|
ألشباك ..
رزكار نوري شاويس
كاتب
(Rizgar Nuri Shawais)
الحوار المتمدن-العدد: 4380 - 2014 / 3 / 1 - 00:38
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
هو حدث مهم ، بل جدي و في منتهى الواقعية ان يحب الانسان ، شيء له بكل تأكيد تأثيره على حياته بل و مسار هذه الحياة و محطاته .. أما ماهو الحب ؟ فهذا سؤال لايزال في انتظار اجابة وافية عن اسئلة اخرى كثيرة تتفرع من السؤال الاساس كي تزيح عن فهم الحب و ماهيته الكثير من الالتباس و الغموض ، مثلا هو شيء يجعلك تفكر كفيلسوف لايفهمه احد ، او كمعتوه لا تفسير لسلوكه الا بضرب الكف بالكف مقرونة بعبارة لاحول و لا قوة الا بالله العلي القدير ..!! المهم انه يوم صادفها بغتة في محطة حافلات نقل الركاب ، صار يمتلك القناعة التي لا تدحض من ان فورة الاحاسيس التي فارت من مكامن غامضة في اعماق تضاريسه الانسانية ؛ هو بالضبط ما يوصف بالحب ، تلك القدرة الجبارة التي لا تقاوم ، التي تسحب و تشد احدهم الى احداهن بحيث تصبح ألـ ( أحداهن ) هذه الشريان الاساس الذي يستمد منه قلب ألـ ( احدهم ) هذا ، النبض .. يومها احس بها كوكبا تشرق على وجوده و تغمره بالدفء و الضياء .. كبلته بجاذبيتها ليحوم و يدور الى الابد في مدارات جذبها ، و هي لا تدري بە-;- ..!! كل يوم صباحا و مابعد وسط النهار ، كان يرصد حركة الركاب و الحافلات من مكمنه خلف نافذة غرفته التي تطل على الشارع قبالة المحطة ليراها في ذهابها الى حيث تعمل و ايابها الى البيت .. ما حصل عليه من معلومات من بعض رفاقه لم تشبع ولهه في معرفة المزيد عنها .. هي البنت الوحيدة لزوجين تقدم بهما العمر ، اسرة صغيرة سكنت الحي حديثا بعد ان وجد الاب ضالته في بيت صغير مناسب يشتريه و يستقروا فيه الى مايشاء الله .. وبرغم استعداده للمواجهات و التهور في بعض المناسابات الا انه عجز عن لم مايمكنه من الجرأة لمصارحتها بحبه .. مرتين او كانت ثلاث مرات احداها كانت في الصباح الباكر ، تظاهر بانتظار احدى الحافلات في المحطة لعل وعسى تسنح له فرصة في حديث من نوع ما معها .. و عندما سنحت الفرصة ارتبك و كاد ان يسقط تحت عجلات الحافلة وارتبك اكثر وسط اهتمام و ردود افعال من كانوا هناك ونظرات سائق الحافلة الساخطة المركزة عليه و ... الابتسامة القاتلة التي ارتسمت على وجه معبودته ليتحول ارتباكه الى احساس يعصر كيانه .. في تلك اللحظات العصيبة راوده سؤال .. هل سخرت منه ؟ تكرر السؤال و صداه المر الكئيب يدوي و يدوي في ذهنه المشتت وهو يعبر الشارع منكمشا نحو بيته .. و تسبب في فوضى اخرى بين العربات المارة التي لم ترحم ابواقها المنبهة انسحابه المخزي .. و من يومها فضل البقاء في مرصده يراقب منه كوكبه الجميل بصمت وحزن المحكوم عليه بالسجن الانفرادي ، لكن برغم الحصار الذي فرضه على نفسه لم يكن محصنا بما فيه الكفايه ، ففي ظهيرة يوم خريفي وبنظرة سريعة خاطفة مقرونة بابتسامة غامضة منها اخترقت اسوار عزلته و هزت اركان صومعته .. و لم يفهم لحظتها و لا بعدها لم غمره احساس باليتم و العري و التشرد والضعة و ان سيرته و فضيحته تلوكها السن كل المجتمع البشري .. و برغم ذلك لم يستطع الابتعاد عن الشباك في مواعيد ذهابها و ايابها و استمر يودعها و يستقبلها بعين واحدة من ثقب صنعه بسيكارة متوهجة في الستارة السميكة المسدلة على النافذة .. وهكذا مرت الايام و تكاثفت احزانه و كآبته مع تفاقم اجواء الخريف ، و ذات صباح و تحت رذاذ مطر خفيف رأها تحتمي بحقيبة يدها خوفا من البلل وتسير بخطاها الانيقة بهرولة غير ملحوظة لتحتمي بمظلة محطة الحافلات .. و فجأة و في لحظة من تلك التي تنفتق عن الخوارق انارت سحنته ابتسامة مسحت عنها في ثانية ماتراكم عليها عبر عام من عبوس و وجوم .. ازاح الستارة و فتح الشباك ، مد رقبته محدقا في السماء ، الغيوم تتراكم و تتكاثف اكثر و الرذاذ بدأ يتحول لقطرات .. اتسعت ابتسامته اكثر و البريق في عينيه كان يعلن عن فكرة .. نعم ، يبدو ان اليوم الماطر الحزين هذا هو يوم سعده .. !! المطر سيستمر بل و سيشتد اكثر .. وهي ستعود في هذا الجو الماطر و بكل تأكيد ستحتاج لمظلة تقيها من البلل مسافة الطريق من المحطة حتى بيتها .. و عادت الابتسامة لتؤكد رضاه على ما آل اليه الحال ، وقال مخاطبا نفسه بسرور بالغ : - و بكل تأكيد ستكون ممتنة لمن يوفر لها مظلة .. *** *** *** و بعد جهد جهيد تمكن من الحصول على مظلة واقية من المطر .. دفع فيها ضعف ثمنها ان لم