طالب الجليلي
(Talib Al Jalely)
الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 19:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اوراق على وصيف الذاكرة .. انتفاضة آذار 1991 ..19
لم نستطع النوم في تلك الليلة .. قلنا انها (ليلة عاشوراء) ..
كنا تحتضن بعضنا بخوف ورعب ويأس .. يتصاعد صراخ أطفالي مع كل صوت انفجار قنبلة ثم يتلاشى ف خضم الفوضى وتطاير شضايا زجاج النوافذ واهتزاز جدران المنزل .. مرت ليلة مرعبة في ظل ظلام مخيف كان يلف البيت .. كنا قد اطفأنا الفوانيس واخرجنا المدافئ الى الحديقة تحسبا وخوفا من الحريق حيث يتوالى انقلاب الاشياء مرادفا لاهتزاز الارض ..!! حين اطل الفجر كان الصمت يلف باحة الدار تقطعه بين الحين والآخر اصوات انفجار القنابل والصواريخ...!!! للمرة الاولى بخلو انبثاق الفجر من زقزقة العصافير التي كانت تبشر بانبثاق فجر جديد ... قررت ان أظل في البيت مفضلا البقاء مع عائلتي !! هدأ القصف !! قلت : لقد دخلوا المدينة !! سوف اجد الدبابات في كل شارع وزقاق ... لا ادري لماذا خطر في بالي ( دوبجك)!! .. واحتلال السوفيت لجيكوسلافاكيا !! ضحكت وانا اعلق على نفسي واسخر منها !! ( عرب وين !! قنبوره وين !!) هكذا قلت في داخلي وانا اتذكر صديقي الذي وصف تلك الحادثة .. قال حين نمنا كان كل شيء هادئا في براع !! في الصباح كانت دبابات الجيش الاحمر تملأ الشوارع !! حتى شرطي المرور كان سوفيتيا !!... في التاسعة صباحا سمعت دقا عنيفا على الباب الخارجي .. لقد دخلوا المدينة .. وها هم يفتشون البيوت !! حين فتحت الباب ، وجدت شابا يلف راسه بكوفية وقد طالت لحيته ويغطي صدره صف الرصاص والكلاشنكوف معلقة بكتفه! كان يدخن بشراهة وبهدوء .. السلام عليكم .. مولانا اخوتك المجاهدون يرجونك ان تأتيهم الى المستشفى .. أردف قائلا : المستشفى تغص بالجرحى من اهل المدينة !! .. إذن لا زالوا موجودين ولم يدخل الجيش بعد .. غيرت ملابسي وانا اودع زوجتي واطفالي الذين تعلقوا بيدي. .. تخلصت منهم بصعوبة وانا اتوقع كل الاحتمالات ان رفضت .. لا ادعي الوطنية ولا الشجاعة ولم يجبرني الشاب ولم يهددني !! لكن التصرف في ذلك الوقت لا يتحمل الاجتهادات !! لو كنت اعلم انها دعوة للالتحاق بالمستشفى وغي تلك الساعة لاخفيت نفسي !! هذه هي الحقيقة !! لمت نفسي كثيرا على تفكيري ذاك حين فاجئنا د ماجد العبد في بعد تلك الظهيرة .. كنا قد اتخذنا من مطعم المستشفى تحت الارض مخبئا نتقي به القصف الذي كان يستهدف المستشفى .. وكان الجيش على وشك اقتحام المستشفى واذا به ينزل الدرج ويدخل علينا قادما من بيته!! مالذي جاء بك يا مجنون في ظل هذاالموت المجاني؟! أجاب ببرود وكأنه رجل الي مسير : هكذا .. لقد جئت !! وعائلتك اين عائلتك ؟! قال: لقد حاولت الفرار بهم خارج المدينة لكن الجيش كان قادما أيضاً من البصرة والقتال قائم بينهم وبين المقاتلين .. عدت وتركتهم في البيت وجئتكم ... ماجد كان هادئا على غير عادته وكئيبا .. كئيبا جدا ...!!
يتبع
#طالب_الجليلي (هاشتاغ)
Talib_Al_Jalely#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