أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منير شحود - اقتراحات لعلاج الشعب السوري من الخوف الأمني















المزيد.....

اقتراحات لعلاج الشعب السوري من الخوف الأمني


منير شحود

الحوار المتمدن-العدد: 1050 - 2004 / 12 / 17 - 10:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يمكن تعريف الأمن بأنه مجموعة الإجراءات التي تتخذها المؤسسات الأمنية بهدف حماية مصالح المواطنين ومنع التعديات والتجاوزات التي يقوم بها أفراد أو مجموعات ضد الآخرين. وفي الدول الحديثة والديمقراطية تكون تلك الإجراءات مغطاة قانونيا, بحيث يمكن تلمُّس الحد الفاصل بين الانضواء تحت سقف القانون والخروج عليه.
والنتيجة المفترضة لتطبيق الإجراءات الأمنية تتمثل بحالة الشعور بالأمان؛ وهو إحساس الفرد أو الجماعات بالحماية والرعاية والتضامن في المجتمع, ما يوفر الشروط الملائمة للقيام بالأعمال والأنشطة المختلفة, سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. ويؤدي الخلل الحاصل في تطبيق هذه الإجراءات إلى الإحساس بالخوف المرتبط بغريزة البقاء, وبالتالي زوال الشعور بالأمان والطمأنينة, والحذر الدائم الذي ينعكس كبحا للطاقات والفعاليات, وخاصة الاجتماعية منها.
لا يمكن لأحد أن يزايد بخصوص الخوف المزمن عند الشعب السوري من المخابرات أو الأمن بعامة, وفقدت كلمة الأمن دلالتها الفكرية والمعنوية منذ عقود, ومثلها كلمة رفيق. ويخاف المواطن السوري عند سماعه كلمة الأمن, عوضا عن الشعور بالأمان, ولا داعي لتذكيركم بالأسباب! وأدى ذلك, وفي إطار البحث عن الأمان المفقود, إلى تعزيز الانكفاء الغريزي إلى الانتماءات ما قبل الوطنية, كالطائفية والعشائرية والعائلية..الخ, كمحاولة للاحتماء فيها وبها. وهكذا تشكلت حالة خاصة يمكن أن نطلق عليها تعبير "الخوف الأمني", والذي كاد أن يصبح رُهاباً.
صحيح أن مستوى العنف الأهلي في سوريا قد انخفض بدرجة معقولة, فجرائم القتل ليست بهذه الكثرة, كما السرقات؛ فاللصوص كلهم يتوبون, استنادا إلى مقابلات السيد علاء الدين الأيوبي "التربوية" معهم في برنامج "الشرطة في خدمة الشعب"!... ولكن الثمن الذي يدفعه كل منا لقاء المحافظة على حياته وأمنه البيولوجي هو البقاء تحت سقف المسموحات التي يتم تحديدها من قبل الأجهزة الأمنية, في تعارض مع المفهوم الدستوري للحقوق والواجبات, والتنعم بالبقاء على قيد الحياة في نطاق الحجر المفروض عليه, والحدود المرسومة له. وعندما يفكر أحد بتجاوز احتياجاته الغرائزية إلى مقامات أسمى, ثقافية وسياسية, ...الخ, يجد نفسه في مواجهة الكثير من الخطوط الحمر المتحركة, تقدما وانحسارا, دون ضابط.
وهكذا, يدفع الفرد في المجتمعات المتقدمة والديمقراطية الضرائب ليتحقق له الأمن عبر مؤسسات أقيمت لهذا الهدف, بينما على الفرد في بلادنا أن يدفع الضرائب لحماية نفسه, دون أن يشعر بالأمان, فكأنه يعيش ليخاف, ولا يعيش ليأمن؛ فالخوف, كما الرقيب, موجود داخل كل منا, وخاصة عندما يريد أن يتفرَّد ويفكر في ما "لا يعنيه", فقد نسخنا نسختنا الخاصة الداخلية من الرقيب الخارجي, وصار الخوف عضو من أعضائنا.
تريد الأجهزة الأمنية أن تقول لنا بأنها لم تعد مخيفة, فلماذا نخاف منها؟ وكأن مشكلتنا ستحل بمجرد التلفظ بالكلام المعسول, على أهميته. إن الحديث عن التغيير الحاصل في سلوك الأجهزة الأمنية يمكن أن يعيق الخطوات الجدية المعتبرة لإعادة الأمور إلى نصابها, وإعادة هيكلة هذه الأجهزة وتحديد مهامها بدقة. وهكذا, عندما تتعامل الأجهزة الأمنية مع كاتب أو مثقف بطريقة مهذبة فهذا لا يكفي لزوال الخوف, ولكنه مدعاة للتساؤل والانتظار, وفرصة للحوار والمقارنة بما كان يحدث في السابق.
وحتى تصبح الأجهزة الأمنية مهابة ومحترمة, وليست مخيفة, لا بد من زوال الأسباب التي جعلتها كذلك, وهو طريق طويل, ولكن بدايته يجب أن تشكل انعطافة حقيقية, بحيث يشعر الجميع بأن ثمة طريق وثمة بداية... ولكن ذلك لم يحصل حتى الآن, ومازال الأمر في نطاق إجراءات محدودة ومترددة وشكلانية, ولا أحد يمكن أن يتنبأ بما ستؤول إليه, أو ما هي الظروف التي تتحكم بها. فإلغاء حالة الطوارئ واستقلال القضاء ونزع هيمنة الحزب أو الأجهزة الأمنية, واعتماد قيم المواطنة الحقة, والمساواة تحت سقف القانون, هي الفيصل ونقطة البدء, وليس الكلام المهذب, أو المشروبات, ما كان منها باردا أو ساخن, والتي يمكن تناولها في أي كافتيريا, ودفع ثمنها, دون تحمل أية تبعات!.
