أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - نكهة العمارة المؤولة















المزيد.....



نكهة العمارة المؤولة


خالد السلطاني

الحوار المتمدن-العدد: 1150 - 2005 / 3 / 28 - 06:19
المحور: الادب والفن
    


لئن دلّ حضور مفردات لغة العمارة الحديثة في الممارسة البنائية لبلدان عديدة في منطقة الشرق الاوسط ، ابان العشرينات والثلاثينات وفيما بعدهما من القرن الماضي ، على قبول فئات شعبية مهمة لافكار وقيم الحداثة ؛ الحداثة السياسية والاجتماعية معا ً ، فان حضور تلك المفردات كان مرتهنا بوجود صفوة من المعماريين العرب الممارسين الذين انحازوا بصورة دراماتيكية ومؤثرة لجهة تبني مقاربات الحداثة المعمارية وقيمها التكوينية ، تلك المقاربات المتجلية تصميميا بقطيعتها الابستمولوجية مع مجمل ما كان يعتبر امرا معروفا وشائعا وتقليديا في المشهد المعماري لتلك البلدان .
لم يكن نزوع أولئك المهنيين العرب ، نحو تبنى قيم الحداثة المعمارية وتقبلهم لاساليبها التصميمية بمثابة فعل سلبي او عمل خاطئ ؛ كما لم يكن ذلك يمثل امرا معيبا، ولم ينشد المعماريون في تعاطفهم مع تلك القيم " الارتماء " في احضان الغرب ، والغوص في لج ثقافتة "الدخيلة "، طمعاً لمسعى تغريبي "مشبوه " ، وقطعا لجذور الانتماء عن بيئتهم الثقافية وتراثهم الخاص ، كما يحاول الاشارة الى ذلك ، مرارا ، دعاة السلفية، وانصار الفكر القومي المتعصب ، واصحاب " الاجندات " الاصولية المخزية ، الذين انبروا ، بلجاجة ، في توظيف كل طاقاتهم و" خبرتهم " ومالهم ، وحتى سلاحهم لتكريس رؤاهم الخاصة عن مفهومي " الاصالة "، و "الحداثة " ـ تلك الرؤى التى دابت على التشبث بقراءة واحدة ووحيدة للنص الانتقائي المختار من قبلهم ، الذين رفعوا من شأنه وعدوه" مرجعية " و " انتماء " في آن ! .
كما لم يسع َ المعماريون / التجديديون الى توظيف كفاءاتهم المهنية واستخدامها كاداة للنأي بعيدا ً عن مشاكل مجتمعاتهم الملحة أوالتغاضي عنها ، وانما العكس هو الصحيح ؛ اذ ما انفك ممثليهم يدعون بصورة واضحة الى تسخير آهليتهم المعمارية والتخطيطية نحو ايجاد حلول مقنعة وصائبة لمشاكل حقيقية : انية ومستقبلية قد تعترض مجتمعاتهم وهي في صيرورتها المتنامية الجارية . ونضيف هنا ، بان صراخ الاصوليين السلفيين العالي وضجيجهم المفتعل ، حول تشبثهم " الاطلاقي " بالقيم الماضوية ،التى اصبغوا عليها قداسة كاذبة ، فضلاً عن عدم رغبتهم الاحتكام للمنطق السليم لجهة تمييز او تفريق فيما هو صالح وطالح منها ؛ هو الذي يعمل " بكفاءة " على تغريب قضايا الواقع المعاش واسقاطها واهمالها من اهتماماتهم ، ان كان لهم حقا ثمة " اهتمام " في المساهمة بحل قضايا مجتمعاتهم .
لقد اقترنت عناية المعمارين العرب الحداثيين بالمقاربات المعمارية الجديدة ، في الغالب مع سعيهم وتطلعهم نحو دراية معرفية لكنه المستجدات الهندسية ، المرافقة لتلك المقاربات ، وعدم ً الاكتفاء مهنيا ً ومعرفيا ً لماهو مألوف وذائع ومعتاد في الممارسة البنائية المحلية ؛ تبعاً للقول المأثور من " ان المعرفة ضالة الانسان المُجـّد " . ولعل هذا التوق المبرر ، وذلك الحرص المهني العالي بوجوب الاثراء المعرفي بكل ما يضيف الى الخبرة المهنية من جديد ومتطور، والتطلع نحو حلول ناجعة ، وقادرة بكفاءة الى تلبية المتطلبات الجديدة لمجتمعاتهم الاخذة في التغيير ، والسعي الى كسر" التابوات " المفتعلة ، هو الذي يفسر نزوع عدد كبير منهم لجهة الاقـتداء بالمقاربات الحداثية وتقبلهم لقيمها ، تلك المقاربات المبشرة بالمشروع التجديدي المنشود ، والداعية لخيار تجاوز محدودية الممارسة البنائية المحلية وتقاليدها الموغلة في سذاجتها ومحافظتها ورجعيتها . باختصار شديد ، بات النهج المعماري الحداثي ينظر اليه من قبل المعماريين العرب كوسيلة مهمة وضرورية للوصول الى نتائج مقنعة وصائبة وعملية تفضي الى خلق بيئة مبنية ملائمة : متينة وصحية واقتصادية .. وجميلة ايضا ً !.
