أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء1:















المزيد.....



سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء1:


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4387 - 2014 / 3 / 8 - 12:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ردنا على فرية: أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية 1 لسامي الذيب:

يقول الذيب العجيب إنَّ هناك المئات من الأخطاء اللغوية والإنشائية في القرآن. وإنَّ خطرفته هذه قد بدأت في الفيسبوك بصفحة عنوانها "أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية"، وانه يدعوا للانضمام لها. وقال إنَّه سوف يعرض في تلك الصفحة تباعا بعض هذه الأخطاء مأخوذة من طبعته للقرآن التي يدعيها. إذاً هذا الخبيث يدعي أن عنده طبعة مشوهة للقرآن،، هكذا بلغ الهوس والسخب بهذا المخبول الجاهل، وهو يسخر من الناس ويمعن في الإستخفاف بعقولهم، فهو إمتداد طبيعي لأناس مغمورين سعوا إلى الإشتهار بالسفه والإستهتار بالناس ومقدساتهم فبلغ بهم التطاول حتى على الشوامخ دون رادع من ضمير أو حياء أو قانون. ورغم سخافة الموضوع وضآلة قدر مبتدعه،، إلَّا أننا قرننا أن نضع النقاط على الحروف، حتى نخرص هذا الضوضاء المزعج ونستأصل شأفته من ساحة الفكر وذلك بإظهار نواقصه وعيوبه وأكاذيبه المفضوحة المخزية التي يريد أن يتخفى عنها برمي غيره بها بإسلوب الحواة والمشعوذين والدجالين،، ظناً منه أن الساحة خالية يسرح فيها ويمرح دون رقيب عليه، وسيرى أنَّه قد وقع في خطأ عمره، بعد أن يرى بأم عينه الوهدة التي ألقى نفسه فيها من الخزي والخزلان والخيبة بإذن الله تعالى.

يقول إنه قد أعد إفتراءآته تلك في عدة صفحات ثم وزعها عليها، وإنَّ الصفحة الأولى هذه ستقتصر على مناقشة لغة القرآن وليس المضمون كما لو كان يناقش لغة كتاب جغرافيا أو فيزياء (أي هل اللغة صحيحة أم لا). ولا ندري ما علاقة اللغة بالجغرافيا!! وما علاقة الجغرافيا باللغة وما علاقة اللغة بالفيزياء!!! على أية حال دعونا نصل مع الكذاب إلى باب الدار، كما يقولون.
ثم قال،، ولبئس ما قال: ((-- فلا نناقش أخطاء القرآن العلمية ولا مدى مطابقته لحقوق الإنسان (كالرق والمساواة والعقوبات وغيرها). وإنه سينقل للقراء مقالات متلاحقة كل عشرة أخطاء على حدة للاستفادة من تعليقات القراء --)).

ما أغرب حال هذا الدعي الجاهل،، يريد أن يناقش أخطاء القرآن "كما يدعي"، وهو لا يستطيع كتابة فقرة واحدة دون أن يقع في أخطاء لغوية وبيانية وإنشائية عديدة فادحة تكشف عن مدى تعمقه في الجهل وأصالة فقره للحس البياني السليم.

وقد حدد أهدافه في النقاط التالية:
1. قال: ((-- بطبيعة الحال لهذه الأخطاء عواقب عقائدية عند من يرى أن القرآن كتاب منزل من عند الله معصوم عن الخطأ في المضمون واللغة --))، فبلغت به السذاجة أن يحاول إثبات أن القرآن غير معصوم من الخطأ، يريد قطع الماس بقطعة من فحم نباتي هش. ونقول له في ذلك أنه بمحاولته هذه سيقدم لنا خدمة كبيرة ويوفر لنا فرصة مقدرة لإزالة كثير من الغبش الذي يحاول هو وأمثاله من المتبرصين نشره بإستماتة ليطفئوا نور الله بأفواههم ... ولكن هيهات ... فالله متم نوره (أقسم لك على ذلك)، ولو كره الكافرون. وسترى بنفسك أنك قد ساهمت مساهمة عملية في التأكيد على أن القرآن معصوم ولن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،،، لا أقول لك تحلى بالصبر لأنه نور، ولكن فقط إنتظر وسترى وتسمع.
2. ثم قال: ((-- فالقول بأن في القرآن اخطاء لغوية، ينسف هذا الاعتقاد. ولهذا السبب من المستحيل أن يقوم استاذ في الدول العربية والإسلامية بعرض هذه الأخطاء تحت طائلة اعتباره مرتدا --))،، فبلغ به الوهم والخبل أن يتصور إمكانية نسف حقيقة أن القرآن فوق طاقة البشر والجن من النيل منه،، وسنثبت له هذه الحقيقة من خلال طرحه البائس،، وسيدرك تماماً أنه كان من الخاطئين،، وسيخيب ظن الذين وثقوا فيه ودعموه ومولوه.
3. ثم قال أيضاً: ((-- ولكن هذا ليس موضع اهتمامنا هنا. علما بأننا نرفض فكرة الوحي جملة وتفصيلا ونعتبر التوراة والإنجيل والقرآن كتبا مكدسة وليس كتب مقدسة --))، ولكن ليته يخبرنا "من يكون هو" وما وزنه وقيمته حتى يرفض فكرة الوحي أو يقبلها؟ وما تأثير ذلك على الواقع، وما هي المعايير التي يستند إليها؟ وأية مصداقية أو أمانة علمية لديه؟
أما التوراة « التي نزلت على موسى » ولم يطرأ عليها أي تغيير، هي كلام الله تعالى ولكن إعجازها اللغوي لا يقاس باللغة العربية لأنها نزل بلسان قوم موسى العبري، لذا فبلاغتها وإعجازها باللغة العبرية لا يضاهيه قول عبراني آخر غيره، أما العربية فهي مترجمة إليها، ولا تقاس بلاغته بها، وكذلك الحال مع الإنجيل، أما القرآن الكريم فها هو ذا يرد عليك مباشرةً وسينسيك لبن الرضاعة، وسينزل بك هزيمة نكراء يشهد بها الصديق قبل الخصم،، وسترى إن كنا على حق أم على باطل. فما دام أنك طلبت النزال، فعليك الإستعداد لتحمل وخز الهزيمة ومرارتها،، فقط إنتظر لترى وتسمع لعلك تعي.
4. ثم يقول: ((-- والقرآن كأي كتاب بشري يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ في المضمون واللغة. ونود ان تكون هذه المقالات وصفحة الفيسبوك نافذة لحرية التعبير لمن يشاء. ولا حجر على رأي مهما كان، مؤيدا أو مختلفا لي --)). إن كان حقاً لك رأي لحررت به فلسطين بدلاً عن الهروب منها واللجوء إلى من سلبها منك وأعطاها للصهاينة وجعلك لاجئاً.
5. ثم يقول أيضاً: ((-- فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. وأنا شخصيا أتعشم أن اتعلم من الجميع، المؤيدين والمخالفين --)). نقول له،، أنت لا تعرف ما معنى مقدسات،، لأنه ليس لديك منها شيء ولا تعرف معنى عقيدة ورب وآخرة ،،، لذلك تظن أن هذه المقدسات متاحة للسفهاء والمارقين. فالذي يسيء مقدسات الآخرين لا يمكن أن تتوقع منه ود،، بل تربص وعداء وإعتداء وهذا هو حالك الذي أنت فيه دون أن تشعر. عزاءنا أن الله قد إدخر لك هذا عنده، ولن يمهلك كثيراً فالعمر قصير مهما طال ففي النهاية ستلقى الله ويحاسبك على ما قلت وفعلت. أما قولك بأنك تتعشم أن تتعلم من الجميع، فهذا تواضع كبير منك،، فما دمت "تصحح القرآن الكريم نفسه"، فلا شك في أنك معلم للجميع وليس متعلماً،، اليس كذلك أيها العبقري الفذ؟؟؟

ثم بدأ في عرض إفتراءاته الداعية للسخرية، والتي قال إنها أخطاء في القرآن الكريم (اللغوية والإنشائية)، وقد نشرها في خمسة مواضيع (صفحات) منفصلة، كل صفحة منها تحتوي على عشرة أخطاء حسب فريته الهزلية المضحكة. فقررنا أن نرد على كل فرية (خطا) على حدة بالتفصيل، حتى يميز الخبيث من الطيب، ونخرص هذا النعيق والنهيق "علمياً" وعملياً، كما هو دأبنا منذ أن بدأنا النشر بهذا الموقع. علماً بأنه قد بدأ حملته المغرضة على القرآن الكريم تحرشاً بالمسلمين وإساءة وإعتداء مباشر عليهم دون أي مبرر سوى التطاول والإرهاب الفكري المبرمج، التالي:

الخطأ 1:
قال تعالى في سورة يوسف: (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ « وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ »)، فإدعى أبو جهل أنَّ هذه الآية الكريمة بها خطأ لغوي وإنشائي في قوله « وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ »،، هكذا عرض ما إدعى بأن فيه الخطأ الأول الذي إصطادته عبقريته الفذة وملكاته البيانية واللغوية والإنشائية التي إستطاع بها أن يتجرأ على قول الله تعالى، فقال الصحيح هو (ونحن به زعماء!!).

