علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)
الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 02:47
المحور:
الادب والفن
لتحديد اية ظاهرة اسلوبية في نص ما ، لابد للناقد من الانطلاق من زاوية نظر محددة ، اذ ان اتجاهات الدرس الاسلوبي متنوعة الى الحد الذي لا يمكن النظر فيها مجتمعة اللهم الا لغرض الاحصاء الاسلوبي . ومن هذا الفهم يمكن للدارس الاسلوبي اختيار وجهة محددة لدراسة الظاهرة المراد بيان اسلوبيتها المميزة.
وقد يكون النص المدروس ذاته هو ما يوحي للناقد بوجهة الدراسة الاسلوبية , فمن جهة قد يكون النص بأسلوبه يفصح عن مكونات شخصية منشئه , وبذلك يمكن ان تفهم مقولة بوفون بأن الاسلوب هو الرحل نفسه , فالأسلوب في هذه الحالة اختيار من بين مجموعة ممكنات , وهو كذلك ميزة لعقلية المبدع او المرسل , فهو بالتالي انعكاس لواقع نفسي واقتصادي واجتماعي لهذا المبدع , ولنا في دراسات (شارلز بالي) مثلا حيا على هذا النوع من الدرس الاسلوبي .
وقد يكون الطرف المقابل لعملية التواصل هو المعني والمقصود بالدرس الاسلوبي ، وبذلك يتوجه التركيز على التأثير العاطفي والوجداني الذي يتركه الاسلوب على شخصية المتلقي ، وما يحدثه من اثر تعليمي او امتناعي او تهجمي فيه ، وقد كان ريفاتير مهتما بهذا النوع من الدراسات الاسلوبية , وقد توسع في بيان العلاقة بين الاسلوب والقارئ او المتلقي .
وهناك من يتجه الى النص ذاته لإستخراج الثيمات الانعكاسية في النص التي تمثل وقائع اجتماعية او سياسية , فالأسلوب في هذه الحالة يقوم على مبدأ التضمن الذي يدل على ان للاسلوب وظيفة انعكاسية , وقد تطور هذا النوع من الدراسة الاسلوبية الى الخوض في المجالات التداولية التي تلح في استخراج السمات الاسلوبية المتمثلة من الوحدات اللغوية , وهذا النوع من الدراسات الاسلوبية قد يتقاطع مع التوجه الاسلوبي الذي يعزل النص عن المرسل والمتلقي ليتعامل معه بوصفه شيئا مستقلا .
ويبدو ان التركيز الاسلوبي على عزل النص ادى الى الالتفات الى دراسة الانزياح اللغوي ليكون هذا النوع حقلا اسلوبيا قائما بذاته يؤكد في اكثر مفاصله على التقابل بين اللغة المألوفة واللغة المبتكرة وقياس مدى المسافة بينهما من خلال معرفة الخروق المجازية والاستعارية التي يعتمدها المبدع . وفضلا على دراسة الانزياح فقد تطور الاهتمام الاسلوبي بذاتية النص الى الدراسة الاحصائية الكمية للعناصر اللغوية المميزة ودراسة العلاقات بين تلك العناصر , وهذا النوع من الدراسات الاسلوبية وثيق الصلة بدراسة الانزياح اذ ان الاحصاء يصب في النهاية في دراسة الانزياحات وقياسها.
وبما ان الاسلوبية بصورة عامة انبثقت من خيمة الدرس اللساني فإن وشائج القرب بينها وبين اخوتها من حقول الدرس اللساني واضحة جلية ، فقد يكون من الصعب تصنيف عدد من الدراسات ، او تبويبها ضمن الاسلوبية او الحقول اللسانية الآخرى مثل : السيميائية والبنيوية ، وبذلك يمكن ان تعد الدراسات شومسكي ضمن اتجاهات الدرس الاسلوبي لا سيما وان الرجل اكد على مبدأ : ان الاسلوب اختيار يقوم به المؤلف لتوليد صياغات لغوية , وغير خاف ما لهذا المبدأ من علاقة وثيقة بما نص عليه سوسير من ان الاختيار الاسلوبي يقع ضمن الكلام , ولا يمكن ان يقع ضمن اللغة وذلك في ثنائية اللغة والكلام ، الا ان شومسكي استبدل هذه الثنائية بثنائية البنية العميقة ، والبنية السطحية ، والاختيار عنده ضمن البنية السطحية , وذلك بأن تدل التحولات النحوية على تنوعات اسلوبية ... اما تزاوج الاسلوبية مع السيمائية فيمكن ان نجد صداه واضحا في دراسات (بليث) فلطالما اكد بليث على تداولية الصور البلاغية وقياس درجة انزياحها لمعرفة مدلولاتها الجديدة على مستوى التراكيب او الدلالة او على مستوى المسافة بين المنشىء والمتلقي .
