أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد مهاجر - النزاع النفسى الداخلى وضرورة حله















المزيد.....

النزاع النفسى الداخلى وضرورة حله


محمد مهاجر

الحوار المتمدن-العدد: 4406 - 2014 / 3 / 27 - 13:56
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    




قد يمر بالانسان بتجربة ما, وتترك فيه اثراً قاسياً يؤدى الى ان يعيش فى نزاعات مستمرة فى دواخله. اسداء النصح من الاخرين قد يفيده فى تقييم التجربة, لكنه تقييم الاخرين لا يستطيع تقدير حجم المعاناة النفسية الحقيقية التى تكتنفه. واذا لم يقم بخطوات فعالة فان دواخله تظل تتأرجح مثل بندول الساعة, ويبدو كأن هنالك جانبين من عقله يحملان فكرتين متضادتين ويعيشان فى نزاع مستمر. ولان النتائج المترتبة على اهمال النزاع النفسى خطرة, فالواجب ان يأخذ الانسان نفسه زمام المبادرة قبل استفحال الامر. والابقاء على الافكار المتنازعة لفترة طويلة يهدر الطاقة ويورث السلبية ويفاقم العلل النفسية مثل القلق والخوف والوساوس, وقد يؤدى كذلك الى المرض. اضافة الى ذلك فان التكاليف المادية والاجتماعية عالية جداً. فالتعامل بسلبية مع النزاع النفسى الداخلى يفاقم المشاكل ويؤدى الى اضطرابات وعلل كثيرة. اما القيام بعمل ايجابى فمن شانه ان يؤدى الى تطور العقل ونمو الفكر. والحديث النفسى الداخلى بحد ذاته شئ يحدث لا ارادياً, وهو ليس فاسدا فى مجمله. والمفيد منه يزود الانسان بتجربة ثرة اذا وجه نحو الوجهة الصحيحة. فعوضا عن السلبية وندب الحظ واضاعة الوقت فى الندم على ما فات, يمكن للانسان ان يواجه نفسه ليستخلص الدروس من التجربة ويستفيد منها.

من سلبيات البيئة الاجتماعية غير الصحية هى انها تساهم فى زرع بذور لمشاكل نفسية واجتماعية عديدة مثل القمع والكبت والخوف. وقد يجد المرء نفسه مجبورا لتقبل سلوكيات زمرة فاسدة يرتبط بها, فيتأثر بممارساتها مثل الاجندة الخفية او حياكة الدسائس اوانتهاج اساليب التنافس غير الشريف. مثل هذه الممارسات تجعل الفرد يتعايش مع قيم متناقضة, وقد يضطر احيانا الى ان يقمع مشاعره الحقيقية, او ان يداهن حفاظا على امنه, لكنه حتماً سيعانى من نزاع نفسى داخلى. امر اخر يؤثر فى النزاع النفسى هو التربية التى يتلقاها الطفل داخل الاسرة والمدرسة. فاذا كان نهج التربية يعتمد على اعطاء الاوامر والقهر والقمع, فان النتيجة تكون مشاعر مكبوتة عند الطفل. والطفل يحاول ان يحمى نفسه, فلا احد يحب الاذى, والمناورة والمهادنة قد تجدى, لكن النتيجة هى عدم الانسجام النفسى واستمرار النزاع.

المعايير هى اعتقادات راسخة يليها المرء اهمية كبيرة, ويستدعيها تلقائياً عند تقييم عمل ما. وفى الوقت الذى يحمل فيه احدنا تقييمين مختلفين لنفس السلوك, تكون هنالك مشكلة. احد مظاهر هذه الحالة هو الشعور بالحسرة والندم. فالانسان من جانب يشعر بالذنب على شئ فعله, وهو يعانى لانه يعتقد انه قد اكتشف لاحقاً بانه قد قام بانتهاك احد قيمه, هذا من جانب, ومن جانب اخر هو يشعر بمتعة نتيجة لذلك الفعل ولا يستطيع التخلص من هذا الشعور. اى ان هنالك جانبا من العقل يحكم ان الفعل صحيح وجانب اخر يحكم بالعكس. وقد لا تكون المشكلة فى القيم نفسها ولكن فى الترتيب الهرمى لها. واذا كانت للانسان مبادئ راسخة فانه لن يعانى فى اختيار معاييره, ويستطيع بيسر ان يحسم صراع القيم.

