أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أسعد الخفاجي - الهوية الوطنية كونترا الإنتماء القومي















المزيد.....



الهوية الوطنية كونترا الإنتماء القومي


أسعد الخفاجي

الحوار المتمدن-العدد: 1248 - 2005 / 7 / 4 - 10:57
المحور: المجتمع المدني
    


الوطنية أو الباتريوتزم ، هي مفهوم التمسك بالوطن ، الولاء والإنتماء المطلق له. إمتلاك مشاعر الحب والإخلاص والفخر تجاهه ، والإستعداد للتضحية من أجله. تطور هذا المفهوم في أواخر عصر النهضة ، بعد أن ظهرت في القاموس السياسي مفاهيم ، تدل على القيم الديمقراطية والإشتراكية والإنسانية. وتوسع تعريف الوطنية ليشمل العلاقات بالناس ، والإرتباط بالأرض والعادات والتقاليد وعناصر الإفتخار والإعتزاز بتأريخ الوطن. ويشترط البعض بالوطني أن يكون مخلصاً للدولة والحكومة أيضاً. أما القومية أو الناشنالزم ، فهي مفهوم الإنتماء الإجتماعي الذي تكوّن وتراكم عبر الأجيال ، لدى مجموعة من الناس تشعر بروابط الدم واللغة والثقافة ، وأحياناً الدين. وتخضع المشاعر القومية إلى العوامل السايكولوجية ، أكثر من الحسابات الواقعية الملموسة. ويعتقد القوميـون في جميـع الحالات ، أن قوميتهم متميزة عن جميع القوميات الأخرى. ويكمن سر ديمومة الأحزاب القومية ، العربية وغير العربية ، في منطقة الشرق الأوسط عموماً ، وفي العراق خصوصاً ، في خارج السلطة أو داخلها ، في إتباعها الأفكار والمبادئ الشوفينية الراديكالية والإستعلائية ، بنفس الأسلوب الذي إتبعه هتلر وستالين منهجاً في السيطرة المطلقة ، على مقدرات الحزب ، و السلطة ، والمجتمع. ومع إستيلاء الحزب القومي الناصري على السلطة المصرية في عام 1952 ، وشبيهه حزب البعث على السلطة العراقية في عام 1963 ، نشأت في منطقتنا أول دول قومية عربية. وأصبحت الخطابات الشوفينية والدينية ـ الطائفية ، أستراتيجية ثابتة لهذين الحزبين ، وغيرهما من الأحزاب القومية الأخرى. لقد شيد البعثيون دولتهم القمعية ، على أشلاء خصومهم التقليديين ، أي الوطنيين ، طليعة الشعب العراقي ، من كل الأطياف السياسية والمجتمعية. وركزوا في معاداتهم للشعب على مكونات الطبقة الإجتماعية الوسطى ، التي تدهور حالها ، وبالأخص مثقفيها ، وأضحت تعاني أكثر من غيرها من الإضطهاد السياسي والإجتماعي والإقتصادي. وصارت تندمج تدريجياً بالطبقات المعدمة. في حين مد الحكام القوميون أيديهم للأغنياء ، من كافة القوميات والأديان ، ومنحوهم الدعم ، وجعلوا منهم حلفاء طبيعيين للنظام القومي. فتراكمت ثروات الأغنياء والنفعيين. ونمت الهوة التقليدية الفاصلة بين الأغنيـاء والفقـراء.