لقد ادرك المعاريون التجديديون سريعا ً بان نشاطهم المعماري سيكون له قيمة وتأثير عميقين في الممارسة البنائية لبلدانهم ‘ عندما يشرع انتاجهم بالتعاطي مع قضايا اساسية تهم فئات عريضة واساسية من المجتمع ، وليس الاكتفاء بمزاولة شؤون نخبوية أومحددة حصرا ً ، اي انهم اقتنعوا بان الاجدر اقتحام كيانات " المتن " البنائي الصلد ، على البقاء ضمن مدارات " الهامش " . من هنا يمكن تفسير ايمانهم العميق بان المفاهيم المعمارية الجديدة ، ينبغي لها ان لا تتأسس على تقاليد بنائية محلية : فوضوية واعتباطية متخلفة ؛ وانما في تجاوزها نحو قطيعة كاملة ، قطيعة لا تنشد باي حال من الاحوال " التماثل " مع الاخر او التماهي معه ، لكنها تسعى الى الانخراط في توجه راديكالي ، يطمح الى تكريس مقاربات معمارية ، يسهم انتاجها في تسريع عمليات الانفكاك من مأزق الواقع المتخلف ، ومن عشوائية بيئته المبنية البائسة .
اجابني جعفر علاوي ، وهو احد رواد الحداثة المعمارية العراقية ، عن تساؤلي كيف تسنى للنسق التصميمى في الثلاثينات ان يضحى سياقا معماريا عاما وشاملا في مجمل الممارسة البنائية بالعراق ؟ ؛ اجاب بان الاغلبية الساحقة من الناس ، ببساطة ، رغبت في ان تسكن في دور حديثة ، وارادت أن تعمل في مراكز عمل حديثة ، وتاقت ان تتعلم في مباني مدارس مشيدة حديثا ً ، وفق الاساليب المعمارية الجديدة ، وبمواد انشائية جديدة ومتجاوبة بكفء مع الظروف المناخية المحلية ؛ هذا عدا عن اقتناع تلك الاغلبية بمزايا التحديث ، الذي اطل فجأة كخيار واقعي وفي متناول اليد ، افرزه حراك التجديد الموار وايقاعه الصاخب الذي لف ّ مختلف نواحي الحياة المدنية وقتذاك .

في نتاج اثنين من معماري الحداثة المعمارية العربية ، وهما : المصري " علي لبيب جبر " ( 1898- 1966 ) ، والعراقي " عبد الله احسان كامل "( 1919-1985 ) ، يمكن للمتتبع ان يرصد طبيعة المتغيرات الجذرية التى طرأت على المشهد المعماري العربي ، ويمكن ايضا ً تبيان خصوصية مأثرتهم التجديدية في ترسيخ وتثبيت كل ما كان طليعيا وحديثا في صميم الممارسة المهنية الاقليمية .
كلا الرجلين حصلا على تعليمهما المعماري في انكلترة ، وتحديدا ً من مدرسة العمارة في ليفربول ، التى عدّت يومها من افضل المدارس المعمارية التعليمية في العالم . انهى " جبر " تحصيله المهني عام 1924 ؛ في حين حصل " كامل " على شهادته من المدرسة اياها عام 1942 . بعد تخرجهما مباشرة ، انهمكا في العمل التصميمي ببلديهما ، جاعلين من قضية الحداثة ، قضيتهم المهنية والشخصية ، وجاهدا قدر طاقتهما ، على تثبيت قيم الحداثة المعمارية واصولها في الخطاب المعماري الاقليمي ، من خلال نماذج بنائية ، تعد تصاميمها اليوم من كنوز عمارة الشرق الاوسط باسره .
عندما قدم "علي لبيب جبر" تصميمه النهائي وهو مشروع " مسرح الذخائر " بالقاهرة ، كمشروع تخرج من مدرسة ليفربول المعمارية ، قيّم عميد المدرسة ذلك التقديم بكونه " افضل تقديم ، قـُدم يوما ما الى المدرسة ، على امتداد تاريخها الطويل ! " ، نظرا لمهارة الرسوم وقوة اظهارها ، فضلا على حداثة الحلول التكوينية للمشروع ووضوح الفكرة التصميمية له.
عين " جبر " كمحاضر مساعد في قسم العمارة بكلية الهندسة / جامعة القاهرة ، حينما عاد الى مصر ، بعد بضعة شهور من التدريب المهني في مكتب معماري لندني ، ، ثم ثبت كمحاضر ( 1927 ) ، ورقي الى مرتبة : استاذ ( 1930 ) ، ومن ثم عميدا ( 1934-55 ) للقسم . وطيلة عمله كتدريسي حاول " علي لبيب جبر " ان يغيّر ، ويضيف ويعدّل البرنامج التدريسي في القسم المعماري ،بحيث تكون مساقاته متوافقة مع احدث مقررات البرامج التدريسية المتبعة في افضل المدارس المعمارية العالمية ، التى كان على اتصال دائم مع مجرى احداثها ومتغيراتها ، من خلال اطلاعه المستمر وزياراته العديدة للمدارس المعمارية الاوربية .
