أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منير شحود - قطع لوصل ما انقطع














المزيد.....

قطع لوصل ما انقطع


منير شحود

الحوار المتمدن-العدد: 1250 - 2005 / 7 / 6 - 12:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتعدد الرؤى والإجابات عن التساؤلات التي تحاول توصيف سوريا الحالية واستشراف آفاق تطورها, ولكن ما هو شبه مؤكد أن الشرعية الثورية أو الانقلابية لم تعد مقبولة في عصر الديمقراطية والشفافية، وأن الظروف التي ساعدت على استمرار الوضع الراهن وبقائه حتى الآن قد صارت في خبر كان. وأصبح احتكار السياسة، ومفاهيم من نوع الحزب القائد والأب القائد من الذكريات التاريخية غير المستحبة.
وكان احتكار السياسة الأساس الذي بني عليه مفهوم تخوين الآخر، تمهيداً لحذفه من الحياة، أو سجنه، أو تهجيره. ولم تستطع الديكورات المؤسساتية التي تم بناؤها بعد عام 1970 أن تغير من الأمر الواقع في شيء، ولم تمضِ فترة وجيزة حتى تم الاستيلاء عليها وحجرها في إطار هيكليات الحزب الحاكم وتحت الرقابة الأمنية, فتحولت إلى جثث هامدة لا تتحرك إلا دفاعاً عن السلطة التي فبركتها؛ كالنقابات, ومجلس "الشعب", والجبهة "الوطنية التقدمية". كما أن فرض قوانين الطوارئ على امتداد سنواتٍ طويلة شوَّه مسيرة الحياة الطبيعية وأفقرها، وخاصة فيما يتعلق بنشر ووعي الثقافة القانونية والحقوقية, ووصلت سوريا إلى نهاية النفق المسدود.
وإن كل ما سبق لا يمكن أن يستمر في ظروف جديدة يتم فيها تحرير المجتمع من قوانين الطوارئ وسطوة الأجهزة الأمنية، وإجراء انتخابات، ودمقرطة المؤسسات وقوننة العمل فيها على أساسٍ دستوري صلد.
وكان انعكاس ذلك التنظيم السياسي السابق/الحالي على الاقتصاد كارثياً؛ فقد أفضى الاحتكار السياسي والهيمنة والمحسوبية إلى أن أصبح نهب المال العام هدفاً بحد ذاته ومحوراً يرتكز عليه العمل في القطاع العام الخاسر بمعظمه, ويخاف فيه العامل حتى المطالبة بأجره الزهيد أو مرتَّبه, وصار الفرد لا يجد من يحميه إلا في محاولة الغوص في انتماءات سابقة على الوطنية, كان السوريون قد قطعوا شوطاً طويلاً في تجاوزها.
وشيئاً فشيئاً انتشر الفساد في المجتمع بدءاً من المستويات العليا للسلطة، حيث كان النهب يتوزع تبعاً لمستوى المسؤولية المفترضة، أو بالأصح سلطة الكرسي، وقربها من مركز السلطة. ونتيجة لغياب القضاء العادل, كان على المستثمرين القلائل أن يتحالفوا مع مراكز القوى السلطوية, فنشأ من ذلك نوع من الاقتصاد نصف المافيوي، والذي أضيف إلى الاقتصاد المافيوي الذي عمل في كل أنواع التهريب وفرض الخوات, وأفرز قطاعات اقتصادية مشوهة من نمط اقتصاد الفساد, واقتصاد التشبيح. ودفع المنتجون الحقيقيون تبعات الفساد, فوصلت سوريا إلى مراتب متدنية في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. واستمرت في الآونة الأخيرة المحاولات المحمومة للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الثروة الوطنية وتحريكها والتحكم بها قبل فوات الأوان.
