أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجية جنة - تأملات في تراجيديا الواقع في-خرير الوهم-للقاص والروائي العراقي















المزيد.....

تأملات في تراجيديا الواقع في-خرير الوهم-للقاص والروائي العراقي


نجية جنة

الحوار المتمدن-العدد: 4372 - 2014 / 2 / 21 - 14:52
المحور: الادب والفن
    







"خرير الوهم" مجموعة قصصية للقاص العراقي عبد الرضا صالح ، صدرت سنة 2013 عن دار الطباعة و النشر و التوزيع - تموز- بدمشق ، تضم عشر قصص قصيرة ، تحمل عناوين ذات دلالات رمزية قوية كلها تعبر عن مفارقات متباينة صادمة منها: عناقيد الوشم ، خرير الوهم ، حبات قمح ، وعثاء الرمال ، وصدود الورد وغيرها ، بحيث سيتناول الكاتب فيها مواضيع متنوعة تعالج حالات نفسية واجتماعية ناتجة عن الأوضاع المأزومة بسبب الحرب والاحتلال.



يتميز أسلوب النصوص بالإسهاب في السرد الحكائي الذي يعتمد على المحسنات البديعية التي تحمل تأملات رومانسية واستذكارات وحنين للزمن الجميل ، وبهذا اتسم بشاعريته التي يغلب عليها السرد الدرامي، ولكن الكاتب وظف تقنيات مختلفة بحيث سينتقل في خطابه السردي بين عدة ضمائر كما أنه استعمل مستويات متعددة في سرده للأحداث كالهلوسة والحلم والمونولوج الداخلي والفلاش باك إضافة إلى الحوار الخارجي والذي من خلاله سيمرر مواضيع شائكة ورسائل مشفرة قابلة لتأويلات عديدة تحملها شخصيات درامية تعاني المرارة و الانفصام و الكبت في وطن أصبح على كف عفريت .
أما اللغة المستعملة فهي كلاسيكية فصيحة تتوزع في انسجام تام وتماسك شديد رغم إفراط الكاتب في التفاصيل الدقيقة والاستطرادات الغامضة في أغلب الأحيان ، إلا أني أرى ذلك من سمات الكتابات العراقية التي لها خصوصياتها ونبرتها الخاصة بها نظرا للظروف البيئية والتاريخية والسياسية .

وسنلاحظ ذلك أثناء استعراضنا للقصص ، فجلها تتسم بتكثيف الصور والمشاهد الطبيعية ، وتضخيم التعابير ، وبمدخل مسهب في الوصف ثم يليه بعد ذلك أحداث ووقائع القصة ليكتشف القارئ بعدها طقوسا اجتماعية وميتولوجية تتحد مع خيال الكاتب بحيث نجده يراقب الشخصيات ويسيرها في جل الوضعيات والحلقات ، حتى انه نجح في تشخيص حالاتها النفسية ففي قصة " عناقيد الوشم" ص 5و 6 نجد الكاتب يسرد حكاية خيالية ولكن من خلالها يفند العادات والخرافات الشعبية المتفشية في المجتمع وأثرها السيئ على العقلية والحالة النفسية و الجنسية للشخوص ، نلمس أيضا حنينا إلى دفء الماضي المفتقد المتجسد في فقدان الجد والأم ، ثم الكبت الجنسي المتجسم في الشجرة رمز الخصوبة و الفحولة ، " يرى الشجرة الفارعة تنتصب أمامه كهيكل قائم . يراها وقد نفضت أوراقها جميعا، وظلت أغصانا منتصبة تحتسب الانتظار، يقترب منها ، يتأملها ، ثم يلتفت من حوله وجلا ، ويتلمسها بأنامله ، يتحسس قشرتها الناعمة وعطرها الرائق ، فيحتضنها ويتشبت بها بقوة ، يحس بدفئها ، ويسمع النسغ الصاعد فيها، وتقلصات عروقها ، وأنينها المنبعث من أطرافها الفارعة ، تعتريه قشعريرة صاخبة ، ونوبة داكنة ، وتحت سطوة الخدر المنتشر كالحمى في جسده ، يغيب تحت تأثيرها عن عالمه المحسوس..." ثم ينتقل في نهاية القصة إلى ضمير المتكلم لتحكي الشخصية الرئيسية معاناتها على لسانها وهذا سيظهر لنا وعيه وإدراكه لحالته النفسية بعد أن كان في حالة هلوسة .