واعتبارا من عام 1928 ، انغمس " جبر " بالاضافة الى عمله التدريسي في العمل التصميمي الحر ، وكانت تصاميميه الاولى متخمة بالذائقة الفنية المحلية لتلك الفترة الزمنية ، والمعبر عنها " بالطراز الايطالي " ، المثقلة تصاميمه بمفردات " الار ديكو " الشائعة وقتذاك . وتمثل عمارة دارة " محمد رضا بك " في الزمالك بالقاهرة ( 1930 ) ، ، وفيلا " مجيب بك فتحي " في الجيزة ( 1932 ) نموذجا ً لتلك المرحلة التصميمية ، التى سرعان ما يهجرها ، متوخيا ً التطلع نحو مقارية معمارية اخرى ، مقاربة تهتم بتبسيط لغة " الفورمات " المعمارية ، والسعي الى وضوح الكتل المصممة و حضور الهندسية فيها ، وتوظيف مفردة الخطوط الافقية كعنصر تكويني اساسي ، بالاضافة الى حذاقة استخدامات الاقواس نصف الدائرية في الطوابق الاولى من المبنى .
في عمارة فيلا - المغنية " ام كلثوم " بالقاهرة ( 1935 )< الفيلا التى "نسخ " عمارتها احد العراقيين الاغنياء المعجبين بفن المغنية الشهيرة ، واعاد بنائها في احد احياء بغداد الراقية ، وظلت الفيلا قائمة منذ انشائها في الاربعينات وحتى يوم 27 اكتوبر سنة 2003 ، عندما فجرها "ارهابي " بعد ان آلت مقرا ً لهيئة الصليب الاحمر الدولية ! > و في فيلا " مكرم عبيد " في الاسكندرية ( 1936 ) ، بالاضافة الى فيلا " عبد الرحمن حمادة " ( 1940 ) ، تنعكس بوضوح خصوصية المقـترب التصميمي الذي حاول " جبر " ان يصطفيه لنفسه ، ويجعله احد تنويعات الخطاب المعماري المصري في فترة ما بين الحربين ؛ ذلك المقترب المتطلع لايحاد صيغ وحلول تكوينية تكون مفعمة بروح الحداثة المعمارية ، التى تولي اهتماما خاصا لحضور الهندسية الصافية في تشكيلاتها ، والتواقة للاشتغال على مفهوم "التكعيبية " التشكيلي ، وجعله مفهوما ً معماريا ً قادرا على انتاج منجز بنائي ، بلغة تصميمية جديدة ، حافلة باشكال ومفردات تكوينية طازجة ، لم تتعودها الممارسة المعمارية المحلية من قبل .
في نوعية اسلوب المعالجات التكوينية التى حققها " علي لبيب جبر " بعمارة تلك الدارات / الفلل ، ذات المقاس البسيط والمتواضع ، يلحظ المتتبع حضورا ً لمحاولات " تنـاصية " نشطة من قبل المعمار ،محاولات تطمح الى إعادة قراءة شخصية لبعض الاتجاهات التصميمية الحداثية ، وفهمها وفق خصوصيات الواقع ، والموقع الذي يتحرك ضمنه وبه المعمار، وتحديدا تحيلنا تلك العمارة المأولة الى نتاجات " وليم دودك " الهولندي ( 1884-1974 ) وتقصياته لاستيلاد " فورم " معماري طازج ونضير، بيد انه مستحدث من رحم سياق تكوينات معمارية مألوفة ، اختمر نضوجها التكويني عبر تراكمات مضافة رافقت مسارها التطوري . ومعلوم ان " جبر" جاهر علانية باعجابه العميق بنتاجات " دودك " المعمارية ، تلك النتاجات التى اثرت تأثيرا عميقا ً على مجمل النشاط المعماري ، ليس فقط في هولندا – بلده ، وانما في عمارة مناطق اوروبية مختلفة ، ولا سيما تأثيره الكبير على توجهات العمارة في بريطانيا فترة مابين الحربين ، التى كان " جبر " متابع لعمارتها بشكل خاص .
وتقتضي المنهجية الموضوعية في تتبع مسار " علي لبيب جبر " المهني واستقراء منجزه المعماري الاشارة الى طبيعة وخصوصية البيئة المعمارية المصرية ، ابان فترة ما بين الحربين ، التى عملت كخلفية لاعمال " جبر " ونتاجه المعماري ؛ وانشغالات تلك البيئة المعمارية في تقصيات اسلوبية لطراز معماري يكون متساوقا ً مع طبيعة الاحداث السياسية الكبرى ، والمتغيرات الاجتماعية العميقة التى شهدتها مصر وقتئذٍ ؛ وهو ما جعل كثير من المعماريين والمصممين المصريين وكذلك الاجانب العاملين في مصر ، ان يولوا اهتماماً استثنائيا ً لخزين العمارة الماضوية ولاسيما الفرعونية منها، والى اعادة قراءة منجزها المعماري ، رغبة في توظيف سمات تلك العمارة ، < واحيانا ً مفرداتها التكوينية> في نسيج الحلول المصممة ، تأكيدا ً لانتماء العمارة المبنية الى بيئتها الثقافية المميزة ، واستثمار تأثيرات فعل ذلك التوظيف واشاراته الرمزية كي تتجاوب مع نزعات " التمصير " المشغولة بها جميع الفعاليات الثقافية والاجتماعية والسياسية المصرية وقتذاك .
