أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمى بالحاج مبروك - الآخر الهامشي















المزيد.....


الآخر الهامشي


سلمى بالحاج مبروك

الحوار المتمدن-العدد: 4394 - 2014 / 3 / 15 - 21:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الآخر الهامشي



تمهيد : يرتبط الآخر الهامشي إرتباطا وثيقا بعلاقة الغير و نظرة الآخر فهي تراهن و تسائل مفاهيم الفردية و الجسم الإجتماعي بالتناوب سواء تم ذلك بالنفور منها أو الرفع من شأنها و "تبرز ظاهرة الهامشية على أساس شكلين أساسيين ، أولا واقع الطبقات الإجتماعية المغتربة منذ زمان بعيد عن المشاركة الواقعية في خيرات و أنشطة المجتمع ، إنها الهامشية الإجتماعية و الإقتصادية التي تعود جذورها إلى بنى الإنتاج و التنظيم الإقتصادي للمجتمع .
و الشكل الثاني للهامشية يظهر من خلال رفض إرادي و جلي للإندماج في المجتمع الذي نلفظه : إنها الهامشية الإجتماعية الثقافية" . ومهما تكن الأسباب الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية التي تفرز ظاهرة " الآخر الهامشي" . فإن هذا الموضوع ظل من المسكوت عنه وهو ما يدفعنا للتساؤل
التالي :هل لأنه "هامشيّ" لم يهتمّ الباحثون في مجال العلوم الإجتماعية والإنسانية بمسألة " الآخر الهامشي " أم أن هذا الآخر الهامشي صار هامشيا بفعل إنصراف المنشغلين بالشأن الإنساني عن الإهتمام به و محاولة فهمه كظاهرة إجتماعية و إنسانية . ؟ و لعل ما يبرّر تساؤلنا هذا هو الندرة التي إعترضتنا في مستوى الدراسات و المراجع المخصصة لهذا المشكل لسيما أنه يعتبر حقلا فتيّا في مجال العلوم الأنتروبولوجية حتى أنه كما أشار إلى ذلك Antoine .S Bally "لم تظهر عبارة " الإنسان الهامشي " إلا مع عالم الإجتماع روبار بارك (Park Robert) سنة 1928 ، حيث ظلت طويلا مقتصرة على الإقتصاد ، و بفضل نظرية " القيمة التبادلية" أخذت مكانة في الأدب العلمي . في حين فضلت العلوم الإجتماعية طويلا مفاهيم أخرى من قبل الفقر ، الأقلية ، المنحرف و المقصيّ و المختلف عبارات متعددة تغطي بطريقة مختلطة ظواهر اجتماعية و إقتصادية و حتى مكانية " تتميز بالإقصاء و التهميش و كأن كل مجتمع ينتهي بطبعه إلى إنتاج مهمشيه و منبوذيه و غرباءه . ففي كل زمان و مكان هناك أفراد يعيشون على هامش المجتمع في مواجهة مع الرأي العام و الثقافة الشعبية و التقاليد الإجتماعية ، فقد وضعوا بعيدا و تمت إزاحتهم من الدائرة الإجتماعية لأن حضورهم ينظر له على كونه تهديدا للجسم الإجتماعي فعندها يمكن أن يتخذ التهميش بعدا تراجيديا و يصير هذا الإنسان المبعد "آخر هامشي" . و لئن كانت الظاهرة موجودة بصفة دائمة ، فإن طريقة الإستبعاد أو التهميش لم تكن هي نفسها لأن القيم التي تستند إليها المجتمعات تختلف من مجتمع إلى آخر و من ثقافة إلى أخرى ، ففي قلب الجسم الإجتماعي توجد مراجعات مستمرة لبديهيات و قيم المجتمع المتغيرة وفقا لسياقات تاريخية و علمية ،فالآراء المشتركة و القيم و المعايير ليست ثابته بل مرتبطة إرتباطا وثيقا بالصيرورة الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية فإذا كان الشذوذ الجنسي مثلا وداخل المدينة اليونانية القديمة مسموحا به بل و متسامحين معه فإن في عصور أخرى قد وقع قمعه و تجريمه و منعه . غير أن فعل التهميش ليس دوما إكراها إجتماعيا بل قد يكون خيارا حين يتعلق الأمر بشكل من التمرد أو الهروب من الحياة الإمتثالية المتطابقة مع قيم و قواعد المجتمع . وهو ما يدفعنا لطرح الإشكاليات التالية : ما معنى الآخر الهامشي هل الهامشية عقاب أم خيار ؟ و هل هو من يقرّر الإنسحاب و العزلة الطوعية أم هو من يلفظه عالم القيم الإجتماعية و عالم الإنتاج و الإستهلاك خارج حدوده و يلقي به داخل عزلته المظلمة ؟ لما نصرّ على رؤيتنا للآخر الهامشي بوصفه يمثل خطرا و تهديدا إذا كانوا لا يمثلون سوى أقلية من الشعب ؟ فكيف للكثرة أن تخشى الأقلية في مجتمعات ديمقراطية من المفترض فيها أن تكون الفاعلية فيها للأغلبية لا للأقلية ؟ أليس لهذا لآخر الهامشي مكانة قيمية يتصدّر بها وجاهة الحياة الإجتماعية يساهم من خلالها بإثراء قيم المجموعة لسيما أنه حامل قيم و سلوكات تختلف عما هو سائد في المجتمع ؟ و إلى أي حد يمكن لمجتمع ما أن يكون متسامحا مع إختلافاته ؟ ثم إلى أي حد يمكن إعتبار تصنيف المجتمع لأفراده إلى أفراد مركزيين و آخرين هامشيين مشروعا قانونيا و أخلاقيا ؟ هل من إمكانية لفهم الآخر الهامشي و قبوله بدل من رمي حجارة الإدانة و التأثيم عليهم دون ندم ؟