في البداية كان الشعور القومي نوعاً من النزوع إلى التحرر والعدالة. وتعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1789 الفرنسية ذات الشعار الشهير: "حرية ، مساواة ، أخوة " بداية الشعور القومي الحديث. ومن فرنسا إنطلقت القومية بمفهومها الحديث لتنتشر في أوربا والعالم. ومعروف تأريخياً ، أن القومية العربية التي ظهرت في الساحة ، بعد سقوط الدولة العثمانية ، قد إتخذت لها من النموذج القومي الفرنسي مثالاً. ومع تنامي حركة الإشتراكية القومية الألمانية ، أي النازية ، التي إتخذت لها شعارات قومية وعدوانية ، ضد العديد من دول وشعوب العالم ، تعززت في المنطقة العربية منظمات وحركات قومية عربية ، متأثرة ومتحالفة مع النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والأسبانية والبرتغالية. ونذكر على سبيل المثال ، منظمة مصر الفتاة في مصر ، وحزب البعث العربي والحزب الإشتراكي العربي في سوريا. وعصبة الفتوة ، وحركة رشيد عالي الكيلاني القومية الشوفينية في العراق ، التي نجحت في الإستيلاء على السلطة هناك في ثلاثينيات القرن الماضي. ومن رواد القوميين العرب ، نذكر على سبيل المثال ، ساطع الحصري ، وعبد الرحمن الكواكبي ، اللذين عدا العرب أمة واحدة ، يجمعها النسب و الوطن واللغة والدين. وشددا على الصلة الوثيقة بين الإسلام والقومية العربية. وقالا أن الإسلام قام وازدهر بالعرب ، وأن لا قومية عربية بدون الإسلام. من جانب آخر ، لايخفى على أحد الدور التخريبي للتحالفات السرية ، بين الحركات القومية والمنظمات الأصولية ، ضد الأحزاب العلمانية واليسارية والليبرالية. وقد ظل نفوذ الحركات القومية في منطقة الشرق الأوسط ، فشمل الجمهورية العربية المتحدة بزعامة جمال عبد الناصر وحزب البعث السوري ، والجمهورية العراقية بزعامة عبد السلام عارف. وإستطاع البعثيون حكم العراق ، بإسناد من الدوائر الأجنبية صاحبة القرار ، منذ عام 1963 حتى هزمهم الأمريكان عام 2003. ولايجادل أحد في الدور التخريبي الواسع ، على الصعيدين الوطني والقومي ، الذي إضطلعت فيها الأحزاب القومية العربية ، من تفتيت للشمل الوطني ، وتسفيه للقيم والمشاعر الإنسانية ، وإعتداء على الغير. وقد ضرب حزب البعث الداعي إلى الإشتراكية العربية رقماً قياسياً ، في إحتلال وتدمير مجتمعات البلدان العربية في سوريا ، والعراق ، واليمن ، وليبيا ، والسودان ، والكويت.
وبينما تعبر الوطنية عن إنتماء المواطن إلى مكان بعينه وإلى طراز معيشة معينة يفضلهما على سائر الأمكنة وطرق الحياة الأخرى ، تجسد القومية كسلوك ومشاعر فردية ، الرغبة في التسلط والسيادة. إن الغرض النهائي للقوميين المتطرفين ، هو التسلط على الآخرين!. وفي الأغلب ، لا تسمح القومية بوجود معارضين داخل صفوفها ، على خلاف ذلك ، تعد الوطنية الرأي المختلف أو المعارض عاملاً محفزاً حيوياً وضرورياً للتطور الإجتماعي الوطني. وفي حين يعتقد القوميون أنهم يكسبون فقط عندما يخسر الآخرون ، يكرس الوطنيون كل نشاطاتهم الإجتماعية والسياسية في خدمة المجتمع والوطن ككل. يتبنى القوميون خطابات تدعو إلى الإنضباط ، وإلى حماية مرتكزات الحكم. ويرفعون شعارات تتبنى تلك الخطابات ، مثل: شعارات "مع الأمة عندما تخطأ أو تصيب" ، أو "أنا وأبن عمي على الغريب" أو "إنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" ، إلخ. على خلاف ذلك تشحذ الوطنية الجهود الخلاقة للمواطنين ، وتبارك الإجتهاد الفردي وتسعى لضمان الحريات الفكرية. بعبارة أخرى: الوطنية تكسب القلوب لذلك فهي تخاطب الروح ، بينما القومية تتجه صوب العقول والنظام والإنضباط. ويصر القوميون على منح قادتهم ألقاباً مثل: "قائد الأمة العربية" أو "زعيم العروبة" أو "بطل القومية العربية" ، بينما يحلو للوطنيين أن يطلقوا على زعماءهم أسماء وألقاباً تمجد الوطن مثل: "إبن الشعب البار" أو "الزعيم العراقي" ، دون الإشارة إلى القومية أو الدين. وقد سالت خلال القرن الماضي ، دماء غزيرة على أرض العراق ، بسبب النزاعات المسلحة ، بتحريض من دعاة الهيمنة القومية ، أو غلاة الإسلاميين الطائفيين. ولم يفلح الوطنيون المعتدلون والليبراليون ، في حقن تلك الدماء العزيزة ، نظراً لشراسة العناصر القومية والدينية ، وتعطشها للدماء ، وكرهها للحوار الحضاري القائم على أسس التعددية ، وإحترام حقوق الإنسان ، بغض النظر عن قوميته أو دينه أو عقيدته.

