أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طوني سماحة - ورقة اللوتو















المزيد.....

ورقة اللوتو


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4404 - 2014 / 3 / 25 - 08:22
المحور: الادب والفن
    



هاجرت الى كندا في مطلع تسعينات القرن الماضي هربا من جنون الحرب الاهلية في لبنان و بحثا عن حياة كريمة. وجدت عملا في تدريس اللغة الفرنسية كأستاذ بديل، أي كان يتم استدعائي للعمل عندما يتغيب أحد المدرسين عن الدوام. كان عملي متقلبا و كان لا بد لي من الدراسة سنة كاملة في كلية التربية كيما أحصل على وظيفة ثابتة.
كنت آنذاك في مرحلة الخطوبة و كان علي تأجيل الزواج سنة كاملة أو ربما أكثر فيما لو اخترت الدراسة. و بعد صراع طويل بين القلب و العقل، وجدت أن لغة الحب تستهويني أكثر من مقاعد الكلية و جدرانها المغلقة، فدخلت القفص الذهبي فرحا غير آبه بسيبويه.
كانت التجارة تستهويني منذ الصغر، لكن الخوض في غمارها يتتطلب رأسمال لم أكن أمتلكه. كنت ذات يوم أقود سيارتي، فوقع نظري على مطعم للإيجار. اتصلت بصاحب المكان الذي أعلمني أن المطعم تم إغلاقه لعجز المستأجر السابق عن دفع الإيجار. و بالتالي كان يفضل هذا الأخير تأجير المكان لمن يرغب في شراء المعدات في الداخل مثل الأفران و البراد و العجانة. سألت عن سبب إفلاس المطعم فأجابني صاحب الملك أن المستأجر السابق كان مهملا و غير مهتم بنظافة المكان مما أدى الى هجر الزبائن له. ساومت صاحب الملك و ووقعت العقد و عزمت على النهوض بالمطعم.
كان أخي يمتلك مطعما و كنت أساعده أحيانا كثيرة مما أكسبني خبرة جيدة في إدارة المطاعم. افتتحنا المطعم و كانت زوجتي تديره فيما كنت أمارس التدريس خلال النهار و أستلم الادارة مساء. كان حلمي أن ينجح العمل في المطعم كيما أحصل على مدخول ثابت يؤمن لي الاستغناء عن التدريس. عملنا زوجتي و أنا بنشاط كبير كيما نعيد للمكان صيته الحسن، فجعلنا من المطعم مثالا للنظافة و كنا نستعمل في طهو الأطعمة أجود المكونات. لكن لسؤ الحظ كان التقدم بطيئا جدا نظرا لسؤ سمعة المطعم سابقا و لاشتداد المنافسة حتى أنا ابتدأنا نصاب بالاحباط. كنا نعمل طوال الشهر لتسديد فواتير المعطعم دون أن نجني منه ربحا مذكورا و كنا نؤمّن معيشتنا من دخلي المحدود في التدريس.
مضت الامور على هذه الحال مدة سنتين و نصف و مع ذلك لم أفقد الامل مع علمي السابق ان الامور لن تؤول كثيرا للأحسن. ذهبت ذات مرة للعمل في المطعم منذ الصباح إذ لم يتم يومها استدعائي للتدريس. دخل عليّ أحد الزبائن، اشترى قطعة من البيتزا و انصرف. دخلت أنا بعدها للعمل في المطبخ و بعد انتهائي من تحضير الطعام و التنظيف جلست لآخذ قسطا من الراحة فوقع نظري على محفظة قرب صندوق النقود أو ما يعرف بال"cash register" . فتحت المحفظة فوجدت فيها أوراقا نقدية كثيرة من فئة المائة دولارا. أدركت ان هذه المحفظة تعود لآخر زبون طرق بابي. انتظرت عودته فلم يعد. اتصلت بالشرطة لأبلغهم بالأمر، فطلبوا مني الاحتفاظ بها حتى آخر النهار إذ من المتوقع جدا أن يعود صاحبها كي يسأل عنها. مضت ساعات أربعة أو خمسة و إذ برجل يطرق بابي و يدخل ملهوفا. عرفته للحال. سألني الرجل إن كان قد نسي محفظته لديّ في الصباح. ناولته إياها و طلبت منه أن يعد النقود قبل الانصراف للتأكد من عدم فقدان أي منها. نظر إلي بدهشة. تلعثم و هو يقول لي أنه لا يصدق عينيه و أنه كان منذ زمن بعيد قد فقد ثقته بالناس. طلب مني أن أجهز له أكبر طبق من البيتزا لدي ثم قال لي أنه سوف يعود بعد عشر دقائق. ما كادت العشر دقائق تمضي حتى عاد إليّ حاملا ورقتين من اللوتو و قال لي " لا أعرف كيف أكافئك، لكني أتمنى أن تقبل مني هاتين الورقتين عربون امتنان مني." ثم دفع ثمن الطبق و غادر.
أصبت بالدهشة، فأنا لم أشتر أوراق اللوتو في حياتي إذ إني أؤمن أن حصولي على الثروة يجب أن يكون نتيجة العمل الجاد. كان العمل يومها بطيئا، فجلست أستعيد أحداث النهار. فجأة دخل عليّ صديقي ريتشارد ليزورني. أخبرته بما حصل معي. أجابني ريتشارد " أنت تصرفت بأمانة و لا بد أن الله سوف يكافئك". انصرف ريتشارد إثر انتهاء دوام العمل، لكن كلماته علقت في ذهني. عدت الى البيت و أخبرت زوجتي بأحداث النهار. قلت لها أن الله لا بد سوف يكافئنا و سوف نربح الجائزة الكبرى. أخبرتها أنني أخطط للتخلص من المطعم الفاشل و الانخراط في الدراسة الجامعية للحصول على الدكتورا في آداب اللغة الفرنسية. لكن لا بد لي قبل ذلك من السياحة للتعرف على دول أميركا الجنوبية و أوروبا الغربية و الشرقية. امتعضت زوجتي قليلا كوني فكرت في السياحة حول العالم دون أن يخطر على بالي زيارة أهلها في سورية. خلدنا الى النوم و كل منا يخطط لكيفية إنفاق هذه الثروة التي هبطت علينا من السماء.
