|
حصن الماركسية الحصين (4)
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 4330 - 2014 / 1 / 9 - 17:02
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
حصن الماركسية الحصين (4)
عندما نتحدث عن حصن الماركسية الحصين فنحن إنما نقرأ التاريخ . وما تعريف الماركسية بكلمة سوى أنها قراءة التاريخ قراءة موضوعية دقيقة . قرأ ماركس التاريخ قراءة علمية دقيقة فرآه ملحمة متصلة للصراع الطبقي ولن ينتهي هذا الصراع إلا بانتصار البروليتاريا، آخر الطبقات، على الطبقة البورجوازية بكل شرائحها وتلاوينها . وبانتصار البروليتاريا تنعدم الطبقات وتكون الشيوعية وهي الحياة الأرقى التي ستصل إليها البشرية . ذُكر مؤخراً أن الفيلسوف الإنجليزي بيرتراند راسل رفض الشيوعية لأنه لا يتفق مع ماركس على أن "خرافة" القوى الكونية، وهي المادية الديالكتيكية، تتحكم بحياة البشرية خارج إرادة الإنسان . لنعفِ راسل من الديالكتيك، لكن كيف به يقرأ علم التاريخ ؟ أي قراءة علمية دقيقة للتاريخ ستنتهي براسل وغير راسل إلى الشيوعية . ليس لنا أن نلوم بيرتراند راسل لأته لم يتحول إلى الشيوعية طالما أنه رفض أن تكون هناك قوى كونية تتحكم بحياة الإنسان، لكننا يجب ألا نسكت على من أعلن قبوله لوجود هذه القوة الكونية وتحول لذلك إلى الشيوعية ولم يكن ذلك منه إلا نفاقاً، والنفاق هو من أخص خصائص طبقة البورجوازية الوضيعة التي شكلت السواد الأعظم للأحزاب الشيوعية بما في ذلك الحزب الشيوعي السوفياتي، أو لسوء فهم القلة القليلة لحقيقة الصراع الطبقي وتداعياته في حالات خاصة في أوساط هذه الأحزاب . لذلك فقط كتبنا عن حصن الماركسية الحصين .
الإرتباك المهيمن اليوم على مختلف أوساط الشيوعيين مرده قصور كبير في قراءة التاريخ . هم يوافقون على فكرة سديمية لديهم تقول بالمادية الديالكتيكية، كما يوافقون على تفسير التاريخ كونه صراعاً طبقياً، لكنهم مع ذلك يرفضون مبدأ دكتاتورية البروليتاريا !! وما هو أعجب من ذلك هو أنهم يوافقون على استلام البروليتاريا للسلطة لكنهم برفضون بذات الوقت حكم الدكتاتورية فكما لو أن البروليتاريا ستباشر تطبيق برنامجها الإشتراكي وتمحو طبقة البورجوازية بموافقة البورجوازية نفسها . من هنا بات معظمهم ينادي بالتعددية التي تعني التعايش الطبقي في المجتمع وقبول البروليتاريا بالتالي بالاستغلال الواقع عليها ؛ وفي هذا ليس إنكاراً كلياً للدعوى الماركسية فقط بل العداء لها ونقضها أيضاً . الحقيقة القاطعة في هذا السياق هي أن من يرفض دولة دكتاتورية البروليتاريا إنما هو عدو للبروليتاريا وعدو للشيوعية إذ كان كارل ماركس قد قطع في نقده لبرنامج غوتا (Critique of the Gotha Programme) أن لا إشتراكية بدون دولة دكتاتورية البروليتاريا .
قراءة التاريخ قراءة موضوعية دقيقة لا تنتهي إلا إلى صورة حسيّة جامدة تصور الصراع الطبقي بأجلى معانية وتداعياته . ومع ذلك ولبالغ أسفنا فهناك ليس العامة فقط بل وعامة الشيوعيين أيضاً لا يدركون ماهية الصراع الطبقي ولا حتى مفاعيله في مختلف المجتمعات . وأعجب ما في هذا الأمر هو أن كافة الشيوعيين تقريباً يرفضون فكرة انهيار المشروع اللينيني في الاشتراكية السوفياتية بسبب الصراع الطبقي ويحيلونه، بسخف وغباء شديدين، إلى ما يسمونه البيروقراطية ـ نظام اجتماعي ينهار دون أن يكون له أعداء !! ذلكم هم المتمركسون من متثاقفي البورجوازية الوضيعة !!! الداء العضال الذي لم يبرأ منه جسم العمل الشيوعي هو أن عامة الشيوعيين إنضووا إلى الأحزاب الشيوعية بفعل التحريض السياسي البعيد تماماً عن الفهم العميق لنقد الإقتصاد الرأسمالي الذي استحضر الشيوعية في تاريخ البشرية حيث نمط الإنتاج في الإقتصاد الرأسمالي هو نمط شيوعي يلغي تقسيم العمل بينما علاقات الإنتاج هي علاقات بورجوازية رأسمالية تؤكد حق الملكية الفردية . لذلك ظل هؤلاء "الشيوعيون" يجهلون بنية النظام الرأسمالي الذي يحاربونه حتى أنهم يدّعون اليوم بأن النظام الرأسالي ما زال مهيمناً على العالم . يجهلون طبيعة الصراع الطبقي الذي يقتصر فيما يظنون على إضراب العمال والمظاهرة وتشكيل النقابات والأحزاب العمالية بعيداً عن السوق التي هي ساحة المعركة الرئيسية لمختلف الطبقات حيث يتم الإشتباك بمختلف الأسلحة وتسيل الدماء وتتحقق الإنتصارات والهزائم الطبقية . هناك تتقابل الطبقة الرأسمالية مع الطبقة العاملة مع الطبقة البورجوازية الوضيعة والفلاحين وتتعارك هذه الطبقات ممثلة بمنتوجاتها الأصنام في إطار قانون القيمة الرأسمالية . نتائج المعركة هي التي تقرر حصة كل طبقة من الإنتاج القومي، هي التي تقرر سعر النقود العائدة للرأسماليين، وسعر قوى العمل العائدة للعمال، وسعر المواد الغذائية العائدة للفلاحين، وسعر الخدمات العائدة للبورجوازية الوضيعة . مثل هذه الصورة الحسية والكاملة للصراع الطبقي غائبة تماماً عن أذهان عامة الشيوعيين الذين بغيابها لا يعودون شيوعيين . تلكم هي علة العلل في الجسم الشيوعي .
إبّان فترة عبور الإشتراكية القصيرة نسبياً يتوجب على دولة دكتاتورية البروليتاريا أن تباشر العمل بقانون القيمة الرأسمالية بعكس شروطه وميكانزماته المعهودة لجهة الإنحياز للبروليتاريا وتعظيم حصتها من الإنتاج الوطنى ولا يتم ذلك إلا على حساب الطبقة البورجوازية الوضيعة بالطبع . وعليه يحتدم الصراع الطبقي على أشده . بعد عبور التنمية الاشتراكية الخطة الخمسية الأولى والثانية وقد بدا واضحاً انحياز الدولة لطبقة البروليتاريا استشرست طبقة البورجوازية الوضيعة في صراعها ضد البروليتاريا ودولتها بقيادة الرفيق يوسف ستالين الذي كان أول من أشار بقوة إلى تلك الحقيقة مؤكداً على أنه كلما تقدم بناء الإشتراكية كلما اشتد أكثر الصراع الطبقي . البورجوازية الوضيعة الواسعة إذاك في المجتمع السوفياتي التي ضمت القوى المسلحة من جيش وشرطة، والفلاحين، وموظفي الإدارة في الدولة والحزب وتواجدت بقوة حتى في قيادة الحزب إقترفت هذه الطبقة أفظع الجرائم لتعطيل عبور الاشتراكية وإلغاء دكتاتورية البروليتاريا . فيما تلا مؤتمر ميونخ بدأت نذر المؤامرة الكبرى على وجود الاتحاد السوفياتي تطل من الأفق وهو ما رتب على الحزب وقف العمل بمبدأ الصراع الطبقي من أجل مواجهة العدوان المرتقب بوحدة وطنية متماسكة . تعطل الصراع الطبقي منذ العام 1938 وحتى العام 1951 وهي فترة الاستعداد للحرب ثم الحرب نفسها حتى العام 1945 ثم إعادة الإعمار . في العام 1951 عاد الحزب إلى تفعيل الصراع الطبقي رغم هواجس ستالين حول الأخطار على الثورة الاشتراكية وقرر الحزب في مؤتمره العام التاسع عشر في أكتوبر 1952 الخطة الخمسية الخامسة المنحازة من وراء ستار سميك إلى البروليتاريا . البورجوازية الوضيعة اشتد عودها خلال فترة تعطيل الصراع الطبقي لمدة ثلاثة عشر عاماً، وبفعل أعباء الحرب والأعمال المستلزمة حظي الجيش والفلاحون بمواقع قوى لم يحلموا بها . إغتيال ستالين بالسم لم يكن مخططا لتعطيل عبور الاشتراكية كما شارت الأحداث وإن كان قد تم على أيدي ثلاثة من أعضاء المكتب السياسي بدوافع بورجوازية وضيعة خسيسة، لكن ما كان العسكر ليستولوا على القرار الوطني بوجود ستنالين . غاب ستالين 1953 وقرر العسكر في الحال إلغاء الاشتراكية ومصادرة حقوق البروليتاريا في إنتاجها .
