|
سلالة الطين : الكاتب ، والكتاب
خالد السلطاني
الحوار المتمدن-العدد: 1244 - 2005 / 6 / 30 - 14:19
المحور:
الادب والفن
بتول ، في " سلالة الطين " ص 467 صدر موخرا ، عن المؤسسة العربية للدرسات والنشر، في بيروت كتاب " سلالة الطين " لمؤلفه الاستاذ عطا عبد الوهاب : الشخصية الوطنية المثقفة المرموقة . تتناول صفحات الكتاب ، بوضوح ، وبلغة انيقة مميزة ، تشي الى ظهور اسلوب خاص في الكتابة ، تتناول احلام وآمال .. ومأسي حياة هذه الشخصية العراقية بامتياز ، والتى عكست حوادثها مجرى الاحداث المتنوعة والدرامية التى شهدها العراق في الفترات الاخيرة ، تلك الاحداث التى اثرت تبعاتها تأثيرا عميقا وتراجيديا على مصائر مواطنيه الكثيرين ، ولاسيما المخلصين منهم التواقين لرؤية بلدهم بلدا مزدهرا ديمقراطيا وتعدديا ، يحترم جميع حقوق مواطنيه . والكتاب لا يتعاطى مع صيرورة سيرة ذاتية عادية ، بل يسرد حوادث معينة وهامة في تاريخ العراق ، مترعة بنكهة الذكريات التى لا تنسى ، لكن اغلب تلك الحوادث هي وقائع غاصة بالالام والمآسي الحزينة المفجعة التى صادفها المؤلف في حياته المديدة ، وهي لهذا ليست محض سيرة ذاتية ، وانما هي بحق كما دعاها المؤلف " سيرة مأساة " : - وهو العنوان الفرعي للكتاب ، الذي اعتبر صدوره بمثابة صرخة بوجه الظلم والظلامية ، ايا ً كان مصدرهما .
(1 ) الكاتب سمعت باسم عطا عبد الوهاب قبل ان اتعرف عليه شخصياً . في نهاية الثمانينات ، وبداية التسعينات ، تكررت زياراتي الى دار جعفر علاوي بالمنصور – المعمار العراقي الرائد ، الذي فجعت بخبر وفاته مؤخرا . كنت مهتما ً ( ولازلت ) بالعمارة العراقية الحديثة : منجزها ، وشخوصها ، خفاياها وحكاياتها الحقيقية .. وغير الحقيقية ؛ ولم يك بدا ً من الذهاب الى " الينابيع " الرئيسية لتلك الظاهرة ، التى لم تبحث ، للاسف ، بشكل موضوعي ، ولم يكتب عنها دراسة ًً شاملة ورصينة ً ، دراسة تتعاطى مع موضوعها بجد واخلاص : بداياتها وانجازاتها ، وخصائصها واضافاتها وتأثيراتها ومؤثراتها ... والينابيع – هم المعماريون الاوائل الذين واكبوا مراحل مسار تلك العمارة ، وجعفر علاوي ، بشخصيته المحببة المرحة ، وحبه للعمارة وللثقافة بشكل عام ، يمثل ، في رأي ، احد تلك الينابيع المهمة . مرة ، سالته من هو جاره الذي يشغل مسكنا تؤم مسكنه ، والمصمم من قبله . ورد سريعا وبدهشة : - عطا عبد الوهاب ... الا تعرفه ؟ - لا . وقص لي ، بتعاطف جم ّ قضيته المأسوية ، مختتما كلامه عن محنته التى وجد نفسه منفردا في زنزانة اعدام لفترة تزيد على اربع سنوات ( للدقة، ووفقا ّ لما سيذكره عطا عبد الوهاب في " سلالة الطين " ، كانت المدة : خمس سنوات واربعة اشهر ! ) ؛ كان كلما سمع طقطقة خطى السجان ، وصوت مفاتيح تفتح الزنازين ، يشعر بانه المقصود للاعدام ، وهذه الحالة تتكرر يوميا ، ولمدة تزيد عن اربع سنوات ... طار، فجأة ، تأثير " الويسكي " ، الذي كنت احتسيه ، وبهت لجملته الاخيرة مرعوبا ً .. وسمعته يقول بصوت بدا لي وكأنه آت من مكان بعيد : - الله لا " يشوّف " محنته لاحد ! ؛ ... الله يساعده !