بقي أسبوع للإعلان عن نتائج السحب. ابتدأت أخطط لمستقبل مشرق بعيدا عن العمل في المطاعم. أخذت زوجتي تعد العدة لزيارة أهلها. أصبحت ورقة اللوتو موضوع أحاديثنا. شاركنا الأهل و الأقرباء بأحلامنا. وعدناهم بجزء من الجائزة. ازداد تفكيرنا. قلّ نومنا. كان آنذاك قد ولد لنا ابنة. صرنا نخطط لمستقبلها و دراستها الجامعية. و في أقل من أسبوع، صارت جائزة اللوتو محور تفكيرنا و صار لدينا رؤيا واضحة للمستقبل.
دقت ساعة الصفر. حملت الورقة و ركضت بها الى الدكان الذي اشتراها منه الزبون. عرضتها على البائع. حمل البائع الورقة و صار يقارنها بمجموعة من الأرقام. مضت الدقائق و كأنها ساعات. نفذ صبري. "هيا، هيا أيها البائع، أعلن لي الخبر الحلو و لسوف أكرمك" . وضع البائع دفتره جانبا و فتح الحاسوب و أخذ يتأمل. ازددت قلقا. "أسرع أيها البائع، زفّ لي الخبر السار، ففي البيت زوجة تنتظر و ابنة يتعلق مستقبلها بهذه الورقة. لو أنت أيها البائع أعلنت لي الخبر السعيد، فأنا لن أفتح المطعم اليوم، بل سوف أحتفل. سوف أدعو الأقرباء و الأصدقاء و نفرح معا. سوف نأكل و نشرب و نضحك". طال الانتظار و رفع البائع نظارته عن عينيه و نظر إليّ. كانت لكنته الانكليزية تعيقه عن الكلام بطلاقة. "هيا أيها البائع، قل ما لديك حتى لو تلعثمت بالكلام." و أخيرا، ها هو البائع يفتح شفتيه و بكلمات غير مفهومة تماما يقول لي "آسف ورقتك خاسرة." أصبت بالخيبة. أأصدق ما سمعته أذناي؟ أتراه أساء النطق؟ أتراني أسأت الفهم؟ لا، لا يمكن أن تكون الورقة خاسرة. حملت الورقة و خرجت خائبا. وقفت أمام متجره للحظات. أتراني أستسلم لقدري و أفتح المطعم أم أعود للبيت؟ و فجأة رأيت قدميّ تقودانني الى المطعم.
أمضيت النهار في حال تشتت و ذهول و أنا بين مصدّق و مرتاب. اتصلت بزوجتي و أخبرتها بنتيجة السحب. لم تقل شيئا لكننا بدأنا نعود للواقع رويدا رويدا. عند المساء أخبرت شقيقتي بالأمر. قال لي صهري بلكنته المصرية "ما تشلشِ هم. عندنا في البناية ودِّ (ولد) فلتة، حا ينبشهالك من تحت الأرض" أعاد لي صهري بعض الأمل و لو مع بعض الشك. و ما الحياة لولا فسحة الأمل؟ من يدري؟ قد يكون البائع الاول أخطأ الهدف. قد يُقدَّرُ لي ثانية إكمال دراستي و السفر حول العالم... مضى يوم و آخر دون أن يتصل بي صهري. لم يطل بي لأدرك أن الورقة كانت خاسرة.
مضى على هذه الحادثة ما يزيد عن خمسة عشر عاما، و أنا ما زلت حتى اليوم لا أحمل شهادة الدكتورا كما أن الثروة لم تسقط عليّ من السماء. خمسة عشر عاما مضت، زارت خلالها زوجتي أهلها ثلاث مرات قبل أن يهاجروا هم أيضا الى كندا. خمسة عشر عاما و لم أستطع خلالها توفير المبلغ الكامل لتعليم ابنتي الجامعي. خمسة عشر عاما مضت دون أن أربح المليون، علما أني لم أشتر اللوتو إطلاقا في حياتي. لكنني أنظر الى الوراء، فأرى عائلتي الصغيرة و الكبيرة، أرى أصدقائي الذين منّ بهم الله علي، أرى أشخاصا مروا في حياتي حاضرا و ماضيا فأحببتهم و أحبوني. خمسة عشر عاما مضت اقتربت خلالها من ربي، مددت يدي إليه فوجدت يديه ممدودتين قبلا إلي. سرت معه، بحت له خلالها بما في داخلي فاسمتع لي بحنان و أمسك بيدي و سار بي في دروب الحياة الوعرة. شاهدته يطعم الجائع و يشفي المريض و يُقابَل بالرفض و الخيانة و في لحظاته الأخيرة على الأرض يقول "أغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون". معه تعلمت كيف اتصالح مع نفسي و مع الآخرين. خمسة عشر عاما مضت ازداد فيها ايماني رسوخا و حصلت فيها على طمأنينة و سكينة. فأدركت خلالها أني ربحت ما يزيد كثيرا عن المليون.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن أبي اللهب
- سيّدي الرئيس/ جلالة الملك
- نساء عاريات أمام اللوفر
- رسالة الى تكفيري
- السيدة و الخادمة
- عذرا سيّدتي


المزيد.....




- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طوني سماحة - ورقة اللوتو