ردنا وتفنيدنا لهذا الخطأ المزعوم نفصله فيما يلي:
أولاً: قبل مناقشة أفكاره وشطحاته وسقطاته،،، فلنر هل هذا الشخص مُلِمٌّ باللغة العربية حقاً، وهل قدراته فيها تكفي لفهم تراكيبها البيانية والبلاغية؟ فإن قلنا بأنه يفتقر تماماً لملكة اللغة العربية وتراكيبها ثم خلو وجدانه تماماً من الحس البلاغي والبياني الذي تزخر به لغة الضاد "تفرداً" على جميع اللغات التي عرفها الإنسان، هل نكون قد بالغنا أو إبتعدنا عن الحق والحقيقة؟

ثانياً: فلنر ما هو تقييم رب التوراة والإنجيل بصفة عامة، ثم ألقرآن الكريم بصفة خاصة، للمكذبين الضالين؟،، وهل ما أكده وجزم به بأن أمثال هؤلاء الضالين يستحيل عليهم أن يفقهوا القرآن؟ وعليه فمن البديهي - و"تصديقاً للقرآن الكريم" - أن يأتي سلوكهم مؤكداً لهذه الحقيقة؟ ... ونحمد الله كثيراً أن جعلهم يكشفونها بأنفسهم، وهذا نموذج من "مكر الله تعالى" فهو خير الماكرين. قال تعالى في سورة فصلت: (« وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ » - «« أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ »»؟ - قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا «« هُدًى وَشِفَاءٌ »» وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ «« فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَٰ-;-ئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ »»44).

فهل صاحبنا المدعي العبقري يُعْتَبَرُ هو وأمثاله من الذين آمنوا أم من الذين لا يؤمنون؟ ... فإذا رجعنا إلى ما صرح به أعلاه ، نجد أن الرجل بنفسه قال إنه لا يؤمن بالوحي إبتداءاً،، وبالتالي ماذا قال صاحب الوحي عنه وعن أمثاله "تحديداً"؟؟؟ ... قال الآتي:
1. «« فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ ... »» ... وهذا يعني أنه يستحيل عليهم أن يسمعوا كلام الله تعالى "سماعاً فعالاً"، لخَتْمِ (الحجر على) البصيرة لديهم، فلا يستطيعون أن يسمعوا عبرها شيئاً،
2. «« ... وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ... »»،، وهذا يعني أنه يستحيل عليهم أن يدركوا آياته ببصيرتهم وإن أدركوها ببصرهم الذي لن يفيدهم شيئاً،
3. «« ... أُولَٰ-;-ئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ »»،، وهذا يعني أنه من المستحيل عليهم أن يسمعوا أو يروا من ذلك المكان البعيد "إطلاقاً" وهذا تأكيد عملي للمقصود بالسمح والإبصار.
4. وبجانب ذلك علينا أن نصطحب معنا قوله تعالى عن لغة القرآن في هذه الآية تحديداً،، قال: «« أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ »»؟ حتى نرد على الذيب وعلى ترجماته للقرآن إلى ألفرنسية و الانكليزية والإيطالية... الخ.

ثالثاً: نأتي الآن إلى الآية المحكمة الأولى التي إدعى صاحبنا أنَّ بها خطأ لغوي وإنشائي،، ولكن فلنبدأ من قوله تعالى في سورة يوسف: (« فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ » « ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ » 70)،، فنطرح على هذا الدعي الأسئلة التالية:
1. من الذي (« جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ ... »؟ « ... جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ »؟ ... هل هو يوسف منفرداً، أم معه غيره؟ ... لا أعتقد أنه بالإمكان صرف الذهن إلى أحد غيره.
2. من هو أو بالأحرى،، من هم الذين أذَّنُوْا في العِيْرْ،، هل هو يوسف نفسه أم غيره؟،، وإذا كان غيره، هل هو واحد فقط أم أكثر من جنوده أو العاملين عنده؟؟ بالطبع هم مجموعة ليس من بينها يوسف. ولن يكون عددهم قليل لأنه من غير المتوقع أن تكون العير محصورون في فندق أو برج حتى يوفد إليهم مندوب سامي واحد ليؤذن فيهم.
3. أيعقل أن يكون يوسف هو الذي أذَّنَ في العير وهو صاحب السلطان والمقام المرموق وتحت إمرته العبيد والعاملين والجنود الكثيرين؟
4. وهل العير يكفيها مؤذِّنٌ واحدٌ فقط أم عدد منهم؟؟؟ بالنسبة للآية فهي تقول: (قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ 71)، إذن هم أكثر من واحد من أتباع يوسف (خدماً أم جنوداً),
نستخلص من هذه الأسئلة أن يوسف عليه السلام هو الذي وضع السقاية في رحل أخيه، بينما أمر عدد من أتباعه بأن يُؤذِّنُوا في العير بأنهم سارقون،، والدليل "ضمير الجمع" في قوله تعالى: « قالوا وأقبلوا... »).

رابعاً: نأتي إلى رد المؤذنين على سؤال العير،، في قوله تعالى: (« قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ » - « وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ » 72), فنطرح على هذا الدعي الأسئلة التالية:
1. من هم الذين أعلنوا المكافأة التي حددها لهم يوسف عليه السلام فبلغوا بها العير؟، أيعقل أن يتخذ العاملون من خدم أو جنود أو أتباع، قراراً من عند أنفسهم بتحديد قيمة المكافأة وتبليغها للعير أم أنَّ يوسف هو الذي حددها وأمرهم بأن يبلغوا بها للغير؟
2. من الذي يلتزم ويعطي ضماناً موثقاً مؤكداً بأن المكافأة سيكون هو الضامن لها،، هل هو صاحب السلطان والقرار "يوسف تحديداً" أم العاملون الذين يأتمرون بأمره ؟؟؟
نخلص من ذلك إلى أن الذي وضع السقاية في رحل أخيه ، والذي حدد قيمة المكافأة والذي إلتزم بضمان إيصالها لمستحقها هو يوسف بذاته وشخصه. أما المؤذنون فهم جماعة من عماله وأتباعه. وبالتالي عندما يعلن إلتزامه هذا لهم، فلابد أن يستخدم ضمير المتكلم (أنا)، وليس لعاقل يفهم السياق أن ينصرف تفكيره إلى ضمير الجمع (نحن) إلَّا من سفه نفسه من البلهاء والأميين والأعاجم.

إذاً الآية لا يمكن أن تكون إلَّا كما وردت في القرآن: (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ « وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ » 72). "بضمير المتكلم المفرد،، لأن الذي سيضمن المكافأة الموعودة للعير لن يكون سوى صاحب القرار الوحيد وهو يوسف عليه السلام، مطمئناً لهم ضمانه وإلتزامه بالمكافأة لمن جاء بالصواع لذا قال: (« وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ »).

هنا لدينا بعض الملاحظات:
أولاً: أي شخص له خبرة باللغة العربية والإنشاء بأي مستوى يدرك تماماً أن عبارة الدعي التي قال فيها: (انتقال من جمع المتكلم إلى مفرد المتكلم)، يعرف أن صاحبها فقير للمعرفة باللغة العربية،، ومغبون فيها، فالتعبير المستخدم عند النحاة هو (ضمير المتكلم، وضمير الجمع)، أو حتى (ضمير المتكلمين). وحتى العبارة نفسها ليس فقط ركيكة، بل هي غريبة وشاذة.

ثانياً: إن تشكك الدعي في عبارة: (« وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ »)، التي قالها يوسف صاحب القرار،، ثم إستبدالها بعبارته الجوفاء الساذجة الخرقاء: (« ونحن بِهِ زعماء »)، إنما تحول صلاحية القرار من صاحب السلطان إلى العبيد أو الجنود المأمورين وهذا فقط يعتبر دليل على إفلاسه وضعف قدراته اللغوية وضآلة حسه الإنشائي ولا أقول البلاغي.