1) في معنى الآخر الهامشي : الآخر الهامشي هو كل شخص ينسحب من المجموعة التي ينتمي إليها سواء بفعل إختياره أم مجبرا على ذلك . و عادة ما نتحدث عن الآخر الهامشي كشخص يعيش على حافة المجتمع أو هامشه أو حتى خارجه ، إذ أن الهامشي يمكن أن يكون هامشي داخل المجتمع الذي يعيش فيه أو خارج حدود هذا المجتمع ، فالعيش على هامش المجتمع يمكن أن تشمل العيش بعيدا مع أشباهه في شبه عزلة مادية و مكانية و جغرافية أو بمعنى العيش خارج المعايير بمعنى رفض الخضوع و الإمتثال لأخلاقيات و قوانين الحياة المشتركة و الذي قد تنتج عنه عزلة أخلاقية و ثقافية و إيديولوجية بل قد تشتدّ هامشيته لتتحول إلى شكل من العزلة النفسية القاسية ذلك الجانب المظلم من الوحدة ، أن تكون دون الآخرين عندما يكون هؤلاء الآخرون الذين يضيئون كل وعينا يقومون باختزالنا إلى حدّ التألم دون انقطاع عن القلق و طول الإنتظار ، فهو لا يتصل سوى بغياب الآخرين و لا يستطيع العيش إلا كانتظار مؤلم لحضورهم . غير أن إرتباط الآخر الهامشي بمجتمع ما تجعلنا نعتبر أن وقوع فعل " التهميش" على " الآخر الهامشي" نسبي لأنه يخضع لخصائص و معايير مؤسسة من قبل المجتمع و أن هذه المعايير و الخصائص تتغير كما تتغير خصائص الآخر الهامشي ، فنحن هامشيون مقارنة بمجموعة ما مؤسسة في حقبة و مكان ما و في علاقة بمرجعية ذات معايير إجتماعية و أخلاقية و ذهنية ، فهي تحيل إلى محتوى و تعريفات مختلفة . فكيف نشأت ظاهرة الآخر الهامشي ؟ و هل الهامشية خيار أم عقاب ؟

