أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - قراءة فى مذكرات عبداللطيف البغدادى (3)















المزيد.....


قراءة فى مذكرات عبداللطيف البغدادى (3)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4380 - 2014 / 3 / 1 - 14:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



دأب عبد الناصر وأجهزة إعلامه وفى مقدمتها مؤسسة (هيكل للأهرام) على سب إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل . بل إنّ نبى العروبة (عبدالناصر) قبل هزيمة بؤونة/ يونيو67بأيام قال يوم 26مايو67 أمام قادة العمال العرب ((إننا سندمر إسرائيل إذا بدأتْ هى العدوان)) (البغدادى- ج2- ص270) وبعد يوميْن (28مايو) زاد من تشدده فى ((موقفه من الملاحة البحرية فى مضايق تيران . وعدم السماح بمرور السفن الإسرائيلية بها. وأبدى ترحيبه بملاقاة العدو عسكريًا. وأنه مستعد لملاقاة إسرائيل . وأنه كان يعد نفسه منذ عشر سنوات انتظارًا لهذا اللقاء)) وفى لقاء مع أحد الصحفيين قال (أنا لست خرعًا مثل إيدن)) (من 271- 273) والمقصود هو أنتونى إيدن رئيس وزراء بريطانيا أثناء حرب 56 ، لأنّ عبد الناصر صدق الأكذوبة التى أطلقها هو وأجهزة إعلامه أنّ مصر انتصرتْ على العدوان الثلاثى . ويتذكر أبناء جيلى الذين عاشوا الأيام السابقة على كابوس يونيو67 أنّ إذاعة (صوت العرب) دأبتْ على أننا ((سنشرب القهوة فى تل أبيب)) فصدق شعبنا هذا الوهم خاصة وأنّ كل الصحف الحكومية ظهرتْ فى يوم 16 مايو67 وعلى صفحتها الأولى مانشيت بعنوان (تحركتْ قوات ج.ع.م طبقــًا للخطة العسكرية الموضوعة) وبعد يومين (18مايو) ظهرتْ الصحف وعلى صفحتها الأولى قرار عبد الناصر (طلبتْ ج.ع.م من أوثانت سكرتير عام الأمم المتحدة سحب قوات الطوارىء الموجودة على الحدود بيننا وبين إسرائيل) وهى القوات الموجودة بعد حرب56. أصاب قرار سحب قوات الطوارىء الضباط المصريين بالذهول ، لأنهم كانوا لا يعرفون أى شىء عن سيناء ولا ماذا حدث بعد عام56 وهو ما عبّر عنه عدد كبير منهم فى شهاداتهم ، وقالوا أنّ نظام عبد الناصر تعمّد إخفاء الحقائق عن الشعب وقال أحدهم ((كم مواطن مصرى قبل حرب67 كان يعرف أنّ إسرائيل تمر علنـًا من شرم الشيخ ؟ بل إننا ضباط الجيش المصرى لم نكن نعرف أنّ إسرائيل تمر من شرم الشيخ . وأنّ مضايق تيران تحت رحمة إسرائيل وذلك بموافقة مصر. فأنا ضابط مهندس بالجيش المصرى وسنى كان 42سنة لم أكن أعلم أى شىء عن شرم ولا مضايق تيران)) (ضباط يونيو يتكلمون- تحرير عصام دراز- المنار الجديد للنشر- عام89- ص 122) وفى الوقت الذى كان فيه عبد الناصر يقول (سنـُدمّر إسرائيل) أضاف هذا الضابط ((منذ عام56 ونحن نـُطالب بميزانية لإنشاء دُشم للطائرات فكان الرد دائمًا لا توجد ميزانية. بعد يونيو شعرتُ أنى خـُدعتْ طوال 11سنة من 56 إلى 67وأنّ الشعب المصرى كله لا يعلم بمرور إسرائيل من شرم طوال 11سنة (123، 129)