ثالثاً: لاحظ انَّ عبارة (ونحن بِهِ زعماء) التي إبتدعها صاحبنا، تعتبر كُوْرَآلاً لا تنطق به بالتزامن إلَّا جوقة من المغنيين أو المنشدين من أولئك العاملين لدى يوسف عليه السلام ينشدونها على وقع الدفوف أو الطبول، وتحتاج منهم إلى بروفات حتى يصدحوا بها معاً في وقت واحد (نحن !!!! )، لترضي ذوق وتطلعات الذيب. ولا يغيب عن أحد ضرورة أن يُعْطُواْ أولاً هَذِهِ الصَّلَاحِيَّة ويُكَلَّفُوا بها من قبل يوسف عليه السلام مسبقاً. إنه لفكر مريض، وبلا شك فإن صاحبه سيصبح بهذه السقطة اللغوية البلاغية البيانية مهزلة بأن يكون قد سجل أول صفعة مباشرة له في الصميم،،، تشهد عليه بالجهل والتهور.

فلنترك هذا السفه جانباً ولننظر للآية الكريمة من عدة جوانب أخرى:
أولاً: دعونا نقوم بإعراب قوله تعالى (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ 72)؟ لنقف على سلامتها من الناحية اللغوية والإنشائية، فيما يلي:

الإعراب:
قالوا: ... "قالَ" فعل ماضٍ مبني على الضم لإتصاله بواو الجماعة،، و "الواو" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل،، والألف فارقة،
نفقد: ... فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره،، والفاعل ضمير مستتر تقديره "نحن".
صواع: ... مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة،، وهو مضاف، و "الملك"، مضاف إليه مجرور بالمضاف وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
الواو: ... حرف عطف،
لِمَنْ: ... "اللام" حرف جر،، "مَنْ"، إسم موصول بمعنى الذي، مبني على السكون في محل جر،
جاء: ... فعل ماضٍ، مبني على الفتح لا محل له من الإعراب،، والفاعل ضمير مستتر نقديره "هو",
به: ... الباء حرف جر، و"الهاء" ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالباء متعلق بالفعل (جاء)، والجملة صلة الموصول، والجار والمجرور في محل رفع خبر مقدم،
حمل بعير: ... حِمْلُ مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة، وهو مضاف،، و "بَعِيْرٍ" مضاف إليه مجرور بالمضاف وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
وأنا: ... "الواو"، حرف إستئناف،، و "أنا" ضمير رفع منفصل، مبني على السكون في محل رفع مبتدأ،
به: ... "الباء" حرف جر، و "الهاء"، ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر بالباء،، والجار والمجرور في محل رفع خبر مقدم وجوباً،
زعيم: ... مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة،، والجملة الإسمية من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.

نموذج لبلاغة القرآن وفن البيان وروعة الإنشاء:
أنظر إلى هذه الصورة البلاغية البديعة في رد يوسف عليه السلام على إمرأة العزيز متعففاً رافضاً لمراودتها إياه عن نفسه،، ومبرراً تعففه بالصورة التي جاءت في قوله تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ - قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ « إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ » - « إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ » 23 ). فلنناقش معاً هذا التركيب بيانياً وبلاغياً فيما يلي:
1. قال لها: " مَعَاذَ اللَّهِ" أنْ أقوم بمثل هذا العمل الشنيع والغدر المريع، وعدم الوفاء لمن أكرمني وآواني في داره وإئتمنني على أهل بيته لذا قال لها (إِنَّهُ رَبِّي)، هنا الضمير "إسم إنَّ" يقصد به "ربه - سيده" وهو زوجها الذي أجزل له العطاء وله فضل كبير عليه، لذا أردف قائلاً "أحسن مثواي"، فلا يمكن أن أقابل هذا الفضل بالغدر،
2. أما الضمير المتصل الواقع "إسم إنَّ" في كلمة "إنَّهُ" الثانية يقصد به "ربه - الله تعالى" هذه المرة، لذا أردف قائلاً هنا " إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ". علماً بأن كلمة "إنَّهُ" في الحالتين – من حيث الرسم والتركيب – واحد لا إختلاف بينهما، ولكن من حيث المدلول فهما تختلفان تمام الإختلاف لأن الفاعل في كل منهما غير الآخر، وهذه من الروائع التي تفرد بها القرآن الكريم وهناك نماذج منها كثيرة لا تحصى بهذا الكتاب المعجز.

لا تلعب بالنار يا هذا،، فتحرق أصابعك،، وبالإحباط والإخفاق ستحرق وجدانك كما فعلت بغيرك من قبل، وهم أكثر منك مالاً وقدرات وأعز نفراً.

**********************************************************

الخطأ 2:
الآن نأتي إلى الآية المحكمة الثانية التي إدعى صاحبنا أنَّ بها خطأ لغوي وإنشائي،، وذلك في قوله تعالى في سورة التكوير: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ 26)، فجنح به فكره وجمح به خياله المريض المنحرف، فقال إنَّ الصحيح أن تكون الآية هكذا: (فإلى أين تذهبون). وطبعاً – كعادة هؤلاء المرجفين – ليس لديهم دليل علمي ولا برهان ولا معايير يبررون بها توجههم ويصدقون بها إفتراءاتهم الشاذة.

لقد جاءت قبل هذه الآية الكريمة عدة آيات عرضت وعيداً مفصلاً للمكذبين بالله ورسوله، وحددت ما سيلاقونه يوم القيامة بقسم مغلظ، قال لهم فيه: (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ 12)، (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ 13)، (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ 14)، فأكد لهم عبرها إستحالة هروبهم من الوعيد ولن يكون لهم ملجأ أو محيص منه، لذا فقد صاغ الله تعالى هذه الإستحالة المُيَئسِّة لهم في آية كريمة من كلمتين فقط، قال فيها: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ 26)، يومئذ؟؟؟.

ولكن الشئ المحزن حقاً أنَّ كل الذين يتطاولون على كتاب الله ويخوضون فيه هم ليسوا أهل فكر أو علم حتى بأبسط أصول اللغة أمثال صاحبنا، وزكريا بطرس ورشيد المغربي ووفاء سلطان،، وغيرهم، وإنما في الغالب الأعم هم من الجهلاء الأدعياء "طلاب مجد وشهرة" ما هم ببالغيها، فتخيل مأساة فارسٍ مغوارٍ ينازله قذم رعديد!!!
على أية حال – كما يقول أهلنا في مصر بالعامية – "المَيَّةْ تِكَدِّبْ الغَطَّاصْ" – فنحن لا نرضى، بل ولا نقبل بأي سفه أو قول مرسل، بل نتحرى المعايير العلمية الصحيحة لقبوله أولاً على علاته، ثم بالأدلة والبراهين لتصديقه. لذا، فلنجرب ميزان اللغة من حيث البناء والتركيب والإنشاء، وهذا يتأتى بإعراب الآية الكريمة أولاً،، ثم إعراب الفرية المدعاة من صاحبنا ثانياً،، عندها سنخرص الألسن لتتحدث الحقائق ويغلق باب الجدل والمغالطات الفارغة، والعبث السخيف.

فيما يلي إعراب قوله تعالى (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ 26)؟:
الفاء: ... هي رابطة لجواب شرط مقدّر،
أين: ... اسم استفهام، مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ،
تذهبون: ... فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، و "واو" الجماعة ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل،، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ.
فالصورة البلاغية في هذه الآية الكريمة واضحة وهي تعكس قوة الزجر والتهديد والوعيد، بل والتأكيد بحتمية سوء المصير للمكذبين، كل ذلك كان واضحاً فيها، صارخاً، بَيِّنَاً.

الآن إلى إعراب الفرية المدعاة، التي قال أبو جهل فيها (فإلى أين تذهبون):
الفاء: ... رابطة لجواب شرط مقدّر
إلى: ... حرف جر،
أين: ... اسم استفهام، مبني على الفتح في محل جر بحرف الجر "إلى"،، وشبه الجملة هذا (متعلق "بماذا"؟؟؟) فهو قطعاً لا يمكن أن يكون مثلاً "في محل رفع خبر مقدم" لأن العبارة ليس فيها ما يمكن إعتباره "مبتدأ مؤخر"، لذا ستظل عبارة ناقصة لا تفيد معنى بذاتها وليس بها رابط يربطها بما بعدها.
تذهبون: ... فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، وواو الجماعة ضمير متصل في محل رفع فاعل. وهذه الجملة مستقلة ليس بها ما يربطها بشبه الجملة السابقة.
لذا نتوجه لأبي جهل لعله يجاوبنا على بعض التساؤلات العديدة التي نختار منها ما يأتي:
1. هل جملته المشوهة هذه تؤدي الغرض الذي أدته الآية الكريمة؟
2. هل يرى أنها تنسجم مع سياق الآيات التي بهذه السورة، وتحقق جرسها الموسيقي الشيق؟
3. أعجز بطلنا الفذ من أن يأتي بنص غير هذا؟ على الأقل يكون كلاماً تاماً ذو معنى حتى إن كان مرسلاً أو مفترىً؟
على أية حال دعونا "نُرقِّع" و "نُرمِّم" له عبارته المشبوهة لعلها تكون أوثق له عندما يؤلف قرآنه الفرنسي الإنجليزي السويسري الجديد،، فنقول له، ألا يلزمك أن تقول ما قاله هابيل بعد قتل أخيه وعجز أن يواري سوأته فكان الغراب له معلماً فأصبح من النادمين؟ فإن تعذر عليه إقناع الغراب فنقترح عليه أبا فويثق فهو أقرب إليك وأنفع،، على أية حال عبارته العرجاء يلزمها مبتدأ لتكون كلاماً مفترىً مرسلاً كأن تقول مثلاً (فإلى أين « أنتم » تذهبون). ولكن على الرغم من إستقامة العبارة هكذا على الأقل (لغوياً وإنشائياً)، إلَّا أنها قد فقدت تماما عنصري الزجر والتهديد التين جاءت الآية الكريمة "اساساً" من أجل إفهامها للقاريء.