لكن " جبر " لم ينساق بسهولة ، كما فعل كثير من المعماريين المصمميين ، العاملين ابان تلك الفترة ، الى استخدام " المعـُارَضَة " او ما يدعى بالخليط " الباستيشي " Pastiche لتأكيد انتساب عمارته الى محيطها ، معززا ًبدلا عن ذلك تقصياته المهنية الذي اشتغل عليها سابقا ً ، لبلوغ قناعات تكوينية اخرى ؛ قناعات تعبق نتائجها المبنية برائحة المكان ، او بالاحرى " جنيّ المكان " Genius Loci ؛ اذا استعرنا مصطلح الناقد النرويجي " كريستيان نوربيرغ شولتز" ، ومن دون اللجوء الى توظيف مباشر لمفردات معمارية محددة ، تم استهلاكها سريعا ، جراء فائض الاستخدام الذي كان على الدوام استخداما ً مملاً ومضجرا ً ... وساذجا ايضا ً .
ولعل مبنى " نقابة المحامين " في القاهرة ( 1948 ) ، وقبله ، مبنى " السفارة اللبنانية " في الزمالك ( 1939 ) ، يعكسان بوضوح خصوصية النهج التصميمي الذي اقترن بتصاميم " علي لبيب جبر " في تلك الفترة . فنحن ازاء مسعى تصميمي ينزع الى استنطاق منجزالعمارة المحلية الماضية، وتأويل مفرداتها التصميمية ، سعيا ً لتكريس سمات عمارته الحداثية المؤثرة ، تلك العمارة التى ترمز بجلاء الى مرجعيتها المكانية ، تماماً مثلما تعبر بنجاح عن انتمائها لزمنها الحاضر !
ويعيد اسلوب تنظيم الفتحات في الواجهة الامامية لمبنى " نقابة المحامين " ، يعيد الى الاذهان ، ولع " جبر " التشديد على سيادة الخطوط الافقية وسيطرتها في الحل التكويني . ورغم ان معالجة الواجهات تظل معالجات مسطحة عموما ، فان استثمار المصمم للبروزات الخرسانية فوق الفتحات ، وما تخلقه من ظلال عميقة ، تشي الي توق مبرر لكسر حالة رتابة الواجهات المستوية ، والتقليل من حدة سطوع الضياء الساقط عليها . وبغية اثرائها< اي الواجهات > بمفردات مضافة ، فان المعمار يتعاطى مع المدخل الرئيس الموقع على محور التماثل ، تعاطيا تصميميا خاصا يبتغي منه زيادة حضور النكهة التشكيلية في تصاميم واجهتة المعبرة .

ورغم حضور " علي لبيب جبر " الممّيز في المشهد المعماري المصري في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي ، وما حققه من انجاز غزير في العقدين السابقين ، انجاز انطوت عمارته على تنويعات " ثيموية " واسعة ؛ فان الحدث الاهم في حياته المهنية ، يظل حدث تكليفه اعداد تصاميم " مدينة العمال الصناعية " في المحلة الكبرى ، من قبل شركة مصر للغزل والنسيج عام 1946 . ونعتبر هذا الحدث بمثابة الفرصة الاولى المهمة التى تتاح لمعمار حداثي بان يحقق اطروحته الجديدة في الممارسة المعمارية المحلية ، من خلال مجمع مبان ضخم ، وبمقياس هندسي كبير . فالمشروع المقترح ، الذي اكتمل بناءه بالكامل سنة 1948 ، كان يهدف الى توفير فضاءات سكن وتسهيلات اجتماعية وخدمات رياضية وترفيهية متقدمة ، كما ان هذا المشروع يعد الاول من نوعه كمشروع متكامل لتشييد مجمع ، بل مدينة باكملها ، مخصصة لعمال وموظفي شركة صناعية ، وفقا ً لمعايير العمارة الحديثة .
في تصميم هذا المشروع الكبير تجلت على وجه اليقين وبانت الامكانات الهائلة التى تتمتع بها منظومة عمارة الحداثة ، ومقدرتها في ايجاد اجابات مستحقة لمتطلبات الحياة العصرية ، عبر حلول تصميمية ناجعة تتسم على قدر كبير من الكفاءة الوظيفية والميزة الاقتصادية وسرعة التنفيذ ، وكل ذلك مشبع بنكهة التحديث والتغيير ! . وتجدر الاشارة بأن " مشروع مدينة العمال " اياه ، مثل بالنسبة الى " علي لبيب جبر " مناسبة اخرى لامتحان آهليته المهنية الشخصية ، وقدرتها في التصدي لانجاز مثل هذه الاعمال الكبيرة والمهمة ، التى ستحدد لاحقا ً ، طريقة واسلوب حياة اعداد غفيرة من مواطنيه التواقين لاستخدام الوسائل العصرية و النجاحات التقنية في اماكن عملهم وسكناهم وراحتهم .
لقد شمل المشروع تصميم وتنفيذ سلسلة من الدور والعمارات السكنية لحوالي000 26 عامل وموظف في الموقع ، بالاضافة الى تصميم ملاعب وقاعات رياضية مغلقة ، واحواض سباحة ، ونوادي ، وسينما الهواء الطلق المفتوحة ، كما تضمن المشروع توفير اماكن تنظيف بمعدات غسيل آلية ، وغيرها من الخدمات الاخرى التى تسهم في تيسير نواحي الحياة المعاشية لسكنة هذة المدينة الصناعية .