العادات الراسخة والرغبات المكبوتة تكون مخزنة فى العقل الباطن, كذلك المعايير والاحكام القاطعة كالخير والشر والخطيئة والفضيلة والرفعة والوضاعة. وقد توجد هنالك فكرة ما راسخة فى اللاشعور لكن العقل الواعى يرفضها لاسباب تتعلق بالاسس المنطقية او طريقة التفكير. فنجد انسان يرفض موقف معين او فكرة محددة انطلاقا من نظرته للعالم, وهى نظرة ربما تكون مؤسسة على ان الناس اما خيرين خيرا مطلقا او اشرار شرا مطلقا. هذا الشخص قد يجد نفسه فى حيره كبيرة عندما يمر بشخص ما, هو شرير فى نظره, ويجده يقوم بعمل ينفع الناس. وهى حيرة قد تزيد وتدوم وقد تؤدى الى تبنيه موقفا سلبيا تجاه ذلك الشخص, وقد تسبب له كذلك صراعا نفسيا مريرا. واذا لم نجد الطريقة المثلى للتواصل مع العقل الباطن فان ما يرسخ فيه من احكام سيكون لها السيادة. والاجدى ان نخاطبه بلغة يفهمها, فهو يفهم البيان بالعمل ويفهم الصور والعواطف والمشاهد. اما قمع المشاعر فانه لا يجدى لانها تعود للنشاط من جديد وتصحى النزاع.

تقدير بعد وحجم المشكلة والايمان بضرورة حلها واعطاءها اولوية هى قناعات مهمة تدفعنا لوضع خطة واضحة للحل. واذا كان هنالك غموض فى التشخيص يمكن ان نبحث من جديد واحيانا الرابط الذهنى يساعد فى توضيح ما يعتمل فى الداخل. وقد يكون الرابط هو صوت معين او صورة او مناسبة معينة نقابل فيها شخص ما, وتذكرنا بموقف ما. والتفكر العميق فى التجربة يمكن ان يكون بتحليل مكوناتها مثل تحليل الانماط الحسية وخصائصها. كذلك يمكننا مقارنة الرغبات فى كل من الجانبين المتنازعين. وقد يجدى تكتيك المراوغة مثلا لخروج شخص ما من مأزق, وفى لحظة معينة يشعر هذا الشخص بتانيب الضمير. فعوضا عن ان يعيش فى نزاع نفسى, يعمد الى التفكر ودراسة التجربة وذلك بسبر اغوارها وكشف تفاصيلها. وتجويد التفكر والدراسة يؤدى الى زيادة الوضوح وكشف الالتباس. ومعرفة الدوافع والرغبات, او النوايا الحسنة, من وراء العمل المعين, تساعد فى دراسة التجربة وقيادة وتوجيه دفه الحوار الداخلى. وهو حوار داخلى يقوده الانسان فى حالة وعى كامل ويطرح فيه الاسئلة على كل من الجانبين المتنازعين فى داخله حتى يستجلى مواقفهما, وصولا الى الحل النهائى للصراع النفسى.

