اوراق على رصيف الذاكرة ..انتفاضة اذار 1991..16

طالب الجليلي
(Talib Al Jalely)

الحوار المتمدن-العدد: 4395 - 2014 / 3 / 16 - 01:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

اوراق على رصيف الذاكرة ..انتفاضة اذار 1991.. 16

كانوا شبابا متنوعي الاتجاهات الفكرية يجمعهم هدف واحد هو ان يخدموا ويديموا روح التمرد على واقع اجتمع فيه الشعور بالذل والهزيمة مقرونا بآثار الدمار النفسي والانسحاق على مدى عشرين عاما ونيف.. !! 
في اليوم الثالث من الانتفاضة أخذت تنحى منحى اخر جعلت الكثير ممن اندفعوا في البداية الى ان يتوقفوا ثم يتوارون عن المشهد !! حتى نحن الذين تفاعلنا مع الحدث بدأنا نعيد النظر ونبدأ نحتسب لما سوف تفرزه الايام القادمة ..!!
نزل من سيارة قيادة يتقدمونه ويحيطون به مجموعة من المسلحين وهم يمسكون برشاشاتهم في حالة تأهب .. أخذ يجوب ممرات المستشفى وردهاته بشكل استعراضي  بدون ان يمر على غرفة الادارة .. كان يستفسر عن حاجات المستشفى وحالة ( المجاهدين الجرحى) كما وصفهم .. كان يذكر اسم الشيخ احمد العبادي بين كل جملة وجملة وكان وجهه كما اعتدنا عليه يخلو من اي تعبير كوجه لاعب البوكر !! زميل لنا عودنا على تغير عقربه بصورة دائمة ..ادعى الشيوعية في زمن الجبهة ثم قدم قائمة بأسماء من يعرفهم من أصدقائه الشيوعيين الى دائرة الأمن ..! ثم وكيلا علنيا للمخابرات والأمن .. يتفنن في الادعاء بأنه يملك أرشيفا بالصورة والصوت عن كل من يختلف معه ويهدده بارساله الى خشبة الاعدام .. فنان في اصطياد الفتيات وزير نساء .. هاهو يركب فرسا تبحث عن فارس !!  .. بعد ان اقتحم الجيش المدينة .. عاد برفقة عناصر الاستخبارات ليقتنص من لم يقتنصه العسكر من المشاركين او المؤيدين للانتفاضة ..المجاهد الدكتور ...
قسمنا الخفارات .. د ابتسام ود نزار ود قاسم للجراحة ... د ماجد ود ضياء وأنا للكسور . د عدنان و د ميثم للباطنية ود عقيل للعيون ود علي للحنجرة .. واطباء التخدير ترأسهم الدكتورة الغيورة زوجة د ابتسام .. كان المدير العام د سالم قد سكن النستشفى ولم يغادرها ساعة واحدة .. كسب احترام الجميع من خلال أدائه .. بدأ الهمس بان قادة الانتفاضة ينوون تغييره وفق متطلبات المرحلة!!! كان بعض المنتسبين الذين تصدروا الواقع الجديد متحمسين لتلك الفكرة وبدأوا يعرضون الادارة على هذا وذاك وكأن الامور اصبحت طوع أيديهم ،مدعين الحرص والجهادية!! 
قرأ (كتاب التقارير) الوضع العام وانحسار التفاؤل في نجاح لانتفاضة .. صارت عيونهم تحاول رصد تصرفات المنتسبين والوافدين والجرحى ..بل عمد البعض منهم على وضع إشارات مخفية على ملفات الجرحى من مقاتلي الانتفاضة !! 