وانتشرت تبعات هذا النمط الجديد من المصالح الاقتصادية التحتية "كثقافة جديدة" يتم تسويقها في بنى المجتمع من أجل إحداث الانزياح القيمي الذي يخدم مصالح هذه الأوساط الاقتصادية, ويبرر شيوع الفساد والمحسوبية والتكسب المافيوي، وعملت هذه الشرائح وضيعةُ الثقافة على نشر "قيمها" في المجتمع, بسبب النفوذ الذي تحوز عليه في مفاصل السلطة السياسية والأمنية, وجيَّشت أسراباً من الكتبة الذين تخصصوا في الإنشاء المدرسي الهادف إلى حجب حقائق الواقع ووجهة سيره الحقيقية. وصار الظلم والغبن والاستغلال سماتٍ للحياة المعاشة في ظل غياب القوانين أو/وتكبيلها بقوانين الطوارئ.
وكان انعكاس ذلك كله على التعليم والقضاء مأساوياً بالفعل, ففشل القضاء في القيام بدوره المستقل كوسيط نزيه لحل النزاعات, بينما شكلت المناهج التعليمية التلقينية والمؤدجلة سداً أحال دون دخول الأجيال الجديدة إلى عالم المعرفة الحرة والمبادرة الإبداعية. وكان الفساد حاضراً للإيقاع بهذين المضمارين وتخريبهما.
إن القطع مع النظام الذي بدأ في عام 1963 أضحى ضرورة ماسة لا غنى عنها لسوريا, ولا بديل عن ذلك سوى الاستمرار في ولوج النفق المفضي إلى خراب ما تبقى من الهيكل المتداعي. ويعدُّ هذا القطع الخطوة الأولى في طريق بناء مؤسسات المجتمع المستقلة المتآلفة, والإنسان السوري الجديد, وذلك بعد مراجعة شاملة لما حصل, يقوم بها الجميع, من أجل ترسيخ قيم الديمقراطية والأخوة وحقوق الإنسان على أنقاض الخرائب الأيديولوجية المتهالكة.
سيقول بعض ممتهني التبرير والعلك أنني أدعو إلى حرق "المنجزات", لكن القطع ليس سوى إعادة وصل لصيرورة التاريخ الحقيقي للشعب السوري, فهو تغيير في المنحى يسمح بتوجيه الموارد لخدمة تطور المجتمع, بعد التخلص من تبعات سياسات الهيمنة في الداخل والخارج, وهو خلاص من عهد البروبوغاندا إلى عصر الشفافية والمصارحة والتئام الجراح التي شابت علاقات تكوينات المجتمع العرقية والدينية.
سيخرج الشعب السوري من محنته عاجلاً أم آجلاً، لكن الوقت الذي أضاعه الاستبداد على المستوى الوطني يصعب تعويضه في المدى المنظور.



#منير_شحود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤتمر البعث والفساد والحوار مع أمريكا
- ماذا بعد الانسحاب السوري من لبنان؟
- شيء من الحب
- تحقيق الذات الفردية بين الممكنات والمعيقات
- هل يتحقق إصلاح الفرصة الأخيرة في سوريا؟
- الثوري بن لادن يدفع عجلة التاريخ قدما!
- أيها اللبنانيون...لقد فعلتموها بنا!
- سوريا إلى أين؟
- الحريري الذي مات
- هنيئا للشعب العراقي خطوته الأولى باتجاه الحرية
- سوريا أصبحت بلا ديون, فهل نتفاءل؟
- قوى وفعاليات سورية تداعت!
- زراعة الياسمين في بلاد واق الواق
- القضاء السوري بين العدالة والمشاركة في الجريمة
- كيف تنقلب الأماني المفوَّتة إلى تخوين وإفلاس
- صديقي الصيني -هوُ ياو ووو
- سوريا الحنونة بين أخذ ورد
- حراس فساد جدد بنكهة ستالينية - مكارثية
- دور الفرد في التاريخ من خلال النموذج الناصري
- اقتراحات لعلاج الشعب السوري من الخوف الأمني


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منير شحود - قطع لوصل ما انقطع