أحمد القبانجي
الحوار المتمدن-العدد: 4415 - 2014 / 4 / 5 - 09:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قالوا وقلنا:.....
قال النبي محمد:( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )-حديث متفق عليه.
اقول: ماورد في هذا الحديث النبوي يعكس مفهوم المسؤولية الحقوقية, وهي قيام الفرد بما يجب عليه تجاه الآخرين, وتختلف كليا عن المسؤولية الوجدانية والاخلاقية التي سنتحدث عنها لاحقا, وقد دأب الاسلاميون من كتاب ومفكرين على الاشادة بهذا الحديث في التأسيس لاصل المسؤولية في الاسلام واعتباره منجزا حضاريا للاسلام,مع اننا لا نجده امتيازا للاسلام على غيره من المدارس والمذاهب الفكرية, فهذا المعنى من المسؤولية كان موجودا منذ القديم وفي جميع المجتمعات البشرية ومنها العرب في الجاهلية, فكل رجل عندما يتزوج يدرك مسؤوليته تجاه اهله وابنائه, وهكذا الزوجة والعامل والحاكم وغيرهم,بل هي موجودة بنحو من الانحاء في الحيوانات ايضا. الامتياز الوحيد للدين انه يضع المسؤول تحت الرقابة الالهية فلا يقصر في اداء واجباته لانه سيحاسب غدا امام الله على ذلك, وهذه المسؤولية امام الله يمكن التخلص منها بسهولة اما بأن يمني الشخص نفسه بالتوبة والاستغفار فيما بعد, او بفتوى فقيه او بحيلة شرعية وماالى ذلك, فلو كانت هذه الرقابة الالهية كافية وتمثل صمام الامان من حالات الانحراف والمخالفة لدى المسؤولين كما يزعم الاسلاميون لما رأينا هذا الكم الهائل من مظاهر الفساد المالي والاداري لدى المسؤولين من اتباع الاحزاب الاسلامية..
وهذا يعني ان الاهم من ذلك المسؤولية الاخلاقية التي تعتبر من معالم انسانية الانسان وهي الاصل والاساس للمسؤولية الحقوقية, فما لم يشعر الانسان بالمسؤولية الاخلاقية في وجدانه لأمكنه التملص من اداء مسؤولياته الاخرى بذرائع شتى, ولبيان الفرق بين هذين النوعين من المسؤولية نستعرض مباني كل واحدة منهما :
مباني المسؤولية الحقوقية:
1) ان هذه المسؤولية تخضع لضوابط قانونية وشرعية تبين للمكلف واجباته تجاه من يرعاه.
2) انها محدودة في دائرة معينة, اي في حدود رعيته ولا تمتد الى غيرهم.
3) وجود حساب ومؤاخذة عند التقصير في هذه المسؤولية, والمحاسب هو الله يوم القيامة ( وقفوهم انهم مسؤولون).
4) انها تتوافق مع مقولة الجبر, بمعنى اننا حتى لو اعتقدنا بأن الانسان مجبر على افعاله- كما ذهب الغزالي والفخر الرازي والاشعري من علماء الاسلام,وغيرهم من الفلاسفة وعلماء النفس الغربيين- فان هذه المسؤولية تبقى منجزة وفاعلة وتندرج ضمن قوانين الجبر الالهي او الاجتماعي او الفلسفي, وليس كذلك المسؤولية الاخلاقية التي تقوم على اساس حرية الانسان كما سيأتي..
وبعبارة اخرى ان المسؤولية الحقوقية تستند الى الارادة لا الاختيار, وفرق كبير بين الارادة والاختيار,ففي مجال الارادة يجد المكلف نفسه امام طريق واحد يجب عليه سلوكه, وتقوم الشريعة برسم معالم واحكام هذا الطريق مثل سكة الحديد للقطار, اما الانتخاب فيعتمد على وجود طرق متعددة يقوم المكلف باختيار احدها للوصول الى الهدف, ومن هنا تكون مسؤوليته اشد .