فكيف يمكننا معالجة الخوف؟ لو كان الأمر يتعلق بفرد خائف, فإن المعالجة ممكنة سريريا, سواء بالتحليل النفسي, حيث يترك المريض ليتحدث بإسهاب حتى يخرج كل ما في نفسه, بينما يستمع إليه المحلل ويستخلص من حديثه السبب الكامن. كما يمكن معالجة الخوف بطريقة إزالة تثبُّت المنعكس الشرطي الذي أدى إلى الخوف, فيتم البحث عن سبب الخوف والعمل على أن يقتنع المريض بنفسه (دون إقناعه!) بأن الأمر لا يستدعي الخوف, وذلك بمواجهته مع العامل المخيف بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وهنا نشير إلى أن هذه الطريقة قد استخدمت من قبل الأجهزة الأمنية تجاه الكتاب والمثقفين في الآونة الأخيرة, ولو لم تكن مقصودة. والنتيجة كانت تلطيف النبرة المعارضة لبعضهم, في حين ذهب البعض الآخر لحد الحديث عن تغيير شامل في عمل هذه الأجهزة, وهو أمر سابق لأوانه برأينا. ومع ذلك, وإذا أخذنا الجانب "العلاجي" غير المقصود, أي رؤية عنصر الأمن بصورة تختلف عن تلك المرسومة في الذهن, نرى أنه قد فعل فعله في الحد من الخوف, وصار البعض يعبر عن رأيه بحذر أقل عند تناوله مسائل تتعلق بالشأن العام.
ويمكن تطبيق الطريقتين العلاجيتين السابقتين على المستوى الجماعي؛ فالحديث عن المسبب يساعد في التخلص من الخوف بالنسبة للطريقة الأولى, وكذلك مواجهة المسبب في الطريقة الثانية. وكما بالنسبة للحالات الفردية, يتطلب العلاج زمنا معقولا, لا يمكن اختصاره, ويتعلق بشدة المؤثر ومدته. وعمليا, وبعد التحول الهيكلي والنوعي المفترض في عمل الأجهزة الأمنية, يمكن أن تبدأ خطوات لبناء أجيال جديدة متصالحة مع أجهزة الأمن, والتي ستتحول إلى مؤسسات, فتنظم رحلات مدرسية إليها للتعرف على الجهود التي تقوم بها لحماية المواطنين. وسيختار التلاميذ في المدارس مهنة أمنية إلى جانب مهنة الطبيب والمهندس... وغيرها في التعبير عن طموحاتهم. هذا النوع من "السياحة الأمنية" يصبح مقبولا, بخلاف الرحلات المكوكية الحالية للكتاب والمثقفين لاستجوابهم بطريقة لبقة!.
إن أثر الكلمة الطيبة كبير جدا, وخاصة عندما تكون غير منتظرة ولا متوقعة, وقد جرَّبت ذلك بنفسي عند استدعائي في العام الماضي إلى أحد الفروع الأمنية. وكنت أتوقع أسوأ ما يمكن, فقدَّمت بعض النصائح لزوجتي, وحوَّلت إلى حسابها القليل الذي أمتلكه, واعتذرت من ابنتي التي ولدت بعد أيام من الاستدعاء!.
كان الضابط مهذبا ولبقا, وفاجأني ذلك بالفعل بعد الضجة التي أثيرت حولي في الجامعة, لأنني عبرت عن رأيي بوضوح, متظاهرا بأنني غير خائف!. وما زلت أشعر بالتقصير مع هذا الضابط, فيما يتعلق بأصول اللباقة والأتكيت, لأنني لم أبادر للاتصال به, وقد فعل ذلك عدة مرات. وباعتبار أن الأمر بيننا ليس شخصيا على الإطلاق, فقد "استجبت" لهذه المعاملة بأن أوضحت رأيي في مقال بعد هذا الاستدعاء بعنوان "مأسسة الأمن أم أمننة مؤسسات الدولة؟", اقترحت فيه بعض الأفكار المتعلقة بالعلاقة بين مؤسسات الدولة, والحدود التي يجب على هذه الأجهزة أن تقف عندها, وقوننة عملها وممارساتها. ولا يمكن مقارنة ذلك بما حدث معي في استدعاءات سابقة, والذي لا أريد الحديث عنها الآن!.
نحتاج في سوريا إلى سياسة واضحة المعالم على الصعيد الداخلي, أساسها اعتماد معايير النزاهة بدل موالاة السلطة, ومحاربة الفساد وتكافؤ الفرص واحترام المواطن وتحرير طاقاته, فتكون أساسا للعلاقة مع الخارج, والتصالح معه (أليست السياسة الخارجية امتدادا للسياسة الداخلية؟). وسيثبت الشعب السوري بعدها كم هو قادر على النهوض من جديد, والشفاء من عُصاباته ومخاوفه, وإثبات نفسه بين الشعوب. وليست بوادر النشاط الفكري والإبداعي التي شهدتها سوريا عندما هبت بعض نسائم الحرية إلا دليلا على حيوية هذا الشعب وقدراته الكامنة, ولا يمكن مقارنة ذلك بالإمكانيات الضخمة المختزنة في الكتلة الاجتماعية المبعدة أو المؤطَّرة قسريا. فهل يفكر المعنيُّون بجدية, أم يسخرون من نوايانا الطيبة؟!.



