أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالحق فيكري الكوش - محاولة لفهم ورصد الظاهرة الأعرابية عند ابن خلدون، العدو الأول قبل الصهيونية















المزيد.....


محاولة لفهم ورصد الظاهرة الأعرابية عند ابن خلدون، العدو الأول قبل الصهيونية


عبدالحق فيكري الكوش

الحوار المتمدن-العدد: 4292 - 2013 / 12 / 1 - 02:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


Les Bédouins sont plus endurcis dans leur impiété et dans leur hypocrisie, et les plus enclins à méconnaître les préceptes qu Allah a révélés à Son messager. Et Allah est Omniscient et Sage.
"الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"التوبة -97



أحد أهم المفاتيح للإمساك بأسباب الخلل في المجتمع العربي في العصر الحديث وأسباب تخلفه، هو المفتاح العلمي الذي يمكن من خلاله الولوج عبر باقي الأبواب الموصدة حتى الآن.. ولن يحدث هذا مقاربة تاريخية لكل الاسهامات العربية بخيرها وشرها كل الامتداد الزمني لها أي منذ الإسلام وإلى غاية العصر الحديث..
وهنا لا مفر من البحث في دولاب التاريخ، عن هذا المفتاح الضائع، فليس الأمر بهته السهولة كما يعتقدها البعض وهو يحاول من خلال إطار نظري يعتقد من خلاله أنه يضع شكلا للمفتاح الضائع االذي عن طريقه سيمكن فتح الأبواب المغلقة في مجتمعه وهو تقليد يزيد الأمر تعقيدا.. وان قضية الحداثة والجماعة البشرية العربية أعمق بكثير..
وهنا نعود الى بديات الاسلام وتحديد مجموعة أعدائه، وسنذهب مباشرة الى النص القرآني دون غيره، لجرد لائحة الأعداء الذين واجههم الاسلام وتعنثوا في الاذعان له، ليس لأنه غير مقبول عقلا ولكن لأنهم يحاربونه هكذا وعن جهل..
لقد شكل اليهود والأعراب أكبر تحد للإسلام وما زال هذا التحدي التاريخي قائما، والظاهرة الأعرابية كما أسميها هي أخطر تحد واجهه الاسلام ولم يستطع تجفيف منابعه وهي أخطر بكثير من الظاهرة الصهيونية في العصر الحديث، لأنه يصعب هزم الأعرابية لأنه عدو داخلي كلما قطعت له رأس يطل برأس آخر وهي تظهر وتختفي وتتجدد ولا يمكن الامساك بها، والظاهرة الاعرابية لا ترتبط بالمفهوم التقليدي للأعرابي بل بصنف من اعضاء الجماعية البشرية العربية، تشبه ورما خبيثا يقيم في جمجمة الأمة العربية، قاومها الاسلام في بدايته وكادت تجهز عليه، وانتصر الدين الجديد ولكن الظاهرة خمدت الى حين لتقلب اوراق اللعب السياسي منذ اغتيال عمر والى عصرنا هذا ولم ينجح الدين الجديد في تجفيف منابعها بل تعايش رموزها مع هذا الدين الجديد من خلال سياسة اللعب على الحبلين، حبل الدين وحبل الطبيعة الأعرابية لصاحبها، فأبو لهب شكل رأس الحربة ورمزا تاريخيا من رموز الظاهرة الاعرابية التي بقيت وفية لفكرها ونهجها الأعرابي و الرافضة للدين الجديد فقط من أجل الرفض.. وعدم النجاح في النيل من هته الظاهرة وهزمها مرجعه الى هذا التعايش المرحلي والظرفي الطارئ بحكم ميزان القوى بل ونفذت اليه وهنا مكمن الخطورة الذي سيأتي فيما بعد، ليصبح تخليص الدين من الظاهرة الأعرابية شبيه بتخليص عجين من حبيبات دقيقه..