2) كيف نشأت ظاهرة الهامشيّة :
مصطلح الهامشية بمعنى الشخص الذي يعيش على هامش المجتمع يتحدد كنتاج للمجتمع و مدى إستعداده للتسامح مع هذا الآخر الهامشي بحيث يصبح هذا الأخير إنعكاس مقلوب لهذا المجتمع ، وهو ما يعطي إنطباعا أوليا سلبيا عن ظاهرة التهميش التي ظهرت في القرن العشرين لتوضح مفهوم " الطبقة الدنيا" ، فهي ليست محايدة بل تحيل إلى دلالة سلبية ، حيث في عالم يتميز بالتعقيد و التناقض يصبح الضغط كبيرا و ثقيلا إلى درجة عدم الإحتمال لدى البعض و يجدون في رفض مبادئ و أساليب السلوك المفروضة من قبل الحياة الاجتماعية وسيلة و حلا للهروب من وطئة الحياة اليومية و لئن كانت الهامشية ليست نتيجة دوما لاختيار حياة الهامش على المركز ، إذ يمكن أن يكون المجتمع هو القوة الطاردة و النابذة للآخر ، فإن ما يوحد بين الهامشية القسرية و الهامشية الإختيارية هو الشعور بعدم الفهم و الرفض المتبادل بين الكائن و المجموعة . بما ينجر عنه تعامل فظّ من قبل المجتمع قد يصل إلى تهميش الآخر جسديا و إثنيا و عرقيا و جنسيا و ذهنيا و دينيا بطرق تتراوح بين الطرد و النفي و الشفقة أو اللامبالاة .
لكن الأهم في كل ذلك أن مفهم " الآخر الهامشي أو" الإنسان الهامشي " لم يظهر إلى حيز الوجود كظاهرة إجتماعية إلا سنة 1928 كما أشرنا سابقا مع Park في مقاله المعنون " ("Human Migration and the marginal Man " ) " حيث إهتم بارك بسؤال الإنتماء الثنائي للفرد المهاجر من جهة لمحيطه الثقافي و مجتمعه الأصلي و من جهة أخرى إنتساب هذا الفرد إلى محيط ثقافة و مجتمع الإستقبال الجديد ، حيث حاول أن يفهم ما يحدث من حميمية داخل الشخصية التي تعيش مثل هذه الوضعية ذات الإنتماء المزدوج
منطلقا من ملاحظة ظواهر الهجرة التي لا تطرح مشاكل ديمغرافية و جغرافية فحسب و لكن أيضا مشاكل ثقافية و نفسية , حيث تمثل ظاهرة "الهجرة" هنا حسب رأيه عاملا أساسيا لتطور الثقافات ، إذ يثبت تاريخيا أن كل تقدم في ثقافة ما يبدأ بفترة هجرة ، و لكن ما هو جديد بالنسبة للعصر الراهن أن حركية الأفراد بصدد النمو في حين الهجرة الجماعية للشعوب تنخفض بصورة ملموسة ، ينشأ عن هذا التصور المزدوج حسب بارك تكون نموذج جديد للشخصية يحدده روبار بارك " بالانسان الهامشي" ، فالمهاجر الذي إختار الإبتعاد عن مجتمعه الأصل أو الذي تمّ إبعاده دون أن يكون قد إندمج فعليا و بعمق في مجتمعه الجديد يبدأ أكثر فأكثر عزلة و يجد نفسه في مواجهة ثقافتين . فما هي النتائج المترتبة عن هذا الوضع الهامشي الذي يعيشه الفرد داخل مجتمع ما ؟
من الأكيد أن مثل هذا الوضع الذي يعيشه الإنسان الواقف على شفا ثقافتين متناقضتين هو إستحالة التماثل التام و الممتلئ مع إحدى الثقافتين أو كليهما التي ينتمي إليهما و من المفروض المشاركة فيهما , إنه فرد قد أجبره المصير على العيش داخل مجتمعين و ثقافتين ليس فقط مختلفتين بل متضادتين و حتى يمكن أن تكون عدوتين تعكس في روحه الإختلافات و التنافر و الإنجذاب في نفس الوقت لهذا العالم وهو ما يؤدي إلى نوع من القلق وضع قاس و حاد يدخل الاضطراب الأخلاقي و النفسي لأن الآخر الهامشي يعيش في نفس الوقت في عالمين إلى حدّما غريب بما هو " شخص لا ينتمي و ليس جزء من المجتمع الذي يختار المكوث فيه" . هذا فيما يتعلق بالآخر الهامشي الذي هو يكون نتاجا لظاهرة الهجرة التي ركزت عليها مدرسة شيكاغو الإجتماعية ، غير أن الآخر الهامشي لا تنتجه ظواهر الهجرة فقط بل توجد عوامل أخرى لا تتأتى بفعل الإنتقال الجغرافي من مكان إلى آخر ، بل توجد نماذج أخرى مختلفة من الآخر الهامشي قد تختلف من زمن إلى آخر و من مجتمع إلى آخر متكونة من أناس يعيشون على هامش المجتمع و نذكر على سبال المثال : المتشردون و المتسولون و من لا مأوى لهم ، فهم " صعاليك" غلاظ حسب تصنيف المجتمع لهم على الرغم من أن لهم حقوق إجتماعية و مدنية و سياسية . كما أن في العصور الوسطى أعتبر آخر هامشي المرضى ( مثل مرض البرص) و المعوقين و المتورطين في مهن غير شريفة ( مثل ممارسة مهنة البغاء) ، و حتى الأقليات من مختلف الإثنيات مثل اليهود و الهراطقة . فهل أن الآخر هامشي هو من يقرّر طواعية الإنسحاب و العزلة من المجتمع أم أن هو الذي يلفظه المجتمع خارج حدوده و يدبّر له مكيدة الإقامة على هوامش المدينة الإجتماعية؟

