أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - هل أصبح الصراع بين الشيعة والسنة، أكثر أهمية وضرورة من صراع العروبة مع الصهيونية؟















المزيد.....


هل أصبح الصراع بين الشيعة والسنة، أكثر أهمية وضرورة من صراع العروبة مع الصهيونية؟


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4359 - 2014 / 2 / 8 - 22:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أسئلة تحتاج الى اجابات حول الواقع العربي والربيع العربي
السؤال الواحد والسبعون:
هل أصبح الصراع بين الشيعة والسنة، أكثر أهمية وضرورة من صراع العروبة مع الصهيونية؟
الصراع بين الشيعة والسنة، كان موجودا على مدى أجيال طويلة. فالصراع قد تبلور بشكل واضح منذ معركة "كربلاء" بين أنصار "الامام الحسين" وأنصار "معاوية بن أبي سفيان" الذي نازع الامام "علي بن أبي طالب" على الخلافة. فمعركة "كربلاء" التي قتل فيها، الامام "الحسين" وشقيقه الامام "العباس" (وكان الامام "حسن" قد قتل قبل ذلك في موقع آخر)، شكلت تكريسا للصراع بين الطائفتين اللتين وقع الشرخ بينهما منذ ذلك الوقت.
لكن هذا الشرخ ما لبث حتى خبا تدريجيا رغم بقاء المرارة بين الطرفين، وخصوصا في الجانب الشيعي. فالجانب السني قد تربع على مقاعد السلطة لسنوات طويلة، خلال الخلافتين "الأموية" في "دمشق" و"العباسية" في بغداد، وكذلك خلال الخلافة الأموية في الأندلس، ولم يكن يعاني خلال تلك الفترات من أي شعور بالمرارة في مواجهة طائفة الشيعة التي انتشرت بشكل واسع في ايران – بلاد فارس، وفي بعض دول الجوار كالعراق والبحرين وبعض المواقع في سوريا ولبنان. واذا كان هناك شعور بنوع من المرارة والحساسية لدى طائفة الشيعة، فانها لم تؤد الى مواجهات فعلية كبرى بينها وبين السنة حتى وقعت حرب العراق ايران مع بدايات ثمانينات القرن الماضي.
والواقع أن الصراع الهامد تحت الرماد بين الطرفين، قد ظل خافتا حتى جاء الاسلاميون الايرانيون ممثلين بآيات الله، ورجال الدين من رتب مختلفة، الى مقاعد الحكم في ايران. فالعرب كانوا مطمئنين الى حين، الى نظام الشاه "رضى بهلوي"، لكون معظمهم وخصوصا دول الخليج والأردن وعدة دول عربية في شمال أفريقيا، منسجمين في سياساتهم مع السياسات السائدة في ايران، اذ كانوا كلهم ينتمون الى معسكر التحالف مع أميركا، باستثناء مصر التي كانت حتى رحيل "جمال عبد الناصر"، متحالفة الى حد كبير مع "الاتحاد السوفياتي". ورغم حصول نوع من المجابهة المؤقتة بين "ايران" ودول الخليج، فقد ظلت العلاقات على أشدها. وكان سبب المجابهة التي عكرت صفو العلاقة بين الجهتين، "ايران الشاه" والعرب بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، هو قيام جنود الشاه بغزو الجزر الاماراتية الثلاث: "الطنب الكبرى"، "الطنب الصغرى"، وجزيرة "أبو موسى"،وذلك في نهايات عام 1971.
وأنا كنت متواجدا في طهران في ذلك الوقت، وأذكر تماما تلك الواقعة. اذ جاءني ضابط ايراني صغير السن، وروى لي بفخر كبير كيفية مشاركته في السيطرة على الجزر الثلاث. فهو قد ارتدى ملابس عربية بدوية مع حفنة أخرى من الجنود والضباط (البواسل) الذين ارتدوا أزياء عربية بدوية مشابهة، وسيطروا على الجزر الثلاث. وكانت جزيرتي "الطنب الكبرى" و"الطنب الصغرى" (وهما جزيرتين صخريتين) غير آهلتين بالسكان، فلم يوجد عليهما أي كان. أما جزيرة "أبو موسى"، فكان يقطنها عدد قليل جدا من السكان، وكان يتواجد عليها مخفر صغير تابع لدولة "الامارات العربية" التي كانت قد حصلت للتو على استقلالها عن الحكم البريطاني الذي سيطر على الدويلات الصغيرة في الامارات لسنوات طويلة. وروى لي الضابط الايراني الوسيم جدا، الأنيق جدا، والصغير جدا في السن، كيف طلب من رجلي شرطة ينتميان لدولة الامارات وكانا في حراسة ذلك المخفر،(ولم يكونا مسلحين الا ببندقيتين ربما قديمتين) مغادرة الجزيرة، فغادراها بطبيعة الحال. فماذا كان بوسع شرطيين بدويين غير مسلحين تسليحا حقيقيا، أن يفعلا في مواجهة ثلة (ربما صغيرة)من جنود الشاه الذين كانوا رغم ارتدائهم للملابس البدوية لغايات التمويه، مسلحين تسليحا جيدا ومدربين تدريبا تاما.