بعد قرار(ناصر) بسحب قوات الأمم المتحدة من سيناء أعلنتْ إسرائيل أنّ هذا القرار سيجعل القوات المصرية فى مركز تستطيع منه تهديد الملاحة الإسرائيلية عبر مضايق تيران . وفى يوم 21مايو تحركتْ القوات المصرية إلى شرم لتحل محل قوات الطوارىء الدولية بعد انسحابها. ويوم 22زار(ناصر) إحدى القواعد الجوية فى القنال وأعلن تصميمه على منع السفن الإسرائيلية من المرور فى مضايق تيران . وأننا مستعدون للحرب (البغدادى- ص 266، 267) وقال ناصر بثقة ((الموقف كويس ومُطمئن)) ولما سأله بعض الضباط هل ستتحرك إسرائيل وتحاربنا فإنه استبعد هذا وقال ((إنْ تحركتْ فلن يكون ذلك قبل ستة أو سبعة شهور)) ولما استفهمنا منه عن موقف أمريكا قال ((ولا حاجة)) وعن سبب ما اتخذه من قرارات فى مايو قال ((لقيت العالم العربى نايم فحبيتْ أصحيه)) (275) ويوم 31مايو أعلنتْ إسرائيل تشكيل وزارة حرب. وأنّ أشكول رئيس وزراء إسرائيل وافق على تعيين موشى ديّان كوزير للدفاع رغم الخصومة السياسية بينهما. وبعد أنْ أعلن (ناصر) أنّ إسرائيل لن تتحرك إلاّ بعد ستة أو سبعة شهور، تراجع وقال إنها لن تتحرك قبل سبعة أسابيع وكان ذلك يوم 3يونيو. ويوم 4قال ((إننا ننتظر المعركة على أحر من الجمر))
فى صباح 5يونيو دمرّ الطيران الإسرائيلى مطارات مصر كلها لدرجة أنه تم تدمير 11 قاعدة جوية مصرية فى وقت واحد من العريش إلى الأقصر فى ثلاث ساعات ونصف. وهذا ما اعترف به الصحابى الأول (هيكل) لنبى العروبة (ناصر) فى كتابه الانفجار- من ص 701- 713. بينما الميديا الناصرية كان لها رأى آخر وعلى رأسها إذاعة (صوت العرب) التى أنشأتها المخابرات الأمريكية ، فأعلنتْ سقوط طائرات العدو، وتعاقبتْ البيانات إلى سقوط مئات الطائرات الإسرائيلية. وبعد أنْ مات ناصر تم تبادل الاتهامات بين المسئولين فى (صوت العرب) والقيادة السياسية والعسكرية عن صدور تلك البيانات الكاذبة. وذكر البغدادى أنه تقابل مع عبد الحكيم عامر فقال ((إننا أسقطنا 73طائرة وأنه مطمئن لموقف الجيش المصرى ، بينما كان قائد القوات الجوية صدقى محمود يبكى (281) ولأنّ عبد الحكيم كان يعلم أنه يكذب لذا طلب من (ناصر) ظهر اليوم الأول للهزيمة أنْ يبحث عن حل سياسى. وفى مساء نفس اليوم الأول وصلتْ الدبابات الإسرائيلية إلى العريش ، فأعرب البغدادى عن اندهاشه : كيف وصلتْ بهذه السرعة (رغم انتشار قواتنا على طول الجبهة) وفى ذات المساء حضر(ناصر) وقال (والله زمان يا سلاحى) مع أنه تقدّم باقتراح لمجلس الأمن بانسحاب جميع القوات والعودة إلى خطوط 4يونيو والسماح بحرية الملاحة فى شرم الشيخ . فما الصفة التى تـُطلق على نبى العروبة الزعيم الواحد الأوحد الذى يُغنى للسلاح وهو يتراجع ويتمنى العودة لخطوط 4يونيو والسماح لإسرائيل بحرية الملاحة فى شرم؟ ووصل قدرة هذا الزعيم الأوحد على التضليل أنْ طلب من حكيم أنْ يُرسل ((شيئـًا للصحف لطمأنة الناس ونقول إننا توغلنا فى أرض العدو)) (287) ولكنه نسى أنْ يُضيف ((لنشرب القهوة فى تل أبيب)) ولكنه أضاف ((نروح ننام ونسيب حكيم يشتغل)) ووفقــًا لأصغر مُحلل نفسى يبرز سؤال : كيف ينام الزعيم الأوحد وجيشه يُدمر؟ وهذا السؤال ترجمه شعبنا الأمى فى أمثاله العبقرية عندما فرّق بين من يجفوه النوم ومن ينام بعمق فقال ((ما ينام الليل إلاّ أبو قلب خالى))
وبينما القيادة السياسية المصرية مشغولة فى تأليف الأكاذيب ، والشعراء فى تأليف الأغانى ، كانت إسرائيل فى اليوم الثانى (6يونيو) قد احتلتْ خان يونس ورفح وأسقط الطيران الإسرائيلى 300طائرة مصرية. ورغم الكذب السافر أعلن عامر انسحاب قواتنا من سيناء فى اليوم الثانى (6يونيو) بدون خطة علمية فعرّض جنودنا للموت والأسر. ناهيك عن ترك الأسلحة التى استولتْ عليها إسرائيل . وتساءل البغدادى ((كيف لم نصمد لأكثر من 36ساعة؟)) ورغم هذه المأساة ذكر البغدادى أنّ (ناصر) فى اليوم الرابع (8يونيو) دخل مكتب حكيم ((وهو يبتسم فدُهشتُ ، فهل يبتسم على ضياع مستقبل وشرف أمة بأكملها وهو المسئول الأول عن هذا؟)) وأنه تبادل الرأى مع زملائه فكان رأيهم أنه لابد أنْ ينتحر(ناصر) وحكيم ، خصوصًا أنّ الأول قال للثانى أنه قرأ فى صحيفة إنجليزية أنّ إسرائيل تود احتلال بورسعيد لضمان حرية الملاحة ((فدُهشتُ من أنّ رئيس الدولة الذى قرّر الحرب لم يعرف نوايا العدو من قبل ولم يتبيّنها إلاّ اليوم ومن صحيفة إنجليزية)) (295)
سأل (ناصر) عن المقاومة الشعبية فقال زكريا محيى الدين أنه يمكن توفير 25 ألف بندقية ولكنها بدون ذخيرة فضحك ناصر الذى قال ((فى بداية يوم 5يونيو قرّر مجلس الأمن إيقاف القتال مع عودة قوات الطرفيْن إلى حدود 4يونيو ولكننا لم نوافق . وفى يوم 6 اتضح أنّ الموقف العسكرى أصبح فى صالح اليهود فقدّم لمجلس الأمن اقتراح بإيقاف القتال فقط)) فسأله البغدادى فلماذا لم نوافق على إيقاف القتال يوم 5 فأنكر(ناصر) أنه قال ذلك رغم أنه اعترف بالموافقة فى بداية حديثه (279) مما يدل على تناقض هذا الزعيم الواحد الأوحد.
