أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد الخفاجي - مازن والكابوس















المزيد.....

مازن والكابوس


أسعد الخفاجي

الحوار المتمدن-العدد: 395 - 2003 / 2 / 12 - 05:30
المحور: الادب والفن
    


 

قصة سياسية قصيرة

الاثنين 10 فبراير 2003 05:00

 

كان مازن نائماً في سريره قرير العين هانئاً في غرفته المجاورة لغرفة والديه. كان يحلم بوالديه على الدوام! وحسبما يقوله علماء النفس فأن الأحلام مسرح يعبر ضمير الأنسان من خلاله عن المشاعر والخلجات الحقيقية في الواقع المعاش. مازن طالب الثانوية هذا كان متعلقاً بأبيه كثيراً. ولطالماأستمع اليه أصدقاؤه الطلاب وهو يتحدث بأحترام وأجلال عن أبيه الذي كان يدرس الفيزياء في المدرسة نفسها التي كان مازن يدرس فيها.

أبو مازن كان يستحق ذلك التقدير لأنه كرس جل وقته وأعصابه لتعليم الطلاب ولدفعه نحو طريق العلم ولحب الناس والتعاون معهم. وقد أطلق قسم من الطلاب عليه أسم (الأستاذ أبو الأضافي!) لأنه نادراً ما كان يكف عن الشرح في الصف قبل أن يدق جرس الحصة القادمة! لم يعجب هذا التصرف جميع الطلاب بالطبع لذا شرعوا بأغاضة مازن (بقصد المزاح) وتكرار هذا اللقب (الطلابي) على والده كلما التقوه في ممرات المدرسة! وأذا كان موضوع الدرس هو الحركة البسيطة فأن الأستاذ أبو مازن لم يكتف بالقوانين المذكورة في المنهاج الدراسي بل يتعداه الى أعطاء صورة مبسطة للقوانين الكونية العامة الأخرى ذات الصلة كالنظرية النسبية مثلا وغيرهاً!! متعللاً بالقول أن "الوقت المتاح لا يكفي للحاق بالعالم المتمدن لذلك ينبغي على العراقيين أن يختصروا الزمن!"

ومن أبي مازن سمع الطلاب بالأبستمولوجيا والديالكتيك والبراجماتية والميتافيزيقية وغيرها من المصطلحات التي لاتعرفها المناهج الدراسية!! وكما هو الحال مع الطلبة فمنهم من كان متحمساً لأسلوب الأستاذ أبو مازن في التدريس ومنهم من كان يتذمر! وكان البعض من الطلاب يكرهون أبو مازن (لأنه كان يتفلسف أكثر من اللازم وهم لايريدون من المدرسة سوى تمضية الوقت!).

كان ذلك في ليلة الثامن من شباط عندما قطع الكابوس الرهيب على مازن حلمه الجميل. رأى مازن خلال الكابوس الذي كان يشبه الحقيقة جماعة من الطلاب الذين لا يحبون طريقة ابيه في التدريس ويعدونه مضيعاً لوقتهم وهم يكبلون يدي والديه بالحبال بقسوة وغلظة ويضعونه في كيس قديم ثم يربطون الكيس. وبعد لحظات جعلوا يطعنون الكيس بحراب بنادق الكلاشنكوف. ولم يكن مازن قادراً على مساعدة أبيه وهو في داخل الكيس يتلوى من الألم. صب الطلاب النفط على الكيس ورمى أحدهم عود ثقاب عليه دون أكتراث وهو يقول:
"خلي الفلسفة تنفعك يا ابو الأضافي؟!" شبت النار ملتهمة الكيس وأبو مازن في داخله في لظى عالية حتى كادت أن تحرق وجه مازن!
هب مازن من الفراش فزعاً مرتجفاً يتصبب العرق من جسده الشاحب وقد نشف ريقه وتيبست مفاصله. وبعد لحظات أسترجع خلالها توازنه فأدرك أنه تعرض لكابوس لا غير! الحمد لله!