اذا كان الهدف واضح وهو حسم الصراع, فان طرق التنفيذ والخطوات لن تكون معضلة. ومع ذلك فنقطة الانطلاق قد تكون صعبة لان الانسان يكون مشتت الذهن, فيترك الحبل على القارب, ويتنقل من فكرة الى اخرى. فمن الافضل هجر كل شئ والعودة الى السكون الكامل. كمثال لذلك حال سائق السيارة عندما يكتشف ان هنالك امر غير عادى يكتنف حركتها, فاول ما يفعله هو التوقف عند اقرب مكان حتى يستطيع التحرى عن مواضع الخلل. وعند الشروع فى عملية حل الصراع النفسى يبدو للمرء ان التمسك بموقفين مختلفين امراً طبيعياً, ولا يقلق على مسألة تشتت الذهن على عدة قضايا . لكن الشخص المنضبط هو من يركز على مشكلة واحدة فقط ويقود الحوار فيها حتى يبلغ به خط النهاية. فى البدء يكون الهدف معرفة السلوك المعين او الموقف المعين المسبب للنزاع النفسى. والسلوك يمكن استيضاحه بمعرفة كيفية الحركة والكلام, وكذلك الدوافع الكامنة وراء الفعل. كذلك يمكن تبيان المشهد كله بصوره وزمانه ومكانه والسياق المحدد الذى وقعت فيه الاحداث. وقد يتفق كل من جانبى العقل على تفاصيل السلوك المعين, لكنهما يختلفان حول الدافع من وراء السلوك. وقد يرتكز كل جانب على معايير معينة كانت توجه عمله وتضبطه وتعطيه قيمة. وبطرح الاسئلة نستجلى التفاصيل وتتضح الصورة. وهذا الحوار يشبه الحوار بين شخصين او مجموعتين, ففيه يحدد كل طرف مواقفه ورغباته وكذلك المطالب والمواقف والشروط وغيرها. واذا طرح الوسطاء الاسئلة على كل من الطرفين حول منطلقاتهما ورغباتهما, بهدف تقريب الشقة بينهما, قد يتضح فى النهاية ان هنالك نقطة خلاف رئيسية واحدة فقط. وبلا شك ان كل طرف سيدعى بانه فعل مافعل وفق منطلقات ايجابية, حتى الانانى يقول بانه يحمل نية حسنة. وبتقريب وجهات النظر نستطيع ان ناتى بموقف وسط يزيل الخلاف ويكون فيه فائدة للطرفين.


قد تفشل محاولات عديدة فى حسم النزاع النفسى, لكن المداومة والاصرار وتطوير المهارات تساعد على التجويد, ووضوح الهدف يساعد على النجاح. ومثل ما يفعل الطبيب النفسى حيث يهتم بالبيئة السليمة والضوابط المعروفة, وكذلك بالتسجيل والتغذية المسترجعة, فان المرء عندما يجلس مع نفسه يفعل نفس الشئ. والمسالة تكون فعالة اذا اذا قام الانسان بحركات جسدية اثناء الحوار مثل تحريك الايدى او اجزاء اخرى من الجسم. والختام يكون باتفاق الطرفين عندما يتفقان حول الرغبات. والاختبار الشامل للتجربة يساعد فى التيقن من المصالحة التامة مع النفس. والاختبار قد يكون بالنظر الى القدوة الحسنة. والمداومة تساعد على تعزيز التجربة وتقويتها. والانسان المتصالح مع نفسه يشعر بالراحة والسعادة الروحية والحماس والرفاهية. وتنعكس التجربة كلها ايجابيا على تطور نوعى فى حياة الفرد.

الاستمرار فى مثل هذه التجارب مع الصبر والمثابرة يساهم فى تمليك الانسان عادة حسنة دائمة. والمسالة ليست سهلة, لكن النجاح فيها ممكن اذا اقترن بالتصميم القوى والمقدرة على التكيف مع الظروف المستجدة.

--



#محمد_مهاجر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيكولاتة
- السودان وربيع الديمقراطية المؤجل
- تعزيز الروابط واثره على العمل الجماعى
- الهدف وحجر العثرة
- حول التعدد الثقافى فى السودان


المزيد.....




- السعودية.. 28 شخصا بالعناية المركزة بعد تسمم غذائي والسلطات ...
- مصادر توضح لـCNN ما يبحثه الوفد المصري في إسرائيل بشأن وقف إ ...
- صحيفة: بلينكن يزور إسرائيل لمناقشة اتفاق الرهائن وهجوم رفح
- بخطوات بسيطة.. كيف تحسن صحة قلبك؟
- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - محمد مهاجر - النزاع النفسى الداخلى وضرورة حله