وفى يوم 9يونيو المشئوم استجاب نبى العروبة (ناصر) لنصيحة الصحابى الأول (هيكل) : إذا أردتَ البقاء فى السلطة قل أنك ستتنحى. استفاد هيكل من منهج فى علم النفس (مدرسة علم النفس لقهر الشعوب) فرح (ناصر) بطوق النجاة الذى أرسله إليه هيكل الذى كتب خطاب التنحى وفيه ترشيح زكريا محيى الدين رئيسًا لمصر. لماذا تعمّد هيكل هذا الاختيار؟ لأنّ الميديا الناصرية سبق لها أنْ صنـّـفتْ زكريا على أنه (رجل الأمريكان) فنجحتْ خطة هيكل وبلع شعبنا الطـُعم أو شرب السم مع العسل فخرج الشعب الذى ضلله الإعلام ليهتف بحياة الزعيم الأوحد الذى مكــّن إسرائيل من احتلال سيناء . إنّ ترجمة موقف شعبنا فى هذا اليوم الكارثى معناها : كيف نقبل (الرجل الأمريكانى) ونتخلى عن الزعيم الذى صوّره الإعلام الناصرى أنه (عدو للأمريكان)؟ ورغم الخروج العفوى لعدد كبير من شعبنا فإنّ كثيرين كتبوا- ومن بينهم البغداى ((سمعنا بعد انتهاء ناصر من خطابه الهتافات ورأينا تحركات شباب الاتحاد الاشتراكى فى الأتوبيسات واللوارى . واستنتجنا أنّ الأمر مُدبّر من قبل بأنْ تتحرك المنظمات وتــُطالب ببقائه. وأردنا أنْ نـُشاهد ما يجرى فتوجهنا إلى منزل جمال فوجدنا عددًا ضخمًا من شباب الاتحاد الاشتراكى حول منزله. فمن أين أحضروا الأتوبيسات واللوارى ليتواجدوا بهذه السرعة ؟ حدث هذا فى الوقت الذى لا يزال فيه جنودنا فى صحراء سيناء هائمين على وجوههم والعدو يُطاردهم ودماء شهدائنا لم تجف بعد على رمال الصحراء)) (301) وظلتْ الإذاعة طوال الليل تـُمجد فى جمال وتطالبه بالبقاء . وفى يوم 10بونيو ((كانت القاهرة تموج بالجموع التى تحركتْ من المحافظات وكل مسئول شحن أكبر عدد من البشر التابعين له إلى القاهرة. وكل مسئول فى القاهرة دفع أغلب التابعين له إلى شوارع المدينة فى الطريق الذى سيمر به جمال إلى مجلس الأمة)) انتظر الناس الزعيم الواحد الأوحد وهم لا يعرفون أنّ اليهود على الضفة الشرقية لقناة السويس. وأنّ الضفة الغربية لنهر الأردن احتلتها إسرائيل أى ثلاثة أرباع مملكة الأردن . ولا يعرفون أنّ سوريا تستنجد بمجلس الأمن لإيقاف القتال بصورة مخزية. وأنّ إسرائيل تسعى لاحتلال الجولان . ومع ذلك يصرخ الناس فى القاهرة لبقاء الزعيم الخالد الذى – وفق تعبير البغدادى- ((حطم كبرياءنا)) والراديو يُذيع الأغانى عن بطل العروبة. ثم انتقلتْ الإذاعة إلى رئيس مجلس الأمة الذى قال إنّ جمال لن يتمكن من الحضور لانسداد الشوارع بالجماهير، فإذا بأعضاء المجلس يُصفقون ويرقصون كما لو أنّ الزعيم الأوحد قد حقق النصر على إسرائيل ، بدلا من أنْ يُطالبوا بمناقشة أسباب الهزيمة وتدمير ست فرق من الجيش المصرى وتحطيم 400طائرة فى 36ساعة. وكان بديل المساءلة أنْ طلب كثيرون الكلمة ليشكروا (الله) فلماذا الشكر؟ لأنّ ((الزعيم الأوحد استجاب لنداء الشعب)) وكان تعليق البغدادى ((لم أتصوّر كيف سيذهب عبد الناصر إلى مجلس الأمة بعربة مكشوفة. وكيف ينظر للناس وهو يعلم الحقيقة. ما الذى كان يفعله لو تحقق النصر؟ إنْ كان يفعل هذا مع الفشل والعار، فماذا كان سيحدث لو انتصرنا؟)) وذكر كمال الدين حسين للبغدادى أنّ عبدالناصر قال له أنّ إسرائيل تنوى دخول القاهرة لإملاء شروطها وأنّ القاهرة ليس بها مدفع واحد ((قال جمال ذلك وهو يضحك)) وعندما هاجم عبد الناصر الدول العربية وأنّ مقاطعتها للغرب شكلية. وأنّ الملك فيصل متواطىء مع الغرب ضد مصر، قال له كمال ((يجب أنْ ننسى خلافاتنا مع العرب وأنْ نعمل على التفاهم مع فيصل لتسوية مشكلة اليمن)) فردّ زعيم العروبة ((ونترك البدر يدخل اليمن؟)) فقال كمال ((مصر أهم لنا من اليمن)) وكان تعليق البغدادى أنّ (ناصر) الدكتاتور يُفكر فى اليمن رغم أنّ مصر أصبحت محتلة من اليهود)) وأما عن المقاومة الشعبية فإنّ زعيم العرب رفض توزيع السلاح على الشيوعيين (من 302- 312)
000
تغافل البغدادى عن ذكر الكثير من فصول كارثة بؤونة/ يونيو67، وشاء حـُسن حظى أنْ أقرأ شهادات الضباط المصريين الذين عاشوا ذلك الكابوس ، من بينهم الضابط محمد عبد الحفيظ من قوات المظلات الذى اعترف بواقعة تغافل عنها المؤرخون الرسميون إذْ قال أنه كان من الممكن الاشتباك مع قوات العدو، ولكن صدرتْ الأوامر((بعدم إطلاق النار على القوات الإسرائيلية)) وذكر أنّ مطار شرم الشيخ ((ليس مطارًا بالمعنى المفهوم وإنما مجرد أرض مُمهّدة ومُعدة لهبوط الطائرات)) وذكر((يوم 22مايو صدر أمر إغلاق مضيق تيران . وأنا كضابط بالجيش لم أكن أعلم حتى هذه اللحظة أنّ منطقة شرم الشيخ ومضايق تيران منطقة دولية وليس لنا أى سيطرة عليها وأنّ اسرائيل تمر بطريقة طبيعية)) وبينما الزعيم العروبى أصدر قرار إغلاق مضيق تيران ، فإنّ الطيران الإسرائيلى حلــّـق فوق المنطقة للاستطلاع ((فلم تخرج طائراتنا لاعتراض الطيران الإسرائيلى . وتكرّرتْ طلعات الاستطلاع الإسرائيلية دون أى اعتراض منا)) وفى شهادة هذا الضابط ما يفوق خيال مبدعى الأساطير فأضاف ((يوم 5يونيو كان يومًا عاديًا . ذهب بعضنا للسباحة فى مياه الخليج . سمعنا فى الراديو أنّ العدو بدأ الهجوم وأننا دمرنا الطيران الإسرائيلى . لم تحدث أى معارك عندنا فى شرم . وفى مساء 6يونيو صدر الأمر بالانسحاب بينما الراديو يُذيع أغانى النصر وبيانات تـُبشر بتدمير طيران إسرائيل وأنّ قواتنا على مشارف تل أبيب . وعن الانسحاب فإنّ المسافة من موقعهم إلى السويس حوالى 400كم والوقود لا يكفى هذه المسافة فكانت الأوامر الانسحاب- بعد نفاد الوقود- سيرًا على الأقدام . قال بعض الضباط إذا كانت المسافة بيننا وبين ميناء إيلات أقل من المسافة التى بيننا والسويس ، فلماذا لا نـُهاجم إيلات وإذا نجحنا نخترق إسرائيل من