أحمد القبانجي
الحوار المتمدن-العدد: 4423 - 2014 / 4 / 13 - 10:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قالوا وقلنا:........
يقول القرآن: ( قالت لهم رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والارض .. ) ابراهيم - 10.
أقول : هذا الكلام للرسل يعكس حقيقة ان الناس في ذلك الزمان كانوا بسطاء وسطحيين الى حد كبير, فحتى المشركين كانوا يؤمنون بالله من فكرة البعرة تدل على البعير, اي كان قانون العلية هو الحاكم على الذهنية العامة ومن ذلك مايتصل بخلق العالم والانسان, ولهذا كانت المسألة الاساسية التي يواجهها الانبياء ليست وجود الله بل نفي الشريك واثبات النبوة, اي اثبات انهم مرسلون من قبل الله الى الناس, ولكن بعد نمو العقل وانفتاح المسلمين على العلوم والفلسفات الاخرى وتعدد الفرق والمذاهب بدأت الحقائق الدينية بالاهتزاز وخالطها اللبس والغموض, فبدأ الفلاسفة المسلمون وعلماء الكلام باستخدام الادلة لاثبات القضايا الدينية ومنها قضية وجود الله, وكلما جاؤوا بأدلة اكثر ازداد الشك وقل اليقين بهذه المسألة حتى ان الكثير من الفقهاء حرموا المنطق والفلسفة والكلام لانها تثير الشكوك في اذهان الناس دون ان تعطي اجوبة حاسمة...
وفي هذه المسألة انقسم علماء الاسلام الى ثلاثة اقسام: فقهاء, فلاسفة وعلماء كلام, عرفاء, وتبعا لذلك هناك:(عقل بياني) و(عقل برهاني) و(عقل وجداني) -حسب تعبير عابد الجابري- :
1) الفقهاء, وقد سلكوا منهج النص(القرآن والسنة), فكل ماورد في النصوص هو حقائق حاسمة لا ينبغي الشك فيها, ومن يشك فيها فهو كافر زنديق ويتبع الاهواء والشهوات والى جهنم وبئس المصير.. ولكن بعد ثورة المعلومات في العصر الحديث ووجود الانترنيت والفضائيات والجامعات اصبح من الصعب بمكان القناعة بذلك الايمان الساذج والقائم على اساس التخويف من النار والطمع بالجنة حيث ازدحمت الاسئلة والشبهات في عقل الانسان المعاصر واختفت الحقيقة في زحمة التيارات الفكرية الكثيرة وصار الشك هو الاصل بدل الايمان الا عند المشايخ ومن يتبعهم من العوام الذين يخافون ان يواجهوا هذه الحقيقة..فلو بعث نبي في هذا العصر وقال: أفي الله شك؟ لقال غالبية الناس المتعلمين: نعم لدينا شك..
2)الفلاسفة وعلماء الكلام, وقد سلك هؤلاء منهج(العقل), ولكن بما ان القضايا الدينية, من قبيل الله وصفاته والآخرة والنبوة تتحدث عن امور غيبية وراء الزمان والمكان وخارج عن دائرة العقل كما اثبت كانت, لم يتوصل هؤلاء الى نتيجة حاسمة. والامر الآخر ان الله الذي يثبت وجوده بالعقل والبرهان لا علاقة له باخلاق الانسان كما كان المشركون يؤمنون بوجود خالق للكائنات, اي انه إله مفارق بينما الله الذي يحتاجه الانسان هو إله الاخلاق والقيم والمحبة وهذا مما لا يثبت بالعقل.. مضافا الى ان العقل يخضع غالبا للعواطف والمزاج والتربية والمحيط الاجتماعي في مثل هذه القضايا, ولهذا تجد عقل المسلم يدافع عن اله الاسلام وعقل المسيحي يدافع عن إله المسيحية وهكذا بالنسبة لعقل الشيعي والسني والبوذي وغير ذلك, اي ان العقل هنا لا يقف على الحياد كما في القضايا العلمية والرياضية..