لملمت اغراضي سريعا وخرجت ، كان خروجي يمّر لصق الجدار الفاصل بين المسكنيّن ، وشاهدته عبر السياج ، كما كنت اشاهده دوما، عند زيارتي الى استاذ جعفر ، كهل عادي ، ضعيف البنية ، اقرب الى القصر منه الى الطول ، في بنطال قصير ( شورت ) ، منهمك ، كعادته ، في رش مزروعات حديقته التى بدت غاية في النضارة والتنظيم . اربع سنين ، في زنزانة اعدام ؟، هذا يعني حوالى 1500 مرة ، كل يوم تشعر بان حياتك قد انتهت ! – شئ ، مذهل ، مخيف ومرعب ، ومفجع ومأساوي ، هل ثمة كلمات اخرى تصف الحال ؟ وكيف تمالك نفسه كل ذلك الوقت ، من دون ان ينهار ؟ كان مجرد استذكار ما قاله جعفر عنه ، يملء نفسي هلعا وذعرا وخوفا لا يوصف ؛ حتى اني اعتبرته ، بحكم ما قاساه ، مخلوقا ً خارقا ً ، اقرب الى شخصيات الاساطير القديمة ، منه الى انسان عادي ! ... انكيدو ... او احد ابطال المآسي الاغريقية ، اللذين بمقدورهم ولوحدهم تحمل آلام ومعاناة يتجاوز تحملها قوة احتمال البشر! . كنت ميال الى تحاشي الكلام معه اجلالا وتقديرا لما كابده ، بيد انه بالفته وحميميته ،كان يظهر بعض الود تجاهي ويغريني بالحديث معه ، ويرشدني ضاحكا ً باستمرار المداومة على طرق باب جعفر ، عندما اشعر بان لا احد في الداخل يستجيب الى طرقي . وعلى ما يظهر فانه قد سأل جعفرا عن شخصية زائره المتردد عليه، في الفترات الاخيرة كثيرا ، وفي وقت محدد . ويبدو ايضا ً انه قد قرأ لي بعضاً من المقالات التى كنت انشرها في وسائل النشر المحلية . وبمرور الايام ، واثر لقاءات عديدة في مناسبات ثقافية ، كـّنا نتبادل الاحاديث ، واحيانا نتناقش في الشؤون الثقافية ، والمعمارية على وجه الخصوص ، وكان اهتمامه وسعة معرفته بالاخيرة ، تثير لدي دائما الدهشة .. والارتياح . لكن عطا بدا قريبا ً لنا ، نحن المعماريين ، عندما ظهر كتاب " الاخيضر والقصر البلوري " لرفعة الجادرجي ( 1993 ) ، والذي صاغه عطا عبد الوهاب ، باسلوبه الممتع والخاص والمميز ّ . كان ظهور الكتاب ، بمنزلة حدث معماري مهم ، يماثل في رأي ، ظهور مبنى بتصميم استثنائي ؛ فلاول مرة يصدر في العربية كتابا ًمعماريا ً بهذه السعة والشمولية والاخراج والاناقة ، واللغة ، اللغة الجميلة التلقائية المعتـنية بالتفاصيل ، والمؤسسة لنص قلما ُقرا سابقا ً . والكتاب ، كما هو معروف ، كتب في سجن " ابي غريب " ، عندما كانا الاثنان : عطا ورفعة نزيلين فيه . والامر الذي يبعث على الحيرة بان عطا لم يذكر ، ولا مرة واحدة حادثة كتابة نصوص الكتاب ، في مؤلفه " سلالة الطين " . ، وكل ذلك يثير الدهشة والحيرة ، ذلك لان تأليف الكتاب واسلوب لغته ، ومناسبة صدوره ، تعد حدثا بارزا في الثقافة العربية عموما ، وتعد امرا غير عادي في مجمل الخطاب المعماري العربي . هل فات عطا حادثة الكتاب ؟ ؛ ام ان صمته المعبّر يشي الى دلالات معينة ، تومئ الى وقائع من نكران وجحود صادفهما كثيرا وباستمرار على امتداد سنين حياته ؟ لكن قمة " عطاء " عطا عبد الوهاب " المعماري " ، كان في ترجمته كتاب " لو كوربوزيه " ( المودولور ) ( 1995 ) ، وانا هنا اتناول جانبا من شخصيته الثرة المتنوعة الاهتمامات ، عالية الثقافة ، وهو جانب الاهتمام الثقافي بالشأن المعماري ، الشأن الذي يشكل الاحاطة والمعرفة به جزءا من مهنتي وشخصيتي ، واعزو له ، بالاساس ، حيثيات تمتين اواصر المعرفة فيما بيننا . واللافت في الترجمة ، اضافة ً الى حضور اللغة الانيقة ، نوعية الاختيار ، فالكثير من القراء العرب ، واتجاسر واقول العديد حتى من المعماريين العرب ايضا ً ، يجهلوا تأثير واهمية هذا الكتاب على مسار تطورّ العمارة عموما ، وعلى منتجها المادي الملموس . ومع ان كتاب " المودولور " ، صغير الحجم ، فانه حافل بمصطلحات هندسية ومعمارية كثيرة ، وكل مصطلح فيه يدل على معنى محدد وواسع ، واي اخلال في ترجمة المصطلح ، سيفضي الى اضطراب في المعنى المقصود . بيد ان نتيجة الترجمة جاءت على درجة عالية من الكمال ، والاتقان ، يزيدها بهاءا الاسلوب اللغوي المصطفى ، ونوعية اختيار المفردات ، وهو ما اشرت اليه ، في مقالة منشورة ، تعود الى سنة 1995 ، اشيد بها صوابية اختيار الترجمة ، ولغتها الرشيقة البارعة . ... في عمان ، الاردن التى انتقل اليها من بيروت ، ومحطتي الاولى بعد خروجي من سجن العراق الصدامي البعثي ، في منتصف التسعينات ، تقابلنا مرة اخرى ، وزرته في بيته بمعية خالي ماجد النهر- جاره في المنصور ببغداد سابقا ، وجاره الحالي بعمان . كان ، دائما ، وكعادته مسكون بالهم الثقافي ، ونشاط الترجمة ، الذي كان يمارسه وفق طقس خاص من الصرامة والضبط العاليين . لم يكن في بحبوحة من العيش ، كما تفصح عنه نوعية شقته واثاثها المتواضع ، بيد اني لم اسمعه قط يشكو وضعه المعاشي على امتداد خمس سنوات ، وهي الفترة التى عملت فيها استاذا في جامعات الاردن ، وظل رجلا متحصنا ومترفعا قلّ نظيره ! . وينبغي علي ّ ، الان ، الاقرار بجميله ومعاضدته لي لنشر كتابي < رؤى معمارية > ( 2000 ) ، عند صديقه الناشر ، الذي ساهم حضوره الشخصي لمكان اجتماع الناشرمعي ومتابعته المؤثرة ، الى سرعة تذليل معوقات كثيرة .
(2) الكتاب جاء كتاب " سلالة الطين – سيرة ماساة " ، الصادر سنة 2004 في بيروت ، بـ 616 صفحة ، وبغلاف سميك . ويعبر شكل غلافه ، الذي صممه " سينا عطا " ، ابن المؤلف ، يعبربرمزية لاذعة عن محتوي الكتاب ؛ اقول يعبر ، ولا اعني الاختزال . اذ لا يمكن اختزال نص يحكي مضمون ، من خلال كلمات مغموسة بوجع انساني ، سيرة آلام ومعاناة لا تصدق . يمكن فقط سرد بعضا ً من وقائعها في مكان معين وفي زمان معين ، توطئة لسرد ، لاحقا ً ، التالي منها ، حتى تكتمل فصول تراجيديا العذابات والاوجاع والمآسي التى اوجدها " نظام " قتلة وفتاكين ، كان جل ّ مرماهم اغتيال " منظومة " الحياة العادية لملايين العراقيين ، الذين وقعوا ، في غفلة من الزمن ، بين ايديهم ، ومن ثم التلذذ بعملهم المشين ! . ثمة رسالة عاجلة ، بيد انها مؤثرة ، يرغب المصمم ايصالها لنا عن محتوى الكتاب ، ومكابدة الكاتب . فيلجأ الى استحضار المعنى من خلال تأكيد الرمز ، وينزع الى تغييب ملامح الشخصية ، طمعا في ضمان حضور الهوية . فما نراه محض " بورتريه " على خلفية ملونة؛ بيد ان مساحتها طاغية ، يوحي لونها الجوزي الضارب للاحمر ، الى " الطين " ، الذي تستمد منه ، عائلة " عبد الوهاب " سلالتها ! ؛ لكنه