الغريب في الأمر، أن ضجة ما تذكر لم تقم على اقدام "ايران" باحتلال الجزر الاماراتية الثلاث المعترف بها دوليا كجزء من أراضي دولة الامارات العربية المتحدة. فلم يعقد مجلس الأمن، ولم يتدفق الرسل أو المندوبين أو الوسطاء في مسعى لايجاد حل أو حلول لقضية قيام ايران باحتلال تلك الجزر، وذلك خلافا لما جرى لدى قيام العراق باحتلال الكويت، حيث قامت الدنيا ولم تقعد الا بعد وقوع حرب شاركت فيها تسعة وعشرون دولة أدت الى خروج العراق من الكويت التي لم يكن لموقعها أهمية استراتيجية كبرى، وكانت أهميتها تنحصر في كونها دولة نفطية هامة.
واذا لم تكن لجزيرتي"الطنب الكبرى" و"الطنب الصغرى" أهمية تذكر، فان جزيرة "أبو موسى" كانت أيضا غنية بالنفط وفي باطنها مخزون كبير من ذاك الذهب الأسود، مما كان يستدعي الاهتمام بقضيتها أيضا كاهتمام مجلس الأمن، بل العالم كله بقضية احتلال الكويت. والأهم من ذلك، أنه كان لجزيرة "أبو موسى" أهمية خاصة لموقعها الاستراتيجي، لكونها كانت تقع على فوهة مضيق "هرمز" الذي كان بوسعه لدى اغلاقه، اغراق العالم بأزمة نفطية هامة جدا.
وبطبيعة الحال لم تعبأ الدول الغربية يومئذ، وهي الدول المعنية كثيرا باستيراد نفط لخليج، لهذا التطور الهام، ذلك أن المضيق الذي كان تحت سيطرة دولة صديقة هي "الامارات"، قد بات الآن أيضا تحت سيطرة دولة صديقة أخرى، (أو كانت عندئذ صديقة) وهي "ايران الشاهنشاهية". ولم يتوقع أحد في ذلك الوقت، أن يصل الاسلاميون الى حكم "ايران" مما شكل طعنة لمخططات الدول الغربية وتأكيدا آخر على قصور مخططاتهم الاستراتيجية. لكن المهم في موضوع احتلال الجزر الثلاث، هو أنه قد أشعل مجددا الحساسيات لدى الدول العربية بشكل عام، ولدى دول الخليج بشكل خاص تجاه "ايران" المنتمية للشيعة، والتي وجهت باحتلالها ذاك، طعنة لبعض دول السنة.
ولم تفعل الدول العربية الكثير لدى احتلال ايران لتلك الجزر. ذلك أن "ايران"، ومن خلال مفاوضات سرية مع امارتي "رأس ألخيمة والشارقة"، المعنيتان بشكل مباشر بتلك الجزر الثلاث، ومن أجل استرضائهما، قد عقدت اتفاقا معهما لاستثمار نفط "أبو موسى" استثمارا مشتركا، على ان ينفذ الاتفاق بعد سنوات محددة. فما كان يعنيهما في ذلك الوقت، هو النفط لا الموقع الاستراتيجي للجزر، وبالذات لجزيرة "ابو موسى". ولكن نتيجة لوصول الاسلاميين الى الحكم في ايران عام 1979، يبدو أن الاتفاق قد وضع على الرف ولم ينفذ اطلاقا. كل ما في الأمر، أن هذا الاتفاق في حينه، قد هدأ من شأن الصراع بين ايران ودول الخليج، بل ومع الدول العربية قاطبة التي لم تعد، بما فيها "مصر" بعد مغادرة الخبراء "السوفيات" لها بناء على طلب"أنور السادات"، جل شأنه وعلا ذكره على الدوام في القرارات الخاطئة الكبرى التي اتخذها ومست بمصالح العرب أجمعين.