في ظل ذلك الاهتزاز وصل بعض المقاتلين العراقيين من ايران وبدأوا يتوافدون على المستشفى ..  هكذا تعودنا .. امس واليوم وربما غدا.. ما ان يسقط النظام او حتى حين يهتز ، تجد ان المستشفيات تصبح قبلة للمسؤولين ، يحجون اليها !! لماذا ؟! ربما يكون المستشفى هو المؤسسة الوحيدة التي تظل شغالة !! ومنتسبوها يأبون ان يتركونها .. هنا تبدأ استعراضات أولي الأمر ويكون المستشفى ساحة العرضات !!..احد الزوار كان يتكلم باللهجة اللبنانية ..ثم جاء اخر وكان برفقته عدد من الحراس الشخصيين .. التقى بالمدير العام وقد اكد ان الانتفاضة لا ولن تنتقم من البعثيين على أساس انتمائهم ثم أضاف قائلا وهو يمتدح إدارة المدير للمستشفى : مع انك بعثي لكنك ( شيخ المجاهدين) !! وسوف تظل هذه التسمية تطارد المدير العام وتلاحقه بعد عودة السلطة كلما اختلف معه الحزب في موضوع معين وكذلك دائرة الأمن التي حاولت يوما ان تطيح به .. بل ظل الرفيق خ غ يستدعى الى مكتب أمانة السر وجهاز المخابرات لاكثر من مرة وهم يستفهمون عن فحوى تلك التسمية ..!!
كانت تصلنا اخبار متفرقة ومشوشة عما يجري .. نفذ الوقود وسكتت مولدات المستشفى .. ذهب المدير العام الى جامع النجارين مستنجدا بالشيخ احمد العبادي لكي يواصل المستشفى اداء عمله .. سارع الشيخ بتلبية الطلب ووصلت شاحنة الوقود مباشرة .. جاء احد المجاهدين يستفسر عن توفر المواد الغذائية وخزين المستشفى .. فتش المطبخ ثم أوعز للطباخين بأن يطبخوا للجرحى الراقدين تمن وقيمه .. أكد على هذه الوجبة واشترط ان تكون ( تمن وقيمه ) ...مع كل الارتباك والفوضى ، كان المجاهدون يلبون طلباتنا واقتراحاتنا ... لم يحدث اي اعتداء على اي منتسب ..بل أخذ مرافقي الجرحى يلقون بأسلحتهم حسب طلبنا في مدخل الطوارئ.. 
ادخل بعض الجرحى من القيادات البعثية وأجريت لهم الإسعافات والعمليات الجراحية بدون تدخل من شباب الانتفاضة وبدون تعرضهم لأي اعتداء او مضايقة .. حاولنا ان نغير اسم احدهم وكان عضو فرقة جلب من المجر بل عمدت على إخفاء وجهه بالضمادات ! خوفا وتحسبا وانطلاقا من شرف المهنة بان لا يعتدى على جريح مهما يكن !! اخبرني احد المجاهدين موضحا بأنهم يعرفون جيدا هوية ذلك الرفيق وهم من أتوا به من المجر بالإسعاف وسمحوا لعائلة رفيق اخر عضو شعبة وعضو المجلس الوطني ( البرلمان) بان يأتوا به ويجروا له عملية جراحية والان يرقد في العناية المركزة وقد وضعنا له حماية...!!
لم اكن اعلم !! .. كنت قد بت في البيت في تلك الليلة .. خ ع  عضو شعبة ومن الطبقة المسحوقة وله موقف لن أنساه .. حماني يوما من الأمن !! وصاحب مواقف كثيرة معي ومع آخرين غيري .. رجل ظل وفيا لجذره الفلاحي وثوابت الريف الأصيلة وظل فقيرا سلوكا ومعيشة .. ان طلبت منه ملابسه يخلعها ويهبك إياها .. كان صاحب نكتة وبديهية ولم يتنكر يوما لتاريخه الموغل في الفقر!! اهتزت مشاعر الصلابة عندي وبكيت حين وجدته راقدا في العناية المركزة وقد بتر ذراعه الأيمن !! لقد كان صديقي مع كل الخلاف الفكري بيننا .. كان وفيا وها أنا أمامه وجها لوجه في أحلك الظروف ..! تذكرت بيت شعر يقول: هم بيه وكت الضيج يلجنت اهم بيك ...!! حل وكت الحساب اليوم يلكلت اوفيك ...!!
ما أكثر المحن في ربوعك يا وطن..!
 

يتبع

#طالب_الجليلي (هاشتاغ)       Talib_Al_Jalely#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات