إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1242 - 2005 / 6 / 28 - 09:03
المحور:
القضية الكردية
الشيخ الشهيد :
بين مؤامرة السلطة وطعنات الأهلين!.
وظلم ذوي القربة أشد مضاضة
إبراهيم اليوسف
منذ أن آل الشيخ محمد معشوق الخزنوي على نفسه، مهمة نزع مختلف الألغام المزروعة في وجه إرادة شعبه الكردي في سورية، بروح بيشمركي متشه للشهادة , كما كانت أمنيته , وكما كان ذلك دعاؤه على جبل عرفة ،وهو أكده رفيق عمره الأول الشيخ محمد سعيد عبد الله , حين حجّا-معا ً - إلى الديار المقدسة منذ أعوام ... إلخ .
وكانت هذه المهمة – جزءاً من مهمة إنسانية أكبر – لأنه شغل نفسه بقضايا أكبر جداً ،عبر دعوته إلى التسامح، والتآخي، والمحبة، وحوار الأديان، ونبذ العنف، وفضح الإرهاب , والدفاع عن إنسانية الإنسان , أياً كان , وإن كانت رؤيته قد تبلورت بصدد قضية شعبه الكردي , في أفضل صورة , وهي قولته : أنا كوردي، وإذا جهر المسلمون بأن الأكراد غير مسلمين , سأبقى أحافظ على كرديتي، بل وهناك – جزء أكثر خطورة في هذه المقولة التي قالها في منزلنا، وبحضور ولده مراد , لا أستطيع قولها الآن , حرصا ً على الموقف من الشهيد الشيخ من قبل ضيقي الأفق ،ولعل ّ هذا التطابق في الرؤى ، في ما يخصّ قضايا عديدة ،كان أحد أسباب لقائنا، رغم اختلاف أرومة وعيينا , لأنني كنت قد أطلقت مقولة متشابهة لمقولته , وعلى طريقتي , مفادها أيضا ً ، أن أكون شيوعياً حقيقياً، يعني أن أكون في الخطّ الأول – للدفاع عن القضية الكوردية، باعتبارها أهمّ قضية إنسانية – الآن - على الإطلاق ... !
منذ ئذ , تعرّض الشيخ – لحملة شعواء – من قبل كثيرين في الشارع ،ساسة، ومتثاقفين – بل وبعض الببغاوات، والإمّعات ،الذين راحوا،وبعد انضمام بعض البسطاء، ممن راحواينضمون إلى قافلتهم – يستغربون هذا" الحماس" الهائل لدى الشيخ , الذي لم يعد يترك مناسبة، إلا ويشارك فيها , يلقي كلمته، كي يلفت الأنظار , ويستقطب محبين كثيرين له, صاروا بالآلاف المؤلفة , وبدؤوا يراهنون على دوره، لأنه كان يهزّ متلقيه من قرارة نفسه، وهذا ما كان يثير حفيظة بعضهم، في هذا الشارع ، لاسيما ممن أرادوا تحنيطه في أحد الجوامع، بعيداً عن الميدان المقيد بأسمائهم ,زورا ً ، فراحوا يتساءلون مشكّكين :
- من أي كوكب نزل علينا هذا الشيخ "الطارئ" ؟ ( وكأنهم كانوا قد أتمّوا انجاز كلّ شيء لولا هذا الشيخ الذي "عرقل" مسار الثورة )
- أين كان هذا الشيخ قبل الآن ؟
- انتبهوا سوف يشكل الشيخ حزباً إسلامياً ... !
- بل سيشكل حزباً كردياً ....!
- ما من شخص يسير بهذه- الجرأة- إلا وعنده ضوء أخضر ... !
- اختطافه لعبة بينه والسلطات , التي ستطلق سراحه قريباً، لتجعله بطلاً قوميا ً ، كي يشكل حزباً، بحسب مواصفاتها , ( وهو ما كان يضحكه من عقول أولاء الفهلويين ) أوإنه سيتم استؤزاره ,أ وإدخاله مجلس الشعب، على حساب مقاعد الحركة الكردية ( وكأن للحركة الكردية ثمة مقاعد في نظر هكذا سلطة) وهوما لم يطمئن إليه هؤلاء – بكل أسف -إلا متأخراً،و- فقط - بعد اغتيال الرجل ....!
بل وهو ما كان ملغى تماماً من أجندة الشيخ الثورية !
طبعاً , لا أستطيع رصد قريحة – معاديه– وسبرها , وما كانت ترسمه مخيلاتهم من صور" بكوية" كاذبة عن الشيخ , نتيجة عجزها , وشللها (نتيجة استعصائها على الراسة والبحث ) كي يقع تحت سطوتها بعض الأبرياء المخلصين لقوميتهم الكردية , ممّن راحوا بدورهم يلوكون مثل هذه الأباطيل، والترهات , وهو ما لم يكترث به شيخ الشيوخ .....
حيث قال لي ذات مرة حول تخرصات بعض هذا الأنموذج :
إبراهيم، أنا صاحب مشروع , ويهمني مشروعي , لأنه مسوغ ووجودي , ولست معنياً قط بمن يريد تثبيط همتي , وأعلم أن كل هؤلاء، لا بد سيعرفونني، يوماً ما ... على حقيقتي ! .
وهذا ما جعلني أستغرب درجة ثقته العالية بالنفس , ورهانه على مستقبل قضيته، ومستقبله , عندما كنت أشرح له بعض الإشكالات في طريق تواصله بالآخر , ووقوفي عند نقطة صرت أكررها على مسمعه مراراً :
يا شيخ!، بسالتك" تلتبس" بالخطـأ في أعين بعض السذج، أو المغرضين , كي أروح وأنبهه إلى نقاط ارتكاز وهمية آن له آن يكف عن الاتكاء عليها فيعدني خيراً , ونخطط معاً لأشياء عملية، مستقبلية , دون أن تسمح الأنفاس المتبقيّة في عالمنا هذا بترجمة ما رسمه ،كي يبرز خطابه على حقيقته , ناصعاً , صاعقاً , متنزهاً عن كل دنايا الذات الساقطة – أبداً – في عرفه – وهو ما كان يجهله قصار الرؤى والأكفاء بكل تأكيد ....!
أجل ،لقد كانت مهمتنا , نحن المقربين للشيخ في هذه اللحظة التصاعدية، من قبله، صوب أعلى ذروة العطاء , والإبداع , والوطنية , والإنسانية , جدّ صعبة , في مواجهة الآخر/ الكردي، لشرح أبعاد رؤى الشيخ , ودحض الاتهامات بحقه لا سيما أنه كان مستهدفاً، من قبل بعض رموز السلطة , يشتمونه علناً في الشارع , حاشا مقامه الرفيع , وروحه النبيلة...
أتذكر , أنني قلت لأحد المقربين من الشيخ، وهو الأستاذ أحمد سيدا ( من سري كانيي – رأس العين ) هاتفياً، في الأيام الأولى من اختطاف الشيخ , وأنا اسمع كل هذا اللغط المخزي حول عملية ( اعتقافه ) من قبل بعض بني الجلدة ،مشككين في شخصه، ومصيره , مثبّطين أي عمل، تضامني، من شأنه الضغط على السلطة، للإفراج عنه , وهو ما كان يريح في جوهره مخططي الجريمة , ويخدمهم , ويهدد حياة الشيخ ،الذي ما كان ليتجرّأ أولاء على الإقدام على هذا العمل البشع , لولا التأليب عليه كردياً – ضمن سلسلة حلقات التآمر عليه، لمعرفة مدة ما سيقوم به غيفارا الكردي , من أدوار، سيلعبها –مؤكدا-ً في خدمة قضيته الإنسانية ....؟
:هؤلاء المهزومون في دواخلهم , والذين لا يريدون تصديق أي كردي شجاع , مقدام , جريء , باسل , يناوئ "آلة الاستبداد" , طبعاً , لن يصدقوا شيخنا , إلا إذا وجدوا بأمّ أعينهم" رأسه" مجندلاً، كي يبدؤا بذرف الدموع , والعويل الزائف، والندب , ولطم الوجوه , وضرب الصدور المسرحي , لا سيما وأنه لن يعود قادراً على تأسيس حزب كردي , أو إسلامي , ولن ينافس أحداً على كرسي وزارة ،أو برلمان- كما أسلفت - وهؤلاء أنفسهم، من راحوا , في ما بعد، يقزمون موكب جنازته , على أنه كان مكوناً من عشرات الآلاف من المشيعين المتظاهرين , لا مئات الآلاف منهم , بل إنه كان أكبر من انتفاضة آذار /2004/ وبفضل تلك الانتفاضة , وما أعطته من دروس، يراد إجهاضها على أكثر من مستوى ، وخارج التخندق في دائرة تخوين كردية/ كردية ما ، للأسف ،أية كانت . طبعاً، و رغم المؤامرة , حتى على موكب الجنازة المهيب نفسه , هذا الموكب الذي كان صفعة على وجه كل متآمر ضد الكرد ، بل وكل متخاذل، ومنهزم، وجبان ...
لقد قلت منذ أيام قليلة – فحسب - لأولاده في جلسة خاصة ضمتنا :
لو أنه تم إطلاق سراح والدكم ،الآن ،أو لم تكن مهمتنا أصعب في إقناع هؤلاء المغرضين، المندسين ، أو الببغاوات، أو البسطاء،حقيقة أن الشيخ لم يكن ليمثل ضمن" مسرحية" مسبقة الإعداد، والصنع، بل إنه كان سيعيش ( ميتاً في حياته ) وهوما لايليق بكوكب كردي مثله ، بل وهو ما أعلن- شخصيا ً - عن رفضه له، في" خطبة الوداع "أثناء احتفال سنوية الشهيد فرهاد، الأمر الذي لم يجرأ قتلته الأوغاد عليه، لأسباب كثيرة،في مطلعها، ربما خوفهم من أن عبقرياً كردياً مثل الشيخ معشوق، لقادر على استمرار مواصلة دوره، وخطابه، والتفاف الجماهير العريضة حوله، بعد إطلاق سراحه،مع إنهم ليخافونه- الآن- بعد استشهاده ، وترتعد أوصالهم لذكره!
يقيناً، إنني لأسال نفسي دائماً : أية نبوءة هذه التي كان يعرفها شيخنا؛ ليبدو على عجلة من أمره، فيودّ إنجاز كل شيء معاً، وفي آن واحد، لا يتردد عن مواجهة أية آلة استبداد , سواء أكانت سلطوية , أو من قبل بني الجلدة , وذلك بروح، ولهفة عاشق جبّار، عنيد، لا ترهبه المسافات الطويلة، ولا الأعين، ولا الآذان , ولا الحرّاس، ولا التابوات ولا الجراحات الكثيرة على صفحة الجسد ،وهو يهرول - بلا هوادة – وبكل قوته، تجاه ذروة الجبل العالية ... العالية... العالية، للظفر بحبيبته الاستثنائية: الوطن ...!
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