هرع الى المطبخ وفتح الثلاجة ثم أخرج منها قنينة عصير. شرب نصف القنينة وجلس هنيهة على أحد كراسي المطبخ قريباً من الثلاجة وهو يرنو الى صورة المجموعة الشمسية المعلقة جنب الثلاجة. غداً سوف يعرضها على الصف. انها المشروع العلمي السنوي الذي أعده مع زميل آخر. وعلى أشعة مصابيح الشارع المتسربة الى المطبخ بدأ مازن بالحلم الذي طالما كان يراوده! مازن يحلم بأن يصبح عالماً للفضاء! لكن فكرة طارئة سرعان ما جذبت مازن الى غرفة والديه! كانت الباب نصف مفتوحة. بهدوء وبطء مد مازن رأسه ليتفقد أبيه!! رغم رسوخ العلم في عقل مازن فأنه يظل أسيراً لتأثيرات التراكمات الميتافيزيقية التي حشتها في ذهنه جدته في صغره عن الطنطل والسعلوة وممالك الجن وغيرها! كان ابو مازن يغط في نوم عميق ومما زاده أطمئناناً سماعه (للموسيقى التصويرية) الصادرة عن فم ابيه الفاغر! هكذا كان مازن يسمي ذلك النوع المتميز لشخير والده!

وفي الصباح لم يقص مازن على أمه ما شاهده في الكابوس الذي أقض مضجعه الليلة الماضية. سوف يعجز حتماً عن وصف ما رآه في ذلك الكابوس من مناظر غير عادية! كذلك فهو لايريد لأمه أن تجزع أو أن تبدأ معه فصلاً من التحقيق! سوف تحاول معرفة كل التفاصيل التي عاشها مازن خلال الكابوس لغرض تفسيره!

وقلق مازن حينما شاهد أمه في الصباح بالمطبخ وهي تولول.

 "ماذا حدث يا أماه؟!"
" أبوك يقول أن الجمهورية في خطر! هناك أنقلاب ضد الزعيم!"
كان أبو مازن قد غادر الدار منذ الصباح الباكر بعد أن سمع من المذياع بيانات تدعو الناس الى قتل الشعوبيين والملحدين أنصار الزعيم قاسم العراق!
"بيان صادر الى افراد الحرس القومي الأبطال: أقتلوهم أبيدوهم نظفوا العراق العربي المسلم من أدرانهم!"
كانت المذيعة تعصر صوتها لتزيده أقناعاً وتحريضاً. ولم تكف تلك المرأة عن دعوة الناس الى القتل والأبادة والسحل حتى المساء. في وقت متأخر من المساء قلق مازن وأمه لتأخر والده عن العودة الى الدار. ولا يعلمان الى أين ذهب. لم يكن من عادته التأخر هكذا. كان يقول لزملائه الذين يريدون منه مرافقتهم الى النادي:

"أحلى الأوقات يقضيها الأنسان مع عائلته!" هذه هي فلسفة أبو مازن, فماالذي ياترى حصل له لكي يبدل عادته؟!

وفي التاسعة مساء سمع مازن وأمه طرقاً عنيفاً على الباب الخارجي. خرجا ملهوفين لأستقبال أبى مازن! هكذا فكرا. غير أنهما على الضد من ذلك شاهدا أمام الدار سيارة جيب روسية قيادة وكان شخصان يرتديان البدلة العسكرية ومتنكبين للبندقية الكلاشنكوف وأمامهما كان كيس ملطخ ببقع حمراء! نظر مازن الى الشخصين فكانا جسام وعبد الزهرة الطالبين في مدرسته! جعل ينقل نظره بسرعة من الكيس الى وجه أمه الى الطالبين المنتصبين هناك أمامه يعلو هيئتيهما زهو وفخر مصطنعان. بعد ذلك توجه الى والدته بنظرة فيها الف سؤال. وفجأة قطع عبد الزهرة على مازن حيرته قائلاً بصوت طفولي وهو لم يتم بعد السابعة عشر من العمر يتصنع الخشونة فجاءت الكلمات وكأنها صادرة عن ممثل هاو في فلم مصري:
"خذا الوالد الشعوبي عدو القومية العربية الملحد الفوضوي!"
صرخت أم مازن بصوت مجلجل:
"لا! ليش ربي؟ ليش؟!"
أدرك مازن أن الكابوس الذي رآه الليلة الماضية لم يكن الا حقيقة! وفي لحظات مرت بسرعة البرق تدافعت أمام عينيه عشرات الصور المبهمة وخيمت في رأسه الصغير سحابات سوداء مشحونة بالشك والريبة! وشعر كأن الدم في عروقه بدأ يغلي وأحس أنه بدأ يصرخ بصوت أعلى من صرخات أمه لكن أذنيه لم تلتقطا نبرة من صرخاته الرهيبة! راح مازن يصرخ ويولول دون أن تتحرك شفتاه! كالبركان الذي يغلي في داخله قبيل الأنفجار! وللحظات توقع مازن أنه سوف ينفجر! ألا أن شيئاً من ذاك لم يحصل!

