عليان عليان
الحوار المتمدن-العدد: 4332 - 2014 / 1 / 11 - 11:07
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
الإرهاب التكفيري الذي يضرب المنطقة منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ومنذ اندلاع الأزمة السورية قبل حوالي ثلاثة أعوام ، لا يستهدف العرب المسيحيين فحسب ، بل يستهدف عموم العرب المسلمين ، إذ أن هذا الإرهاب – وعلى حد تعبير بطريرك الكنيسة الكلدانية في العالم لويس ساكو - وهو يستهدف إفراغ الشرق من مسيحييه ، إنما يجعل مصير المسلمين أخطر بكثير ، لأن انتشار الأصولية الإسلامية المتطرفة ، التي تغذيها بعض الدول لتسعير الصراع المسلم – المسلم يخدم ( إسرائيل) والولايات المتحدة.
ويتجاهل هؤلاء الإرهابيون التكفيريون ، ومن يقف ورائهم من دول النفط التابعة وتركيا حلف الأطلسي ، أن بلاد الشام وسوريا العروبة في القلب منها هي مهد المسيحية الأولى ، وهي مهد أقدم الحضارات ، ذلك أن تهجير المسيحيين من بلاد الشام ومن العراق ، يضرب نكهة التنوع الثقافي والحضاري ، ناهيك أن المسيحيين لا يجوز النظر إليهم كأقلية بل هم جزء أساسي لا يتجزأ من النسيج القومي العربي ، ولعبوا ولا زالوا يلعبون من موقعهم العروبي دوراً مركزياً في الدفاع عن الهوية العربية ، وفي بلورة وتفعيل الهوية الحضارية للأمة العربية.
قبل حوالي أكثر من شهرين ، هز وجدان الأمة العربية خبر صحفي ، ينبغي أن يدفعها للاستجابة للتحدي الذي يمارسه الظلاميون التكفيريون في بلا الشام والعراق ، وعلى أن تكون الاستجابة عبر برامج نضالية ذات بعد ثقافي ووحدوي عربي.
الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء ، يفيد بأن آلألوف من العرب المسيحيين من مدن وبلدات القلمون وغيرها في سوريا ، باتوا ينشدون الهجرة إلى روسيا ، وأنهم تقدموا بطلبات الهجرة وأن ثلاثة عشر دولة أبدت استعدادها لاستقبال اللاجئين من المسيحيين السوريين ، وأن ألمانيا وفرنسا أبديتا استعدادهما لاستقبال عشرة آلاف سوري مسيحي.
والسبب الذي يكمن وراء طلبات الهجرة واللجوء ، هو الجرائم التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها فصائل تنظيم القاعدة في سوريا وغيرها من التنظيمات الإسلاموية مثل " جبهة النصرة ، داعش ، الجبهة الإسلامية .. ألخ ) ضد أبناء الوطن من المسيحيين والمسلمين سواءً على صعيد قطع الرؤوس ، وهدم الكنائس والأديرة وسرقة محتوياتها كما حصل في معلولا وصدنايا والرقة وغيرها ، وعلى صعيد سرقة المصانع والمعامل المملوكة للمسيحيين في حلب ، أو على صعيد الاستهداف المنظم بقذائف الهاون للأحياء المسيحية في العاصمة دمشق وغيرها ، أو على صعيد خطف رجال الدين المسيحيين والراهبات ، ناهيك عن دخول هذه الوحوش الآدمية على خط إجبار المسيحيين في حلب وبقية البلدات الخاضعة للاحتلال الإرهابي ، على التخلي عن ديانتهم ، ضاربين عرض الحائط بالآية الكريمة " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ".
لقد أدى الإرهاب التكفيري في بعض المدن السورية ، إلى نزوح أعداد من المسيحيين إلى خارج بلداتهم في إطار هجرة داخلية داخل الوطن أو خارجه ، فعدد المسيحيين في سوريا الذي كان يتراوح ما بين 8 – 10 في المائة قبل نشوء الأزمة من عدد سكان سوريا البالغ عددهم (24) مليون نسمة ، أصبح ينخفض تدريجياً جراء جرائم العصابات التكفيرية .
ففي مدينة الرقة – على سبيل المثال ، كان هنالك 600 عائلة مسيحية قبل عام 2012 ، وقد تناقص عددهم إلى (50) عائلة بعد سيطرة عصابات الإرهاب عليها ، وكان المسيحيون يشكلون(30) في المائة من سكان الحسكة و(25) في المائة من وادي النصارى من سكان حلب .
وهذه الأرقام كانت مرشحة للازدياد ، لكن أخذ الجيش العربي السوري لزمام المبادرة منذ معركة القصير الإستراتيجية ، مروراً بمعارك القلمون والغوطة الظافرة ، واستمرار هذه الانتصارات على قطعان الإرهاب التكفيري وقطعان العملاء ، وضع حداً لهجرة المسيحيين بعد أن لاحت آفاق الانتصار ، لدرجة أن أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلداتهم ومدنهم ، من بينها عودة مائة ألف لاجئ سوري من الأردن .