هنا ، يتبدى وكأنه طين < حرّي > ؛ طين يعد نوعه من انقى انواع الطين العراقي ، كناية عن حقيقة نظافة ايادي رجال ونساء تلك العائلة الكريمة ، ونقاء سريرتها ! . تدلل سيماء صورة الغلاف " البورتريتيه " على شخصية رجل مفعم بالامال ، الامال التى نرى رموزها فتحات نوافذ مشرعة امامه باسلوب منظوري ، موحية الى تنوع مجالات الرجاءات والاحلام المفتوحة امام ذلك الرجل ، وهو في كامل اناقته وجمال زيه ؛ بل ان اناقته المعبّر عنها " بالسدارة " الفيصلية ، وقميصه الناصع البياض بربطته الانيقة ، هي التى تلوح لنا ، اكثر وضوحا ومغايرة ، مقارنة بضبابية بعض التفاصيل الاخرى للصورة التى تلاشت قسماتها مع ملامح " فاصل " الخلفية . على ان لسعة المفاجأة تكمن في الصورة الاخرى ، صورة الغلاف " الاخير " ، والتى تظهر قسمات رجل بالكاد تدلل على شخصيته . لكن تلك القسمات ،على عموميتها ، تظهر نوع من التحدي المثير للتعاضد ، والذي بسببه خرج الرجل - الذي نراه الان متشحا بالسواد - ؛ منتصرا على هول ما مرّ به . ثمة ملامح مشتركة ، يمكن للمرء ان يلاحظها بين الصورتين ، بيد ان " الفاصل " الزمني الغاص بالفجيعة والالام ، يعمل عمله ، ومع هذا فان العين لا تخطئ في نسب شخصية الصورتين الى عطا عبد الوهاب – كاتب " السيرة المأساوية " .
يحاول عطا عبد الوهاب ان يعزو سبب محنته التى بدأت بمطاردته ومن ثم اختطافه في دولة اخرى، ونقله الى العراق خلسة ، وتعذيبه واعدام اخيه والحكم عليه بالاعدام ، ومن ثم سجنه لمدة تفوق على ثلاث عشرسنة ، بدون ادنى مبرر ، فيجدها في تضافر ظروف " على نحو ٍ لا يحتمل وقوعه الا بنسبة واحد الى مليون " ص (493 ) . لكن جواب تساؤله المرّ على استفهام مزدوج < لماذا ؟ لماذا ؟ > ، الوارد في صفحة 488 من الكتاب ، يمكن ان يكون صحيحا ً بالطبع . بيد ان الاشارة والتأكيد مرة ، ومرات ، على طبيعة النظام ، الذي وجد العراقيون ، فجأة ، انفسهم محاصرين بمصيدته ، لينصب عليهم بعدئذ ٍ عنفا غير انساني ، وارهابا فجا ، وقتلا مجانيا ، وكل ذلك ترادف مع ضياع المقاييس ، والاعلاء من شأن الوحشية والتدمير الشامل لكل ماهو خير وصحيح وصائب في سلوكية الافراد ، يمكن ان يكون جوابا لذلك الاستفهام الذي طرحه ، فجميع العراقيين كانوا وقودا ، لتلك الممارسة الشاذة وغير العقلانية التى مارستها عصابات القتل والجريمة ، على امتداد عقود من حكم نظام البعث الصدامي . عندما كنت اراجع ، مرة ، رفوف كتب مكتبة الجامعة الاردنية بعمان ، اثار انتباهي كتاب متواضع الحجم لمؤلفه عبد الكريم فرحان ، وهو ابن بلدتي ، لا اتذكر عنوانه بالكامل ، بيد اني مازلت ، وبعد مرور تلك السنين العديدة ، ارتعش رعبا ً لمجرد تذكر ما قرأته في صفحات ذلك الكتاب ، وما صادفه الكاتب من جور وظلم وتسعف وضيم واجحاف في قصر النهاية ، " القصر" اياه الذي وجد عطا ، نفسه به وقاسى ما قاساه . ثمة عراقيون كثر كابدوا ما كابدا عطا وعبد الكريم ، لكننا لا نعرف عن معاناتهم كثيرا ًً . الشئ الاكيد الذي نعرفه، هو ان ظلم وارهاب النظام البائد كان شاملا وعاما ، وانه لم يبخل بهما على احد ! . استلمت كتاب " سلالة الطين " بالبريد ، على عنواني في