يكن اكثر ، برغم انها لم تكن في المستوى المطلوب حسب تقديره و كان من النوع العادي جدا .. المهم انها تفي بالغرض .. عاد لمرصده ، ركن المظلة في متناول يده و جلس يراقب الشارع كجندي في حالة تأهب قصوى .. الوقت كان يمر بطيئا لكن احساسا براحة كانت مفقودة كان يمنحة القدرة على الصبر و الانتظار .. شاهد البعض ممن كانوا تحت مظلة انتظار الحافلات يتحركون لاستقبال حافلة كانت قد تأخرت عن الموعد ، الامطار اربكت حركة السير و مواعيدحركة الحافلات .. توقفت الحافلة و نزل منها عدد من الركاب ، لا لم تكن بينهم تحركت الحافلة .. شعر بشيء من الخيبة الممزوجة بقلق ، ربما عادت مباشرة الى بيتها بعربة اجرة .. ! احتمال قوي يحسسه باحباط مر ، شاهد من تبقى في المحطة يهرولون صوب الشارع ، مد رأسه ليرى حافلة اخرى واقفة كانت خلف التي تحركت لذا لم يلاحظها و .. لمحها تسير على عجل ، يائسة من حماية نفسها من البلل .. فانطلق كقذيفة صاروخية خارجا من غرفته ، ليقطع السلالم بقفزات معدودات و يعبر الشارع كمن يطارده كلب مسعور .. واخيرا ليقف امامها جاحظ العينين لاهثا و يقول لها بكل لطف و تهذيب : - ارجو ان تقبلي مني هذه المظلة كي لا تبتلي اكثر ، اا ا انه ... إنه لأمر مؤسف ان نرى انسة بلطفك بهذا الحال .... مد يده و رفعها و هي تنظر اليه بأستغراب و عيونها تتسع اكثر فاكثر لتتشبع بابتسامة تتسع على شفتيها ، رفعت يدها لتكتم في فمها ضحكة عنيدة تصر على التحرر من اعماقها .. ببطء بالغ ورعب طاغ رفع عينيه صوب يده المرفوعة ، كانت خالية ، لا تمسك بأي شيء ..! من فرط استعجاله و لهفته نسي المظلة حيث ركنها في الغرفة .. نظر اليها ببلاهة و احساس فضيع بانه على اعتاب فضيحة جيدة اقسى و اشد مرارة من السابقة ، كابوس يمسك بخانه يهز كيانه و يشفط كل اماله و احلامه .. نظر اليها برجاء من يكاد يقول .. استريني ، يسترك الله .. جاءه رنين ضحكها ثم قهقهاتها المتوالية بروقا و رعودا تخترق جمجمته .. فجأة توقفت عن الضحك ..!! نظر اليها بخجل و رجاء ، لمح في عينيها شيء غريب ، غريب جدا ، شيء يحسسه بالامان ، شعر بيديها تمسكان بيديه حملق في عينيها بذهول ، رفعت رأسها و حركته مشيرة الى الشباك .. - شباك غرفتك - نعم شباك .. شباك غرفتي ضحكت بنعومة ، شعر بها تضغط على يديه بقوة اكثر وبدفء يسري في عروقه ليغمر كل كيانه بحنان لم يألفه من قبل ، سمعها تقول : - انها قريبة جدا .. - اجل .. اجل ليست بعيدة ، لكن ... - لكن ماذا .. ؟ سألته بقلق - السافة بيننا كانت طويلة .. طويلة جدا ابتسمت بحنان ، رفعت رأسها ترنو الى السماء كان المطر ينهمر مدرارا .. و بقدرة ما ، غمر السكون المكان ، لم يكن يسمع شيء سوى خرير المطر ، ايقاعه على الارصفة واسفلت الشارع ، على الاسطح ، و افاريز البيوت و شبابيكها على الناس و الشجر و الكائنات ، كانت سمفونية من نبض اوتار الحياة تطهر المكان من احزانها و تمنح زمنها فرحا نقيا بلا زيف و رتوش .. قال لها : - لنرقص تحت المطر - لنرقص و اجتمع المارة ، توقفت العربات عن الحركة حتى الحافلات فرغت من ركابها، تجمهروا هناك ، الكل يرقص و يشارك الحبيبين فرحهما تحت المطر ...
#رزكار_نوري_شاويس (هاشتاغ)
Rizgar_Nuri_Shawais#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يوميات محارب مفقود
-
هلوسات نرجسية
-
دايناصوريات
-
- ذكرى .. - قصة قصيرة
-
قصة قصيرة - اعدام قصيدة
-
يوتيبيا
-
الثورة و الثروة
-
عربة ( البوعزيزي ) لا تزال تتدحرج - بأي حق و بارادة من يحكمو
...
-
عربة البوعزيزي المتدحرجة -مصر ام الدنيا-
-
عربة البوعزيزي .. مزار الياسمين
-
عودة الى .. قيمة الانجاز على سلم الحضارة
-
قيمة الانجاز على سلم الحضارة
المزيد.....
-
منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في
...
-
مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري
...
-
شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا
...
-
تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O
...
-
مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم
...
-
تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
-
فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى
...
-
بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين
...
-
ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
-
فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|