ظل العراقيون يعانون على مر الإجيال ، من أساليب الحكم القمعية القائمة على أساس التسلط العائلي ، والإضطهاد الإجتماعي. وكانت الدولة الأموية ، أسوأ نموذج حكم من هذا النوع في التأريخ ، حيث إتخذت من العصبية القبلية ، والتعنت الديني والقومي والثقافي ، منهجاً لها. خلال ذلك العهد ، سيطر تجار ورجال أعمال وإقطاعيون ، منحدرون حصراً من عائلة واحدة ، على مقاليد السلطة. وحرص ذلك النظام على سيادة عائلة بني أمية في المجتمع ، وإستحواذها على جميع المناصب الحكومية والدينية والتجارية. وقد ظلت الفئات التي عارضت ذلك الحكم منذ البداية ، تتنازع مع السلطة الحاكمة لقرون عديدة ، بالأساليب السلمية تارة ، وبالعنف تارة أخرى. وبعد فترة حكم دامت مئة عام تقريباً ، جاء زعماء من عائلة منافسة ، هي عائلة بني العباس ، وبسطوا نفوذهم بالسيف ، حتى سمي قائدهم بالسفاح ، من كثرة ماقتل من خصومه. زعم العباسيون ، أنهم جاءوا "لتصحيح" أوضاع الناس ، وللقضاء على العصبية والفساد للدولة الأموية. لكنهم ، وياللسخرية ، أقاموا ، على نفس النمط التعسفي ، دولتهم القمعية والبيروقراطية ، تلبية لمنافع عائلتهم الحاكمة والحاشية والأتباع المنتفعين. وإستأثر بنو العباس في ظل دولتهم تلك بكافة الثروات والموارد. وسخروا عامة الشعب لخدمتهم ، وإضطهدوا المسحوقين والفقراء. وإضطهدوا المفكرين الليبراليين ، والمجتهدين ، والفقهاء ، ولاسيما الشيعة منهم. وكان الطاغية هارون الرشيد أسوأهم. وقد إستمرت الدولة العباسية السنية ، بالترويج لمبادئ العصبية القبلية والعنصرية والطائفية والإستغلال ، شأنها في ذلك شأن سابقتيها: الدولتين الأموية والراشدة. وإستمرت تقاليد القمع الفكري والديني والإجتماعي المعروفة. وإمتلأت السجون بضحايا الرأي والعقيدة ، وصفي البعض منهم جسدياً ، لاسيما أولئك الذين سولت لهم نفسهم توجيه النقد أو اللوم للنظام. لقد حوربت في ظل الدول الثلاث ، ومن بعدها دولة السلاطين السلفيين ، كافة المعتقدات الليبرالية ، والتصحيحية ، والفقهية ، التي كانت تختلف عن معتقدات القصر الدوغماتية ، أحادية الجانب والتي تصب في مصلحة العائلة الحاكمة ، وتقدس الحاكم بأمره. ولم يسمح للناس أن يعبروا عن معتقداتهم ، وأفكارهم المسالمة المغايرة لأفكار "أمير المؤمنين". وكانت التهمة الأزلية للمعارضين جاهزة على الدوام ، ألا وهي تهمة الكفر والإلحاد والزندقة والخروج عن الدين. وأصبحت وظيفة "المفتي" هي الأهم في المجتمع لأنها كانت تكرس لخدمة الأمير والعائلة والحاشية!. لقد أفتى هؤلاء بتكفير أصحاب الفكر الليبرالي والإصلاحي والتنويري ، ووجوب إقامة الحد عليهم. وأطلقوا عليهم تسميات تعسفية ما أنزل الله بها من سلطان مثل ، المعتزلة ، والقدرية ، والرافضة ، والخرمية ، والخوارج ، وأهل الردة وغير ذلك.