واذا كان قد ساد بعض الفتور بين الدول العربية سنية الاتجاه، و"ايران الشاهنشاهية" – شيعية الاتجاه، لبعض الوقت نتيجة احتلال الجزر الثلاث، فان هذا الفتور سرعان ما خبا عندما قامت "ايران" في عام 1973 - عام حرب أكتوبر وحرب عبور قناة السويس وسقوط خط بارليف الدفاعي - بالموافقة، بل والمشاركة في فرض حظر نفطي على دول الغرب، بسبب موقفها المؤيد لاسرائيل في تلك الحرب، وهو الحظر النفطي الذي طالب به العاهل السعودي الملك فيصل، أكثر ملوك السعودية عروبية، وأحقهم بالاحترام والتبجيل.
لكن كل شيء سقط مرة أخرى، ليعود الفتور الشديد بالتنامي بسرعة البرق بين الدول العربية عامة، ودول الخليج خاصة، عندما وصل آية الله "روح الله خميني" الى سدة الحكم في ايران. فذلك الفتور أخذ في الاشتعال تدريجيا ليبلغ مرحلة العداء السافر مع "ايران"، خصوصا بعد تنامي المخاوف من تطلعات "ايران الاسلامية" الى التوسع في نشر نفوذها في دول الجوار.
وربما كان للعرب حق في اتخاذ خطوات الحيطة والحذر من الأخطبوط الايراني الذي بدأ ينظر اليه على أنه أخطبوط شرس يسعى للف أذرعه المتعددة على دول الخليج، على بعضها ان لم يكن كلها، مما أشعل المخاوف من ايران، وذكر اشتعالها بالمخاوف من الصراع السني الشيعي.
وشجعت الولايات المتحدة والدول الغربية على تنامي ذاك الفتور، خصوصا بعدما تكشف لها عداء "ايران الاسلامية" لها، وهو العداء الذي كشف الآن عن الخطأ الكبير الذي وقعت فيه الدول الغربية، عندما تركت "ايران" تمضي بسلام لدى احتلالها للجزر الاماراتية الثلاث. "فايران الشاهنشاهية"، كانت صديقة "للولايات المتحدة" ولدول الغرب آنئذ، ولذا لم يبد لها أن احتلال تلك الجزر يؤدي الى نتائج ذات شأن تذكر. فسيطرة "الامارات" على الجزر، صديقة الغرب، وسيطرة "ايران" عليها، صديقة الغرب أيضا، لا يبدل كثيرا بالنسبة لسيطرة أي منهما على ذلك الموقع الاستراتيجي. أما الآن، وبعد تحول "ايران" الى اتجاه الحكم الاسلامي المتشدد، فكل شيء قد تبدل، لأن "ايران" الاسلامية المعادية بشدة للولايات المتحدة ولدول الغرب، باتت تسيطر على ذاك الممر الحيوي والقادر على التحكم بتصدير النفط لدول الغرب، او منعه عنهم. ومن هنا أصبح من الطبيعي، بل ومن الضروري أيضا، تشجيع الدول العربية، والخليجية منها بالذات، على معاداة "ايران". وكان أفضل وسيلة لتعزيز ذاك العداء، هو اشعال الضغينة بينهما باشعال الاحساس بالفوارق الطائفية بينهما. فالسنة باتت مجددا عدوة للشيعة، والشيعة باتت هي الخطر الأكبر على السنة.
وزاد الطين بلة، شروع ايران في السعي لتطوير نشاطها النووي، مما شكل خطرا، كما أشاعت الولايات المتحدة والدول الغربية، باحتمال وصول ايران الى القدرة على انتاج قنبلة نووية تعزز موقعها في المنطقة وتؤهلها لأن تصبح زعيمة لها، وهي الزعامة التي تتطلع اليها"المملكة السعودية". ولكن أحدا من الدول العربية، وخصوصا المملكة "السعودية"، لاحظ ان هناك وجها آخر لذاك التطور يستوجب تشجيع ايران، بل والسعي لمشاركتها في توجهها ذاك اذا صح، وذلك هو كون انتاج قنبلة كهذه في روح من الصداقة بين العرب والايرانيين، سيحولها الى قنبلة شرق أوسطية يساهم العرب في المشاركة بالسيطرة عليها، ويحولونها مجتمعين، عربا وايرانين، الى قنبلة شرق أوسطية، تحقق التوازن النووي مع القوة النووية المتوفرة لدى العدوة المشتركة اسرائيل. فاسرائيل كما بات معروفا وربما لا يحتمل الشك، تملك في "ديمونا"، قرابة المائتي رأس نووي تستطيع استخدامها، اذا اقتضى الأمر حفاظا على سلامتها وعلى بقائها، في تدمير كل الدول العربية، بل وتدمير ايران معها.
والجهود الاسرائيلية للحيلولة دون انتاج قنبلة نووية عربية أو شرق اوسطية، معروفة تماما. وقد بدأت بقصف المفاعل النووي العراقي واسمه "مفاعل تموز" النووي في السابع من حزيران 1981. وبعدها ثابرت اسرائيل على تشجيع مخاوف الدول الغربية من تنامي القدرة العراقية على انتاج قنبلة كهذه. وبسببها أشعلت حروبا ضد العراق، أحدها في عام 1991 بذريعة تحرير الكويت، والثانية في عام 2003 بذريعة مشابهة وهي تنامي القدرات العراقية على انتاج قنبلة نووية. وهاهي الآن تشعل مخاوف الولايات المتحدة والدول الغربية من اقتراب ايران من انتاج قنبلة كهذه.
ولعل أفضل شيء فعله الرئيس الايراني الجديد "حسن روحاني"، هو تقربه للولايات المتحدة وطمأنتهم بأنه لن يسعى لانتاج قنبلة نووية. وهذا أمر ما كانت اضطرت ايران لفعله لو حصل تفاهم ما بين العرب والايرانيين. فالايرانيون في ظل تفاهم عربي ايراني، ما كانوا سيتأثرون كثيرا من الحصار الاقتصادي والمالي والسياسي عليهم، لأن العرب - في حال وجود التفاهم الايراني العربي – كانوا سيقدمون الدعم المادي والاقتصادي "لايران"، مما كان سيساعدها على المضي قدما في مشروعها النووي الذي كان سيصب في النهاية لمصلحة العرب و"ايران" معا. فالقنبلة المنتجة بدعم مالي من الدول العربية، كانت ستجعلها الاتفاقات المسبقة بين الطرفين، قنبلة نووية عربية ايرانية شرق أوسطية تجابه المحزون النووي لدى اسرائيل. لكن الخلافات الشيعية السنية، وقفت حجر عثرة في هذا الطريق دون سبب مقنع يؤدي الى بقاء تلك الخلافات قائمة.
هناك شاعرة سورية صغيرة سنا لكنها مبدعة، اسمها "تمارا قباني"، كتبت قبل أيام شيئا لفت نظري. وربما لم تصغه كعادتها بقالب شعري، اذ صاغت رؤيتها هذه المرة بقالب نثري. لكن مضمونه كان هاما ومنسجما مع موضوع النقاش هذا، فكأنها تعلم بما كان يجول في خاطري منذ يومين أو أكثر. كتبت"تمارا" تقول:
"أمة ربها الواحد
ودينها واحد
ونبيها واحد
وفروضها خمسة
وصلاتها خمسة
وقبلتها واحدة
صيامها في رمضان لا في ذي القعدة
على ماذا تختلف
ولماذا تختلف
والى متى نختلف
يا امة حتى في البدع تختلف"
والواقع أن هذا قول صحيح وأجمل المشكلة من جذورها. فلا أحد يعلم أسباب هذا الاختلاف العقيم مع عدم وجود أسباب جدية له. أما الحديث عن حروب بين الجهتين، وعن وجود اختلافات فقهية بينهما،(المفهوم الجعفري ومسألة الامام الثاني عشر الآتي مستقبلا)، فهذا قول مردود. ذلك أن الدول الأوروبية، كان بينها ما بينها من خلافات فقهية وطائفية. "فالفاتيكان" الكاثوليكي في جانب (وكان ينضوي تحته فرنسا وايطاليا واسبانيا اضافة الى دول أوروبية أخرى)، والكنيسة "الأورثوذوكسية" في جانب آخر (ضمت اليونان وقبرص ودول أخرى انشقت عن يوغوسلافيا الأورثوذوكسية)،ومع ذلك دخلت كل هذه الدول المتناقضة في توجهاتها الطائفية، وهي تناقضات أكبر من التناقضات الفقهية بين الشيعة والسنة، في اتحاد ضمها جميعا هو الاتحاد الأوروبي. ودخلت في الاتحاد أيضا دول تنتمي للكنيسة "الانجيلية" و"البروتستانية"، رغم خلافاتها مع الكنيستين الأورثوذوكسية والكاثوليكية. بل هناك دول اسلامية دخلت في الاتحاد، وها هي "تركيا" التي يحكمها حزب ينتمي لتيار "الاخوان المسلمين"، يسعى جاهدا للدخول فيه. فمصالح الدول الاقتصادية والسياسية والجغرافية، اقتضت ذلك، كما اقتضت التغلب على كل الخلافات الطائفية والفقهية والاثنية أيضا.