الامر الآخر ان المسؤولية الدينية يمكن الالتفاف حولها واستخدام حيل شرعية للخلاص منها كما نرى هذه الظاهرة عند المسؤولين من الاحزاب الدينية وحتى عند مراجع الدين فلا يعلم اين تذهب المليارات من اموال الفقراء والمساكين المودعة عندهم, وليس كذلك في المسؤولية الوجدانية, لأن المسؤول هنا مكلف عن تربية نفسه تربية اخلاقية فلا يعقل معها ان يحتال على نفسه.
مباني المسؤولية الاخلاقية:
1)ان هذه المسؤولية لا تخضع لضوابط من خارجها بل هي شعور وجداني بحت.
2)انها غير محدودة بدائرة معينة من الرعية بل تشمل جميع افراد البشر, فالانسان مسؤول عنهم جميعا.
3)لا يوجد من يحاسب الانسان في هذه المسؤولية سوى وجدانه, ولا يوجد عقاب على التقصير فيها سوى الهبوط المعنوي عن مرتبة الانسانية.
4)ان هذه المسؤولية فردية وليست خاضعة لعقد اجتماعي مع الآخرين.
5)انها مترتبة على حرية الانسان ومقترنة معها, فلولا الحرية لما وجدت هذه المسؤولية.
ومن هنا نفهم السر في التدين وجاذبية الشريعة لدى المتدينين, فهؤلاء يخشون تحمل مثل هذه المسؤولية ويفرون من الحرية- كما يقول اريك فروم- باللجوء الى الشريعة التي تمنحهم الراحة والخلاص من القلق الذي يعيشه الانسان الحر في انتخابه لطرق الحياة وما يترتب على ذلك من مسؤولية ثقيلة, فالشريعة ترسم لهم معالم الطريق بكل تفاصيله, وما عليهم سوى سلوك هذا الطريق دون تحمل المسؤولية, لان المسؤولية امام الله يتحملها عنهم الفقهاء ومراجع الدين (ذبها براس عالم واطلع منها سالم), وهكذا يبيع المتدينون حريتهم- التي هي العلامة الوحيدة لانسانيتهم- ويتحولون الى قطيع للحصول على الراحة الموهومة جراء الخلاص من المسؤولية الاخلاقية ومحاسبة الوجدان.
ومن هذه النقطة بالذات يتبين الفارق الاساس بين المتدين والوجداني, فنرى المتدين يلقي بالمسؤولية عن مظاهر القصور والتقصير على هذا وذاك او على الحظ والقسمة او على القضاء والقدر او على العرف والمجتمع او على الحكومة او على الشريك والزوجة فيما لو حصل خلاف ونزاع ويرفض في جميع الحالات إلقاء مسؤولية الاخطاء على نفسه.. بينما الوجداني بعكس ذلك تماما حيث يتحمل مسؤولية كل قصور وتقصير يحدث في المجتمع حتى لو لم يكن قد صدر منه, اي يحمل تبعات الآخرين ايضا لانه يعتقد ان هذا العالم عالمه هو وان هذا المجتمع مجتمعه هو وانه هو المسؤول عن اصلاحه كما يرى رب البيت انه مسؤول عن بيته واسرته, ولهذا يعيش الوجداني في حزن وألم لمايجد من مظاهر الظلم والحرمان في مجتمعة ولا يجد السبيل لرفعها او التقليل منها بينما يعيش غيره في راحة مادامت اموره الشخصية على مايرام.. هذه هي ضريبة الحرية وتحمل المسؤولية الاخلاقية عندما يريد الانسان ان يكون انسانا..
يجب علينا قبل كل شئ إحياء حس المسؤولية الاخلاقية بين الناس كمقدمة ضرورية لأي عملية اصلاح اجتماعي وسياسي وذلك بأن يقول كل فرد منا عندما يرى اي نقص وخلل: انا المقصر, وبذلك يتسنى له اكتشاف ادواة الحل والعلاج, ولكن اذا القى باللائمة على هذا وذاك فأول شئ سيخسره انه لا يبحث عن علاج هذا النقص,بل في احيان كثيرة تنحل المشكلة بمجرد ان يعترف الانسان بخطئه ويقول:انا المقصر كما في حالات النزاع بين الزوجين بدلا من القاء اللوم على الطرف الآخر مما يثير فيه غريزة الدفاع والرد بالمثل ............ آسف على الاطالة وشكرا لكم.
#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