#منير_شحود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فوبيا المسيرات الجماهيرية
- نسمة من نسائم الحرية
- مظاهرة أم مسيرة...والله أعلم!
- السلطة والمعارضة والوحدة الوطنية ووحدة الشيوعيين
- ثقافة الكبت والعنف
- الموالاة والكفاءة والفساد
- هل ستنمو براعم الليبرالية في سوريا؟
- إيزو في الديمقراطية للبنان وسوريا
- العداء في السياسة, والعداء كسياسة
- تفاؤل استراتيجي وتشاؤم تكتيكي
- لا تتحقق السيادة إلا في ظل الديمقراطية
- انطباعات أستاذ زائر عن حلب وجامعتها
- تفكيه السياسة السورية وتنكيهها
- طلب انتساب
- التديُّن العُصابي والتديُّن الراقي
- عن الأستاذ الجامعي مرة أخرى
- قومجة وأمركة ومقاومة
- كيف ينصر بعض السوريين -عراقييهم-؟!
- -الرجل المريض- عربيا
- قدر العراق أن يكون الأنموذج, فهل يكونه؟


المزيد.....




- مشتبه به في إطلاق نار يهرب من موقع الحادث.. ونظام جديد ساهم ...
- الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟
- بشار الأسد يستقبل وزير خارجية البحرين لبحث تحضيرات القمة الع ...
- ماكرون يدعو إلى إنشاء دفاع أوروبي موثوق يشمل النووي الفرنسي ...
- بعد 7 أشهر من الحرب على غزة.. عباس من الرياض: من حق إسرائيل ...
- المطبخ المركزي العالمي يعلن استئناف عملياته في غزة بعد نحو ش ...
- أوكرانيا تحذر من تدهور الجبهة وروسيا تحذر من المساس بأصولها ...
- ضباط وجنود من لواء المظليين الإسرائيلي يرفضون أوامر الاستعدا ...
- مصر.. الداخلية تكشف ملابسات مقطع فيديو أثار غضبا كبيرا في ال ...
- مصر.. الداخلية تكشف حقيقة فيديو -الطفل يوسف العائد من الموت- ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منير شحود - اقتراحات لعلاج الشعب السوري من الخوف الأمني