ومع تطور الدراسات الاسلوبية وتشعباتها اصبح من العسير القول بأن الاسلوبية تمثل منهجا بحثيا واحدا ، فدراسات بالي تشعبت عند آخرين مثل : كريسو وماروزو وجيرو واولمان حتى شكلت ملامح منهج اسلوبي قائم بذاته اطلق عليه : المنهج الاسلوبي الوصفي , وتوسع الدرس فيها ليؤكد على تغيير وجهة الدراسة من التاريخية الى التزامنية او الوصفية لاستخراج الدلالات الاجتماعية او الذهنية والتاريخية الكامنة في اللغة ، وبذلك اولت اهتمامها الى الصياغات اللغوية وعلاقتها بالجانب العاطفي والفكري التي تشي به الكلمات ، وبذلك فإن تركيز هذا الاتجاه كما تمثل عند جيرو وألمان انصب تطبيقيا على دراسة الاصوات اللغوية لما تنطوي عليه من امكانيات تعبيرية هائلة في التنغيم والايقاع والكثافة والتكرار وطرق الاداء الصوتي ، فضلا عن ذلك فقد أولى هذا الاتجاه الاهتمام بدراسة الوحدات الصرفية وما تتضمنه من دلالات فكرية وعاطفية مثل التصغير والتحقير والسخرية والهزل والتهكم ، وهناك من اهتم بالأساليب النحوية وتراكيب الجمل ومنهم من اهتم بالدلالات واثارها العاطفية .
اما الاسلوبية التي تهتم بدراسة علاقة الاسلوب بالمنشئ فردا كان ام جماعة فقد تطورت الى منهج قائم بذاته تعددت تسمياته من اسلوبية الكاتب الى الاسلوبية الفردية او الادبية او النقدية او منهج الدائرة الفيلولوجية وقد ازدهر هذا المنهج في دراسات الناقد الامريكي النمساوي الاصل سبيتزر التي انصبت كلها في توضيح الغايات والنواحي النفسية والاجتماعية والتاريخية التي تدفع بمنشىء النص ان يصوغ نصه بالطريقة التي يراها مناسبة .
ونظرا لتشعب مفصليات الدراسة الاسلوبية وتعددها بتعدد مستويات النص اللغوي فلا بد للدرس الاسلوبي إن اريد له ان يكون ناجحا من ان يقتصر على دراسة مستوى واحد من مستويات النص الادبي لان الخوض في اكثر من مستوى ربما يفقد الدراسة تركيزها وجدواها ، وللناقد او للدارس الخيار في ملاحقة السمة الاسلوبية البارزة ... ولتعميم الفائدة لابد ان نذكر في هذا الموضوع مستويات التحليل الاسلوبي كما وردت في كتاب الدكتور يوسف ابو العدوس بتصرف قليل .
اولاً : المستوى الصوتي ، ويركز على دراسة : الوقف والوزن والنبر والقطع والتنغيم والقافية .
ثانيا : المستوى التركيبي ، ويركز على دراسة الجملة ؛ طولها و قصرها , والفعل والفاعل , والاضافة , والتقديم والتأخير , والتعريف والتنكير . والمبتدأ والخبر , والصفة والموصوف , والصلة , والعدد , والتذكير والتأنيث , والروابط , والزمن , والصيغ الفعلية , والبنية العميقة والبنية السطحية , والبناء للمعلوم والبناء للمجهول .
ثالثا : المستوى الدلالي : ويركز على دراسة الكلمات المفاتيح , والكلمة والسياق , والمصاجات اللغوية , والصيغ الاستفهامية , وعلامات التأنيث والتذكير, والجمع والتعريف .
رابعا : المستوى البلاغي : ويركز على دراسة الانشاء الطلبي وغير الطلبي : (الاستفهام ، الامر ، النهي ، النداء ، القسم ، الدعاء ، التعجب ، النهي) , وما تخرج اليه من معان فضلا على دراسة الاستعارة والمجاز وفنون البديع .
وقد تشترك البنيوية مع الاسلوبية في دراسة هذه المستويات لكن الفارق بين الدراستين يتمثل في : ان الدراسة الاسلوبية لهذه المستويات تهدف الى الوصول الى سمات الاسلوبية التي تميز النص المدروس , اما الدراسة البنيوية لهذه المستويات فأنها تهدف الى الوصول الى الكشف عن العلاقات الداخلية لعناصر النص الادبي بمعزل عن اي شيء خارجي اذ ان معرفة هذه العلاقات كفيلة بمعرفة آليات تكوين بنية النص .
#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)
Ali_Huseein_Yousif#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