انطوى مخطط المدينة المبنية على حضور خاصتي التماثلية والمحورية ، وهما مبدأن كلاسيكيان في تخطيط المدن ، لم يكن من السهل اهمالهما او تجاوزهما تخطيطيا ً ، سيما ان احد المصمميين المساهمين في تخطيط المدينة الصناعية ، وهو " على المسعودي " - العضو في < معهد لندن لتخطيط المدن > كان معروفا في توجهاته المحافظة في التخطيط . لكن الجانب المعماري الذي اضطلع به " جبر " كاملا ، والخاص بتصاميم المباني ، قد اسهم في التقليل من وطأة الشعور بالحدة التماثلية والمحورية القوية ، عبر اختيار مقياس معماري مناسب ، ولغة تصميمية انطوت على استخدامات نشطة للخطوط الافقية التى تمنح المباني المشيدة شعورا ً بالالفة والانتماء ، فضلا على الحضور الجليّ لانحناءات سطوح واجهات تلك المباني الخفيفة والمرنة ، مما منح هيئات مباني المشروع هدوءا وسكينة يتلاءامان مع الفعالية الاسكانية ، وهي الوظيفة الاساسية لتلك المباني .
في نهاية الاربعينات ، ولاسيما بعد اعداده وتنفيذد " مدينة العمال " ، بدا دور" علي لبيب جبر " المهني يترسخ كواحد من اشهر المعماريين الحداثيين في المشهد المعماري المصري ، وتم تعزيزوتوطيد هذا الدور بصورة واضحة ، عندما أكمل المعمار تصاميم اخرى لمشاريع صناعية كبرى ، نفذت في ارجاء مختلفة بمصر ؛ منها " مصانع واسكان عمال شركة مصر للحرير " في كفر الدوار ( 1949 ) ، بالقرب من الاسكندرية ، وكذلك مشروع " اسكان العمال " لنفس الشركة في حلوان ( 1950 ) ، احدى ضواحي العاصمة المصرية . كما صمم المعمار مشاريع آخرى مثل " مبنى المركز القومي للبحث العلمي " ( 1950 ) بالقاهرة ، والمستشفى التعليمي لجامعة القاهرة بالجيزة . وتعتبر تصاميمه التى اعدها لمباني " مطبعة الحكومة " ( 1953 ) بالقاهرة ، من التصاميم المهمة في حياة المعمار المهنية ، مثلها مثل تصميم " عمارة جورج وهلال شمة " ( 1952 ) بالقاهرة ايضا ً .
اما فندقا " كاتاراكت " في اسوان ، والقصر الشتوي الجديد " في الاقصر ، الذان صممهما في بداية الستينات من القرن الماضي ، فانهما بمنزلة " مسك الختام " في سيرة هذا المعمار الحداثي : الدؤوب والمميّز في المشهد المعماري المصري الحدبث .

تكاد سيرة المعمار العراقي " عبد الله احسان كامل " تماثل على نحو كبير مسار الانجازات المهنية التى حققها زميله المصري علي لبيب جبر . وهذا التماثل الابداعي ، مبعثه ، كما نعتقد ، ليس فقط تشابه خلفيتهما الدراسية ، وانما ايضا بسبب طبيعة المرحلة الزمنية التى عاصراها وقابليتهم على الاحساس بنبض التحديث والتغيير الجاريين في بلديهما ، والاصغاء الى ايقاعهما ، فضلا على استعدادهما المهني والشخصي في ترجمة مرامي ذينيك الحدثين معماريا ً ! .
عندما عاد " كامل " الي بلده العراق ، كانت الحرب العالمية الثانيةلا تزال في اوج اوارها ، الامر الذي اثرّ تأثيرا ً سلبيا ً على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، بحكم اشتراك العراق مع الحلفاء في الحرب ضد دول المحور النازي/ الفاشي . وبسبب ظروف الحرب القاسية ، وندرة المواد الانشائية المحلية والمستوردة ، لجأ عبد الله احسان كامل في اولى تجاربه التصميمية الى تقصي بدائل تكوينية وانشائية لمشروع " إسكان عمال الشالجية " ببغداد ( 1944-45 ) ،التابعة الى مصلحة السكك الحديدية ، والتى عُين في " دائرة مبانيها " مساعدا ً للمعمار " فيليب هيرست " - رائد عمارة الحداثة بالعراق . لم يكن تصميم ومن ثم تنفيذ المشروع ، وقتذاك ، امرا ًعاديا ً ، كما لم يكن امرا ً يسيرا ًً ؛ لكن الآهلية المهنية القديرة التى تمتع بها المعمار ، واجواء " الدائرة " المناسبة والايجابية التى عمل فيها ، ساهمت في تحقيق مجمع اسكاني يمتلك قيم تخطيطية مميزة ، ويتصف بلغة معمارية معبرة ، نابعة بالاساس من استحقاقات خصوصية القوام الانشائي المشغول من مخلفات قضبان السكك الحديدية ومن مادة الآجر < الطابوق > المحلية ؛ وما افرز تركيبهما الماهر والمتقن من " فورمات " كتلوية جريئة لم تعرفها الممارسة البنائية المحلية من قبل ! .
