ...
- بوتين يلتقي رئيس إندونيسيا في محادثات رسمية غدا الخميس
- مصر تحذر: المنطقة ستبقى على حافة النار بسبب فلسطين ما لم تحل ...
- بقلوب مكلومة.. غزة تودّع أبناءها الذين قضوا في طوابير الجوع ...
- هل تستطيع إيران إغلاق مضيق هرمز وكيف سيؤثر ذلك على العالم؟
- في حال اغتيال خامنئي.. ما هي حظوظ ابنه مجتبى في خلافته؟


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - معقل زهور عدي - من ثقافة العنف الى ثقافة اللاعنف