أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - من يخاف من العولمة؟















المزيد.....

من يخاف من العولمة؟


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4351 - 2014 / 1 / 31 - 13:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"إن العولمة المعاصرة ليست إلا فرع جديد لشجرة زرعت جذورها مع بدء حضارة الإنسان"
(Hodgetts, Luthans, & Doh, 2006)
"ان تجادل حول العولمة كأنك تجادل حول قانون الجاذبية"
كوفي عنان
"اليوم، وأكثر من أي فترة سابقة، نشهد عدد أكبر من الافراد الذين يمكنهم التنافس والتواصل والتعاون على قدم المساواة وباستخدام نغس الأدوات"
توماس فريدمان

العولمة ... هذه الظاهرة التي نعيش فيها ونلمس اثارها في حياتنا اليومية بدءا من تناول وجبة في احدى فروع ماكدونالد، الأمريكي النشأة، في القاهرة وانتهاءا باستخدام احدى منظومات التجارة الالكترونية لشراء آي باد سامسونج من أحد فروعه في الولايات المتحدة، ومرورا باستخدام الفيسبوك لتكوين مجموعة أصدقاء من شتى الجنسيات. انها باختصار الظاهرة التي تعني "بسط الأنشطة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عبر الحدود السياسية والإقليمية وعبر القارات". وبقدر ما حظيت هذه الظاهرة بعداء الكثيرين، انطلاقا من خلفياتهم الايدولوجية، بقدر ما حظيت من مؤيدين. وكلا الفريقين محق في موقفه فالعولمة هي "فرصة" ذهبية لمن يعي متطلباتها و"عبء" لا يحتمل لمن لا يستجيب لهذه المتطلبات. ومن اهم هذه المتطلبات ضرورة توفر ثقافة منفتحة ومتكيفة تقدر الجديد وتقبل التغيير. فتمتع ثقافة مجتمع ما بهذه الصفات، "الانفتاح" و"التكيف" و"تقدير الجديد" و"تقبل التغيير"، يؤهله للاستفادة من نتائج ظاهرة العولمة، ومن التغلب على مشكلة "التلكؤ الثقافي"!

ويمكن تشبيه الثقافة في هذا السياق كجبل الجليد بجزئيه قمة ظاهرة فوق الماء وقاعدته غير المرئية المغمورة تحت الماء. ويشمل الجزء المرئي من الثقافة كافة المنتجات الثقافية والتي تشمل، بالإضافة للمنتجات الفنية والأدبية، الاكتشافات العلمية والاختراعات التكنولوجية والابتكارات الإدارية والتنظيمية. كما يشمل هذا الجزء كافة الأنماط السلوكية السائدة في المجتمع. اما الجزء غير المرئي فيشمل منظومة القيم والمعتقدات.

التلكؤ الثقافي
تحدث ظاهرة "التلكؤ الثقافي" Cultural Lag عندما تتغير بعض مكونات منظومة الثقافة السائدة في المجتمع بسرعة أكبر من تلك التي تحدث لبقية مكوناتها. وفى العادة تتميز الاختراعات التكنولوجية والابتكارات الإدارية والتنظيمية بسرعة تغيرها وذلك بالمقارنة مع سرعة تغير بقية مكونات المنظومة الثقافية مثل القيم أو المعتقدات. وتبنى أي منتج ثقافي جديد، سواء كان اكتشافا أو اختراعا أو ابتكارا، واستغلاله الاستغلال الأمثل لصالح أفراد المجتمع الذي يتبناه يتطلب تغيرا في الأنماط السلوكية التي يتبنونها أو في بعضا من عناصر منظومة القيم السائدة. فعلى سبيل المثال يتطلب الإسهام المثمر في منظومة الإنتاج العالمي والاستفادة منها تبنى العديد من الابتكارات الإدارية والتنظيمية المستحدثة. وتلك الأخيرة تتطلب بدورها تبنى سلوكيات تستند على احترام قيم من قبيل "التركيز على المهمة قيد التنفيذ" و"الاحترام الصارم لتوقيتات تنفيذ المهام" و"الالتزام الدقيق بالخطط الموضوعة"، و"الاهتمام الفائق بدقة وجودة المنتج أو الخدمة". وهي القيم التي قد لا تحتل مركز الصدارة في الثقافة السائدة للمجتمع الراغب في الاستفادة من ظاهرة العولمة. وهنا يبرز التناقض بين ما ينبغي على المجتمع تبنيه من سلوكيات أو قيم جديدة وتلك السلوكيات والقيم والمعتقدات السائدة في المجتمع فتتجلى أعراض ظاهرة "التلكؤ الثقافي". وتتنوع أعراض وآثار ظاهرة "التلكؤ الثقافي" تنوعا شديدا ما بين مقاومة شرسة للمستجد الثقافي والعمل على وقف انتشاره بين أفراد المجتمع أو العمل على حصاره وحصره في قطاعات محددة من قطاعات المجتمع. ولعل أبرز الأمثلة التاريخية لمقاومة التغيير الذي يتطلبه استخدام الابتكارات التكنولوجية هي الحركة "اللودية" Luddism، نسبة لمحركها ند لود Ned Ludd. وقد ظهرت هذه الحركة في شمال إنجلترا في الفترة ما بين 1811 و1816 لمقاومة إحلال الآلات محل العمالة اليدوية في المصانع الإنجليزية. أما "اللوديون الجدد" في مجتمعنا المصري المعاصر فإنهم لا يركزون جهودهم على مهاجمة آثار الابتكارات التكنولوجية الحديثة فقط بل يسعون إلى ما هو أبعد من ذلك وهو تحطيم المرتكزات التي يقوم عليها الإبداع الإنساني بصفة عامة. ومن الأمور المثيرة للعجب هو استخدامهم للابتكارات التكنولوجية الذين يسعون لهدم أسسها في نشر دعاويهم الفاسدة.

الانفتاح الخلاق
يعتبر "التلكؤ الثقافي" أحد اهم الأسباب التي تحد من قدرة المجتمع على الاستفادة من نواتج العولمة،
المستجدة والمتجددة، ومن قدرته على توظيفها لصالح افراده. لذا تصبح مهمة تقليل آثار هذا التلكؤ خطوة ضرورية نحو تأسيس بيئة مواتية مع الواقع الجديد، واقع حضارة العولمة. ولا يتم انجاز هذه المهمة الا بـ "الانفتاح الخلاق". واستخدامنا عبارة "الانفتاح الخلاق" لوصف هذه المهمة بدلا من استخدامنا كلمة "الانفتاح" مجردة من أي وصف هو أمر مقصود. فالانفتاح هو حالة فرضتها العولمة وعززها "الفضاء الافتراضي الكوكبي"، بمكوناته من قنوات بث فضائية وشبكات كمبيوتر تترابط سويا عبر الإنترنت، ليصبح من المستحيلات إقامة الأسوار الحديدية التي تحد من تدفق الأفكار العابر للحدود. أما كيفية التعامل معه فهي تلك التي تحدد ما إذا كان "خلاقا" أو "مدمرا". ولكي يتمتع "الانفتاح" بصفة "الخلاق" لابد ان تتوفر له عدة خصائص. وأولى هذه الخصائص هي الاعتراف بمشكلة عدم ملاءمة منظومة الثقافة السائدة في المجتمع بكافة مكوناتها لمتطلبات الواقع الجديد فـ "لا يمكن لأحد حل مشكلة يرفض أن يراها". وثاني هذه الخصائص هي القناعة بأن منظومة الثقافة السائدة في المجتمع هي منظومة قابلة للتطور وأن العمل على تطويرها هو أمر لازم لا مفر منه لمواكبة التغيرات التي يفرضها هذا الواقع الجديد. أما ثالث هذه الخصائص فهي القناعة بأنه لا توجد حقيقة مطلقة تحتكرها أي مجموعة من أفراد المجتمع أيا كانت منطلقاتها. وهذه الخاصية هي الشرط اللازم والضروري لتقبل المستجدات الثقافية اللازمة لتطوير وتحديث الثقافة السائدة في المجتمع بكافة أشكالها وأيا كان مصدرها فـ "لون القطة، سوداء كانت أو بيضاء، ليس مهما، فطالما تمكنت من الإمساك بالفأر فهي قطة جيدة" على حد قول دنج إكسياوبنج Deng Xiaoping (1904-1997) زعيم الحزب الشيوعي الصيني السابق.

وفى النهاية تشكل ظاهرة العولمة، بمختلف أبعادها وصورها، فرصة ذهبية لا يغتنم فوائدها إلا من وعى بشروطها وعمل جادا على تحقيقها عبر "الانفتاح الخلاق" ولا عزاء للمتقاعسين.

Hodgetts, R., Luthans, F., & Doh, J. 2006. International Management: Culture, Strategy and Behavior (6 ed.). New York: McGraw-Hill Irwin.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علمنة المجتمع وشكة الدبوس
- العلم من بارادايم البساطة الى بارادايم التعقد
- الاساطير الثقافية: (1) اسطورة العروبة
- الحل برة الصندوق
- تانجو الفوضى والانتظام
- أزمة العقل البسيط
- جاليليو الذي تجاهلناه
- الة الزمن المعكوس
- جاءنا البيان التالي
- زمن الهوجة
- عن الثورة الثقافية ... معالم على الطريق (3/3)
- عن الثورة الثقافية ... عشان ايه وليه؟ (2/3)
- عن الثورة الثقافية ... ترويض المفاهيم (1/3)
- نظرية رأس السمكة
- تحديث الثقافة المصرية .... المشروع القومى المنتظر
- سلام مربع ل -جهادية- بلدنا
- نظرية التطور والثقافة
- الثقافة العَلمانية: كلمنى عن بكره (4/4)
- الثقافة العَلمانية: وإنك لعلى خلق عظيم (3/4)
- الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4)


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - من يخاف من العولمة؟