وفي خضم تعاقب الأحداث التأريخية ، ومع تبادل المواقع القمعية بين زعماء العوائل المتناحرة ، تبلورت ، على مر العصور ، طائفتان دينيتان رئيسيتان ، هما السنة والشيعة. وقد إستطاعت الأولى ، بحكم جبروتها المالي وإسنادها المباشر للحاكم القوي ، من الأمويين والعباسيين والأتراك ، إستطاعت الهيمنة السياسية والإجتماعية والإقتصادية ، طيلة 14 قرناً ، على مقدرات الشعب العراقي!. ومما هو معروف أن الطبقة الوسطى من الطائفة السنية ، كانت هي الآخرى ، تعاني من الإضطهاد السلطوي ، مثلها مثل الطبقة الوسطى من الطائفة الشيعية ، إضافة إلى المسيحيين والصابئة واليهود وغيرهم. وقد إستهدف القمع بالأساس المفكرين الأحرار ، ومعارضي التسلط العائلي البيروقراطي. ومن الجدير بالذكر أن المستفيدين من ذلك التسلط الطائفي ، كانوا على الدوام ، جماعة منتفعة محددة ، من عناصر كلتا الطائفتين. وضمت تلك الجماعة كل الأفراد الذين لاعقيدة لهم ولا فكراً ، غير السعي وراء المال والجاه والسلطة والشهرة. وقد شمل الظلم المفكرين والمثقفين الليبراليين ، والأحرار من كلا الطائفتين ومن سائر شرائح المجتمع على حد سواء. ويشهد التأريخ أنه لطالما إستعانت السلطة البيروقراطية الطائفية ، لقمع أحرار الطائفتين معاً ، إستعانت بحثالة من المنتسبين للسنة والشيعة معاً!. ومعروف ، على سبيل المثال ، أن نظام صدام كان يستخدم الساقطين من أبناء الطائفة الشيعية ، في أجهزة قمعه الدموية ولاسيما جهاز الأمن. وفي القطاع التجاري ، الذي طالما إستغل فيه إنتهازيون وجشعون من الشيعة ، إخوانهم العراقيين ، من الشريحتين المتوسطة والفقيرة ، بغض النظر عن إنتماءاتهم العرقية أو الطائفية!. وقد قاموا بتسويق البضاعة الرديئة ، وغالية الثمن ، والفاسدة أحياناً. لقد سمح النظام لأسباب تكتيكية خبيثة لضعاف النفوس ، من الشيعة والسنة معاً ، من المسيحيين والمسلمين ، من العرب والأكراد ، بإستغلال أشقائهم من الموزائيك العراقي ، وجني الأرباح الخرافية. ومعروف أن هؤلاء كانوا ومايزالون ، من أشد حلفاء النظام الصدامي!. وفي ساحة الفكر والثقافة ، أمعن النظام الطائفي في قمع حملة الفكر المستقل الحر ، من السنة والشيعة بنفس الدرجة ، إلى جانب علماء الدين الشيعة الأحرار. وخير مثال على إضطهاد السلطة السنية لأحرار السنة ، حرب الإبادة العرقية ، التي شنتها على مدى عقود ، ضد المواطنين السنة الأكراد.