ان الآية التي في جاءت في سورة التوبة والتي تتحدث عن الأعراب وليس عن العرب، حددت عدوا تقليديا للتغيير في المجتمع الجاهلي، وهناك فرق وقطيعة وحد فاصل بين اللفظين، فالعرب هم الجنس المعروف الذي ينقسم إلى حضر وبدو، والحضر هم ساكنو المدن والقرى ، أما البدو ففقد ذهب بعض المفسرين الى أنهم " الأعراب " سكان البادية، وهذا ليس مقبولا من الناحية العلمية.. لأن الظاهرة الأعرابية مرتبطة ليس بالجنس والأشخاص والمكان سواء سكنوا بالمدن أو القرى ولكن بعادات وتقاليد وأسلوب معين في التفكير ونمط معين من التنشئات الاجتماعية الخاطئة وبالجهل أيضا .. بل لها دلالة بصنف معين من الجماعة العربية التي كان تستوطن شبه الجزيرة العربية وقول الله عز وجل : [ قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا ] ( الحجرات : 14 ) فهؤلاء قوم من مجموعة بوادي العرب قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة طمعًا في الصدقات لا رغبة في الإسلام فسماهم الله الأعراب فقال : [ الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا .. ]( التوبة : 97 ) الآيات..
والأعرابية هي ظاهرة تاريخية مرتبطة بالجماعة البشرية العربية وغيرها من المجتمعات وإن حدثت القطيعة في الغرب فهي لم تبرح الجماعة البشرية العربية واستوطنت فيها وكانت بمثابة جيوب للتغيير والمقاومة في عصر الإسلام، والأعرابي صفة قدحية لأشخاص ماكرين ضمن الجماعة البشرية العربية وإن تم تعميمها على كل أهل البدو.. وهي أشخاص أكثر مما هي جماعة.. يلتقون في أعرابيتهم لتشكل الظاهرة الأعرابية بشخصياتها الكاريزمية التي تؤثر في محيطها ومجالها بحكم اثارتها للانتباه وأيضا اتصاف اعضاءها بالصفات الذميمة التي تجعلهم محط انظار وخوف.. ولنا أن نستحضر القولة الشهيرة لأبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ "ما ناظرت عالما إلا هزمته وما ناظرني جاهل إلا هزمني".
وإن الظاهرة الأعرابية والجهل وجهان لعملة واحدة، وهنا يجب التفريق بين العربي ككائن اجتماعي نجح في مجتمعات أخرى بشكل جلي ونجح تاريخيا، وبين الأعرابي الذي يعيش في هذه المجتمعات ليؤسس لظاهرة الأعرابية وليحافظ على أعرابيته أي خضوعه لنمط من التنشئة الاجتماعية وفر الغطاء الديني المناسب لها فيما بعدا فصار معضلة حقيقية وورما خبيثا في الجمجمة العربية يستعصي علاجه وبتره..
وقد كان من اقترب كثيرا من محاولة فهم الظاهرة الأعرابية ورصدها هو ابن خلدون لكنه ارتكب خطأ منهجيا بخلطه العرب بالأعراب وهذا أمر من الصعب في عصره الإلمام به، ويجب تلمس العذر له..
ابن خلدون نجح الى حد كبير في رصد خصائص لظاهرة الأعرابية والتنظير لها، وان كان جد قاس في اطلاق أحكامه عليها..