الجنوب.. من صحراء النقب. وهذا سوف يُخفف الضغط على باقى القوات المصرية. ولكن القيادة صمّمتْ على الانسحاب. وكان تعليق الضابط صاحب الشهادة ((الانسحاب كان خطأ جسيمًا من القيادة (سواء العسكرية أو السياسية) لأنه كان من الممكن تغيير مسار الحرب أو على الأقل تقليل حجم الهزيمة. هذا لو صدر لنا الأمر بالهجوم بدلا من الانسحاب . ولك أنْ تتخيل دخول عشرة آلاف جندى مظلى إيلات ، وقيامهم بعمليات جنوب صحراء النقب. خصوصًا وقد تركنا 15 ألف طن ذخيرة استولتْ إسرائيل عليها. وعن الكتيبة81 مظلات التى عبرت سيناء بكامل أسلحتها. وبعد عبورها بساعات دمر الطيران الإسرائيلى الكوبرى فكانت النتيجة أنْ وقعت الكتيبة فى الأسر. خاصة وأنّ العدو نجح فى تدمير قوات الفرقة المدرعة. والسماء لا يوجد بها سوى الطيران الإسرائيلى)) هذه شهادة ضابط أرسله زعيم العروبة ليقتل الشعب اليمنى ، فجاء من جحيم اليمن إلى جهنم الحمراء فى سيناء فحكى تجربته : ((أنا أصبتُ فى اليمن ولكى أنقل من موقعى إلى أقرب مستشفى نقلونى على حمار. سرتُ وأنا أنزف أربعة أيام . كدتُ أصاب بغرغرينة. كانت الروح المعنوية فى اليمن منخفضة ، لأنّ معظمنا لم يكن مقتنعًا بالحرب فى اليمن . لم نكن نعرف مَنْ العدو. فالقبائل اليمنية مـُنقسمة. قسم يحصل على أموال من مصر، وقسم يحصل على أموال من السعودية. فبدأتْ الصراعات والمعارك ، فكنا نـُصدم عندما نجد أنفسنا نحارب فى صف يمنيين ضد يمنيين . وكان الأسوأ هو القبائل الموالية لمصر انقلبتْ وأصبحتْ مع الملكيين . وأحيانــًا العكس صحيح ، فكان ذلك يُسبب الارتباك لنا. ومع ازدياد خسائرنا فى حرب اليمن أصدر عبد الناصر قرارًا خطيرًا بأنّ القتلى المصريين يُدفنون فى اليمن ، وكذلك الجرحى يظلون فى اليمن ولا يعودون إلى مصر بحجة الحفاظ على السرية. فى حين أنّ عبد الناصر كان يهدف إلى إخفاء خسائرنا فى اليمن . خاصة أنّ إعلامه وخطبه كلها تعلن انتصارنا الساحق فى اليمن بينما كان الجرحى من جنودنا ينامون فى الطرقات. لقد أثــّرتْ حرب اليمن على مستوى جيشنا تأثرًا سيئـًا. وكان ضعف الإيمان هو الظاهرة. لم نفهم ما معنى جيش الاشتراكية. لم نشعر أبدًا بمعنى قيمة مصر والولاء لمصر. كانت الشعارات كلها عن العروبة والاشتراكية. وتم إلغاء المشاعر الوطنية التى تربط الجندى بأرض وطنه مصر. وجاءتْ حرب اليمن لتزيد الطين بلة)) (ضابط يونيو يتكلمون- مصدر سابق- من ص 135- 146)
هذه شهادة واحدة من بين 12شهادة فى الكتاب المذكور. ورغم أنّ مُحرّر الكتاب أ. عصام دراز الذى جمع تلك الشهادات ، اجتمع مع كل ضابط على حدة ، فإنّ جميع الضباط اتفقوا على ما جاء فى الشهادة التى تناولتها بالتلخيص ، سواء عن حجب المعلومات عنهم فيما يختص بوضع سيناء بعد حرب56 أو فيما يتعلق بالمذبحة التى تعرّضوا لها فى اليمن ثم فى سيناء .