 هذه الحالة التي أسرت مازن لدقائق لازمته لسنين طويلة. تأتيه هذه الموجة من الصراخ والعويل الصامتين (يطلقهما) مازن لدقائق دون ضجة ثم ما يلبث أن يشعر بالطمأنينة والراحة! وقد سماها صديقه حسام الذي تعرف عليه فيما بعد في براغ محل أقامة مازن في الغربة حتى اليوم:
الصيحات الصامتة!

يتذكر مازن أن صرخته الصامتة في مساء 8 شباط بعد القاء نظرة على جسد ابيه الملئ بالطعنات و المسجى في كيس مطرز بالدم شملت أسئلة كثيرة غير مترابطة مثل:

أهذا جزاء من يساعد الطلاب؟
ولماذا يسفك طالب دم أستاذه؟
 أهذه هي حقاً العروبة؟
أهذه هي الثمرة الحرام للفتوى الخبيثةالمتعطشة الى دم الفقراء والمخلصين ؟
أهذا هو مصير كل من يحب الناس الطيبين والأرض والتقدم؟
ويقول كلمة الحق؟

مرت على تلك الواقعة أربعون عاماً وما يزال مازن يطرح الأسئلة عينها في صرخاته الصامتة التي يطلقها بين الحين والآخر للتنفيس عن كربته ولأعادة الطمأنينة مؤقتاً الى قلبه.
ولا من مجيب!

وقد أضاف مازن الى أسئلته تلك عدداً آخر من الأسئلة بعد أن تعلم حقيقة (الكابوس) و(عروس الثورات) وما هي العوامل التي أدت الى تلك الكارثة القومية والأنسانية الكبرى في تأريخ العراق الحديث.
علم أن العديد من عناصر الشر والباطل قد ساهمت في خلق ذلك الكابوس. فبالأضافة الى الأطماع البشرية للأقطاعيين في ثروات الفقراء من الفلاحين وتخوف الدول الأجنبية من نهضة حقيقية لشعب جرئ كان هناك عامل التحريض الصريح والسافرعلى قتل والده الذي صدر عن أحد أدعياء الدين الملالي الذين فرضوا أنفسهم أوصياء للناس حيث قال ذلك المتعطش للدماء موجهاً كلامه الى الجهلة من الذين يخشون العلم والتنوير من أتباعه:
"أن قتل ابو مازن وأمثاله واجب عليكم الى يوم الدين!!"
ومن تلك الدوافع تكالب أدعياء القومية العربية من عبيد أسطورة: (الأمة العربية الواحدة من المحيط الهادر الى الخليج العاهر لبيك عبد الناصر!".
تلك الأسطورة المحمومة لم تتحقق لحد اليوم بل أستبدلها أدعياؤها بضم الفروع الى الأصول وأحتلال الأراضي الشقيقة و الذي أدى الى هيمنة الدول الكبرى في أراضي النفاق والجهل (العربي) و في أرض الرافدين الذبيحة. وآخر الأسئلة التي أضافها مازن الى صرخاته الصامتة:
"بأي وجه ياترى تمنع الضحية العالم من ذبح جزارها؟!
كتبت بمناسبة مرور أربعين عاماً على أستشهاد العراقي أبي مازن مدرس الفيزياء (الشعوبي) المتألق.

خاص بأصداء




#أسعد_الخفاجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذريعة الوطنية في مناهضة الحرب القادمة
- مصفوفة المعارضة العراقية
- قل الحق ولو على نفسك
- تنوعه الأيديولوجي هو سر قوته
- المواقف المتناقضة من تغيير النظام العراقي
- سطحية اليسار العربي ...مرضه الطفولي!!
- 103 من أحرار الكويت يتميزون على كافة الأشقاء العرب!
- اليسار العراقي في قفص الاتهام!


المزيد.....




- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد الخفاجي - مازن والكابوس