ابن خلدون يقترب من الظاهرة الأعرابية ويحدد خصائصها على الصعيد الداخلي

قد يكون ابن خلدون قاب قوسين أو أو أدنى من الإمساك بالظاهرة الأعرابية وارتباطها بالخراب والوحشية وغيرها من الصفات القدحية التي ألصقها بها، لكنه سقط في الخلط المفاهيمي بين العربي والأعرابي لتلازم المفهومين ولأن هذا المفهوم من نسل المفهوم الآخر، ولأنه في عصره يصعب حصول هذا الحسم المفاهيمي..
يقول ابن خلدون في مقدمته، إن العرب يحضرون والخراب في ركابهم : "والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم. فصار لهم خلقاً وجبلة. وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم، وعدم الانقياد للسياسة. وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له. فغاية الأحوال العادية كلها عندهم الرحلة والتغلب (الانتقال)، وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومناف له".

• الخراب:

جاء في لسان العرب في معنى الخَرابُ: ضِدُّ العُمْرانِ، والجمع أَخْرِبةٌ. خَرِبَ، بالكسر، خَرَباً، فهو خَرِبٌ وأَخْرَبه وخَرَّبَه.والخَرِبةُ: موضع الخَرابِ، والجمع خَرِباتٌ.وخَرِبٌ: كَكَلِم، جمع كَلِمة. قال سيبويه: ولا تُكَسَّرُ فَعِلةٌ، لقِلَّتها في كلامهم. ودارٌ خَرِبةٌ، وأَخْرَبَها صاحبُها، وقد خَرَّبَه الـمُخَرِّبُ تَخْرِيباً؛ وفي الدعاءِ: اللهم مُخَرِّبَ الدنيا ومُعَمِّر الآخرةِ أَي خَلَقْتَها للخَرابِ. وفي الحديث: مِنَ اقْتِرابِ الساعةِ إِخْرابُ العامِرِ وعِمارةُ الخَراب؛ الإِخْرابُ: أَن يُتْرَكَ الـمَوْضِعُ خَرِباً.
والتَّخْريبُ: الهَدْمُ، والمرادُ به ما يُخَرِّبُه الـمُلُوكُ مِن العُمْرانِ، وتَعْمُرُه مِن الخَرابِ شَهْوةً لا إِصلاحاً، ويَدْخُل فيه ما يَعْمَلُه الـمُتْرَفُون مِن تَخْريبِ الـمَساكِنِ العامِرةِ لغير ضرورةٍ وإِنْشاءِ عِمارَتِها.
وفي حديث بناء مسجِدِ المدينةِ: كان فيه نَخْلٌ وقُبُورُ المشركين وخِرَبٌ، فأَمَرَ بالخِرَبِ فسُوِّيَتْ. قال ابن الأَثير: الخِرَبُ يجوز أَن يكون، بكسر الخاءِ وفتح الراءِ، جمع خَرِبةٍ، كَنَقِمةٍ ونِقَمٍ؛ ويجوز أَن يكون جمع خِرْبةٍ، بكسر الخاءِ وسكون الراءِ، على التخفيف، كنِعْمةٍ ونِعَمٍ؛ ويجوز أَن يكون الخَرِبَ، بفتح الخاءِ وكسر الراءِ، كَنبِقةٍ ونَبِقٍ وكَلِمةٍ وكَلِمٍ. قال: وقد روي بالحاءِ المهملة، والثاء المثلثة، يريد به الموضع الـمَحْرُوثَ للزِّراعةِ.
وخَرَّبُوا بيوتَهم: شُدِّدَ للمبالغة أَو لِفُشُوِّ الفِعْلِ، وفي التنزيل: يُخرِّبُونَ بيوتَهم؛ مَن قرأَها بالتشديد معناه يُهَدِّمُونَها، ومن قرأَ يُخْرِبُون، فمعناه يَخْرُجُونَ منها ويَتْرُكُونها.
ان المعنى الاصطلاحي يحسم فيما قصده ابن خلدون، وهنا دائما نفترض أن المقصود من كل ما نعت به العرب هم الأعراب كورم اجتماعي خبيث ضمن الجماعة البشرية العربية، فالظاهرة الأعرابية هي والعمران نقيضان..

• الوحشية

وهذا المصطلح يظهر حجم قسوة ابن خلدون في نعته لهذه الظاهرة وقدحها وامتعاضه منها.. جاء في لسان العرب لتفسير معنى الوَحْش: كلُّ شيء من جواب البَرّ مما لا يَسْتأْنس مُؤنث، وهو وَحْشِيّ، والجمع وُحُوشٌ لا يُكسّر على غير ذلك؛ حمارٌ وحْشَيٌّ وثورٌ وَحْشِيٌّ كلاهما منسوب إِلى الوَحْشِ.
ويقال: حمارُ وَحْشٍ بالإِضافة وحمارٌ وحْشِيٌّ. ابن شميل: يقال للواحد من الوحْشِ هذا وحْشٌ ضَخْم وهذه شاةٌ وَحْش، والجماعة هي الوَحْشُ والوُحُوش والوَحِيش؛ قال أَبو النجم: أَمْسى يَبَاباً، والنَّعامُ نَعَمُهْ، قَفْراً، وآجَالُ الوَحِيشِ غَنَمُهْ وهذا مثل ضائِنِ وضَئينٍ.
وكل شيء يسْتَوْحِشُ عن الناس، فهو وَحْشِيّ؛ وكل شيء لا يَسْتَأْنس بالناس وَحْشِيٌّ. قال بعضهم: إِذا أَقبل الليلُ استأْنس كلُّ وَحْشِيٍّ واسْتَوْحَش كل إِنْسِيّ.
ان ابن خلدون انتبه الى شيء خطير وسبق بذلك هوبز في ربط التعصب الديني بالوحشية الأعرابية (العربية في نظره وهو خلط مفاهيمي لا ينقص من قامة ان خلدون)، وكأن بان خلدون من حيث لا يدري اكتشف أن الاعرابية سبب مباشر لغياب العقلانية عن المجتمع الذي تمسك برقبته الظاهرة الأعرابية كما يمسط الأخطبوط بفريسته..
ان ابن خلدون جعل من الأعرابي متوحدا مع الحيوانات ومتخلفا عنه في كثير من الأشياء ودونها مرتبة.. وبنفيه الصفة الاجتماعية عن الأعرابية يكون ابن خلدون ذهب الى مكمن الخلل الذي انتبهت اليه أوربا وهو صياغة عقد اجتماعي يؤسس للقطيعة مع تعيش جماعتها وفقه، وهذه الوحشية اللصيقة بالظاهرة الأعرابية حتى اليوم، تلك المتوجسة والخائفة في أكماتها لا تؤسس لمفهوم الدولة لأن المجال الترابي في نظرها غابة ممتدة تعيث فيها هدما وعبثا.. وحيث أن كل المجال الترابي هو ملك لها ومن يخالها في مجال آخر تصنفه كعدو أي أن الظاهرة الأعرابية لا تتقبل الآخر ولا تؤمن بالاختلاف..

• الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة.

ان هته الخاصية ممن ضمن الخصائص الأخرى تظهر أن ابن خلدون تمكن من تحديد خصائص الظاهرة الأعرابية بدقة، وإن الظاهرة الأعرابية لم تكن يوما لتقبل الانقياد للسياسة..
قد حدث هذا في البداية الأولى للإسلام، ولكن الظاهرة الأعرابية عادت وبقوة إلى الظهور وأدت الى اغتيال النظام والى الخروج عن ربقة الحكم، فكان اغتيال عمر وعثمان وعلي.. والى ان تتخذ الظاهرة الأعرابية شكل طوائف وعقائد شتى، وإلى التشيع لعلي... ولم يكن من حل لها غير السيف والقوة والقهر في عهد معاوية وبلغ أوجه في عهد الحجاج الثقفي.. لتدخل الظاهرة الأعرابية الى قوقعتها، وهي لا تنقاد بقدر ما تؤجل عصيانها ونفاقها لزمن آخر..
يقول ابن خلدون في مقدمته: "إن الدولة العامة في أولها يصعب على النفوس الانقياد لها إلا بقوة قوية من الغلب للغرابة، وإن الناس لم يألفوا ملكها ولا اعتادوه. فإذا استقرت الرياسة في أهل النصاب المخصوص بالملك في الدولة وتوارثوه واحدا بعد آخر في أعقاب كثيرين ودول متعاقبة نسيت النفوس شأن الأولية، واستحكمت لأهل ذلك النصاب صبغة الرياسة، ورسخ في العقائد دين الانقياد لهم والتسليم، وقاتل الناس معهم قتالهم على العقائد الإيمانية، فلم يحتاجوا حينئذ في أمرهم إلى كبير عصابة"
ان تحليل هذا القول يحيل إلى إن الظاهرة الأعرابية ترفض مفهوم التداول على السلطة، لكن لا يعني ذلك ما قصده ابن خلدون من ان النفوس تنسى، وانما الظاهرة هي كالبراكين تخمد وتظهر... وهي تأتي على الأخضر واليابس في حالة ثوراتها.

• الأعربية أبعد الأمم عن سياسة الملك

وفي هذا يقول ابن خلدون: "السبب في ذلك أنهم أكثر بداوة من سائر الأمم وأبعد مجالاً في القفر وأغنى عن حاجات التلول وحبوبها لاعتيادهم الشظف وخشونة العيش فاستغنوا عن غيرهم فصعب انقياد بعضهم لبعض لإيلافهم ذلك وللتوحش ورئيسهم محتاج إليهم غالباً للعصبية التي بها المدافعة فكان مضطراً إلى إحسان ملكتهم وترك مراغمتهم لئلا يختل عليه شأن عصبييه فيكون فيها هلاكه وهلاكهم‏.‏ وسياسة الملك والسلطان تقتضي أن يكون السائس وازعاً بالقهر وإلا لم تستقم سياسته.."