000
السؤال المسكوت عنه فى الثقافة المصرية السائدة والمنحطة : لماذا ورّط عبد الناصر مصر فى تلك الحروب ؟ فكارثة بؤونة/ يونيو67كان من الممكن تجنبها لو كان يحكم مصر سياسيون يُفكرون فى مصر قبل أوهام العروبة. فإذا كان سبب حشد الجيش المصرى فى سيناء وطرد بعثة الأمم المتحدة إلخ ((وجود تحركات إسرائيلية على الحدود السورية)) فإنّ عبد الناصر رفض تصديق التقارير المصرية التى أكدتْ أنه لا توجد حشود إسرائيلية على الحدود السورية. وذكر المشير الجمسى فى مذكراته أنّ أحداث يونيو67بدأتْ ((بمعلومات غير صحيحة عن حشد للقوات الإسرائيلية على الحدود السورية)) ويعترف الجمسى أنه بتكليف من المشير عامر سافر الفريق أول محمد فوزى رئيس الأركان لسوريا.يوم 14مايو للتأكد من حشد القوات الإسرائيلية على الحدود السورية. تفقد فوزى جبهة سوريا وبحث مع المسئولين العسكريين فى رئاسة الأركان السورية الموقف لمعرفة مدى صحة المعلومات التى وصلت مصر. وكانت النتيجة كما ذكر فوزى فى كتابه (حرب السنوات الثلاث 67- 1970ص71، 72) : ((إننى لم أحصل على أى دليل مادى يؤكد صحة المعلومات بل العكس كان صحيحًا إذْ أننى شاهدتُ صورًا فوتوغرافية جوية عن الجبهة الإسرائيلية ، ألتقطتْ بواسطة الاستطلاع السورى يومى 12، 13مايو67 فلم ألاحظ أى تغيير للموقف العسكرى العادى)) وكان تعقيب الجمسى ((عاد الفريق فوزى للقاهرة يوم 15مايو وقدّم تقريره للمشير عامر، وهو التقرير الذى ينفى وجود حشود إسرائيلية على الجبهة السورية. وسجّل انطباعه قائلا ((لم ألاحظ أى ردود فعل لدى المشير عامر عن سلبية الوضع على الحدود السورية/ الإسرائيلية ، فبدأتُ أعتقد أنّ موضوع الحشود الإسرائيلية على حدود سوريا هو من وجهة نظر عامر ليس سببًا وحيدًا فى إجراءات التعبئة والحشد فى سيناء)) فكتب الجمسى ((وبرغم هذه الحقيقة فقد استمر الحشد فى سيناء)) (مذكرات الجمسى- هيئة الكتاب المصرية- عام 98- من ص19- 40) لماذا- إذن- أصرّ عبد الناصر على حشد قواتنا فى سيناء رغم تقرير الفريق فوزى الذى نفى فيه أى تحرشات إسرائيلية ضد سوريا وباعتراف السوريين أنفسهم ؟ وما مغزى حشد القوات المصرية فى سيناء رغم أنّ هذه القوات لم تتلق أى تدريبات سابقة للدخول فى حرب مع إسرائيل؟ (إرسال آلاف الفلاحين المصريين من احتياطى الجيش إلى سيناء بالجلابيب- نموذجًا) كما أنّ ثلث الجيش المصرى كان لا يزال موحولا فى بالوعة اليمن- نموذجًا ثانيًا) باختصار ما مغزى إعلان الحرب على إسرائيل والجيش المصرى غير مؤهل للدخول فى هذه الحرب؟ والدليل على ذلك حجم خسائر مصر التى فاقت كل تصور. فهل كنتُ مغاليًا عندما ذكرتُ فى دراساتى وفى كتبى أنّ عبد الناصر هو مهندس هزيمة بؤونة/ يونيو67 ؟ خاصة أنه اعتمد على قيادات لم تتلق أية دراسات عسكرية ، وبعضهم مشغول بكرة القدم ، وبعضهم مشغول بالراقصات ، وبعضهم مشغول بتعذيب الشرفاء فى السجن الحربى .