3) الآخر الهامشي : بين تراجيديا الإنصياع للهامشية و إرادة الإختيار لها :
إذا كان الآخر الهامشي هو نتاج لمنظومة إقتصادية و إجتماعية و حتى سياسية و أن هذه المنظومات هي التي تلقي به خارج أسوار الإنتماء إلى المجموعة حسب سلم المعايير التي الذي اختارته لنفسها ذلك أن المجتمع هو الذي يحدد منظومة قيمه و يلزم أفراده بالإنصياع لسلطتها فإن انزياح الفرد عن نظام المجموعة يلقي به في دائرة الآخر الهامشي و يفرض عليه المجتمع نظرة دونية متلبسة بالإحتقار تجبره على الإنطواء و الإنكماش على ذاته ، حيث يتحول التهميش إلى فعل قسري . فما معنى أن يكون الآخر الهامشي خارج دائرة المركز ؟
أ/ الهامشية القسرية أو الآخر خارج دائرة المركز :
إن الآخر الهامشي المتموقع ضمن نظام إقتصادي و إجتماعي محدد قد يجد نفسه خارج النسق الإجتماعي دون أن يكون راغبا في ذلك حيث يلفظه عالم الإنتاج خارج حدوده سواء كان هذا الإنتاج إقتصاديا أو رمزيا ثقافيا يتجلى في شكل المنظومة القيمية و الرمزية و الثقافية لمجتمع ما و هذا النفي و التهميش يمكن أن يكون نفيا من النسق الإجتماعي أو نفيا داخل النسق الإجتماعي ، فبما أن كل مجتمع يفترض معايير خاصة به ، فإنه في اللحظة التي يقرر فيها فرد ما عدم التوافق هذه المعايير أو رفضها و تعطيلها ، فإنه يصبح في تصور المجتمع الذي ينتمي إليه كهامشي و يتخذ "عقاب التهميش" أبعاد مختلفة وهو ما يدفعنا للتساؤل عن الطريقة التي يتبعها المجتمع تجاه الخارجين و المتمردين على سلطة معاييره ؟
أ) الوحدة : la solitude ) ) يعيش الآخر الهامشي حالة من الوحدة و تعني الوحدة " وضعية موضوعية تتمثل في خاصية الشخص المنفصل عقليا و جسديا عن أشباهه " ، يكون الإنفصال جسديا حين تمنع عناصر بيئية الفرد على أن يكون في تواصل مع الآخرين . و عقليا عندما لا يتواصل الأول( أي الفرد) مع الثاني ( أي الآخرين ) حتى في حالة حضوره . نظرا لأن الوحدة حالة موضوعية فإن الوضعية التي يوجد فيها الشخص وحيدا هي " محايدة" ، هذا يعني أن الوحدة لا هي مؤلمة و لا هي جيدة في ذاتها . هذا يعني أن الوحدة لا هي بالخير المحض و لا هي بالشر المحض ، و لكن يمكن أن تجعلنا سعداء أو تعساء حسب الطريقة التي تعاش بها . إنها في بعض الأحيان مطلوبة لأنها تسمح للفرد أن يستعيد حياته الخاصة و الحميمية و توازنه النفسي . إنها يمكن أيضا أن توفر لحظات من الإثارة الشديدة في أنشطة مثل التفكير و التأمل في حين أنه عندما تكون الوحدة مفروضة بدل أن تكون مرغوبة فيها ، فإنها تخلق شعورا بالوحدة و إنطباع الهجر و التخلي أو اليأس . أما الشكل الثاني الذي يتجلى فيه الآخر كهامشي فهو من حيث هو ذات مغتربة ، فماذا نعني بالإغتراب ؟
ب) الإغتراب : l’aliénation
استعار كارل ماركس مفهوم الإغتراب من الفلسفة الهيقلية و أدخله في علم الإجتماع و استعمل هذا المفهوم من قبل العديد من الكتاب الذين أعطوه دلالات كثيرة ، هذا المفهوم له معنى مشترك بالنسبة لأغلبية المفكرين الذين استعملوه بمعنى فكرة الخارجية (l’idée d’une extériorité ) بمعنى المسافة بين الكائنات الإنسانية و الأشياء . و الخارجية يمكن أن تأخذ شكلين : بمعنى الفصل بين الكائنات و الأشياء أو بمعنى سلب الكائنات . الشكل الأول هي الوحدة لأن الفرد الذي هو مفصول عن أشباهه هو ضرورة وحيد . لكن هذا النموذج من الاغتراب مرتبط بالآخر . الكائن المسلوب عن ذاته ، كما بينه ماركس ، يصبح غريبا سواء بالنسبة لشخصه الخاص أو بالنسبة للآخرين .
بالإضافة إلى ذلك يعكس مفهوم الاغتراب في نفس الوقت حالة موضوعية و مشاعر تلهم الوضع الحالي . هذه الفكرة تمّ توسيعها من قبل الإجتماعيين المعاصرين الذين يستعملون مفهوم الإغتراب . يعتبرالفرد الهامشي بالنسبة لهم معزول اجتماعيا أو هو الذي يشعر أنه وحيدا سيكون مغتربا بما أنه مفصول و منقطع عن أشباهه . وهو ما يعني أن سوسيولوجيا الإغتراب هي سوسيولوجيا الوحدة . غير أن الآخر الهامشي يمكن أن تصل وحدته إلى حد العزلة الإجتماعية حيث يفقد إتصالاته و علاقاته الإجتماعية الحميمية التي هي أساسية بالنسبة للكان البشري . فما المقصود بالعزلة الإجتماعية ؟