وشيء آخر أكثر أهمية، لم يحل دون اندماج تلك الدول في الاتحاد، وهو الحروب التي خاضتها تلك الدول بين بعضها البعض وخصوصا الحرب العالمية الثانية، وما أفرزته تلك الحرب من ضحايا من الجانبين والتي بلغت أرقامها بالملايين. "فألمانيا" خسرت قرابة العشرة مليون قتيل، ومثلها "فرنسا" و"ايطاليا" ودول أخرى كثيرة. ومع ذلك لم يحل هذا العدد الكبير من ضحايا الحرب، دون قيام هذا الاتحاد العتيد.
ومن هنا تبدو سخافة الحجج المقدمة كسبيل للحيلولة دون حصول تفاهم، أو صداقة، أو تحالف عربي ايراني، يعزز موقف دول المنطقة في وجه العدو المشترك وهو اسرائيل التي زرعت كسرطان غريب في تلك المنطقة. فالخلافات الفقهية والطائفية، ليست بالضرورة سببا كافيا للحيلولة دون ذلك. ومثلها ضحايا الحروب بين العرب والفرس او الايرانيين كما باتوا يسمونهم. فهذه ليست سببا يبرر هذه القطيعة خصوصا وأن الحروب الرئيسية بينهما كانت واحدة في بداية ظهور الاسلام، وهي معركة القادسية، وتبعتها معركة كربلاء، وهي التي كرست ظهور طائفة الشيعة وابتعادها عن السنة، والثالثة (من الحروب الكبرى بينهما) كانت حرب الثمانينات بين"العراق وايران"، وهي حرب الثماني سنوات (كما أسميت) والتي أشعلت لسبب ظاهر هو الحيلولة دون التوسع الايراني في المنطقة، وفي الباطن كان الهدف الرئيسي منها هو ايغار الصدور بين الطرفين، واعادة اشعال التوتر الطائفي بينهما والذي كاد يخبو مع مرور الزمن. ويعزز هذا التوجه في التفسير، أن الولايات المتحدة كانت تغذي الطرفين بالسلاح بغية ابقاء الحرب مشتعلة لأطول فترة ممكنة، ومعها يزداد اشتعال الخلاف الفقهي والطائفي والاثني بين الطرفين.
ولا أحد يستطيع أن يجزم بالأسباب التي استدعت بقاء حدة الخلاف الطائفي بين الطرفين قائما. هل يعود السبب الى "ايران" التي ازدادت تطرفا بعد وصول رجال الدين الى سدة الحكم؟ ولكن ايران والعرب، قبل وصول رجال الدين الى مركز القيادة، لم يكن بينهما انسجام تام أو ود واضح، رغم وجود الشاه في سدة القيادة، والشاه يمثل عهدا ملكيا شبيها بالأنظمة الملكية القائمة في دول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى. وكان الموقف الوحيد الذي سجل له، هو تنسيقه مع "السعودية" في عام 1973، وترحيبه بقرار منظمة "اوبيك" بفرض الحظر النفطي على الدول الغربية رغم ما سبق ذلك من عمل استفزازي باحتلال الجزر الاماراتية الثلاث.
ولا يختلف الأمر بالنسبة للدول العربية، وخاصة الدول الخليجية المعنية بالعلاقة مع "ايران" أكثر من غيرها بسبب الجوار لايران. ولعل أكثر الدول تشددا ورفضا لعلاقة كهذه، هي "السعودية" لكونها تطمح لتزعم دول الخليج، ان لم يكن قيادة كل الدول العربية بما تمتلكه هي من أموال النفط. ويبدو أن "السعودية" كانت تخشى منافسة "ايران" لها، سواء في العهد الملكي أو في عهد رجال الدين، على زعامة منطقة الخليج، علما أنه كان "لايران" مطامع فعلية في بعضها "كالبحرين" التي كان الشاه يعتبرها، الى حين، جزءا من الأراضي الايرانية، كما كان يتطلع بشغف نحو دول خليجية أخرى يتواجد بين سكانها نسبة ما من الشيعة، كما في الكويت وفي المناطق الشرقية من السعودية.
ولا أحد يستطع أن يجزم من كان مسئولا عن بقاء التشرذم بل والبرود بين الطرفين. لكن شروع "ايران" في أبحاثها العلمية والنووية، وما كان يشكله ذلك التطور من مصلحة لدول المنطقة بالنسبة لايجاد قدرات على تحقيق التوازن النووي مع اسرائيل، وما أدت اليه الجهود الايرانية تلك، الى فرض عقوبات سياسية واقتصادية عليها، بتشجيع من اسرائيل طبعا، قد شكل مناسبة كبرى ملائمة للطرفين لتناسي خلافاتهما الفقهية والتاريخية. "فايران" باتت بحاجة الى الدعم العربي لكي تبقى صامدة في مواجهة الضغوط الغربية عليها، والتي كانت تؤججها المخاوف "الاسرائيلية" من الجهود والأبحاث العلمية الايرانية. والعرب باتوا بحاجة الى الجهود الايرانية وما قد تحققه من نتائج مفيدة على صعيد التقدم النووي الذي كانت ستصبح شريكة فيه بتقديمها الدعم المالي والاقتصادي والسياسي لايران. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. فضاعت الفرصة هباء، ووجدت "ايران" نفسها، مع وصول "حسن روحاني" الى سدة الرئاسة، مضطرة لتقديم بعض التنازلات للولايات المتحدة، والتخلي جزئيا أو كليا (لا أحد يعلم بعد) عن مساعيها في التطوير العلمي النووي.
ولكن المرجح لدى بعض المحللين، أن الرفض الأقوى للتفاهم مع "ايران"، قد جاء من المملكة "السعودية"، خصوصا عندما ضعفت "ايران" نتيجة الحصار والضغوط عليها، بحيث تهيأت الفرصة لاجرأء تفاهم ما مع الدول العربية رغم الخلافات الفقهية والطائفية التي باتت هامشية قياسا بما أصبحت تواجهه من ضغوط. ولكن "السعودية" كما يبدو،، وجدت في ذلك، أي ضعف "ايران" ووقوعها تحت طائلة الحصار، فرصة للاجهاز على "ايران" والانفراد بزعامة المنطقة. وفي تلك المرحلة بالذات، وجه العديد من المحللين الأنظار الى وجوب مراجعة العلاقة مع "ايران" قبل فوات الأوان. وكنت واحدا ممن كتبوا في هذا الموضوع متسائلا في المقال: "متى يفجر العرب والايرانيون قنبلتهم الكبرى"، والمقصود بها قنبلة التفاهم بينهما، وهي المقالة التي نشرت في الشهر العاشر من العام الماضي، قبل أن تكون ايران ودول خمسة زائد واحد قد بدأت التسوية مع "ايران". لكن أحدا لم يستمع لذلك ولو كاحتمال يستحق الدراسة.
فالسعودية التي كانت الحليف الأكبر "للولايات المتحدة" في المنطقة، اضافة الى تطلعاتها لقيادة المنطقة العربية بنفوذ أموالها الطائلة،مما حول النفط العربي من نعمة الى نقمة، لم تأبه لهذا الاحتمال، ولم تأخذه بعين الاعتبار. فالنفط العربي في هذه المرحلة بالذات، قد حال دون تقييم الصراع "العروبي" "الصهيوني" باعتباره الصراع الأقوى والأهم في المنطقة، دون الصراعات الأخرى التي باتت هامشية مقارنة بالصراع العربي الاسرائيلي ذي العواقب الوخيمة والمنذر بالتوسع مستقبلا، مع وجود أحلام "اسرائيل" "التوراتية" و"التلمودية"، المتطلعة الى دولة "اسرائيلية" من النيل الى الفرات، وخصوصا مع بقائها الدولة الوحيدة في الشرق التي تمتلك السلاح النووي، مما سيجعلها في يوم ما قادرة على تحقيق حلمها "التوراتي التلمودي".
لكن التعصب الأعمى لدى بعض الدول العربية حفاظا على الزعامة، مستخدمة الخلافات الفقهية والطائفية والتاريخية بين الجهتين، وسيلة ومبررا للحيلولة دون حصول ذلك التوافق قبل فوات الأوان، وقبل توجه "ايران" مضطرة نحو التفاهم مع مجموعة خمسة زائد واحد (الخمسة هي الدول الخمس الكبرى وزائد واحد هي المانيا)، قد أغلق السبل أمام تطور المفاهيم السياسية المعتمدة في هذه المنطقة، من مفاهيم تأخذ بعين الاعتبار خلافات قديمة عفا عليها الزمن بين الدول العربية وايران، لتحل محلها مفهوم الصراع "العروبي الصهيوني" كأهم الصراعات، وينبغي أن يمنح الأولوية في أي تقييم سياسي. وبعد ذلك ألم تصدق الزميلة "تمارا قباني" في مقولتها التي نشرت على صفحتها في "الفيسبوك": "أمة ربها الواحد- ودينها واحد - ونبيها واحد - وفروضها خمسة"، الى آخر مقولتها سابقة الذكر. فهل بعد ذلك تبرر الخلافات الثانوية الأخرى، ذاك الجفاء الطويل الذي بات ينعكس على مستقبل المنطقة، مؤديا الى تناسي المصالح المشتركة التي يفترض بها أن تكون الأساس الوحيد لتقييم العلاقات بين الدول. وكما قال أحدهم، يرجح بأنه الجنرال "ديغول": ليس هناك صداقات دائمة، لكن هناك مصالح دائمة". ويمكن اضافة شيء آخر الى قوله: فليس هناك عداوات دائمة، لأن العداوات تنتهي مع تحولها الى عقبة في طريق تحقق المصالح المشتركة. فمتى يدرك العرب ذلك.؟
ميشيل حنا الحاج
عضو جمعية الكتاب الأردنيين الأليكترونيين
عضو مركز حوار للدراسات الاستراتيجية الجديدة.
عضو مجموعة (لا للتدخل الأميركي والغربي) في البلاد العربية.
عضو في منتدى العروبة - عضو في مجموعة "مشاهير مصر".
عضو في رابطة الأخوة والصداقة اللبنانية المغربية.



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواقع الفلسطيني المؤلم على ضوء الواقع العربي البائس
- ماذا عن الصراع داخل المقاومة السورية، وهل باتت هناك مقاومة ل ...
- هل ما يجري في سوريا حرب حقيقية، أم هي حرب -دون كيشوتية-؟
- أهلا جنيف 2 ومرحبا: مؤتمر جنيف2 : ما قبله، وما بعده، والاتفا ...
- مع اقتراب مؤتمر جنيف2،هل بدأت الحرب ضد الارهاب في المنطقة، و ...
- كتاب مفتوح موجه للبي بي سي
- هل يسعى مؤتمر جنيف2 لاعلان الحرب على الارهاب بنقله للبنان، أ ...
- كتاب مفتوح موجه الى صديق
- هل تقرع أجراس -الميلاد- للمطرانين، ولراهبات دير -مار تقلا- ف ...
- من هم الرابحون ومن هم الخاسرون سياسيا في الحرب السورية؟
- هل اقتنعت دول العالم أخيرا أن -القاعدة- خطر عليهم كثر من كون ...
- هل سميت الثورات العربية الحديثة بثورات -الربيع- لكونها ثورات ...
- أين استراتيجية -نهاية المطاف- في أدمغة قادة المعارضة السورية ...
- أين استراتيجية -نهاية المطاف- في أدمغة القادة الأتراك ، وأدم ...
- أين استراتيجية -نهاية المطاف- في أدمغة القادة الأميركيين ؟
- هل تلاشى الحلم العربي بالوطن العربي الكبير، ليصبح الأردن الو ...
- متى يزهر الربيع العربي في أروقة الجامعة العربية ويحولها الى ...
- متى يفجر العرب والايرانيون قنبلتهم الكبرى ؟ كيف ولماذا؟
- هل هو حقا الربيع العربي أم هو الدمار العربي ؟
- تعليقا واضافة للمقال الخاص بالاستشهاديين ، ينبغي التساؤل: هل ...


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - هل أصبح الصراع بين الشيعة والسنة، أكثر أهمية وضرورة من صراع العروبة مع الصهيونية؟