ألم نقل لكم مراراً ألَّا تلعبوا بالنار هكذا،، فتحرقون بها أصابعكم،، كما حرقتم بالإحباط والإخفاق وجدانكم وصدوركم؟؟؟

**********************************************************

الخطأ 3:
الآية الكريمة المحكمة من سورة عبس، عند قوله تعالى: (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ 20)، قال أبو جهل إنَّ بها خطأ لغوي وإنشائي،، ثم إفترى عبارة بديلة للآية قال فيها (ثُمَّ للسَّبِيل يَسَّرَهُ)، ظاناً ومتوهماً بأن فريته هذه أصوب من الآية الكريمة.
هذا الرجل حقيقةً لا يعرف اللغة العربية، وليس لديه حس أدبي ولا ذوق بلاغي بياني قويم، فهو ينظر إلى التراكيب البلاغية من الناحية الميكانيكية البحتة، ولا يعرف الصور الجمالية وعلم البديع، لفقدانه الملكة الفطرية التي أماتها الله في وجدانه. فمثلاً إذا عرضنا عليه قول الشاعر:
طرقت الباب حتى كَلَّ مَتْنَيْ *** فلما كَلَّ مَتْنَيْ كَلَّمَتْنَيْ
فقلت لها أيَسْمَىْ عِيْلَ صَبْرِيْ *** فقال أيَسْمَاْعِيْلَ صَبْرَا
فإنه بلا شك قد يقترح علينا الآتي: (طرقت الباب إلى أن كل متني ...) (فقلت لها يا أسمى نفذ صبري).

نقول لهذا الدعي بإختصار شديد:
أولاً: في الآية: (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ)، "السبيل" هنا مفعول به، والفاعل هو "الله تعالى"، لأنه هو الذي يسر السبيل، والفعل "يسر" والضمير المتصل، "الهاء" يعود على المفعول به "السبيل" وليس على "الإنسان" كما يظن هذا الجاهل المغبون. بمعنى أن (الله تعالى يسر السبيل للإنسان)، إذن الميسر هو السبيل, والميسر له هو الإنسان،، وليس العكس كما يدعي صاحبنا، الذي دائماً ما يخزله تفكيره، ويعبث برأسه وقلبه قرينه المتسلط عليه.

ثانياً: أغاب عن إدراك هذا الرجل أنَّ السبل هو الذي يُيَسَّرُ للإنسان، وليس العكس، فهل من عاقل يظن أن الإنسان هو الذي يسره الله للسبيل؟؟؟ ... ما هذا الذكاء الخارق "يا مضروب، يا شئي؟؟؟".

رابعاً: إذا نظرنا إلى العبارة المفتراة من هذا الدعي أبي جهل العصر، التي يقول فيها: (ثُمَّ للسَّبِيل يَسَّرَهُ)، نجد أنَّ هذا الخلل المنهجي متأصل في شخصيته وبنيته الفكرية المشروخة، فهو تماماً نفس الخطأ السابق الفادح يكرره للمرة الثانية بلا حياء. فكلمة (للسبيل)، نجدها شبه جملة من جار ومجرور، يلزمها إسم ليعمل لها كمبتدأ مؤخر كي تحسب شبه الجملة خبراً مقدماً، ثم بعد ذلك تأتي الجملة الفعلية: (يسره) المكونة من فعل، فاعله الضمير المتصل في محل رفع. هذا إذا تغاضينا تماماً عن الصور البيانية والبلاغية والتصويرية، وعلم البديع الذي هو جزء لا يتجزأ من التصوير والبيان القرآني الراقي البديع الفريد.

ماذا دهاك أيها الرجل؟؟؟ لماذا تضع نفسك في مثل هذه المواقف المذرية المخزية الساخرة؟؟ ترى ما العائد الذي تجنيه من هذا التطاول على مقدسات الآخرين بهذا القدر من الإعتداء اللا إنساني البشع، وما قيمته لك ولمن تبتغي إضلاله وتضليله؟ كان الأهون عليك أن تخرق الأرض أو تبلغ الجبال طولا أو تقنص للشمس، لحسبنا لك – على الأقل - شرف محاولة بلوغ المستحيل.

نكرر لك وللمتطاولين معك نصحنا بألَّا تعبثوا بالنار فإنها محرقة،، و ستأتي على أكفهم بعد أصابعكم،، كما أتت بالإحباط والإخفاق بوجدانكم وإستعرت في صدوركم.

**********************************************************

الخطأ 4
الآية الكريمة، من قوله تعالى في سورة القيامة: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ 14)، إدعى أبو جهل أنَّ بها خطأ لغوي وإنشائي،، ثم جادت قريحته الخربة بهذا العبارة (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِير)، التي أوحى بها إليه مولاه إبليس، فتراءت له أنها هي الصواب والآية المحكمة هي الخطأ.

إذاً،، فلنناقش هذه العقلية المتقدة والعبقرية الفذة العاصفة التي ما أتت على شيء إلَّا جعلته كالرديم، فالجهل هو نقص في المناعة المكتسبة للوجدان لذلك أول ضحاياه تدمير الفطرة التي تحتضن الإيمان فتموت البصيرة ... إن فاقد الشيء لا يعطيه،، ومن البديهي ألَّا يحسه أو يدركه. فالمؤمن يعلم أن هناك حاستان إثنان وليست واحدة فقط، إحداهما مادية ظاهرية،، تشاركه فيها كل الأحياء، وتتفوق في كثير منها عليه، وهي تتكون من كل الحواس الخمس (السمع، والبصر، واللمس، والشم، والذوق)، ولكن الحاسة الأخرى لطيفة خفية نورانية، وهي أشمل وأكثر تعمقاً وفعالية وخواصاً تتفاوت لدى الأصحاء من البشر وتنعدم عند مرضى القلوب، وقد سماها الخالق "البصيرة" التي تحتل "الوجدان"، وهي تتضمن ما يعرف مجازاً بالحاسة السادسة. وهذه الحاسة قدراتها تفوق بكثير قدرات ومجالات الحواس الخمس، فهي تدرك ما لا تستطيع إدراكه تلك الحواس الخمس، ولكنها تبقى مشتعلة ومتقدة في وجدان المؤمن، وتموت تماماً في وجدات الكافر والمشرك. والله تعالى يفرق بينها وبين الحواس الخمس تماماً فمثلاً "موتها مع بقاء الحواس الخمس يصوره الله تعالى في سورة البقرة عندما بين لنبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم عدم جدوى محاولاته لتحريك الإيمان في قلوب هؤلاء الكفار الذين سعوا للكفر والفساد والإفساد، وأن لا يتعب نفسه معهم، لإستحالة إيمانهم، فقال له: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا «« سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ »» أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ 6)، وقد برر تلك الإستحالة وعزاها لعدة أسباب أدت إلى موت « بصيرتهم » التي تحرك الإيمان في الوجدان، فقال: (خَتَمَ اللَّهُ « عَلَىٰ-;- قُلُوبِهِمْ » وَ « عَلَىٰ-;- سَمْعِهِمْ » وَ «عَلَىٰ-;- أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ » وَ « لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ » 7)، فإذا كان القلب والسمع مختوماً عليهما بالشمع الأحمر،، لا شئ يدخلهما ولا شئ يخرج منهما لخلوهما من الحياة، وقد غُشِّيَ على البصر (الموصل إلى، والمؤثر في البصيرة،، " وليس الإبصار ")، فلن يكون في هذه الحالة مخرج أو رجوع عن الكفر بأي حال من الأحوال،، والمبرر الأخير أنَّ هؤلاء الكفار قد حكم الله عليهم بالعذاب "مسبقاً" وبين نوع هذا العذاب الذي حكم به عليهم وهو "العذاب العظيم". فما جدوى محاولات النبي وإضاعة وقته وجهده معهم وهم ميئوس فيهم؟؟؟ إذن الكافر بصيرته معطلة في الحياة الدنيا بالختم تماماً.