ج) العزلة الإجتماعية : l’isolement social يصف مفهوم العزلة الاجتماعية الحالة الموضوعية التي يوجد فيها من تم فصله عن محيطه و عن المجتمع . فالعزلة الاجتماعية هي إذن شكل آخر من الهامشية و الوحدة و الإغتراب . إضافة إلى ذلك فإن هذه الظاهرة لها أبعاد كمية و نوعية . كمية في علاقة بحجم العلاقات الاجتماعية التي يملكها الناس البالغون أو لعدد الأدوار التي يلعبونها في محيطهم . و نوعية من حيث الشخص المعزول الذي تنقصه العلاقات التي تسمح له بالتفتح و إعطاء صورة إيجابية عن ذاته . هذا النوع من العزلة التي تصيب الآخر الهامشي تعزى في الغالب إلى شعور الوحدة . حيث ينتاب الفرد شعور بالألم و بالحرمان من العلاقات الإجتماعية .
"حسب Weiss يوجد نموذجان للشعور بالوحدة : واحدة نتيجة للعزلة الاجتماعية و أخرى متأتية من العزلة العاطفية ، الشعور الأول مثبت عندما لا يكون الشخص ملتزما داخل شبكة إجتماعية ثرية و ديناميكية لتلبي احتياجاته العاطفية و الاجتماعية . و الشعور الثاني يظهر عندما لا يكون الفرد في ارتباط وثيق بأشباهه ." .
لا شك ان الآخر الهامشي حين يفرض عليه مجتمعه هذه الأنواع المختلفة من التهميش و الإقصاء و النفي و الإستيلاب و الوحدة و العزلة فذلك تعود بالأساس لكون هذا الآخر يرفض التأقلم مع منظومة المعايير التي يكونها المجتمع لنفسه سواء المملاة من قبل القوانين أو سواء كانت نتيجة توافق المجتمع حول مجموعة من المعتقدات و الأحكام المسبقة حيث تمنحها القوانين مصادقتها الشكلية و حيث يتم نقلها إلى الأطفال بفعل التربية منذ الطفولة لتساعده على التواصل مع الآخرين و تطمح إلى الحد من نرجسيته و حريته اللامحدودة بطريقة تجعل هذه الحرية قابلة للحياة و يصير هو مقبولا من قبل المجموعة التي ينتمي إليها ، من هنا نفهم شدة العقاب المسلط على كل ذات تبيح لنفسها التمرد على قيم و معايير المجتمع التي تؤدي كما رأينا سابقا إلى تهميش الفرد و النظر إليه نظرة جحيمية تسلبه إنتماءه للمجموعة بما أن فعل تقييم السلوك داخل المجتمع يتم بالعودة إلى سلوك الأغلبية حيث يصير ليس " الإنسان بصغته الذاتية المفردة مقياس الأشياء" كما حددها بريتاغوراس بل المجموعة و المجتمع و ما يحمله من عادات و سلوكات و معتقدات هي المقياس و المرجع .( مع الملاحظة هنا أن القيم تختلف عن المعايير فالأولى تتموضع على صعيد العقل الخاص أما المعايير فتتموضع على صعيد العقل العمومي فهي نتيجة توافق إجتماعي تمتلك صبغة إلزامية قهرية و بالرغم من كونها لا يمكن فص لها عن النسق القيمي للمجتمع فإنها متقدمة عليه من حيث التوافق الإجتماعي .)
بالتأكيد أن الرأي المشترك متكون بالضرورة من القيم فنحن معا لأن لنا تصور معين للخير و الشر و القبح و الجمال . في حين يكون مجتمعا ما نرسيسيا حين يستمد تصوراته هذه للجمال و الخير من نخبته و من أعضائه الأكثر قوة و سلطة و ما هو قبيح و شرّ ممن يمثل حالة فشل و عذاب ، من يقود عملية اختراق ضد القوانين ، من يضع موضع خطر رفاهية و عيش المجتمع و من هنا فإن الآخر الهامشي هو بالضرورة إلى جانب الشر الذي يمكن أن يأخذ دلالة أخلاقية أو إستعارة بمعنى المرض فكل شخص مناهض للمعايير الإجتماعية أو يعيش خارج المجتمع فهو ينظر إليه ليس كهامشي فقط بل كمريض مؤقت أو أبدي . يتعلق الأمر بلفظ المجتمع عضوا غير أهل للحياة الإجتماعية الصارمة ، ميشال فوكو في كتابه " المراقبة و العقاب " أثار فوكو مسألة علاج المجرمين على مر العصور . التي كانت تقوم على مشهدية العقاب المادي و مسرحته بحضور جمهور إجتماعي غفير إلى نوع من العقاب الروحي اللامرئي تختفي وراء جدران السجون الحديدية الصامته حيث تتم إعادة إنتاج و بث الإنظباطية الإجتماعية ممن تتم إدانته من قبل المؤسسة الإجتماعية حيث يقول فوكو " إن السجن و الإعتقال و الأشغال الشاقة و المؤبدة و منع الالإقامة و الإبعاد – و التي احتلت مكانة هامة في الأنظمة الجزائية الحديثة – تشكل بالتأكيد عقوبات جسدية ...فالجسد بموجب هذا النوع من العقاب ، إنما يؤخذ ضمن نظام من الإكراه و من الحرمان و من الإلتزامات المحظورة . "



