|
كأنها الحياة .. أو هو الموت ..؟ قصة قصيرة
أماني فؤاد
الحوار المتمدن-العدد: 4317 - 2013 / 12 / 26 - 22:59
المحور:
الادب والفن
كأنها الحياة.. أو هو الموت ..؟ د. أماني فؤاد
فقط جرعة ماء ، وأن أرى وجه الصغير ، لا أعرف لماذا انحصرت آمالي كلها في هذين المطلبين ، وأنا في غرفة العناية المركزة ؟ كانت أسناني تصطك من البرد ، وترتعش الساعات المتبقية من حولي ، ورءوس كثيرة مدلاه بنهاية الأنابيب ، الأنابيب الشفافة التي فشلتُ في إحصائها مرارا ، كانت هي فقط ما يربطني بالحياة . لا وأشياء أخري .. بعض الطيور لا يمكن أن تنتمي إلي القفص ، ريشها أزهى من أن تحوطه الجدران ، سحقا لكل هذه الأجهزة وما يتدلى منها ، طالما رجوتهم نهاية هادئة بلا تعلق بأمل . مبعثرة كل هذه الآمال التي حلمت بها ، مصلوبة كل الجماجم التي علي أطراف تلك الأسلاك والخراطيم : هذا "رأس الرضا بالأقدار" الذي لم أصالحه كثيرا بداخلي ، اعتقدت أن بإمكاننا أن نأخذ عربة الحياة حيث نريد ، الأن لمحته ينظر لي مستهزءا ، علمني البحر الثائر وأنا صغيرة ــ حين كنت أراقبه ــ أن للقوارب أشرعه .. وأننا قد نختار بعض الطرق .. "كفوا عن هدر الوقت ، لم أطلب سوى رؤية وجه الصغير" ، رجوتهم بعيني ، يمكنني الأن أن أرحل عن عالمكم دون إذن من أحد ، للمرة الأولي بإمكاني أن أقفز خارج الكيان .. دون أن أستطلع أراءهم . ترى هل لي يد بالفعل في تحديد النهاية ؟ يبدو أنني بدأت الهذيان.. لماذا نُحرم من أن نقلص من مساحات ما يعذبنا ، لماذا لا نملك النهايات ؟ سحقا لهذا الأنبوب الذي يرسل ما احتاجه من أوكسجين ، يضغط علي أنفي ، أشعر بطعم دماء في حلقي ، ونفق أسود أسقط فيه ، أتهاوى في اللانهاية ، مدلى في آخره "وجه الرجل" الذي أحببته يوما ، مصلوب هو الأخر بكل قسوته ولا إنسانيته ، يدعي نبلا في ذاته الضيقة ، ينشد سلاما .. لن يناله ، تظلم ملامحه لحظة بعد أخرى ، يشيح بوجهه في صمت كعادته ، طالما أراد أن يتلق الحب لا أن يهبه ، يتكاسل أن يعطي ، أو هو بالأحري لا يكترث ، ينزوي الحب مع تلال التراخي المتتابعة ، مع تلال الأنانية . لماذا لا يصفعنا الموت دفعة واحدة كما تصفعنا الحياة ؟ لماذا يأتي متثاقلا ..؟ دبيب آخر يسري فيّ ، ينبعث كومضة هادئة ، كمد يثب دون صوت ، كوجه نور حيي يتطلع من وراء جدار . في دائرة بيضاء بداخلي "وجه أبي" ، أحادثه لماذا ؟ لمّ لا تنهي الأمر سريعا أيها الرأس الجميل ، لم أعد أحتمل كل هذه الآلام ؟ أنطق له بالرجاء . قبّل جبيني بسخاء ومضي يردد : ما زلتِ لم تنجز ما وعدتني ، المسافة للوصول أقصر مما تتخيلين .. "جرعة ماء" رجوت الممرضة ولم تستجب ، أشعر أن حلقي كصحراء حارقة ، وأن كل تلك السموات التي مرقت بها الطائرات لم تُذهب آلامي ، لا شيء يبقى بجوفي ، تأبى معدتي البقاء في هذا العالم كما تأبى عظامي . كأنني كنت ألمع حذاء الزمن بكل هذا الدأب ، مثلي يحتاج أن يحيا في عالم بلا ذاكرة ، هو الموت الطريق الذي يرسم ذاته بلا هوادة ، أخشي عندما أرحل فيه أن أجد به ذاكرة ، أين الفرار إذن ؟ هي رائحة الموت ، أعرفها منذ أن جفت شجرة الورد تحت نافذتي ، وانكسر البحر ، وبدأت الكلمات تعلن انسحابها من عقلي ، منذ أن حلقت التعاسة في تجويف صدري ، وأبت أن تخرج ، كانت تصب عصيرها المصفى المر في جسدي إلي أن ثقبته . أمس علي تلك المرتبة المتحركة ذات الكور العديدة التي وضعوني فوقها تعري ظهري ، وشعرت كأن إبرا حادة تغتال جسدي دفعة واحدة ، وإذ بي أجد يدا ليست بيد تضم ردائي ، وتجمع شعري الذي تناثر ، وتفتح عينيي لأرى وجها لا أميز ملامحه ..كأنه طيف أو ضوء يسيل بلا ملمس .. أنا علي يقين من هذا ، فلقد رفعت يدي لأتحسسه فلم أجد شيئا ، لكني وجدت بقايا ضوء سكن بأظافري . حين ارتخت أهدابي التي تثاقلت ، رأيت "عين الصغير" مدلاة تسألني لماذا تغادرين ؟ لا أملك من أجله جوابا ، فقط "رأس القدر" المعلقة بإحدى الأنابيب الشفافة تنظر إلي بخيلاء. حين ضغط الطبيب فوق شرايين يدي آلمني فانتبهت ..، سألني من كنت تحادثين ؟ فقط رفعت عيني ونظرت إلي أصابعه الغليظة .. ولم أجبه . كأنه لم ير رأسك أيها القدر ؟ من أنت .. ؟ أشعر بدفء غريب ، كأن هناك ذراعين بلا ذراعين يدفعان بحرارة إلي أكتافي التي تداعت من الألم . لا أدري كأنها الحياة .. أو هو الموت ؟
#أماني_فؤاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفن مهر الحياة الحقيقية
-
المشهد الشعري في ديوان - كأنني أريد - لغادة نبيل
-
خضروات نصف مطهية قصيدة نثر
-
خضروات نصف مطهوة قصيدة نثرية
-
-المفتون- لفؤاد قنديل بين السيرة الذاتية والرواية
-
-خضروات نصف مطهوة- قصيدة نثرية
-
حرية الإبداع في -أين الله-
-
بين شيوخ الإبداع الروائي وشبابه
-
-سلمان والببغاء - قصيدة نثر
-
حكومة بلا خيال
-
مقعد لا يمتلئ .. -قصيدة نثر-
-
يبقي لنا من -ابن خلدون- فعل المجاوزة ..
-
الغربة والنفط وتقنية المتوازيات في نص -العُرس- للروائي -فتحي
...
-
قراءة لكتاب - الرؤية والعبارة مدخل لفهم الشعر - للشاعر عبد ا
...
-
المريد المتصوف ينشد قصصه .. دراسة لمجموعة -عبد الحكيم قاسم-
...
-
منطق التاريخ وسردية - تلك الأيام - للروائي فتحي غانم
-
سرد دائري وصرخة ضد القهر وغياب العدالة في رواية -وحيد الطويل
...
-
-في العائدون إلي الأرض -الموت حياة قراءة نقدية لخواطر د. سام
...
-
قراءة لكتاب - النقد الأدبي بين القديم والحديث -
-
في أقل من دقيقة.. -قصة قصيرة -
المزيد.....
-
الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو
...
-
تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري
...
-
وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب
...
-
“أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m
...
-
فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
-
الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش
...
-
أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا
...
-
الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود
...
-
“نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ
...
المزيد.....
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|