أما المنافقين فقد ضرب لهم مثلين يبينان حالهم المتردي الذي هم فيه،، المثل الأول يصور "طمس البصيرة" عندهم، (والطمس أخف وطأة من الختم)، والثاني يصور الإبقاء لهم على السمع والبصر ضمن باقي الحواس الخمس لأنه لا قيمة لهما إن لم يؤثرا في إنعاش تلك البصيرة المطموسة خاصة وانها قريبة من خطر "الختم"، وذلك بالرجوع إلى الحق، ومن ثم فقد تركها لهم ولم يذهب بها عنهم. يصور الله تعالى هذه الحقائق في المثل الأول المتعلق بطمس بصيرة المنافقين، بقوله فيهم: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي « اسْتَوْقَدَ نَارًا » فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ « بِنُورِهِمْ » وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ 17)، ذلك على الرغم من أن حواسهم الخمس سليمة، ولكنها لا تغني عنهم شيئاً مع بصيرة مطموسة، فصور تعالى أثر هذا الطمس على المطموس فيهم بقوله: (« صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ » فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ 18)، فكيف يمكنهم أن يرجعوا عن ضلالتهم ما دامت كل أدوات ذلك الرجوع مطموسة معطلة لديهم؟.
أما المثل الثاني يؤكد الله تعالى فيه الإبقاء لهم على حواسهم الخمس كما هي وعلى رأسها سمعهم وأبصارهم (دون البصيرة)، ليدلل على أنها لن تفيدهم شيئاً ما دامت بصيرتهم مطموسة معطلة،، فصور ذلك بقوله: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ...), وهذه بلا شك يرونها بأعينهم ويسمعونها بآذانهم جيداً،، بدليل قوله تعالى عنهم عند سماع الرعد فيخافون منه لشدة الصوت ويخشون على أنفسهم منه، ولكن لسفههم وطمس بصيرتهم لا يعرفون كيف يوفرون لأنفسهم الحماية، فيكتفون بحركة تدل على قدر كبير من الغباء والبلادة، صور الله ذلك عنهم بقوله: (... يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ...), ظانين – لشدة غبائهم وضآلة فكرهم - أنَّ مجرد إغلاق فتحات آذانهم تكفي لحمايتهم من خطر الرعد القاصف،، ولكن هيهات، وهم لا يستحضرون أو يخطر ببالهم أن مصدر هذه الآيات البينات والذي بيده حمايتهم أو هلاكهم هو الله تعالى ربهم ورب كل شيء: (... وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ 19)، إذاً،، هذه الجزئية من الآية تؤكد وتبرهن على أنَّ آلة السمع لدى هؤلاء المنافقين الضالين موجودة وتعمل بكفاءة كاملة، ولكنها مع ذلك لم تكن ذات فائدة لهم لأنها لا تتفاعل مع بصيرتهم المطموسة، وإلَّا لكان الأولى بهم في مثل هذه المواقف الحرجة المخيفة أن يتذكروا الله ويسألوه السلامة والنجاة بدلاً من جعل الأصابع في الآذان الذي لن يجدي نفعاً إن وقع العذاب بهم.

وللتأكيد على أن أبصارهم حديد يرون بها البرق ولكن هذه الرؤيا لا توصل حكمة الآيات وبيانها وعبرتها إلى وجدانهم المطموس، فقال تعالى مصوراً ذلك: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ...), من شدة نوره،، (... كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ ...), وهذه نعمة تستوجب الذكر والشكر، ولكنهم لا يحسونها ولا يشكرون المتفضل بها عليهم أو يقدرونها,, وكذلك حالهم من النقمة حين يظلم البرق وتسود الدنيا في عيونهم في ذلك المناخ المتأزم والبيئة الصاخبة، فلا يستطيعون التحرك في طريقهم إلى الأمام من أماكنهم التي توفقوا عندها إذا ما أظلم البرق، لشدة الظلام الدامس حولهم، قال تعالى في ذلك: (... وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ...), ومع ذلك تفضل الله تعالى عليهم وترك لهم أسماعهم وأبصارهم رحمة منه بهم، لعلها توفر لهم فرصة مراجعة النفس لاحقاً والرجوع إلى الحق، لذا قال: (... وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ-;- كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 20).
إذاً يبين الله تعالى تفصيلاً بعد إحْكَامٍ بأنَّ البصر شيء عام لا ولن يفيد صاحبه إذا طمست البصيرة "نفاقاً" أو خُتِمَتْ وعُطِّلَتْ تماماً "كُفْرَاً"، أما البصيرة فهي فعالية الوجدان الذي يستثمر كل مدخلات الحواس الخمس، لذلك يكون صاحبها دائماً على حق ونور وإيمان. فَأنَّىْ لأبي جهل أن يفهم القرآن الكريم وقد ختم مُنَزِّلُهُ ومُوْحِيْهِ على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة وأصدر حكمه عليه بالعذاب الأليم؟؟؟ نحن لا نتأله على الله بإصدار الأحكام، ولكن – وفقاً للمعطيات الحالية المعلنة منه مباشرة - نحسبه كذلك والله أعلم بحاله ومآله.

فلنز بعد هذا الإيضاح المختصر، ما الذي أراد الله تعالى أو يوصله إلينا بهذه الآية الكريمة من سورة القيامة ليبين لنا حال أولئك التعساء الأشقياء يوم القيامة حيث يحشرهم وهم عمي، مطموس على أعينهم وهم يستبقون الصراط ... فأنا يبصرون؟؟؟، ولكن الله سيشهدهم على أنفسهم يوم القيامة بإنطاق بصيرتهم التي كانت قد عطلت في الحياة الدنيا بالختم أو بالطمس، ومعلوم أن البصيرة لا تنطق إلَّا بالحق له أو عليه. إذاً،، ما منطوق قوله تعالى: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)؟؟؟
1. الكافر يوم القيامة سيحاول التنصل عن أعماله البشعة، وسيأتي بالحجج الباطلة والأعذار المرفوضة، يلقي بها ظناً منه أنها ستنجيه أو تخفف عنه، ولكن هيهات أن تقبل "وَلَوْ أَلْقَىٰ-;- مَعَاذِيرَهُ"، وهو لا يدري أنَّ بصيرته ذاتها ستكون متربصة به وستكذبه وتشهد عليه،
2. سيفاجأ بأن بصيرته التي كانت مختومةً في الحياة الدنيا، سينطقها الله تعالى يوم القيامة وهي التي ستكون شهيدة على نفسه. لذا قال بكل وضوح: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ 14)، مهما حاول الإعتذار (وَلَوْ أَلْقَىٰ-;- مَعَاذِيرَهُ 15)، فلن تفيده تلك المعاذير مع صدق البصيرة التي شهدت على نفسه.
فالمعنى بإختصار هو: (أن هناك بصيرة ستكون شاهداً على نفس الإنسان)، علماً بأنه محشور وهو أعمى، مطموس البصر.

والآن،، لا بأس في أن نضحك قليلاً مع فرية أبي جهل الألفية الثانية، التي يقول فيها، ((-- الصحيح هو: "بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِير" --))، هذا الإدعاء إنما هو دليل على تحكم وإستفحال داء الجهل وقصر النظر عنده،، تصوروا!!! صاحبنا يقترح أن يكون ذلك الكافر! ... المجرم! ... الذي حشره الله أعمى! ... ومحكوم عليه بالعذاب الأليم!، وهو موقوف في أشد حالات الخزي والمهانة، أن " يصوره هذه الدعي على أنه (حر، طليق، مكرم، ثم بعد هذا وذاك فهو "بصير على نفسه")، يعني يكون على نفسه بصير"،، بمعنى آخر، وبإختصار شديد،، يصوره "مختاراً" ومخيراً يوم القيامة - ما دام على نفسه بصير – يمكنه أن يتمنى على الله الأماني بأن يدخله مثلاً جنه عدن أم المأوى أو حتى "الفردوس الأعلى"،، ما هذا الغباء المظلم يا رجل،، ألا تفكر قبل أن تكتب هذا الصخب والسفه المقرف؟؟ ... ألم يقل الله تعالى في سورة فصلت: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ-;- يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ-;- كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 53)؟ فمال هؤلاء الناس لا يكادون يفقهون حديثاً؟؟؟