لما كانت الماركسية الصحيحة هي القراءة العلمية الدقيقة للتاريخ، ولما كانت القراءة العلمية الدقيقة للتاريخ هي القراءة العلمية الدقيقة للصراع الطبقي، ولما كانت القراءة العلمية الدقيقة للصراع الطبقي هي القراءة العلمية الدقيقة للتنافس بين أصنام الطبقات في إطار قانون القيمة في السوق، بين الدولار صنم الرأسماليين والجورب صنم العمال ولتر الحليب صنم الفلاحين وعزف مقطوعة موسيقية صنم العاملين في الخدمات، أيها يساوي 70 قرشاً وأيها 71 وأيها 72 قرشاً . ذلك يعني أن الماركسية هي القراء العلمية الدقيقة للإقتصاد وأنشطة الإنتاج . وكلما ورد ذكر الماركسية تبادر للذهن كتاب رأس المال لماركس الذي وحده يمثل الماركسية ويوصف علمياً بنقد الإقتصاد السياسي وهو ما يعني أن السياسة إنما هي البناء الفوقي للإقتصاد أي وليدة الإقتصاد . لذلك نقول أن السياسة هي أدب الصراع الطبقي .
الداء العضال الذي عاني ويعاني منه جسم العمل الشيوعي عبر تاريخه منذ إعلان الأممية الثالثة، بل وما قبل ذلك، هو أن طلاتعيي الأحزاب الشيوعية تعلموا النفخ في السياسة بعيداً عن علم الصراع الطبقي، علم الإقتصاد . وهكذا كان القائد الأعلى للحركة الشيوعية العالمية نيكيتا خروشتشوف أكبر نفاخ في السياسة رغم أن معلوماته في نقد الاقتصاد السياسي هي دون الصفر ـ هدد الرأسماليين الأمريكان في العام 61 بأنه سيدفنهم قريباً فدفنوه مبكراً في العام 64 قبل أن يتوفوا في العام 74 . وهو من أوقف العمل رسمياً بسياسة الصراع الطبقي وألغى دولة دكتاتورية البروليتاريا في العام 1961 . لم يتسم خروشتشوف بالغباء فقط بل إنه أيضاً لم يتطهر من الروح البورجوازية الوضيعة فباع مبادئه الشيوعية مقابل أن ينصبه العسكر في المنصب الذي شغله الرفيق ستالين . البعض يلومون ستالين على وصول الغبي خروشتشوف لمركز القيادة . تفاصيل وقائع مؤتمر الحزب التاسع عشر تشي بأن ستالين عارض إعادة انتخاب جميع أعضاء المكتب السياسي ومنهم خروشتشوف الذي كان ستالين قد وصفه بعدم الفهم حسب مولوتوف ؛ هناك بضعة آلاف من المندوبين الحزبيين ينتخبون أعضاء القيادة في تصويت سري .
خاتمة القول هي أن الشيوعي هو ذلك الإنسان الذي نذر حياته مجنداً في جبهة البروليتاريا في صراعها الطبقي ضد أعدائها البورجوازيين، أما الشيوعيون الوافدون من معترك التحريض السياسي فسيظلون مصدر وهن في حصن الماركسية . لن يفهم هؤلاء ميكانزمات الإقتصاد ولا مستلزمات الصراع الطبقي، فكيف بهم يكونون شيوعيين !!؟
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حصن الماركسية الحصين (3)
-
حصن الماركسية الحصين (2)
-
حصن الماركسية الحصين (1)
-
مانيفيستو القرن الحادي والعشرين (الأدلجة)
-
مانيفيستو القرن الحادي والعشرين )النقد - (Money
-
مانيفيستو القرن الحادي والعشرين ( عبور مختلف إلى الإشتراكية
...
-
رسالة إلى قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني
-
تخلّف الخطاب السياسي (الإقتصاد)
-
تخلّف الخطاب السياسي (الإشتراكية)
-
الرأسمالية انهارت لكن على أعينهم غشاوة
-
تخلّف الخطاب السياسي ( وحدة اليسار )
-
تخلّف الخطاب السياسي (سور برلين)
-
تخلف الخطاب السياسي
-
الإخلاص للثورة الإشتراكية لا يتحقق إلا بالوعي
-
الطبقة الوسطى تختطف السياسة وتذوِّتُها
-
المادية الديالكتيكية والدولة الخدماتية
-
الماركسية ليست بحاجة لشهود
-
إشتراكيون لا يدركون ماهيّة الإشتراكية
-
الرفيق وليد مهدي يراجع الماركسية
-
معوقات العمل الشيوعي
المزيد.....
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو للمشاركة الوازنة
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 576
-
فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يُطالب الحكومة بتقد
...
-
السيد الحوثي: بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة تواصل
...
-
هل تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني؟
-
تركيا.. اعتقال رئيس بلدية -أسنيورت- بتهمة الانتماء لحزب العم
...
-
العدد 577 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
الجبهة الديمقراطية تراسل الاحزاب السياسية والبرلمانات العالم
...
-
المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة وصف ا
...
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|