3)العرفاء, وقد سلكوا منهج (الوجدان) في فهم الله والحقائق الدينية, ويتميز عن المنهجين السابقين بمايلي:
1- هذا المنهج يركز على الشعور والايمان القلبي لا على النص ولا العقل, وبذلك يجتمع مع الشك الذهني, فالايمان من مقولة العاطفة لا العقل ولا النص, فقد يشك بوجود الله في ذهنه ولكن قلبه يحدثه بان الله موجود, والايمان نابع من حاجة الانسان الروحية الى الله كمن يشعر بالعطش ويشك في وجود الماء فيتحرك للبحث عنه حتى يجده, وهكذا وجود الله لدى العرفاء فهو يبدأ من احساس قلبي بوجوده والحاجة اليه ثم يتحرك في طلبه (من طلبني وجدني),كما في مثال الطيور المهاجرة التي تطير مسافات بعيدة طلبا للمناطق الدافئة بدافع غريزي. وهذا يعني حسب الوجودية, ان الانسان صيرورة وفي حال التغير والتكامل دائما وتبعا لذلك يتكامل عقله ودينه وشخصيته لا انه وجود كامل فعلا..
2-ويترتب على ذلك ان الله في هذا المنهج يرتبط بتهذيب الانسان لنفسه وتطهير قلبه من شوائب الانانية والنفعية والرذائل الاخلاقية كيما يجد الله في قلبه ووجدانه ويكون ايمانه حقيقيا لا ذهنيا كما في المنهج العقلي ولا ايمانا تلقينيا كما في المنهج النصي.
3-ان هذا المنهج بامكانه ان يوحد الناس على اساس حب الخير والفضيلة والانسانية لانها من لوازم السلوك الى الله, بينما نرى ان النصوص هي سبب الفرقة والكراهية فيما بينهم, والعقل بدوره عاجز عن توحيد الاديان والمذاهب كما تقدم, وربما يبقى الناس على اديانهم ومذاهبهم ولكنها تبقى في الهامش ولا تلعب دورا رئيسيا في حياة الفرد وعلاقته مع الآخرين كما هو الحال في البلدان المتقدمة.
4-ان لغة الدين او الخطاب الالهي للانسان تختلف عن لغة الفلسفة والفقه ويجب ان تكون اللغة متناسبة مع الموضوع, فموضوع الفقة التكاليف الشرعية والعمل بما ورد في النصوص فتكون اللغة المستخدمة بيانية, اما في الفلسفة فلكونها تبحث في مسائل عقلية فان لغتها برهانية وليس كذلك لغة الخطاب الالهي, لان المطلوب هو الايمان القلبي وهو من جنس الاخلاق, اي انه يلامس العاطفة والروح الانسانية, ولذلك لزم ان تكون لغته وجدانية تخاطب وجدان الانسان لا عقله المحض البعيد عن العواطف..
5-عندما نقول بان الخطاب الالهي في قضايا الدين هو خطاب وجداني وعاطفي فهذا لا يعني الاستغناء عن العقل كما هو مذهب الصوفية والفقهاء, بل يتم الاستعانة بالعقل دائما لا في اثبات الحقائق بل في كشف الباطل في قضايا الدين فيما لو كانت متعارضة مع ثوابت العقل النظري والعقل العملي, فالعقل هنا بمنزلة مصابيح السيارة التي تكشف عثرات الطريق وعلامات المرور للسائق, والوجدان هو المحرك للسيارة, ولا يمكن الاستغناء عنهما في مواصلة السلوك الى الله والكمال المعنوي, مثلا عندما نقرأ في بعض النصوص ما يؤيد مقولة الجبر او الارهاب او ما يخالف العدالة وحقوق الانسان او مايثبت وجود جهنم والعذاب الابدي و.. هنا يتدخل العقل ويلغي هذه الافكار الخاطئة ويصحح المسار في خط الايمان والمعنوية, ويبقى للوجدان والعاطفة دور المحرك والا لتوقفت السيارة ولم ينفع العقل ولا النص, ولذلك نرى غالبية الفقهاء وعلماء الكلام هم ابعد مايكون عن الله والمعنوية, لانهم اكتفوا بالنصوص او العقل في قضايا الدين ولذلك لم يلامس الخطاب الالهي قلوبهم ووجدانهم..
واكتفي بهذا القدر واشكر لكم حسن المتابعة...
#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