**********************************************************

الخطأ 5:
يا أخي،، أبقى عليك الله هذا الخبل وزادك من عنده أضعافاً. يا أخي أنت "أعجمي"، فما الذي جعلك تتطاول على اللغة العربية في الأساس،، وحتى الأعاجم أنفسهم رأينا وحكى التاريخ عن نوابع كثيرين قد غرس الله علم البيان والبديع في وجدانهم فنافسوا فيه أهله، أما أنت فيعلم الله أنك لا تعرف عنها شيئاً. أنا هنا لا أسبك على فكرة، وإنما أنتقد فكرك الذي يدل على الجهل المركب بكل المقاييس. أأنت تريد أن تصحح القرآن الكريم "ملهم علم اللغة وفنون البلاغة والبيان"، في حين انك لا تستطيع التفريق ما بين كلمتي (به) و (إليه)؟ ألم تراجع هذا المسخ مرة على الأقل أو تستشير به غيرك قبل أن تعري سوءتك وتكشف إفلاسك بهذه الصورة المذرية المخزية؟؟؟

على أية حال،، فإنَّ لنا طريقة خاصة إعتدنا أن نفهم بها العوام من الناس بعيداً عن المحسنات البلاغية والبديعية، تعتمد على توصيل المعنى بلغة الإشارة،، فلنجربها معك لعلك تفهم وتعرف البون الشاسع ما بين الآية الكريمة التي تريد أن تَلِغَ فيها لتدنسها، والفرية اللئيمة التي إقترحتها بديلاً لكلام الله، فادمت وجداننا وآذت ذوقنا وأصدعت رأسنا، فنقول ما يلي:
1. قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ ...),،، ولا يخفى علينا أي شيء عنه سواءاً أكان ذلك في العلن أو في السر،
2. بل ونعلم عنه ما هو أخفى من السر نفسه: (وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ 50)، فوسوسة النفس هي الخاطر الذي لا يدرك بالحواس الخمس، بل تحسه النفس دون أي مؤثر خارجي من صوت أو إشارة أو رائحة أو ذوق، أو حس مادي،،، الخ،

أما إفترائك القول بأن الصحيح هو: ((-- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ « إليه نَفْسُهُ » --))،، فهذا قول يُتَفِّهُ قائله حتى بلوغ مستوى الهبل والخبل،، فإذا كانت وسوسة النفس للإنسان هي "خاطره"،، والذي بالطبع لا يدرك بالحواس الخمس،، فكيف إذاً أيها العبقري الفذ المفزع يمكن لنفسك أن تنقل خواطرك لغيرك، وبأي وسيلة أو بأي وسيط سلكي أو لا سلكي؟؟؟ علماً بأنها ليست جرماً مادياً، لذا فهي عصية على كل الوسائل التقنية، ترى هل تأكد لك الآن كيف يكون الختم على القلب والسمع، والغشاوة على البصر؟؟؟ قال تعالى: (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم؟ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم).


**********************************************************

الخطأ 6
الآية الكريمة في سورة الكهف في قوله تعالى: (... كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا 5)،، إدعى المهرج أبي جهل الألفية الثانية ان هناك خطأ فيها، وفي تبريره لهذا الإدعاء المخزي قال: إنَّ كلمة " كَلِمَةً "، جاءت منصوبةً، فهو يعترض على نصبها ويدعي بأن هذا النصب خطأ والصحيح يجب أن تكون مرفوعة لأنها فاعل. اليس هذا المسخ والخبل بعجيب وغريب في نفس الوقت؟؟ فلنناقش أولاً الآية الكريمة المعجزة، ثم بعد ذلك نُعَرِّجُ على تلك الفرية التي أضافت إلى رصيد الدعي إضافات مذهلة في ملكاته الفريدة، فلا بأس من الضحك معه قليلاً وليحفظ لنا دموعنا التي نريقها حزناً وأسفاً على تردي البشرية إلى هذا المستوى من الجهل والجهالة والتجهيل.

أولاً: نبدأ من قوله تعالى: (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا 4)، فهنا إشارة مباشرة إلى النصارى الذين إدعوا أن عيسى عليه السلام إبن الله، بقولهم: " اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا"، فأراد الله أن يصور بشاعة هذا القول المفترى عليه، فقال: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ ...), تكذيباً لهم بأنه قول لا يملكون عليه دليل أو بينة أو يقيمون عليه حجة، ومن ناحية أخرى أراد أن يصور مدى وقع هذه الكلمة عند الله تعالى، فقال: (... كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا 5).
فلنعرب هذا الجزء من الآية الكريمة المعجزة، لنرى دقة اللغة وروعة الإنشاء، وإعجاز البيان فيما يلي:
كبرت: ... "كبر" فعل ماضي مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، و"التاء" للتأنيث مبني على السكون لا محل له من الإعراب، والفاعل، ضمير مستتر تقديره "هي" ويعود على "كلمةٍ"،
كلمةً: ... تمييز - للضمير المستتر في عبارة "كبرت" -، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، تماماً كأن تقول مثلاً: "عَظُمَتْ فريةً"،، أو "بَكَتْ فَرَحَاً"،، أو "رَقَدَتْ إسْتِجْمَامَاً"،، أو "أنْفَقَتْ تَبْذِيْرَاً وتَبْدِيْدَاً وإسْرَاْفَاً"،،، الخ. فهذه كلها تعرب منصوبة على أنها "تمييز". وليس لها أي إعراب آخر غير هذا.
تخرج: ... فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي،
من أفواههم: ... "من" حرف جر، و "أفواهِ" مجرور بـ "مِنْ" وعلامة جره الكسرة الظاهرة، وهو مضاف والضمير المتصل مبني على الكسر في محل جر بالإضافة، والميم علامة الجمع.
والبلاغيون وعلماء البيان والبديع يدركون أن الآية الكريمة في أعلى درجات البيان والبديع بلا منازع.

أما فرية الدعي أبي جهل التي قال فيها إنَّ ((-- الصحيح في "كَلِمَةً" كان يجب ان تكون مرفوعة لأنها فاعل --)). ولحسن الحظ أن سيبويه قد توفاه الله تعالى رحمة ورأفةً به حتى لا يعيش معنا مرارة السفه والجهل الذي نلاقيه من الذين نسو الله فأنساهم أنفسهم وسخر منهم فجعلهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. ما هذا السفه يا رجل؟؟؟ أيعقل أن تصل بك الجرأة ويبلغ بك الجهل والجهالة لهذه الدرجة المتردية بحيث أنك تحول المنصوبات إلى مرفوعات؟ والتمييز إلى فاعل والحق إلى باطل والنور إلى ظلام...!!! ألم تر كيف فعل ربك بعاد؟ ... وثمود ... وأصحاب الأيكة ... وقم تبع ... وشارون ... الخ ؟؟؟


**********************************************************

الخطأ 7
يزعم هذا الدعي إنَّ هناك خطأ في الآية الكريمة من سورة الكهف التي يقول تعالى فيها: (أَوْ يُصْبِحَ «« مَاؤُهَا غَوْرًا »» فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا)، فإدعى بأن الصحيح أن يقول (أَوْ يُصْبِحَ « مَاؤُهَا ذا غورٍ » فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا)، وقد غاب عنه أن الماء يكون " غَوْرًا" عندما يصبح غائراً في الأرض،، عصي المنال، بحيث لا تصل إليه الدلاءات للإستفادة منه، وهذا بالضبط ما عبرت عنه الآية، ولا توجد كلمة مرادفة تصلح لأن تحل محل هذه الكلمة البليغة المعبرة.
أما قول صاحبنا إنما يدل على أنه لا يعرف التفريق بين خاصية الماء والسوائل الأخرى كالنفط مثلاً، وخاصية الأشياء الأخرى الجامدة كالأرض والوديان والجبال، فمثلاً،، نقول (أرض ذات غورٍ أو أغوار، إذا كانت بها أودية سحيقة يصعب بلوغها،، ولكن الماء والبترول مثلا يكون "غوراً" عندما يكون "غائراً" في بطن الأرص، ويصعب الوصول إليه، ولكنه لا يمكن، بل ويستحيل أن يكون "ذا غورٍ") لطبيعة السوائل المتزنة التسطح والمستوى, كما يدعي صاحبنا إلَّا إذا تغيرت طبيعة وخاصية السوائل على يد عبقري زمانه هذا.