وتظهر عمارة " محطة قطار بعقوبة " ( 1947 ) ، التى اعد تصاميمها " عبد الله احسان كامل " ، بالاشتراك مع " هيرست " ، رغبة المصممين الاكيدة ، في جعل ممارسة التعاطي مع تكوينات عمارة الحداثة ، ممارسة مقبولة وفعالة ً في مواقع بيئة الضواحي المبنية ايضا ً ، وعدم اقتصار تلك الممارسات على مواقع العاصمة أوالمركز لوحدهما . ولاتزال لغة المبنى المعمارية المعتمدة على الحلول التصميمية ، ذات السمات الوظيفية الصريحة ومنطقية توزيع الفضاءات ، فضلا ً عن سهولة الحركة ووضوحها ؛ لا تزال عمارة المحطة اياها تحتفظ بنظارتها وحداثتها ، مقارنة بالبيئة المبنية المجاورة ، رغم مرور عقود عديدة على انشائها ورغم الاهمال الكبير الذي لحقها فيما بعد .
وقبل سفره الى الولايات المتحدة في نهاية الاربعينات لاكمال دراسته العليا في "التخطيط العمراني " بجامعة هارفرد ، صمم " كامل " مبنى فرع مصرف الرافدين بالبصرة ( 1948 ) ، ومبنى " المصرف الزراعي " في شارع الرشيد ببغداد ( 1949 ) ، الذي اكمل تصاميمه واشرف على تنفيذه صديقه المعمار جعفر علاوي ؛ وكلا المبنيّين عدّا بمثابة خطوة هامة في مسار تطور ّ عمارة الحداثة بالعراق .
لكن المأثرة التصميمية الحقيقية والمميزة ، التى اقترنت بانجاز " عبد الله احسان كامل " لم تكن في تصميم ذينيك المبييّن ؛ ولا مشاركته مع الاستشاريين الالمان في تصميم " عمارة الدفتردار " ( 1952 ) ، < اعلى مبنى ، في حينه ، ببغداد والعراق عموما ً: 15 طابقأ > المطلة على نهر دجلة ،ذلك المبنى الذي منح خط سماء Silhouette العاصمة المألوف والرتيب ، منحه شكلا تعبيرياً مميزاً ، اتسم على قدر كبير من الدينامية الفعالة ، متأتية من حدث الاضافات " الفرتكالية " غير المسبوقة ؛
وليس ايضا ً تصميمه مع زملائه المعماريين العراقيين مبنى " مصرف الرهون " ( 1957 ) عند تقاطع شارع الجمهورية < والذي شغلته لاحقا وزارة المالية > ،بكتلتيه المتميزتين ، وحجومهما المتضادة غير المألوفة في الممارسة البنائية المحلية ؛
وليس تصميمه مبنى " الشورجة " ( 1956 ) الشهير ، الذي صدم متلقيه : المهنيين منهم وغير المهنيين بهيئته المركية و" المتناصة " مع تصاميم " ادولف لوس " النمساوي ،ذات الجذع الاسطواني المستندة على قاعدة مكعبة ؛
وليس حتى تصميمه لـ "عمارة منير عباس " ( 1956 ) بالباب الشرقي ببغداد ، المتسمة مكوناتها بتنظيم حيّزي متبادل ، اسس لحضور طاغ ٍ لفعل التفريغ الكتلوي في الحل الفضائي – الحجمي للمبنى ؛
وانما ، وكما نعتقد ، في اعداده تصاميم مبنى " خان الباشا الصغير " في شارع السموأل بالحي التجاري للعاصمة العراقية . ونعتبر هذا المبنى المتعدد الطوابق ، من افضل مباني الخمسينات بالعراق معماريا ً وأكفأها هندسيا ً ، كما نزعم ايضا ، بانه واحد من اجمل المباني المصممة وقتذاك في عموم الشرق الاوسط ، نظرا ً لما تميزت عمارته من حلول تصميمية ملاءمة ومعالجات تكوينية مميزة ،وما انطوت واجهاته على مفردات تصميمية حداثية نابعة اساسا ً من القيمة الفنية العالية لتشكيلات الواجهة – الستارة ، التى " نسجت " مفردات سطوحها من ايقاع الوحدات السداسية المكررة ، المعمولة خرسانياً ، واختراق الشرفات الممتدة افقيا ً لتلك الوحدات بعيدا عن مستوى سطوح الواجهة- الستارة ذاتها ؛ الامر الذي اكسب المبنى قيمة فنية عالية ، اغتنت بمفردات تشكيلية معبرة ، ابانت للمعماريين المحليين الامكانات الهائلة التى تتمتع بها لغة عمارة الحداثة ، وبالاخص تجلياتها البيئوية والمناخية ، تلك اللغة التى اسهمت اسهاما كبيرا في اثراء تنويعات عمارة المناطق الحارة ، وتكريس منجزها في الخطاب المعماري العالمي .