مدرسة العمارة ، مرسل من الصديق عطا ، الذي رجوته ان يبعث به اليّ . وحالما استلمته فتحته على القسم الثالث . وبعد قراءة صفحات فصل < الى الهاوية > ، قلت لاخرج من مكتبي الى جوار المدرسة ، بالقرب من مبنى الاوبرا المشيد حديثا ، ضمن البرزخ البحري الذي يفصل جزيرة مدرستنا عن كوبنهاغن ، وامامي قصر الملكة ،كما يمكنني ان ارى برج البرلمان المميّز من بعيد ، وجموع من الناس الاحرار السائرين بمرح ، لتكثيف الشعور بالطقس السياسي ، الحافل برموز الديمقراطية ، وشواهد الثقافة الرفيعة ، حتى يزيد كل هذا ، من تأثير جرح قراءة نصوص المأساة التى تفصح عنها كلمات المؤلف البليغة ، ولتأكيد هشاشة ، وسخافة التهم المفبركة ، التى لا يمكن لها اطلاقا ، ان تخطر على بال اياّ من اولئك الذين انظر اليهم عن بعد ، وعن قرب ؛ التهم الكاذبة الوهمية التى ادت تبعاتها الظالمة الى تشريد وسجن واعتداء وتعذيب العديد من رجال العراق المثقفين المخلصين الاوفياء. تثير قراءة نصوص كتاب " سلالة الطين " تعاطفا جما مع محنة المؤلف ، كما تغوي تلك القراءة ، الى التنديد الشديد بالظلم والظلامية اللذين خيما على العراق عهد النظام الاستبدادي الشمولي البائد . على ان قراءة محتوى الفصل الاول الخاص بالاسفار ، اثار لدي تعاطفا اضافيا مع نوعية شخصيات ورد ذكرها عرضا في الكتاب ، شخصيات ادت واجباتها الوظيفية والوطنية على اكمل وجه ، وضاع جهدها ومآثرها في خضم التباسات وتقييمات ايديولوجية وفكرية ، غلفت الحياة السياسة العراقية ردحا طويلا من الزمن . واعني بهم رجال الطبقة الوسطى العراقيين ذوي الثقافة التركية ، ودورهم الكبير والمهم في ترسيخ مبادئ الضبط الاداري ، والاعلاء من شأن قيم الانتماء الوظيفي ، والامانة على المال العام ، والسلوك النزيه المتجرد من المنفعة الشخصية فيما يخص قضايا الشأن العام . انهم امثال اؤلئك الذين يتكلم عنهم ، عطا عبد الوهاب بمودة ومحبة كبيرتين في مستهل القسم الاول من كتاب " سلالة الطين " . وانا هنا ، لا اعنى رجال الطبقة السياسة العليا ، فتقييم سلوكهم ذاك رهناً بما انجزوه ، وانما اعني الموظفين العادين من الصف الثاني ، وربما الثالث ايضا ً : المهندسين والضباط واخصائيي الطابو والموظفين الاداريين والفنانين والمعلمين ، الذين بفضلهم نال العراق سريعا ، تلك المنزلة الرفيعة التى تبّوأها في التقدم والعمران ، بعد ان كان سابقا ، مجرد ولايات متأخرة في منطقة جغرافية مهملة . يتكلم عطا عبد الوهاب عن العلاقات الحميمية ، التى تربط اعضاء تلك الاسر وسلوكياتها المهذبة ،عالية الثقافة ، ويصف لنا حال مدن عديدة شغل اولئك الموظفين بها ، مناصبهم وتنقلوا من مدينة لاخرى في طول العراق وعرضه بدون كلل او تذمر ، وكانوا دائما يرسون تقاليد وسلوكيات جديدة وحديثة في تلك المجتمعات المحلية التى صادف وجودهم فيها اثناء ترحالهم المستمر ، ويتصادى نهجهم هذا ، مع طموحات كثيرين في رؤية بلدهم بلدا ً متقدما ومزدهرا . بيد ان جهود اولئك المخلصين الشرفاء ضاعت وفقد ذكرهم ، واخذوا بجريرة خطايا السياسة العثمانية البغيضة ، والاجندات الخفية لبعض الساسة المحليين والاقليميبن ، ولف دورهم النسيان .