**********************************************************

الخطأ 8
نظر الدعي إلى قول الله تعالى في سورة الكهف: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا « مَالِ هَذَا الْكِتَابِ » لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا 49)، فأشكلت عليه كثيراً، فأوحى إليه وليه بالضلالة ليصرفه عن الهدى أكثر فأكثر، حتى وقر في قلبه أن الآية الكريمة بها خطأ لغوي وإنشائي،، فإدعى بأن الصحيح هو: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا « مَا لهَذَا الْكِتَابِ » لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا). ففسر الماء بعد جهد بالماء،، فهذه من ضمن الحالات المزمنة للجهل التي تعرف بالحمق والسفه،، ومن الحكم المصرية الشعبية التي قالوا فيها (قال إبن لأبيه "يَابَا عَلِّمْنِيْ الهَيَافَة!"،، قال له أبوه "بسيطة!!" فقط تَعَالْ عند الفَآرْغَهْ وتَصَدَّرْ").
الآية جاء رسمها هكذا: (...«مَالِ هَذَا» الْكِتَابِ ...)، بضم حرف الجر "لـِ" إلى الإسم الموصول "ما"، فصارت "مالِ" وهي من مكاوناتها التالية: (... « مَا لِـ هَذَا » الْكِتَابِ ... )، وليس هناك ما يمنع أن يضم حرف الجر "لـِ" لإسم الإشارة "هذا" لتصبح هكذا: (...« مَا لِهَذَا الْكِتَابِ» ...)، وأي من الطرق الثلاثة في رسمها لا يغير من معناها أو إعرابها، ولكن أي من الصور الثلاثة هي الأكثر بيانا وبلاغة، في سياق هذه الآية الكريمة المعجزة، إذا أردنا أن نضيف إلى البيان فيها قدر من الدهشة والمفاجأة والإستغراب والمفاجأة؟؟؟ وإذا أردنا "بلاغيا وبديعياً" أن نضع highlighting على عبارة "هذا الكتاب"، دون إضافة مزيد من المفردات، أيوجد طريقة أبلغ من إبعاد حرف الجر عن إسم الإشارة وضمه لإسم الموصول "ما"؟ ... أنا أعرف أن صاحبنا لا يمكن أن يصل إلى هذا القدر من الإستيعاب،، ولكنني هنا أخاطب عباقرة علم البديع فهم المعنيون،، وأيضاً أصحاب الذوق الرفيع وهم كثر من بين القراء والمتابعين.

إعراب الآية في صورها الثلاثة هو نفس الإعراب، وهو كما يلي:
1. مالِ: ... "ما"، اسم استفهام، مبنيّ على السكون في محلِّ رفع "مبتدأ"، و"اللام" حرف جر
هذا: ... "الهاء" حرف تنبيه، و "ذا" إسم إشارة، مبني على الفتح في محل جر متعلق بمحذوف خبر المبتدأ،
الكتاب: ... بدل من "ذا" (أو عطف بيان)، وهو مجرور "في الحالتين

2. ما لِـ: ... "ما"، اسم استفهام، مبنيّ على السكون في محلِّ رفع "مبتدأ"، و "اللام" حرف جر
هذا: ... "الهاء" حرف تنبيه، و "ذا" إسم إشارة، مبني على الفتح في محل جر متعلق بمحذوف خبر المبتدأ،
الكتاب: ... بدل من "ذا" (أو عطف بيان)، وهو مجرور "في الحالتين،

3. ما لِـهذا: ... "ما"، اسم استفهام، مبنيّ على السكون في محلِّ رفع "مبتدأ"، و "اللام" حرف جر،، و "الهاء" حرف تنبيه، و "ذا" إسم إشارة، مبني على الفتح في محل جر متعلق بمحذوف خبر المبتدأ،
الكتاب: ... بدل من "ذا" (أو عطف بيان)، وهو مجرور "في الحالتين.

لا يغادر: ... "لا" نافية، و "يغادر" فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر نقديره "هو"،
صغيرةً ولا كبيرةً: ... "صغيرةً" مفعول به منصوب، و "الواو" حرف عطف، و "لا" زائدة لتأكيد النفي،
إلَّا أحصاها: ... "إلَّا" أداة إستثناء، تفيد الحصر،، "أحصى" فعل ماضي مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو "الضمير يعود على الكتاب"، و"ها" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.
دعونا نوجه لهذا الدعي بعض الأسئلة:
1. أين هذا الخطأ الذي قلت عنه وصدعت رأسنا به؟ يا أيتها الريح العقيم التي ما أتت على شيء قائم على أصوله إلَّا جعلته كالرديم؟ ... إلَّا القرآن فليس لأحد عليه من سلطان.
2. دعك من تركيب العبارتين ،، هلا أخبرتنا ما هو الإختلاف في المعنى الذي حرك حطام نفسك لتورطها به وتكشف عورها وعورتها بهذه الصورة المحزنة المؤسفة؟؟؟
3. لماذا أنت حرب على ربك بهذه الصورة المقرفة، وتخوض في كلامه وآياته من توراة وإنجيل وقرآن، وتبذل في سبيل ذلك الكثير من حياتك المحدودة المتناقصة، أليس الأجدى بك أن تنظر إلى المرآة لترى تلك التجاعيد على الوجه والجسد، والوهن والشيبة وتتذكر من بلغوا ما أنت فيه ممن سبقوك في التنكيث والتدهور في الصحة والبدن والسمع والبصر وقد خلقك الله من ضعف، ثم من بعد ضعف قوةً، ثم من بعد قوةٍ ضعفاً وشيبةً أنت الآن تلعق مرراتها وتتحسر على نفسك وأنت ترى جرمك يذوب بين ناظرين كالشمعة المشتعلة في جو حار قائظ. الم تر الذين سبقوك إلى ما أنت عليه الآن وهم قد أصبحوا عظاماً نخرة ولعلهم صاروا تراباً، وليتها ستنتهي على ذلك، ولكن من ورائهم عذاب عظيم. يقول الله تعالى في سورة طه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ-;- 124)، (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ-;- وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا 125)، (قَالَ كَذَٰ-;-لِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰ-;-لِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ-;- 126)، (وَكَذَٰ-;-لِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ-;- 127)، (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَٰ-;-لِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ-;- 128). ألا هل بلغت؟؟؟ .... الهم أشهد.


**********************************************************

الخطأ 9
قال الله تعالى في سورة الكهف: (فَانطَلَقَا حَتَّىٰ-;- إِذَا « أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ » - « اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا » - « فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا » فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا 77)، فإدعى أبو جهل، وفريد عصره ونابغة وزمانه، أن الآية بها خطأ لغوي وإنشائي،، مدعياً أن الخطأ في التكرار في كلمتي "أهل قرية" و "إستطعما أهلها"، وزعم إن الصحيح هو: (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَاهم).

الذين يتتبعون التصاوير البلاغية يحسونها من السياق فتطرب لها كل جوارحهم وينتشي لها وجدانهم الحي، لأن كثير من المعاني لا تستشف من النص وإنما من إيحاءاته التي تخاطب الفكر والروح معاً، فواضح أن الآية تصور حال موسى والرجل الصالح وهم على سفر وفي حالة تعب وإعياء وجوع وعطش، وكان قرررهم أن يواصلوا مسيرتهم دون توقف رغم معاناتهم وإرهاقهم، ولكنها الوسيلة الوحيدة للنجاة من الموت جوعاً وعطشاً،، "حتى" يصلوا إلى قرية ما في طريقهم عندها يتوقفون عن المسير ثم يستطعموا أهلها،، وقد فعلوا ما عزموا عليه، ولكنهم عندما بلغوا تلك القرية التي وصلوا إليها – والتي لم تكن معلومة لديهم – فوجئوا ببخل أهلها لأنهم أبو أن يضيفوهما، ولم يكن ذلك في حسبانهم. فالآية تحدثت عن قرار الرجلين مواصلة السير حتى بلوغ قرية ما يرتاحون عندها ويسألون أهلها طعاماً،، ولم تذكر واقعة طلب الإطعام، وقد تركت هذه الآية أن يفهم ذلك من مدلول الجزئية الباقية منها من قوله تعالى (... فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا ...), والذي يغيب عن هؤلاء الأغبياء المتبلدي الحس والزوق والمشاعر– في سياق أحداث هذه الآية الكريمة المتتابعة - أن هناك فسحات من الزمن ما بين قرارهم مواصلة السير دون إنقطاع حتى وصولهم لقرية ما ... وما بين وصولهم لقرية البخلاء الذي أستطعموهم فأبوا أن يضيفوهما ... وما بين رؤية الجدار الذي وجداه يريد أن ينقض فأقامه الرجل الصالح بلا مقابل رغم أن هؤلاء البخلاء لا يستحقون أن يقيم لهم ذلك الجدار بلا مقابل، كما قال تعالى (... فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ...)، ...