لا يمكن التغاضي عن نشاط ودور " عبد الله احسان كامل " الرائد في مجال التخطيط . ورغم ان العراق شهد محاولات تخطيطية سابقا ً ولا سيما في الثلاثينات والاربعينات ، فان ما وسم تلك المحاولات هو تواضعها المساحي ومحدودية المواقع المختارة لها ، فضلا على هيمنة " المزاج " الكلاسيكي ، وتكريس مبادئة المكررة في العملية التخطيطية . بيد ان المقاربة التخطيطية التى اقترنت بمساعي " كامل " في هذا المجال ، كانت مختلفة تماما عن سياق تلك المحاولات التخطيطية المألوفة والبسيطة اذ كانت ترمي الى تثبيت قيم تخطيطية جديدة ، تكون حلولها المقترحة ، متساوقة مع مبادئ التخطيط الحديث ؛ ولقد تجلت محاولات " كامل " التخطيطية الحداثية في اعداده تخطيط " مدينة المأمون " الواقعة في الجانب الغربي من العاصمة العراقية ( 1955 ) . اذ حاول في تخطيط ذلك المشروع ،ان يكرس اسلوبا تخطيطيا جديدا يعكس به اهتماماته في جعل مؤشرات الحل التخطيطي تنـبع من خصوصية وظائف وغايات الفضاءات المصممة المشكلة لمفردات النسيج المادي لذلك التخطيط ، مع تعاطي واضح لفصل حركة المركبات ، فيزياويا ، عن حركة السابلة ، عبر نظام تخطيطي خاص يكفل الوصول بحرية وامان الى المباني والدور السكنية المشيدة في الموقع بعيدا عن حركة السيارات من خلال الاستعمال الواسع لمفهوم الازقة المغلقة ، والتلاعب الرياضي في حساب عروض وابعاد مسارات الوصول ، في حين تم ّ تحديد شوارع المدينة الاخرى بابعاد مناسبة ، تلائم حركة السيارات في اتجاهاتها المختلفة . ولم يؤثر " الطريق السريع " العريض والمرتفع ، المؤدي الى منطقة " ابي غريب " ، وغرب العراق عموما ً، المخترق لموقع المدينة ، لم يؤثر على انسيابية إتصال ساكني المدينة ، وسهولة حركتهم بين اقسام المشروع ، وذلك من خلال عمل انفاق للمشاة ، وزعت في اماكن عديدة كنقاط عبور تحت " الطريق السريع " .
وواضح ، ان السمة التخطيطية الاساسية لمشروع " مدينة المأمون " ، والمتجلية في تثبيت مبادئ التخطيط الحر ّ وتكريس فصل حركة السيارات عن حركة السابلة ، كانت بايحاء من افكار " لو كوربوزبه " التخطيطية ، والتى طبقها المعمارالشهير بنجاح في تخطيط مدينة " جانديكاره " بالهند في بداية الخمسينات ، والتي لاقت استجابة وشهرة واسعتين من قبل غالبية الدوائر المعنية بالتخطيط والعمارة وقتذاك .

مارس " عبد الله احسان كامل " مهنة التدريس ، استاذا ً في قسم العمارة بكلية الهندسة في جامعة بغداد ، حتى اواخر سنين حياته ، جاعلا من مهمة تأهيل معماري المستقبل هدفا ً وغاية لحياته المترعة بالنجاحات المعمارية المدوية ، وانجازاته التخطيطية التى حققها في الممارسة المحلية ، راعيا ً ورائدا لافكار طليعية وحداثية في الخطاب المعماري العراقي . ومن مكتبه ، وتحت اشرافه خرج كثير من المصمميين الذين قدرّ لهم ان يؤسسوا " صرح " العمارة العراقية الحديثة ، وان يكونوا معمارييها المرموقيين .
ان الانجاز التصميمي والتدريسي لعبد الله احسان كامل في المشهد المعماري العراقي ، يشابه بدرجة كبيرة ذات الانجاز الذي اضطلع به زميله المصري " علي لبيب جبر " عندما ظل الاخير شغوفا ايضا ، بالعملية التدريسية ، ونشر المعرفة المعمارية في اوساط مختلفة من المجتمع المصري ، سواء عن طريق عمله في الجامعة ،ام عبر نشاطة المهني ، ام رئاسته " لجمعية محبي الفن " المصرية المعنية بترويج ثقافة الذائقة الفنية الرفيعة لدى المواطنين العاديين .
واذ شعر " عبد الله احسان كامل " بان عمله وآهليته المهنية مطلوبتين ، فانه وبالتوازي مع عمله المهني والتدريسي انتخب عضوا لمجلس امانة بغداد ، وشارك مشاركة فعالة بالهيئات الاستشارية التخطيطية للعاصمة العراقية . وتبين لاحقا ً ، بان عمله في مجلس الامانة والممتد لسنيين عديدة ، كان عملا ً تطوعيا ً وبلا اجور ؛ مما يؤكد افتراضات الاطروحة التى بدأنا مقالنا بها ، من ان معماري الحداثة ، كانوا على الدوام تواقين لتوظيف أهليتهم المهنية وتسخيرها لخدمة قضايا مجتمعاتهم بامانة واخلاص نادرين . في المقابل ، استمر " علي لبيب جبر " هو الاخر ، بتقديم مشورته الفنية كاحد المعماريين المهمين ، ضمن اللجنة التى شكلتها الحكومة المصرية في سنة 1962 ، وبالتعاون مع منظمة " اليونسكو " الدولية ، والخاصة بالحفاظ ونقل آثار " ابو سنبل " من موقعها الاصلي ، الذي غمر بمياه بحيرة السد العالي ، الى موقع آمن آخر .