#سلمى_بالحاج_مبروك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهنئة للفيلسوف التونسي زهير خويلدي بمناسبة حصوله على شهادة ا ...
- قراءة في -كتاب تشريح العقل الغربي - : أو فلسفة الإدراك عن -ك ...
- مقتطفات من كتاب - أزمة الثقافة - : ما هي السلطة ؟ حنة آرنت ت ...
- ماهي السياسة ؟
- هل يستوي الذين يقتلون و الذين لا يقتلون ؟
- وجهان كنّا لاحتمال واحد ...الحبّ
- لا أريد لهذا الحب أن ينتهي
- الجمعية النسوية السرية للإطاحة بالنظام الذكوري المستبد
- شعائر شعرية
- إلى الجحيم حضرة الزعماء و فخامة الرؤساء اللامحترمين
- لمن يريد أن يتعلم درس الثورة التونسية
- شعر
- حزام ناسف لكل إنسان
- حدود شعرية
- فوز الكاتب الفلسفي زهير الخويلدي بلقب أحسن -كاتب باحث- في ال ...


المزيد.....




- برق قاتل.. عشرات الوفيات في باكستان بسبب العواصف ومشاهد مروع ...
- الوداع الأخير بين ناسا وإنجينويتي
- -طعام خارق- يسيطر على ارتفاع ضغط الدم
- عبد اللهيان: لن نتردد في جعل إسرائيل تندم إذا عاودت استخدام ...
- بروكسل تعتزم استثمار نحو 3 مليارات يورو من الفوائد على الأصو ...
- فيديو يظهر صعود دخان ورماد فوق جبل روانغ في إندونيسيا تزامنا ...
- اعتصام أمام مقر الأنروا في بيروت
- إصابة طفلتين طعنا قرب مدرستهما شرق فرنسا
- بِكر والديها وأول أحفاد العائلة.. الاحتلال يحرم الطفلة جوري ...
- ما النخالية المبرقشة؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمى بالحاج مبروك - الآخر الهامشي