أما في قصة " الحاوية" التي تتكون من جزأين فيتداخل الماضي بالحاضر والمتخيل بالحلم والواقع ، وبهذا يصور اليأس و العجز والنظرة المستقبلية الضبابية التي يحملها الشخص في مجتمع أصبح العيش فيه مستحيلا في ص 15 يقول " وقبل لحظة العبور ... يقف الحاجز بين الجنة والجحيم ، جسر طال سجوده ، وطأته أقدام العابرين ، ....توقفت مركبتي ...أوقفتها أكف مريضة عنوة ، أكف تقطر دما ، خلفها الوجوه المتلفعة بالتخلف ، المقنعة بالعقائد ، تحدق من خلف الحجب الظلامية بحقد وكراهية لكل ما يمت للحياة بصلة ، ومن لحظتها كبلوا يدي واقتادوني ." يسرد عذابات ومعاناة المواطنين في ظل ظروف الحرب التي أدت بهم إلى القهر والسجن والموت ظلما . يتداخل المكان والزمان في هذه القصة فيعطينا إحساس بالعدم والضياع في ص 23 " تلك أيام قضيتها في عالم الغيب ، بعد أن عثر عمال أمانة العاصمة على عدد من الجثث في قمامة المدينة ، كنت واحدة منها ، كانت بالنسبة لي لحظات مرت سريعا منذ سماعي صوت الإطلاقة الأولى وحتى فتح مجرة الموتى" خلافا لجل القصاصين العراقيين الذين يتخفون وراء رموز وكنايات خوفا من الرقابة الصارمة ، فعبد الرضا صالح يفصح بوضوح عن كل السلوكات والظواهر الشاذة التي يعيشها المواطن العراقي.

وفي قصة " خرير الوهم" فعبر المونولوج الداخلي يجعل من الرجوع إلى ذكريات الماضي الجميل والسعيد منفذا للترفيه عن النفس من مآسي الحاضر وظلماته ، كما يناقش موضوعا فلسفيا هل الإنسان مسير أم مخير؟؟ حتى يقنع نفسه ويجد جوابا لحيرته يقول في ص 27 " أنا دائما آمن بالوسطية ، بين هذا وذاك ولكني الآن أقر بالجبر لما لمسته من تأثيرها المفاجئ على الكائنات ... إننا ندعوها ( صدفة) تلك الومضة الثاقبة المنبعثة من المجهول ، المنطلقة نحوك دون استئذان ..." " الصدفة هذه قد تبعث فيك الروح أو تسلب منك الأمل ، وقد تمنحك الحب أو الكره ، تؤجج الحرب أو تمنح السلم..." هنا يعبر بصدق عن الوضع الاجتماعي القاتم الذي جعل المواطنين يجنحون إلى الخيال والإيمان بالقضاء والقدر دون إدراك كنه الأمور ، وهذا جزء من الحالات النفسية المتسمة بالخنوع والاستسلام التي سببتها الحرب .

أما قصة " حبات قمح" فأعتبرها قصة واقعية بامتياز ، تلامس اليومي والمعاش وتعري الوضع الإجتماعي وتصور الفوارق الطبقية ، وكما قلت دائما يطالعنا بمقدمة حتى يصور المفارقة الصارخة بين الأمس واليوم في ص 33 يقول " لم تكن بعيدة تلك الأيام التي عشناها في القرية ، ونحن نرفل بالحب والسعادة والعافية....نزرع ونسقي ، ونحصد السنابل ، نشيد البيادر ، ثم ندوسها ونذرها للريح فتسقط حبات القمح تضئ كحبات الذهب....يالها من أيام جميلة ...قضيناها هناك في ديارنا ومرابعنا التي عشنا وترعرعنا فيها" ، إنها المفارقات التي يبينها الكاتب بين أيام السلم والاستقلال وأيام الحرب والاحتلال ، حيث سلبت أسباب الراحة والسعادة من المواطنين ونهبت خيرات بلادهم وأجبروا على التهجير القسري بحثا عن العمل في المدينة ، في ص 34 " فهذه المركبات طول الشارع أو في جميع الأوقات ، تنقل الحبوب من المزارع إلى المخازن الحكومية ليطعمونه لغزلانهم المدللة وأسماكهم المترفة ، ماذا يحدث لو تكرموا علينا بحفنة كل شهر ، ننعم بها يوما واحدا ، ونغسل أحشاءنا من دقيق نوى التمر المخلوط بالجص " بأسلوب درامي قاتم يصور الحالة المزرية التي آلت إليها البلاد وهم يستصدرون خيراتها ويتركون الشعب للعوز والفاقة .

ليصل الكاتب إلى ذروة الوصف في قصة" رفيقي ليل" ص 39 بحيث سيحكي بأسلوب شاعري حزين حالة الضياع و التشتت والقهر والفساد الذي وصل إليها المواطن العراقي ، حتى أنه لم يعد يجد حلا إلا في الانتحار ، الخلاص الجبري من الوضع القاتم ، في ص 39 " بالأمس تواعدنا على الفرار من المدينة البائسة .." في ص 40 " تكاثرت فيها حانات السكر والدعارة ، تجول الضباع في شوارعها ،ينال منها لعاب الجنس المتعفن ،وقهقهات عاهرات تسمع من بعيد ألما...وجدران يحاك خلفها آلاف المكائد تجتهد في سلخ الجلود وتتفنن في قطع الرؤوس ، فما بال مدينتي حمقى ،تغزوها رياح فاسدة ، بتوارثها المخنثون ، ويفر منها الفحول ... أما آن لهم أن يفيقوا ؟"
هذا الوصف لكل الجزئيات و التصوير الدقيق للوضع يجعل القارئ يتعرف على الحالة التي أصبح عليها الواقع في العراق ويجعلني أقر بأن الكاتب عبد الرضا صالح ينتمي إلى الكتاب الواقعيين .

وفي القصة السادسة " وعثاء الرمال " يتطرق إلى موضوع شائك ومرسخ في المجتمع وله جذور تاريخية ، رغم ما ينتج عنه من مآسي وتشرد للأسر البدوية ألا وهو الأخذ بالثأر ، هذه القصة ستجعل القارئ يتعرف على الحياة البدوية وعاداتها وتقاليدها الأصيلة .
وفي القصص " صدود الورد" و "توق البيادر " و " رجل سقط ظله" سيصف آثار الحرب على المواطن العراقي بحيث لا استقرار عاطفي ، ولا صحة في الأبدان ولا أمن ولا أمان ، يغلب طابع الهلوسة على شخوصه ، ونجده دائما يرجع إلى الماضي كحالة من الهروب من الواقع ، لتظل القصة القصيرة لدى عبد الرضا وثيقة اجتماعية وسجلا لحوادث واقعية .



#نجية_جنة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيون باسمة رغما عنها
- ديوان - أنزف مرتين- للشاعرة المغربية نجية جنة
- لا عهد لك
- الحوارية الدرامية في - امرأة تخشى الحب - للروائي المغربي مصط ...
- ها العيد حل
- عندما تكتب أنثى ..((نزيف الحروف )). قراءة في ديوان جنة نجية- ...
- كان اي
- الوحدة العضوية وانسجام الموضوع في ديوان - ولادة - للشاعر الم ...
- التقابل الدرامي في المجموعة القصصية - لسمر حجازي-
- السخرية اللاذعة والأسلوب الملغز في - ويك ...مد النظر- للقاصة ...
- -الأسلوب الساخر في رصد سلوكات الواقع- في -رؤية معكوسة - للأس ...
- علاقة المرأة والرجل في - رقص المرايا- لنعيمة القضيوي الإدريس ...
- حتى لا يطول الانتظار
- خيوط الحكاية
- طفولة مخصية
- ستمطر
- الجرأة في فلسفة الحب في - العشق المشروع - لسعاد الحمري
- الأسلوب الطريف في تناول قضايا المجتمع في - في انتظارصوتها .. ...
- تعدد الأصوات والرؤية الدرامية في ديوان- فاتن الليل - للشاعرة ...
- الابعاد الجمالية والإنسانية في رواية - ليلة إفريقية - للروائ ...


المزيد.....




- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجية جنة - تأملات في تراجيديا الواقع في-خرير الوهم-للقاص والروائي العراقي