وتماثل نوعية الهوايات المحببة التى عرف بها " جبر " تلك التى شغف بها " كامل " ، وفي الاخص اشتراك الاثنين في ممارسة هواية " التصوير الفوتوغرافي " ، كمصورين بارعين سجلوا لقطات بيئتهم المبنية بكثير من المهارة الفنية المفعمة بشعور المودة والحدب والاهتمام لرموز تلك البيئة . ولئن لقى " على لبيب جبر " تكريما مناسبا ً من المجتمع والحكومةالمصرية ، خليق بعطاءه الفني والمهني ، بمنحه " جائزة الدولة التقديرية " في عام 1964 ، فان " مصير " كامل ، هنا ، كان مختلفا ؛ ذلك لان الحكم الدكتاتوري الشمولي الذي اغتصب السلطة في بلده لعقود كثيرة ، امتنع عن تحقيق اية بادرة " يشم " منها تكريم سيرة اناس اعتبروا خارج نطاق الحلقة " البعثية " المقيتة ، خصوصا ًاولئك الذين يماثلون سيرة عبد الله احسان كامل ، الرجل ، الذي لم ينحاز مطلقا ً الى صف الدكتاتورية رغم الاغراءات العديدة التى لوح بها انصار الحكم البائد . وعندما اقترحنا : نحن زملائه التدريسين بعد وفاته في سنة 1985 ، ان تسمى احدى قاعات التدريس باسمه تخليدا لذكراه ، في القسم الذي كان هو احد مؤسسيه و " معلميه " المرموقين ؛ رُفض الاقتراح سريعا ً ، فقد راى النظام الشمولي في هذا المقترح سلوكا مخالفا لما درج عليه من ممارسات " ثقافة " الغاء الاخر ، وتطبيق سياسة تعمد الاهمال والاغفال ، التى حرصت الدكتاتورية على ترسيخها وتعميمها في جميع نواحي الحياة المختلفة بالعراق .

قد لا يكون منجز " على لبيب جبر " و " عبد الله احسان كامل " المعماري ، متساوقا ً ، الان ، كليا ً مع طبيعة سياق لغة الممارسة المعمارية الحالية ؛ لكننا نعتقد اعتقادا عميقا ً بان اهمية ريادة المعماريين ّ الحداثيّين ما برحت حاضرة ، وفي الاخص اسلوب تعاطيهما مع هاجس التجديد والتحديث ، ذلك الهاجس الذي شكل لهما مرجعية جديدة ، مرجعية استطاعا من خلالها ان يثبتا بان فعل التأويل المجتهد لمبادئ وقيم منظومة عمارة الحداثة ، الذي وسم اعمالهما ، بامكانه ان يفتح افقا ً ابداعيا ً جديدا ، يكون بمقدوره ان يرسي مفاهمية معمارية مغايرة لما هو مالوف او معتاد في الخطاب المعماري المحلي والاقليمي . من هنا تنبع ، في اعتقادنا ً، صدقية الاشارة ، بأن الاهمية التجديدية للمعماريين لا تكمن فقط في حدث المنجز الذي سعيا وراء تحقيقه ، وهو منجز مهم واساسي في أي حال ؛ وانماً، وايضا ً في الارتقاء من شأن مقاربات ذلك الحدث وتوجهاته لتكوين بيئة ابداعية ، تفضي الى تأسيس معيار تصميمي مضاف يشترك في تحقيق عملية الخلق المعمـاري .
وربما في حضور هذين المؤشرين : مؤشر الريادة والتجديد ، ومؤشر تكوين معيار تصميمي مضاف ، يكمن مغزي المناخ التجديدي لمنجز " علي لبيب جبر " و " عبد الله احسان كامل " المعماري ، المناخ الابداعي الواعد الذي بمقدوره ان يلهم الكثيرين في منطقتنا لتحقيق عمارة حداثية بنكهة ومذاق اقليميّين تثري ، في النتيجة ، تنويعات لغة العمارة العالمية .□□
د . خالد السلطاني
مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
كوبنهاغن- الدانمرك



#خالد_السلطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصالحة ام ... طمس حقوق؟
- مقترح شخصي ، لادانة جماعية
- المشهد المعماري في الدول الاسكاندينافية بين الحربين - صفحات ...
- الانتخابات و - رياضيات - الباجه جي المغلوطة
- العمارة في العصر الاموي : الانجاز والتأويل - مقدمة كتاب ، يص ...
- تجليات العمارة العضوية : نتاج رايت في الثلاثينات - صفحات من ...
- في ذكرى عبد الله احسان كامل
- بزوغ( الار نوفو .. واختفاؤه ) تيارات معمارية حديثة _ من كتاب ...
- قضايا في العمارة العراقية :العمارة ، بصفتها منجزا ً ثقافيا
- ثمانينية خالد القصاب : المثقف المبدع ، المتعدد المواهب يتعين ...
- صفحات من كتاب سيصدر قريباً - العمارة الاموية : الانجاز ، وال ...
- تيارات معمارية حديثة : التيار الوظيفي
- صفحات من كتاب سيصدر قريباً - العمارة الاموية : الانجاز والتأ ...
- موالي - صدام المُدَّعِية - بالثقافة - تسعى - لتبييض - سيرة ا ...
- عمارة جعفر طوقان : فعل الاجتهاد التصميمي
- المُعـلمّ - بمناسبة رحيل فائق حمد
- معالي العمارة المهنية
- عمارة اسمها .. التعبيرية - صفحات من كتاب : قرن من الزمان ؛ م ...
- عمارة اسمها .. التعبيرية
- مرور سبع سنوات على رحيل الشاعر الجواهري ( 27 تموز - يوليو - ...


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - نكهة العمارة المؤولة