أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طوني سماحة - مات القمر














المزيد.....

مات القمر


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4430 - 2014 / 4 / 21 - 07:49
المحور: الادب والفن
    


بالأمس احتجب القمر عن سماء بلادي.
سألت عنه، فقيل لي أنه حزم حقيبته و مضى. مضى مع الشباب الذين هاجروا... و لن يعود.
كان القمر يطل علينا، في بلادي، في ليال الصيف. يجلس تحت العريشة ليسرق أخبار الصبايا. كان ضوؤه يتوهج بريقا في عيون الفتيات السوداء، على شعرهن الأسمر، على خدودهن الحمراء و على حبات العنب الخضراء المتدلية عن العرائش. كان يرافق العشاق على درب العين ليلا. يهديهم باقات من نور، يذيب قصائدهم بضيائه الفضي، يهمس في آذانهم، ينير دربهم و يلعب معهم. كان يتنصت على ثرثرة العجائزفيسرق أخبارهن و ينثرها حكايات في بيوت القرية. كان يطل على النوافذ الخشبية ليرمق الاطفال النيام قبل ان تأتي غيمة و تخطفه كيما ينام هو أيضا على حريرها الابيض... مثل الاطفال.
احتجب القمر عن سماء بلادي عندما احترق وطني و هجره شبابه و بكت صباياه. لم نكن نعرف أن القمر يخاف صوت البارود مثل الاطفال. لم نكن نعرف أن النار تحرق وجهه و تشوّهه مثلما تشوّه وجوه الناس. كنا نظنه يسكن في السماء حيث نار سكان العصر الحجري لا تطاله.
احتجب القمر عن سماء بلادي، حين داس شبابها ضياءه و رموا قصائد الغزل و حملوا البنادق و رشقوه بأعيرتهم النارية. رشقوه و رقصوا فرحين مثل البرابرة. حزن القمر لانهم خدشوا وجهه و لطخوه بالدماء البريئة. حزن لما رأى أن الشباب في بلادي أدمنوا لعبة ا لموت و عشقوا البنادق و الرصاص. غاب لما صارت المدارس ثكنات حرب. خاف لما غطى البارود وجه السماء. صار يبكي و يرتعد خوفا مثل الاطفال الصغار. لم يعد القمر يستمتع على شرفات منازلنا بعدما هجرها أهلها. في آخر مرة ذهب فيها القمر الى العين بكى. بكى مثل الاطفال. فالعين كانت مقفرة و حزينة و مياهها جفت منذ هجرها العشاق.
يوم أطل القمر على شرفات منازلنا الخشبية كيما ينير أحلام أطفالها و يتمنى لهم نوما هنيئا، بكى. غطى وجهه بيديه و بكى. بكى مثل الاطفال. بكى لأنه رأى طفلا صغيرا ممددا على سرير اسود لا يستطيع الحراك. بكى لأن الأطفال ينسجون أحلامهم من ضوئه، فإن هم ماتوا ما عاد نفع ضوء القمر؟
غاب القمر عن سماء بلادي لان الاحلام هجرتها. يبدو أن بين القمر و الحلم و الطفولة علاقة سرية سحرية كنا نجهلها. يوم هجر الحلم بلادي و غاب الاطفال عن شوارعها، مات القمر و احترق الشجر و جف النهر و ذبل الورد.
هل من يعيد القمر الينا؟ هل من يقنع شباب بلادي برمي البنادق و استبدالها بقصائد الغزل؟هل من يرد الاحلام للعيون الصغيرة التي بكت؟ هل من يزرع الورد على شرفات منازلنا المدمرة؟ هل من ينقي مياه العين كيما تعود صالحة للشرب؟ هل من يرد الشباب الذين حزموا حقائبهم و مضوا مرغمين؟ هل من يرافق الصبايا على درب العين؟ هل من يزرع البسمة على شفاههن و الامل في قلوبهن؟ هل من يمسح دموع الحزن عن عيون الامهات؟هل من يمسح دموع الالم عن عيون الرجال؟... قيل لي أنه عندما يبكي رجل من بلادي تبكي معه الارض و السماء!... هل من يعيد الأعراس الى وطني؟ هل من يجترح المعجزات فيقيم بلادي من سبات الموت و يلبسها ثوب العرائس و يهديها للشمس؟
منذ مات وطني، هجر القمر سماءه، احتجبت الشمس و جفت الانهار. مات وطني فهل تراه يقوم؟ لست أدري! فأنا أعرف أن الاموات لا يقومون و أن الانسان لا يستطيع السير الى الوراء و لا الولوج في الماضي.
ليتني أكون مخطئا. ليت القمر يعود الى سماء بلادي. ليت بلادي تقوم من بين الاموات.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنقذوا الطفولة
- لارا و أحمد
- وزير تعتذر من طاه
- العنف التربوي و اساليب معالجته
- ورقة اللوتو
- زمن أبي اللهب
- سيّدي الرئيس/ جلالة الملك
- نساء عاريات أمام اللوفر
- رسالة الى تكفيري
- السيدة و الخادمة
- عذرا سيّدتي


المزيد.....




- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طوني سماحة - مات القمر