بعد سقوط دولة السلاطين ، في نهاية الحرب العالمية الأولى ، تحرر العراق من أسوأ حكم ديني ظلامي في التأريخ!. وأصبح بعدها محمية ثم مستعمرة تابعة للتاج البريطاني. ولم يكن المجتمع العراقي حينذاك مهيئاً بعد ، لتأسيس دولة ديمقراطية على النمط الأوربي الحديث ، نظراً لهيمنة الخطابات الإنعزالية القومية والدينية ، على تفكير غالبية الشعب العراقي. إنتشرت في الوسط خلال الثلاثينيات من القرن العشرين ، الأحزاب والمنظمات ذات الخطابات القومية العربية. وفي الشمال إزدهرت الأحزاب القومية ، الكردية والآشورية والتركمانية ، التي إستطاعت أن تعبئ نسبة لا يستهان بها من مواطنيها. وفي مناطق الفرات الأوسط والجنوب ، لم يكترث الشيعة كثيراً بالسياسة القومية أو الوطنية ، وإتجهوا بدلاً من ذلك صوب تصريف أمور طائفتهم الدينية ، وممارسة الأشغال الحرة. وأصبح الخطاب القومي (إذا إستقنينا حركة الإخوان المسلمين خلال الأربعينيات والخمسينيات) هو الطاغي ، على خطابات السنة من العرب والأكراد. بينما إستحوذ الخطاب الإسلامي الجعفري الإثني عشري ، على غالبية الشيعة العرب. والواقع أن تلك الخطابات ، القومية والدينية الطائفية ، عرفت على حد سواء بجذورها السلفية الآرثوذكسية. وتميزت بتقديس أطروحات السلف الصالح ، المتخمة بالعصبية القبلية والتحيز الفئوي. من جانب آخر ، تشترك جميع تلك الأحزاب القومية والطائفية ، في عدم الإعتراف بالهوية العراقية ، وتغليب ماهو خاص (قومي أو طائفي) على ماهو عام (وطني عراقي). في الوقت الذي إنصرف فيه الإسلاميون الشيعة ، إلى الترويج للخطابات الدينية ذات الصبغة الطائفية الضيقة. إلتحم الشيعة العلمانيون مع نظائرهم في أجزاء الموزائيك المجتمعي الأخرى. وألفوا أحزاباً سياسية ذات خطابات وطنية عراقية: ليبرالية أو يسارية أوعلمانية ، تنادي جميعها للشفافية ، والتطور الإجتماعي ، وإحترام حقوق الأنسان. وكانت الأحزاب القومية العربية (السنية) أشد تأثيراً ، في المجتمع ، من نظائرها الأحزاب الإسلامية الشيعية ، بسبب قوة تمويل الأولى ، ودعمها من قبل الحكومات المتعاقبة ، والأطراف الإقليمية والدولية. الأمر الذي مكنها ، منذ الوهلة الأولى للحكم الوطني من الهيمنة المطلقة ، على معظم مفاصل الدولة العراقية ، إدارياً وثقافياً ودينياً. وجعل الأجهزة الحكومية ، تحت ظل الإحتلال ، تمتص معظم أبناء العرب السنة ، فوضعتهم في جميع الوظائف المدنية والعسكرية. تاركة للشيعة ميادين الزراعة والتجارة والثقافة وشؤون الطائفة الدينية. من جانب آخر ، إنشغل فقراء الشيعة في منازعة مضطهديهم من كلا السنة والشيعة ، التجار الأغنياء والسلطة البيروقراطية في المدينة ، والإقطاعيين في الريف. وفي رأينا أن ثورة العشرين ، التي قام بها الشيعة ضد الإحتلال ، كانت السبب الأساسي في إنعزالهم أو عزلهم عن منظومة السلطة القائمة آنذاك ، ومعاناتهم لاحقاً من الإضطهاد الطائفي حتى عام 2003!. ويبدو أن الشيعة الإسلاميين في الوقت الحاضر تعلموا ، أخيراً وقبل أن يفوت الأوان درساً ثميناً ، من خيبتهم التأريخية التي إستمرت تسعة عقود. الأمر الذي دفعهم بعد تحرير العراق إلى التوحد ، في جبهة تدعو إلى إجهاض المغامرة "المشبوهة" ، التي أقدمت عليها إحدى فئاتهم ، بعد سقوط النظام مباشرة ، وكان هدفها جر الطائفة الشيعية الجريحة ، إلى "ثورة عشرين" أخرى!.