أليستْ (حجة) الدفاع عن سوريا إحدى كوارث (العروبة) التى سلطها (ناصر) على شعبنا مثل الطاعون؟ فبسبب ذلك الطاعون العروبى/ الناصرى تم قتل مصريين ويمنيين فى بالوعة اليمن حسب وصف الصحابى الأول (هيكل) لنبى العروبة (ناصر) فى أهرام 1/6/73وأنّ إيمان عبد الناصر بالعروبة جعله يستهين بحديث الحبيب بورقيبة الذى ذكر له أنّ الأمير فيصل قال إذا ((لم ينسحب الجيش المصرى من اليمن ، فنحن على استعداد لأنْ نجعل منها مقبرة كبيرة له)) (نقلا عن هيكل فى كتابه الانفجار- ص62) وبالطبع فإنّ المقبرة كانت للمصريين الشرفاء الذين ماتوا فى اليمن ، وليستْ المقبرة لعبد الناصر الذى استمر حتى يجهز لمقبرة الجيش المصرى فى يونيو67. أما بالوعة اليمن – حسب وصف هيكل- فقد ابتلعتْ آلاف الأرواح المصرية وملايين الجنيهات باعتراف عبد الناصر الذى قال إنّ الخزينة المصرية كانت تتحمل 45مليون جنيه مصرى (بسعر الستينات) كل سنة. وكتب هيكل أنّ ((حرب اليمن كلــّـفتْ الخزينة المصرية كل سنة ما بين أربعين إلى خمسين مليون جنيه أو ما يوازى مائة مليون دولار وقتها)) (الانفجار- ص 185) واعترف عبد الناصر أنّ القبائل اليمنية (التى تظاهرتْ أنها مع النظام الجمهورى) كانت تأخذ المال والذهب من مصر ومن السعودية فى نفس الوقت)) (نقلا عن ضابط المخابرات المصرى فتحى الديب المولع بالعروبة والناصرية فى كتابه عبدالناصر وتحرير المشرق العربى- من ص 520- 522) ووصل عدد الجنود المصريين فى اليمن وفق تقدير عبد الناصر أربعين ألفـًا (هيكل- الانفجار- ص 168) وذكر أ. ياسين سراج الدين أنّ عدد الشهداء من أبنائنا المصريين فى اليمن بلغ خمسة عشر ألفـًا أى بنسبة 5, 37% من إجمالى العدد السنوى لقواتنا فى اليمن (الدستور- الإصدار الأول 23/7/97) وعبد الناصر وهو يُمهّد لهذه المجزرة التى راح فيها آلاف المصريين واليمنيين لجأ إلى اللغة الدينية فقال ((إنّ جبال اليمن تحمل قبسًا من نفس الشعلة المُقدّسة التى يحج إليها المسلمون فى عرفات)) (نقلا عن أ. عبد الحليم قنديل- فى كتاب الناصرية والإسلام- مركز إعلام الوطن العربى – صاعد- عام 99- ص 22) وحتى بعد كارثة أبيب/ يونيو67 فإنّ الزعيم الأوحد لم يتعظ من الكارثة التى حلــّتْ بشعبنا ، وأصرّ على تنفيذ مخطط شطب أية مصلحة قومية تخص مصر فقال ((إنّ سيناء بكل ما فيها من بترول ومعادن لا تهمنى ، بقدر إهتمامى بالضفة الغربية)) وقال أيضًا ((إنّ القدس أهم من سيناء)) لذلك كانت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان صادقة مع نفسها عندما قالت إنّ ((الله فى السماء وعبد الناصر فى الأرض)) (نقلا عن أ. رجاء النقاش- أهرام 4، 11يناير2004)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة فى مذكرات عبد اللطيف البغدادى (2)
- قراءة فى مذكرات عبد اللطيف البغدادى (1)
- طغيان اللغة الدينية وأثرها على الشعوب
- قراءة فى مذكرات اللواء محمد نجيب
- رد على الأستاذ أحمد عليان
- قراءة فى مقدمة ابن خلدون
- كارثة العروبة على مصر
- العلاقة التاريخية بين الدين والقومية
- القرن التاسع عشر وتحديث المدن المصرية
- الخيال والإبداع الروائى
- تحايل إيزيس على (رع)
- الأنثروبولوجيا والفولكلور والثقافة القومية
- التعليم الدينى وجذور العنف
- الفرق بين أسطورة أوديب اليونانى والأمير المصرى
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (16) د. محمد بيومى مهران
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (15) د. حسين مؤنس
- الملاح والثعبان رئيس الجزيرة
- العداء للمعرفة والتعصب الدينى
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (14) أحمد صبحى منصور
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (13) محمد أحمد خلف الله


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - قراءة فى مذكرات عبداللطيف البغدادى (3)