وما بين الفراغ من إقامة الجدار وإكتشاف موسى عدم مطالبة الرجل الصالح أهل القرية بالأجر مع انهم بخلاء لا يستحقون وفي نفس الوقت لشدة حوجتهم للأجر حتى يوفروا لأنفسهم إحتياجاتهم من طعام وزاد، مما زاد من إستغراب موسى وإندهاشه لتصرفات الرجل الصالح وإنتقاده له للمرة الثالثة لأنه لم يفهم حكمته من ذلك التصرف المحير،، قال تعالى مبينا حال موسى وإعتراضه على الرجل الصالح: (... قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا). هذه المعاني تحتاج إلى بصيرة، والبصيرة تحتاج إلى تدبر للقرآن، والتدبر يحتاج إلى إيمان راسخ بأن هذا القرآن من عند الله تعالى الذي قال فيه (قرآناً عربياً غير ذي عوج), وقال: (قرآناً عربياً مبين)، وقال: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر), وقوله: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها), وقوله: (وفصلناه تفصيلاً) وقوله: (كتاباً أحكمت آياته ثم فصلت من لدن عليم حكيم). فكيف كل هذا من الذي قال الله تعالى فيه (وهو عليهم عمى)، وقال فيهم (صم بكم عمي فهم لا يرجعون)،، ومن قال فيهم (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم). فلا غرابة في أن يختلط الأمر على صاحبنا العبقري فيأتي بالمسخ الذي إفتراه ظناً منه أن بإستطاعته إدراك والإحساس بنور الله الذي يخاطب القلوب والوجدان والعقول وليس العجول.

معلوم أنَّ القاعدة الذهبية عند اللغويين (النحويين) تقول إنَّ "الجمل التي تأتي بعد النكرات تكون صفات",, و "التي تأتي بعد المعارف تكون أحوالاً"،، وحيث أن جملة "إستطعما أهلها"جاءت بعد معرفة " أَهْلَ قَرْيَةٍ "، مضاف ومضاف إليه، تعرب الجملة في محل نصب حال أهل القرية. (فأبو أن يضيفوهما)، مما يدل على أن أهل هذه القرية حالهم البخل وعدم إكرام الضيف. فالآية تصور "حال أهل القرية" وليس سلوكهم.


**********************************************************

الخطأ 10
قال تعالى في سورة الكهف أيضاً: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا 79)، فإذا بهذا الدعي أبي جهل يعترض على هذه الآية البليغة المحكمة فيدعي بأن بها خطأ.. ولكن،، ما هو هذا الخطأ يا عبقري زمانك وخيبة أمثالك؟ بالطبع كالعادة لا شيء منطقي ولا علمي ولا معايير قياسية،،، هكذا مجرد إيحاءات ووساوس إبليسية لا دخل لها بمعايير البشر. أما تبريره وعذره الذي هو أقبح من ذنبه إدعائه بأنه (فسر كلمة "وَرَاءَهُمْ" بمعنى "أمامهم")، وقال إن ذلك التفسير منه (بسبب سياق الآية، وقد تم تصحيحها في اختلاف القراءة).

نقول له: إنَّ سياق الآية ليس كما فهمه أبو جهل زمانه هذا،، بل هو ببساطة (فسر الرجل الصالح به ما لم يفهمه موسى من تصرفاته التي لم يعتادها في المعاملات والسلوكيات العادية، وهو لا يدري أنَّ ذلك الرجل الصالح إنما يتصرف بوحي من الله تعالى ولم يصل إلى إدراك موسى نفسه "ببشريته" فرأي في خرقه للسفينة عمل غير صحيح في ظاهره لأنه لا يعلم الغيب، فبين له الرجل الصالح الأسباب فبين له ما يأتي:
أولاً: لقد خرقت السفينة رأفةً بأصحابها المساكين الذين يعملون في البحر ويقتاتون على ما يجود به الله عليهم من صيد في البحر، وهم آمنون لا يعرفون ما يخبئه لهم الغيب (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ...)، فقد كان وراءهم في البحر ملك ظالم طاغية يتحرك في إتجاههم ولم يصلهم بعد، وما أن تقع عينيه على سفينة "سليمة" في البحر إلَّا إستولى عليها غصباً من أصحابها (... وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ...)، وبالتالي ما أن يصل إلى هؤلاء المساكين ويجد سفينتهم سليمة لا عيب فيها فإن مصير هؤلاء المساكين هو فقدان مصدر رزقهم لأن الملك سيأخذها منهم غصباً،، فليس هناك مخرج سوى أن يعيبها الرجل الصالح بأن يخرقها لأن الله تعالى أوحى إليه بذلك فخرقها قبل أن يصل إليهم ذلك الطاغية فيستولى عليها (...فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ...).
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا 79)،

وقف أبي جهل القرن الحادي والعشرين، ذلك الأعجمي أمام إعجاز القرآن حائراً ببلاهة وتدله،، يبحث عن ثغرة يدخل منها ليخوض في آياته المحكمات البينات التي أعجزت الجن والإنس قبله، من فطاحلة اللغة وعباقرة ملكة البيان والنظم والبديع،، حتى أبي جهل الأول العربي القرشي هلك مغبوناً بغيظه لعدم قدرته وزمرته الأفذاذ من إيجاد مأخذاً عليه رغم حرصهم الشديد وغبنهم من الفشل الذريع الذي مني به ومن معه وهم يواجون بالقرآن واقفاً في وجوههم ليل نهار شامخاً متحدياً بإلحاح لأنْ يأتوا ولو بسورة واحدة من مثله ومسموح لهم بأن يأتوا بمن شاءوا من الأعوان،، من الإنس والجن لهذه المهمة المستحيلة عليهم إلى أن تقوم الساعة،، فكيف بهذا الدعي الضحل الجاهل الذي ليست آفته في مجال اللغة وفن البيان فحسب، بل في الربكة والهزال الذي يضربان بجزورهما في ملكاته الأخرى من فكر وحسن تقدير وغياب منهجية وخبث غاية وسوء سبيل. ليس هذا تجنياً عليه ولكنه هو الذي حكم به على نفسه بإدعائه بأنه (فسر كلمة "وَرَاءَهُمْ" بمعنى "أمامهم")، لا أدري كيف يكون الوراء أماماً؟؟ ... على أية حال، إذا كان الملك "أمامهم" كما يدعي، فمعنى هذا أنه قد تجاوزهم وتركهم خلفه وبالتالي لا خطر عليهم منه بأي حال. أما قوله الغريب بإن ذلك التفسير منه (بسبب سياق الآية ...)، فهذا إدعاء لا معنى له، خاصة وأننا قد عرضنا سياق الآية فليس هناك مبرر ولا منطق بقلب "وراءهم" إلى "أمامهم" إلَّا في وجدان منكوس كالكوز المجخي.

قال تعالى رداً على أبي جهل الألفية الثانية في سورة المدثر بقوله: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ 8)، يوم القيامة، (فَذَٰ-;-لِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ 9)، (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ 10)، (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا 11)، (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا 12)، (وَبَنِينَ شُهُودًا 13)، (وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا 14)، (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ 15)، (كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا 16)، (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا 17)، (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ 18)، (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ 19)، (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ 20)، (ثُمَّ نَظَرَ 21)، (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ 22)، (ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ 23)، (فَقَالَ إِنْ هَٰ-;-ذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ 24)، (إِنْ هَٰ-;-ذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ 25)، ولكن هنا توعده الله تعالى بأبشع عقاب على فعلته البشعة تلك، فقال: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ 26)، (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ 27), هي نار جهنم التي: (لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ 28)، (لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ 29)، (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ 30).

نقول لهذا الذي ظلم نفسه،، إفعل ما شئت، فلم يبق لك الكثير لهذا اللقاء الذي لن يكون ساراً لك مهما طال بك العمر فأنت الآن كادحاً إلى ربك كدحاً فملاقيه،،، وقبل ذلك في إنتظارك مركلة "أرزل العمر"، التي إقتربت خطاه منها،، فمهما عملت لن تضر الله شيئاً والضرر كل الضرر يقع عليك أنت ولكنك في غفلة من أمرك.

تحية طيبة للقراء الكرام،،

بشاراه أحمد



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هؤلاء هم الرجال الذين أسسوا الدولة الإسلامية:
- على الحكيم أن يكون عارفاً ... كي لا يسقط:
- براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الثالث:
- هل للاسلام إله غير اله اليهود:
- تصحيح مفاهيم خاطئة (جزء 1):
- براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الأول:
- فّلْنَعُدْ إلَىْ رُشْدَنَاْ وَنُحَكِّمْ عُقُوْلَنَاْ:
- الجُبُّ والجَّيْبُ والحِجَابُ في أدبيات الكَذَّابَ:
- تعليقنا على: بين اسلام مكة واسلام المدينة:
- تعليق على سامي الذيب - صورة الحمار:
- ردنا على تعليق: أحمد حسن البغدادي - (قل هو الله أحد):
- براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الثاني:
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الأول:
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الثاني:


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء1: