أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - السيد نصر الدين السيد - الحل برة الصندوق















المزيد.....

الحل برة الصندوق


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4319 - 2013 / 12 / 28 - 15:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


ولكم في باقي اسوة حسنة
في السادس من أكتوبر عام 1973 نجح جند مصر في "إذابة" السد الترابي الذي أقامه الإسرائيليون على الضفة الشرقية لقناة السويس. ولقد تصور الإسرائيليون أنهم بإقامتهم هذا السد سيتمكنون من إعاقة أي هجوم مصري محتمل وأنهم بذلك قد خلقوا للمصريين مشكلة يستحيل عليهم حلها. ولم يكن الإسرائيليون مخطئين في تفكيرهم إذ أن استخدام الطرق المعروفة لإزالة السدود الترابية سيمنحهم الوقت الكافي لتدمير من يفكر في الإقدام على هذه المحاولة. وكانت المفاجأة التي أذهلتهم هي استخدام المصريون لطريقة بسيطة وغير مسبوقة. وكانت الطريقة هي "استخدام مضخات المياه" لإزالة السد الترابي. وهي الطريقة التي اقترحها المقدم مهندس باقي زكي يوسف من سلاح المهندسين الذي أرقه وشغل تفكيره وجود هذا السد الترابي. وبعد التأكد من فعالية هذه الطريقة غير المسبوقة تبنتها القيادات العليا للقوات المسلحة المصرية.
التفكير خارج الصندوق
تقدم لنا هذه الواقعة نموذجا مثاليا للتفكير "خارج الصندوق" او لمفهوم "الابتكار" Innovation. فبداية تعتبر هذه الواقعة تجسيدا حيا لهذا المفهوم الذي يعرفه علماء الإدارة بأنه "أي حل غير تقليدي لمشكلة مستعصية تعجز طرق التفكير المألوفة عن حلها". ويلقى هذا التعريف الأضواء على الجوانب المختلفة لعملية "إنتاج الابتكار". وأولى هذه الجوانب هي أن الابتكار كحل غير تقليدي لابد وأن يتضمن إنتاج لمعرفة جديدة. أما الجانب الثاني فيعنى بكيفية تفعيل هذه المعرفة أي باستخدامها في حل المشكلة قيد البحث أو في خلق فرصة جديدة يمكن استغلالها. ولقد أدى ارتكاز اقتصاديات المجتمعات المتقدمة المتزايد على "الموارد المعرفية"، أو المعرفة العلمية والتكنولوجية بكافة أشكالها والتي ينتجها ويحوزها أفراد تلك المجتمعات، وتقلص الدور الذي تلعبه الموارد التقليدية المتمثلة في الموارد الطبيعية والمالية أدى هذا كله زيادة الاهتمام بالابتكارات وبعملية إنتاجها. فلقد وعى علماء الإدارة والاقتصاد ورجال الأعمال في بلاد العالم المتقدم أهمية الدور الحيوي الذي تلعبه "الابتكارات" بكافة أشكالها في تحقيق مزايا تنافسية للمؤسسات الاقتصادية وفى زيادة الدخل القومي لهذه البلدان. وكانت نتيجة هذا الوعي ميلاد علم جديد هو علم "إدارة الابتكار" Innovation Management الذي يهتم بكافة العمليات التي يمكن استخدامها في تطوير منتجات وخدمات وعمليات جديدة أو محسنة. وهكذا لم تعد "إنتاج الابتكارات" عملية تترك للصدفة بل أصبحت عملية عقلانية واعية يتم التخطيط لها ويتم تهيئة المناخ المواتى لنجاحها وضمان استدامتها.

ولم يكتفى علماء الإدارة باستخدام علم "إدارة الابتكار" في تعزيز قدرة المؤسسات الاقتصادية على إنتاج الابتكارات بكافة أشكالها بل سعوا لتطبيقه على المجتمع ككل فظهر مفهوم "المنظومة القومية للابتكار" National System of Innovation. ويعرف العلماء هذه المنظومة بأنها المنظومة التي تتألف من مؤسسات القطاعين العام والخاص والجامعات والهيئات الحكومية وتهدف إلى إنتاج الابتكارات العلمية والتكنولوجية والتنظيمية التي تستهدف حل مشكلات المجتمع المستعصية. الا ان نجاح هذه المنظومة في بلوغ أهدافها المرجوة يتوقف على عاملان: "رفض الوضع الراهن" Status Quo، و"الخروج عن المألوف". وأول هذه العوامل، "رفض الوضع الراهن"، يتعلق بطبيعة القوى المحركة لعملية الابتكار أو "التوتر الخلاق" Creative Tension الذي عرفه عالم الإدارة الأمريكي سينج Senge، في كتابه الشهير "النظام الخامس: فن وممارسة المنظمات المتعلمة"، بأنه الطاقة التي يولدها الوعي بتباعد أحوال الواقع عما هو مأمول فتدفع بمن يعي قدر هذا التباعد، ويعاني من آثاره، الى رفض الوضع الراهن والعمل على تغييره ومن ثم إلى الإبداع والابتكار.

ثقافة الابتكار
أما العامل الثاني، "الخروج عن المألوف"، فيتعلق بـ "ثقافة الابتكار" التي تشكل البنية التحتية الثقافية اللازمة للاستفادة من طاقة التوتر الخلاق واستخدامها في انتاج الحلول غير المسبوقة لمشاكل المجتمع. وثقافة الابتكار هي تلك الثقافة التي توفر بيئة عمل تشجع العاملون باستمرار على التفكير الإبداعي، وتيسر من عملية تجسيد أفكارهم الجديدة على هيئة ابتكارات. فالقدرة على "الإبداع"، أو إنتاج الأفكار غير المسبوقة، وحدها لا تكفي لوصف أي كيان بصفة "المبتكر". إذ يقتضي إطلاق هذه الصفة على كيان ما قدرته على تجسيد هذه الأفكار على هيئة سلع أو عمليات أو خدمات. انها الثقافة التي تعمل على تجاوز الوضع الراهن فتسعى وراء الجديد وترحب بالتغيير، ولا تخشى التعامل مع الأمور التي لا يمكن التنبؤ بها فترحب بالمفاجآت وتتعامل بإيجابية مع الغموض وعدم التيقن، وتسعى بهمة وراء المعرفة والأفكار الجديدة أيا كان مصدرها، داخلي او خارجي، وأيا كانت درجة "شططها" أو غرابتها وخروجها عن المألوف، ولاتخشى خوض التجربة وممارسة التجريب فتتسامح مع الفشل وتعتبره خطوة في طريق النجاح. ثقافة منفتحة لكل جديد ومرحبة به ... تشجع التغيير ولاتؤثم البدع ... ! ... ثقافة لا تقيد فكر الإنسان في أطر ضيقة ولاتحصره في حدود مقررة سلفا. وفى المقابل نرى "ثقافة الوضع الراهن" التي لا تأخذ في اعتبارها الا كل ما يمكن التنبؤ بسلوكه على وجه اليقين فتعمل على تجنب المفاجآت، وتسعى لتأكيد الاستقرار وتعزيز الوضع الراهن وتتجنب التغيير، ولا تتسامح مع الفشل.

نحن وتوترنا الهدام
واليوم والأمة المصرية تمر بمرحلة تحول فارقة تواجه فيها مشكلات مستوطنة طال مكوثها في جسد الامة حتى انهكته، كما تواجه فيها تحديات مستجدة تتعلق بوجودها نفسه (سد النهضة الاثيوبي على سبيل المثال)، تبرز الحاجة الماسة للتفكير خارج الصندوق. ان ما تعانيه الامة المصرية من مشاكل مزمنة وما تواجهه من تحديات يؤكد ضرورة إنشاء منظومة القومية للابتكار وإقامة "البنية التحتية المعنوية"، بمكونيها "التوتر الخلاق" و"ثقافة الابتكار"، اللازمة لضمان نجاحها. فما أحوجنا اليوم إلى تبنى وإشاعة "ثقافة ابتكار" تهيئ المجتمع المصري من ابتداع حلول غير تقليدية لما يواجهه من مشاكل وتحديات. وما أحوجنا إلى حملة قومية لتنقية ثقافتنا السائدة مما يعوق عملية "إنتاج الابتكارات" بدءا من قيم "من فات قديمة تاه" و"من خاف سلم" و"إمشى سنة ولاتعدى قنا" وإنتهاءا بثقافة "العنعنات". وما أحوجنا إلى "عقد اجتماعي" جديد ينظم العلاقات بين مكونات المجتمع المصري فيسمح بالـ "التوتر الخلاق" بينها ليحل بذلك محل "التوتر الهدام" الذي يسود اللحظة الراهنة. هذا "التوتر الهدام" الذي يتبدى فيما تسعى إليه بعض التيارات من إحداث حالة مواجهة وانقسام بين هذه مكونات الامة المصرية. ما أحوجنا إلى "عقد اجتماعي" جديد بين الحكومة وعموم المصريين ينظر إلى الإنسان المصري البسيط في "تحايله على المعايش" لا بوصفه سبب المشاكل بل بوصفه المصدر الرئيسي للحلول المبتكرة. فلقد استقر رأى علماء "إدارة الابتكار" على أن أحد أهم مصادر الابتكارات هم من يعانون معاناة مباشرة من المشكلة ويتأثرون بها، أي أولئك "اللي في وش المدفع". عقد جديد يتبنى فلسفة "من تحت لـ فوق" لحل المشاكل بدلا من فلسفة "من فوق لـ تحت" التي أثبتت عدم فعاليتها فتكتسب الحلول بذلك شرعيتها وتتأكد قابليتها للتنفيذ ويتم تفعيل "التوتر الخلاق" في المجتمع المصري.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تانجو الفوضى والانتظام
- أزمة العقل البسيط
- جاليليو الذي تجاهلناه
- الة الزمن المعكوس
- جاءنا البيان التالي
- زمن الهوجة
- عن الثورة الثقافية ... معالم على الطريق (3/3)
- عن الثورة الثقافية ... عشان ايه وليه؟ (2/3)
- عن الثورة الثقافية ... ترويض المفاهيم (1/3)
- نظرية رأس السمكة
- تحديث الثقافة المصرية .... المشروع القومى المنتظر
- سلام مربع ل -جهادية- بلدنا
- نظرية التطور والثقافة
- الثقافة العَلمانية: كلمنى عن بكره (4/4)
- الثقافة العَلمانية: وإنك لعلى خلق عظيم (3/4)
- الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4)
- الثقافة العَلمانية: هكذا تحدث أمارتيا سن (1/4)
- وقُضِيَ الأمر ... فماذا أنتم فاعلون؟
- الرفاه المُنتظَر والمرجعية المنشودة
- مجتمع المعرفة ودستورنا المرتقب


المزيد.....




- الصحة في غزة ترفع عدد القتلى بالقطاع منذ 7 أكتوبر.. إليكم كم ...
- آخر تحديث بالصور.. وضع دبي وإمارات مجاورة بعد الفيضانات
- قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة ...
- بوريل من اجتماع مجموعة السبع: نحن على حافة حرب إقليمية في ال ...
- الجيش السوداني يرد على أنباء عن احتجاز مصر سفينة متجهة إلى ا ...
- زاخاروفا تتهم الدول الغربية بممارسة الابتزاز النووي
- برلين ترفض مشاركة السفارة الروسية في إحياء ذكرى تحرير سجناء ...
- الخارجية الروسية تعلق على -السيادة الفرنسية- بعد نقل باريس ح ...
- فيديو لمصرفي مصري ينقذ عائلة إماراتية من الغرق والبنك يكرمه ...
- راجمات Uragan الروسية المعدّلة تظهر خلال العملية العسكرية ال ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - السيد نصر الدين السيد - الحل برة الصندوق