وفي الواقع هناك حرص عام على القوميين من غير العرب ، من الإنزلاق في منحدر التعصب القومي ، كما يفعل القوميون العرب ، كالبعثيين بالأخص. صحيح أن العراقيين من القوميات غير العربية ، على الضد من القوميين العرب ، لم يمارسوا يوماً إضطهاداً قومياً عنصرياً ضد أية فئة عراقية. على العكس من ذلك ، فقد كانوا ضحية الإضطهاد والتعصب القومي العربي الشوفيني لقرون. لكننا لا نريدهم التعالي على الهوية العراقية ، أو أن يكونوا في وضع ، "يستطعمون" فيه ممارسة نفس السلوك السياسي والخطاب الحزبي للقوميين العرب. وأن يبتعدوا عن سلوك القوميين العرب ، حينما يذيلون خطاباتهم السياسية ، بعبارة "الشعب العربي في العراق". ويطلقون على أنفسهم أسماء تبعدهم عن الإنتماء العراقي الوطني. ولحسن حظ ملايين الشعب العراقي ، أن الوطن العراقي الكبير ، يمتلئ بمواطنين ليبراليي النزعة ، آشوريين وكلدان وأكراد وعرب وفرس وأتراك ، يبتعدون عن النعرات القومية والطائفية ، كما يبتعد السليم عن الأجرب!. ويصرون على الإنتماء إلى الهوية العراقية ، الأمة العراقية ، ويسعدون إذا أطلقنا عليهم صفة "العراقيين" النقية ، دون شوائب قومية أو دينية أو طائفية أو عرقية. إن هؤلاء العراقيين الوطنيين ليفخرون بعراقيتهم ، قبل فخرهم بتراثهم القومي ، أو الديني أو الطائفي. ويعدون فخرهم بالدين والقومية إثراء لوطنيتهم العراقية ، وإغناء لثقافة الموزائيك العراقي المتنوعة. لا ينبغي على مثقف عراقي شريف اليوم ، أن يشعر بالإهانة أو التجريح ، إذا قرأ أن نظام صدام كان شوفينياً أو طائفياً. فليس المقصود بذلك ، توجيه اللوم إلى شريحة معينة من الشعب العراقي ، ونعني بها طائفة العرب السنة ، المتدينين منهم والليبراليين. لقد كان نظام صدام ، نظاماً دكتاتورياً عائلياً متعسفاً. كان حقاً بعيداً عن التحيز للعرب سنة أو شيعة ، لأن صدام وحزبه المهيمن على مقدرات الدولة ، لم يكن لهم دين أو قومية أو أيديولوجية ، غير القمع والتسلط والسرقة والقتل والفساد العائلي ، والإثراء على حساب الكادحين ، من كافة شرائح الشعب. وللحقيقة نذكر أنه لو قدّر لنا أن ننسى شيئاً ، فيجب ألا ننسى بطش أتباع صدام ، بمواطني الموصل الشجعان ، من المسيحيين والأكراد والسنة والشيعة والعلمانيين ، بعد مسيرة السلام في عام 1963. لن ننسى بطش صدام بكافة المعارضين السياسيين ، في كل المحافظات. والحقيقة أنه لم يسلم من ظلمه ، حتى أحرار تكريت والرمادي. عليه لاينبغي الإنزلاق إلى زاوية الوهم ، بالإعتقاد أن صدام كان يمثل مصالح العرب أو السنة!. إنه وإن بدا كذلك للذين لايبصرون أبعد من أرنبة أنوفهم ، فإنما لقصد خبيث ، ألا وهو إستمالة الأنظمة العربية السنية ، وغوغاء الشارع العربي من مغسولي الأدمغة ، وإستجداء تعاطفهم وإسنادهم المادي والمعنوي ، إلى جانب حروبه العدوانية الطائفية والشوفينية العبثية ، وتوطيد أركان إمبراطوريته العائلية في بلاد الرافدين وماجاورها!. ولغرض كسب ودهم وتضامنهم ، وشراء سكوتهم ، عندما كان يقوم بالتصفيات الجسدية لمئات الألوف من الأكراد والعرب السنة والشيعة والقوى اليسارية ، أو دفنهم بالمقابر الجماعية. وقد نجح في ذلك إلى أبعد الحدود ، إذا ألقينا نظرة على موقف الأنظمة العربية ، الرافض لمحاولة إسقاط النظام الصدامي ، وعلى المؤسسات والمنظمات العربية الساقطة في مستنقع الخيانة والعمالة ، مثل الجامعة العربية ، ومنظمات حقوق الإنسان ، والمنظمات والإتحادات المهنية ، والأحزاب السياسية اليسارية واليمينية العربية ، التي كانت وماتزال درعاً واقياً للأنظمة العربية القمعية ، ومنها النظام الصدامي.