ماذا عن محتويات الكتاب ؟ - اعترف باني تكلمت < عن > الكتاب ، وليس < فيما احتوى > الكتاب ، اذ يظل نص الكتاب ، في راي ، نصا غير قابل للعرض ، وبالتالي للاختصار ؛ ذلك لان جميع مفرداته التى ، تسرد بامانة ، طبيعة الاستبداد ، الاستبداد الذي افرز تفكيرا اجراميا وممارسات شاذة ، لا يمكن لها ان تختصر ، كما لا يمكن ان تختصر او تنسى المآسي والاوجاع التى خلفها ذلك النظام الشرير . ولهذا فاني اناشد الجميع قراءة نصوص هذا الكتاب قراءة كاملة ، كي يمكن تصور ما حصل للعراق في تلك الايام العصيبة ؛ والعمل بجد واجتهاد على عدم تكرار امكانية حدوث مثل تلك المآسي ثانية . قد يشكك البعض ، وربما لا يصدق آخرون مدى القسوة والبطش الذيّن حلا ّ بالمؤلف ، بدون وجه حق ، كما حل ّ بالآلاف المؤلفة من امثاله ، وبدون وجه حق ايضا َ ، واذ وجد مثل هولاء الناس الفارغين والخالين من الاحساس بالتعاضد والتكافل الانسانيين ّ ، فان ذلك سيعمل حتما ، الى زيادة آلامنا آلما مضافا ً ، ويضيف الى اوجاعنا وجعا زائدا ، ويجعلنا نردد القول المنسوب الى علي بن ابي طالب : " ويل للشجي من الخلي ّ " - نعم ، ويـل للشجي ، من الخلـي ّ ! . □□
د . خالد السلطاني مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون كوبنهاغن- الدانمرك
#خالد_السلطاني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تسعينية جعفر علاوي - العمارة بصفتها مهنة
-
مسجد ما بعد الكولونيالية
-
رسالة مفتوحة الى برهان شاوي
-
صفحات منسية من تاريخ العراق المعماري: مبنى مجلس الامة-الى ال
...
-
تحية الى 9 نيسان المجيد
-
نكهة العمارة المؤولة
-
مصالحة ام ... طمس حقوق؟
-
مقترح شخصي ، لادانة جماعية
-
المشهد المعماري في الدول الاسكاندينافية بين الحربين - صفحات
...
-
الانتخابات و - رياضيات - الباجه جي المغلوطة
-
العمارة في العصر الاموي : الانجاز والتأويل - مقدمة كتاب ، يص
...
-
تجليات العمارة العضوية : نتاج رايت في الثلاثينات - صفحات من
...
-
في ذكرى عبد الله احسان كامل
-
بزوغ( الار نوفو .. واختفاؤه ) تيارات معمارية حديثة _ من كتاب
...
-
قضايا في العمارة العراقية :العمارة ، بصفتها منجزا ً ثقافيا
-
ثمانينية خالد القصاب : المثقف المبدع ، المتعدد المواهب يتعين
...
-
صفحات من كتاب سيصدر قريباً - العمارة الاموية : الانجاز ، وال
...
-
تيارات معمارية حديثة : التيار الوظيفي
-
صفحات من كتاب سيصدر قريباً - العمارة الاموية : الانجاز والتأ
...
-
موالي - صدام المُدَّعِية - بالثقافة - تسعى - لتبييض - سيرة ا
...
المزيد.....
-
حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام
-
-بردة النبي- رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة
-
تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل
...
-
قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد
-
وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا
...
-
“وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1
...
-
وزير الثقافة والاتصال الموريتاني يوضّح موقف نواكشوط من من مق
...
-
جودة خرافية للمباريات.. تعرف على أحدث تردد قناة MBC أكشن 202
...
-
-الدين المعرفي-.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى -عكاز- يعيق
...
-
هوليود تنبش في أرشيفها.. أجزاء جديدة مرتقبة لأشهر أفلام الأل
...
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|