وتأتي جرائم التكفيريين في سوريا امتداداً لجرائمهم في العراق وفي قطاع غزة ، إذ أنه وبعد الاحتلال الأنجلو أميركي الصهيوني للعراق عام 2003 ، أعملت القاعدة كل وسائل القتل ضد المسيحيين ، وعملت على تفخيخ كنائسهم ، مما أدى إلى هجرة كثيفة لمسيحيي العراق من مختلف طوائفهم إلى أوروبا وأمريكا ، علماً أن هذا التنظيم الإرهابي لم يوجه سلاحه للاحتلال بل وجه سلاحه للشعب العراقي ، وعمل على خلق وإذكاء الفتنة السنية الشيعية بتفجيره الحسينيات ، وبتفجيره الأحزمة الناسفة في صفوف المدنيين العرب الشيعة .
لقد ترتب على الإرهاب التكفيري ضد المسيحيين في العراق ، مصرع حوالي ألف مسيحي وتدمير الكنائس حيث لم يتبقى من أصل 300 كنيسة سوى 57 كنيسة فقط ، وذلك وفقاً لتقرير العديد من منظمات حقوق الإنسان ، من بينها تقرير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ، الذي أكد أن عدد المسيحيين في العراق انخفض من مليون ونصف عام 2003 موزعين على بغداد والموصل وكركوك وكردستان ، إلى 500 ألف ، ما يعني أن حوالي مليون مسيحي هاجروا من وطنهم إلى الخارج .
والأنكى من ذلك أن هذا التنظيم ، عمل على ضرب وتصفية فصائل المقاومة في العراق وعمل كذلك على فرض برنامجه الاجتماعي المتخلف ، على العشائر العراقية في الأنبار وفي الشمال ، ما أدى ببعض فصائل المقاومة إلى التحول إلى ما اصطلح على تسميته " بالصحوات " لمواجهة نفوذ القاعدة المتزايد ، ما خفف الضغط عن قوات الاحتلال الأمريكي .
وفي قطاع غزة مارست بعض القوى السلفية التكفيرية ، أساليب عدوانية ضد العرب المسيحيين في قطاع غزة ، واعتدت على كنائسهم ومدارسهم ، ما أدى إلى هجرة نسبة كبيرة منهم لهذا السبب ، ولأسباب تتعلق بصعوبة الأوضاع الاقتصادية في القطاع ، حيث انخفض عدده من (5000) نسمة إلى حوالي 1500 نسمة .
ما يجب الإشارة إليه هنا أن هنالك تكامل ما بين دور المنظمات التكفيرية والإرهابية وبين دور الإرهاب الصهيوني الاحتلالي ـ لخلق هجرة مسيحية من فلسطين ومن عموم بلدان الشرق العربي ، وفي هذا السياق نذكر بالاعتداءات المتكررة على الكنائس في الضفة الغربية وعموم فلسطين وسلب أراضي الكنائس والأديرة بأساليب الابتزاز التزوير والتدليس ، ما أدى إلى هجرة واسعة من مدن بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا ، حيث هاجر من بيت لحم جراء بطش الاحتلال بعد انتفاضة الأقصى ( 3000 ) عربي مسيحي ، ومن مدينتي بيت ساحور وبيت جالا (1500) مسيحي ، وخلو بلدة برقة الفلسطينية من مكونها الاجتماعي المسيحي.
ولا حاجة بنا للتذكير ، بحقيقة أن العرب المسيحيين ليسوا دخلاء على العراق وسوريا وعموم بلاد الشام ، فهم أبناء هذه الأرض الأوائل ، وهم ملح هذه الأرض ، ونكهتها الحضارية الجميلة ، منذ الغساسنة وغيرهم من الأقوام العربية المسيحية.
وهم من عاشوا في كنف الحضارة العربية الإسلامية ، كقوى فاعلة وغير مهمشة ، وهم من لعبوا دوراً أساسياً في الحراك القومي العربي واليساري التقدمي ، ضد الاستعمار الغربي والصهيونية وضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين وبقية الأراضي العربية المحتلة .
وفي الذاكرة رموز قومية وتقدمية عربية حفرت اسمها في سجل النضال القومي مثل د. جورج حبش والأستاذ ميشيل عفلق ، وجول جمال ، والمطران كبوتشي والمطران عطا الله حنا ووزير الدفاع السوري الشهيد العماد داوود راجحة ، وسناء المحيدلي ، وسهى بشارة وتيريز هلسة وكمال ناصر ، والقائمة تطول وتطول... وفي الذاكرة أيضا المبدعون من العرب المسيحيين ، الذين تركوا ولا يزالوا يتركون إبداعات رفيعة في الثقافة والآداب والفنون أمثال ادوارد سعيد ، والأخطل الصغير ، وجبران خليل جبران ، وإميل توما ، وإميل حبيبي ودريد لحام والقائمة تطول وتطول أيضا.
أخوتنا في العروبة يتعرضون لحملات إبادة موجهة ، من قبل الظلاميين التكفيريين الذين ينفذون بامتياز المشروع الصهيو أميركي في المنطقة ، ما يرتب على القوى القومية والتقدمية العربية أن تأخذ دورها في التصدي لقوى الظلام وإفشال مشروعها ، وما يرتب على أخوتنا في العروبة أن يصمدوا في وطن العروبة شأنهم شأن بقية أطياف الوطن ، وأن يستخدموا مع أشقائهم في العروبة كل الوسائل للدفاع عن الوطن والهوية العربية ، فالوطن كان ولا يزال وسيظل وطنهم وليس وطن الإرهابيين التكفيريين .
#عليان_عليان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