من جانب آخر ، ينبغي أن تلقى مهمة ربط الجانب الوطني العراقي، بما هو قومي أو ديني ، ربطاً موضوعياً إيجابياً ، دون تغليب الخاص المتعلق بالإرث القومي أو الديني على العام الذي يشمل عموم الوطن العراقي ، على عاتق الكتاب الليبراليين الوطنيين حصراً. هؤلاء الكتاب بالذات ، يتعين عليهم بيان الفشل التأريخي لمنهج العنصرية والطائفية الذي مارسه ، على التعاقب ، كافة حكام العراق السابقين ، بعد التحرر من ربقة الإحتلال التركي ، في قيادتهم المجتمع والدولة ، بإستثناء الفترة الوجيزة لحكم الزعيم الوطني العراقي عبد الكريم قاسم. ومما يبعث على الإطمئنان أن العديد من الكتاب العراقيين الليبراليين ، عالجوا هذه الإشكالية ، بصدقية وتجرد ونزاهة علمية عالية. وفي تصورنا أن توفر المناخ الليبرالي التعددي في العراق الجديد ، قد ساعد هؤلاء المفكرين ، في الإبداع بمناقشة المناهج القومية والطائفية دون الإنزلاق ، في مستنقع التحيز والحزبية. وعلى النقيض من ذلك ، قرأنا للأسف الشديد ، لكتاب آخرين ، مقالات وخطابات تلامس المناهج العنصرية والطائفية من الخارج ، دون أيما إدانة صريحة لها ، مما يعكس الإنحياز السافر للإطروحات الإنعزالية ، مهما حاولوا الظهور بعكس ذلك أمام قرائهم. والأنكى من ذلك فإن كتاباتهم ، تعج بتوجيه الإتهامات إلى منتقديهم من الكتاب الليبراليين ، ووصمهم بالعار الطائفي والعنصري. لقد أصبح ذلك الأسلوب في الآونة الأخيرة ، السلاح التقليدي الذي يستخدمه الكتاب الموالون للحكم الشوفيني الطائفي السابق ، ضد خصومهم التقليديين ، الذين يلعنون جهاراً جرائم الأنفال والمقابر الجماعية وممارسات تعريب الأسماء!. والواقع أن الكتاب الليبراليين ، وغيرهم ممن لايتفيأون رياءً بالعباءة القومية أوالدينية ، لا مصلحة لهم بالتحيز إلى قومية أو طائفة معينة دون سواها. وعموماً ، فإن المثقفين الجريئين ، في العراق ، وفي بلدان الشرق الأوسط القمعية ، لم يسلموا من وابل التهم ، التي ماإنفكت تلصق بهم جزافاً ، كلما واصلوا التصدي ، إلى ظاهرة إجتماعية ضارة بالمجتمع المدني ، وكلما تمسكوا بالمبادئ الحضارية ، المنبثقة عن إعلان جنيف لعام 1948 حول حقوق الإنسان ، وفي مقدمة تلك المبادئ ، المساواة التامة والمطلقة بين الناس ، بغض النظر عن الإنتماء القومي أو الطائفي أو الديني أو الجنسي.

ولعل أفضل علاج لحالة التعصب القومي والطائفي ، هو المصالحة الوطنية الشاملة ، التي يجب أن تسبقها المكاشفة الصريحة بهذه الحقائق التأريخية ، دون تردد أو حرج. وبعد أن يتصارح الطرفان ويتحاورا بروح رياضية ، ويدينا سوية المنهج البيروقراطي العنصري والطائفي للنظام السابق ، حينذاك فقط يصبحان مؤهلين للمصالحة المجتمعية الحقيقية!. وإذا إتفقنا على أن الخطابات القومية والطائفية ليست المنهج الواقعي السليم ، الذي يضمن خلاص الشعوب ، وتوطيد ركائز المجتمعات المدنية والديمقراطية ، ومن أهمها إحترام حقوق المواطن ، فلابد لنا من الإقرار بنقاط الضعف الموجودة في سياسات الأنظمة السابقة. ومن المستبعد وجود من يجادل في كون الحكام العثمانيين والعباسيين والأمويين ، وماقبلهم من الحكام ، كانوا متورطين حتى النخاع ، في التعصب القومي والديني والمذهبي ، والمحاباة العائلية والعصبية! وفي إضطهاد الفقراء من كل الشرائح الإجتماعية المغلوبة على أمرها ، البعيدة عن السلطة!. ومن المعروف أن التأريخ لم يسجل إنتعاشاً للفقراء من العراقيين السنة ، خلال الإحتلال التركي السلفي الظلامي. ولا رفاهاً للفقراء من شيعة العراق خلال الإحتلال الفارسي. والأهم من كل هذا وذاك ، لا يتردد مخلص من مفكري العراق ، بمن فيهم رجال الفقه ، في إدانة سلطة صدام ، بسبب قمعها للأحرار والفقراء من السنة العرب والأكراد ، إضافة إلى غالبية الطائفة الشيعية. وبالأخص العلماء منهم والمثقفين الليبراليين. ونعيد للأذهان نزوع الحكومة البعثية ، غير الملتزمة بالدين ، إلى تملق دول الخليج السنية السلفية ، خلال العدوان على إيران الشيعية خلال الثمانينيات. ناهيك عن إعلان ما سميت بالحملة الإيمانية آنذاك ، وكتابة عبارة "الله أكبر" على العلم العراقي بدم الطاغية. وكان ذلك في الواقع كلمة حق أريد بها باطل!. فأي إيمان هذا لحاكم أمر بقتل رجال الدين الأحرار ، ومهاجمة الشعب ، بالأسلحة الكيمياوية الفتاكة ، وزج مئات الألوف من المعارضين في المقابر الجماعية؟!.

إستناداً إلى ذلك ، يتعين على كافة مثقفي العراق كافة ، من الإنتماءات القومية والدينية والطائفية ، ومن كافة الأطياف الفكرية الوطنية ، ذات التوجهات الليبرالية والعلمانية واليسارية ، أن تتوحد كلمتهم الوطنية المخلصة تحت راية العراق ، وأن تسمو فوق الآفاق الضيقة الطائفية والقومية والدينية والفكرية. في الوقت نفسه ، ينبغي شمول كل جزء من المجتمع ، مهما كان صغيراً ، بالمسؤولية العراقية الكبرى: صياغة الدستور للجمهورية العراقية ، وبناء الحكم التعددي الإتحادي الديمقراطي. وأن تزج كل الطاقات الوطنية في معركة المصير المشترك لكل العراقيين ، بغض النظر عن العرق أو المعتقد أو الجنس. ينبغي أن يقول الجميع بصدق وعزم: "لا للطائفية!" ، و"لا للعنصرية!" ، و"لا للإستعلاء القومي" و"لا للإستحواذ الفكري!". هذه هي شروط التوافق الحقيقية بين جميع أجزاء الموزائيك العراقي!. وليس أفضل من حالة الجمعية الوطنية المنتخبة علاجاً ناجعاً للأمراض الإنعزالية القومية والطائفية. إنها أول حالة إنتخابات حقيقية في منطقة الشرق الأوسط!. أول مؤسسة تمثيلية ، بعد ليل طويل من الدكتاتورية ، والتعصب القومي والطائفي دام أكثر من 14 قرناً!. ولكي تجهض أية محاولة ظلامية ، تحاول نفخ الروح في حطام البنية التحتية للنظام المنهار ، لابد من إفشال المنهج الإنعزالي الضار ، وإلتحام الجميع في البيت العراقي الجديد بين النهرين ، الوطن الخالد لكافة الطوائف ، والقوميات ، والأديان ، والإيديولوجيات ، المتعايشة بسلام ومحبة وألفة ، منذ آلاف السنين.



#أسعد_الخفاجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات عائد الى الوطن: الجهل يقتل أهل الفلوجة
- حكايات في عيد الميلاد
- الثوابت والمتغيرات في فكرنا السياسي
- واقعة عاشوراء الدروس والعبر
- نهاية الثقافة الانعزالية
- العولمة الإسلامية والتغيير الأمريكي
- مستقبل الديمقراطية مرهون بدستور عقلاني
- دمعة على الشهيد أبي جناس
- الطاقة النووية سيف ذو حدين بين بشاعة الاستخدام العسكري وحتمي ...
- الضالان- في غابة شيكاغو لمحمود سعيد متن روائي واقعي مفعم بال ...
- وجهة نظر لإغناء جدل قائم - عجز الخطاب الطائفي عن إطفاء الحرا ...
- ثلاث نصائح ذهبية للمقاومة أبعثها مع -شيخنا الجليل -
- السلطة السياسية العراقية اختيار القيادة الجديدة للعراق اشكال ...
- الأحزاب العراقية والديمقراطية أول أختبار حقيقي للحياة الحزبي ...
- قراءة نقدية في قصة ( سلامة ) للكاتبة أميرة بيت شموئيل
- أشكالية العلاقة بين المبادئ ومعتنقيها
- مازن والكابوس
- ذريعة الوطنية في مناهضة الحرب القادمة
- مصفوفة المعارضة العراقية
- قل الحق ولو على نفسك


المزيد.....




- -ارتكب أفعالا تنطوي على خيانة وطنه-..داخلية السعودية تعلن إع ...
- -حماس- تبدى موقفها من التقرير الاممي حول -الأونروا-وتحذر
- تحديث بشأن التحقيق حول مشاركة موظفين بالأونروا في هجوم حماس ...
- اعتقال المتهم الـ12 بالهجوم الإرهابي على مجمّع -كروكوس- في م ...
- غزة.. فضحت -حرية التعبير- الغربية وسخّفت تهمة -معاداة السامي ...
- -حماس- تحذر من وصاية أي جسم دولي على -الأونروا- كبديل عن الأ ...
- حماس تحذر من أي بديل عن الأمم المتحدة للإشراف على الأونروا
- حملة اغتيالات واعتقالات جديدة في الضفة الغربية
- قصف واشتباك مسلح.. ارتفاع حصيلة القتلى في غزة واعتقالات بالض ...
- اعتقال 8480 فلسطينا بالضفة الغربية منذ 7 أكتوبر


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أسعد الخفاجي - الهوية الوطنية كونترا الإنتماء القومي