الظاهرة الأعرابية في علاقتها بمحيطها الخارجي

في مقدمته الشهيرة دائما شن عبد الرحمن بن خلدون هجوماً عنيفاً ولاذعا على الظاهرة الأعرابية كما نعتقد وقال في تحديد العلاقة بين الظاهرة الأعرابية الموجهة لدفة الحكم والمتحكمة في مفاصل الدولة الإسلامية آنذاك: إنهم أمة وحشية ، أهل نهب وعَبَث، وإذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب، يهدمون الصروح و المباني ليأخذوا حجارتها أثافيَّ للقدور ( ما يوضع تحت القدور وقت الطبخ )، ويخربون السقوف ليعمّروا بها خيامهم ، وليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد ، وأنهم أبعد الناس عن العلوم و الصناعات ...
ثم يضيف في الفصل السادس والعشرين: "فغاية الأحوال العادية كلها عندهم الرحلة والتغلب وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومناف له‏.‏ فالحجر مثلاً إنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي للقدر فينقلونه من المباني ويخربونها عليه ويعدونه لذلك‏.
ان ابن خلدون وهو يرصد ردة فعل الظاهرة الأعرابية على محيطها الخارجي، فهو لم يحد عن استعمال نفس المصطلحات وبقيا وفيه لمنهجه النقدي العنيف..، فالفتوحات التي تمت ليس كلها بريئة، فالظاهرة الأعرابية أفرغتها من محتواها الحضاري.. كما أن الظاهرة الأعرابية في مسلسل تنقلها واتساعها ستحمل معها مجموعة من الشرور، وستأتي على تاريخ شعوب بزعم تناقضه مع الدين، وهذا القتل الحضاري كان سببا في قتل الحضارة العربية نفسها، وكأن الأعرابية مجرد تسونامي لا خير يرجى من وراءه..
ومجرد التوقف عند هذا المعجم اللغوي: النهب، الهدم، العبث...، يجعلنا قارئ ابن خلدون يصاب بالقرف من هذا العدو الذي لا يريد أن يغادر الجماجم العربية، وأحيانا تحت طائلة "الخصوصية" !

• النهب

جاء في لسان العرب في تحديد مفهوم النهب: الغَنيمة. وفي الحديث: فأُتِـيَ بنَهْبٍ أَي بغَنيمة، والجمع نِهابٌ ونُهُوبٌ؛ وفي شعر العباس بنِ مرداس: كانتْ نِهاباً، تَلافَيْتُها * بِكَرِّي على الـمُهرِ، بالأَجرَعِ والانْتِهابُ: أَن يأْخُذَه مَنْ شاءَ.
والإِنْهاب: إِباحَتُه لمن شاءَ. ونَهَبَ النَّهْبَ يَنْهَبُه نَهْباً وانْتَهَبَه: أَخذه.
وأَنْهَبَه غَيرَه: عَرَّضَه له؛ يقالُ أَنْهَبَ الرجلُ مالَه، فانْتَهبوه ونَهَبُوه، وناهَبُوه: كلُّه بمعنًى.
ونَهَبَ الناسُ (1) (1 قوله «ونهب الناس إلخ» مثله ناهب الناس فلاناً كما في التكملة.) فلاناً إِذا تَناولوه بكلامهم؛ وكذلك الكلبُ إِذا أَخَذَ بعُرْقُوبِ الإِنسان، يقال: لا تَدَعْ كلْبَك يَنْهَبِ الناسَ.
والنُّهْبَة، والنُّهْبَـى، والنُّهَيْبَـى، والنُّهَّيْبَـى: كلُّه اسمُ الانْتِهاب، والنَّهْبِ.
وقال اللحياني: النَّهْبُ ما انْتَهَبْتَ؛ والنُّهْبةُ والنُّهْبى: اسمُ الانْتِهابِ.
وفي الحديث: لا يَنتَهِبُ نُهْبةً ذاتَ شَرَفٍ، يَرْفَعُ الناسُ إِليها أَبصارَهم، وهو مؤْمِنٌ. النَّهْبُ: الغارةُ والسَّلْبُ؛ أَي لا يَخْتَلِسُ شيئاً له قيمةٌ عاليةٌ.
وقد انتبه محمد عابد الجابري الى هذا الأمر، لكنه لم يفصل بين الظاهرة الأعرابية وبين العرب كجماعة بشرية تشبه بقية الجماعات لكنها رهينة أعرابيتها، والجابري جعل من القبيلة والغنيمة والعقيدة كمحددات أساسية للعقل السياسي العربي ، لكن الأعرابية تلتقي مع محددات العقل العربي في شيئين وهما القبيلة والغنيمة وتفترق معها في العقيدة لأن الأعرابية هي مجموعة عقائد لا تعد ولا تحصى انطلاقا من القرآن الكريم الذي يتهمها صراحة بالكفر والنفاق...

• العبث

جاء في لسان العرب في المعنى الاصطلاحي للعبث، عَبِثَ به، بالكسر، عَبَثاً: لَعِبَ، فهو عابِثٌ: لاعِبٌ بما لا يَعْنيه، وليس من بالهِ.
والعَبَثُ أَن تَعْبَثَ بالشيءِ.
ورجلٌ عِبِّيثٌ: عابِثٌ.
والعَبْثَةُ، بالتسكين: المَرَّة الواحدة.
والعَبَثُ اللَّعِبُ. قال الله عز وجل: أَفَحَسِبْتم أَنما خلقناكم عَبَثاً؟ قال الأَزهري: نَصَبَ عَبَثاً لأَنه مفعول له، بمعنى خلقناكم للعَبَث.

ان هذا النعت الخطير للظاهرة الأعرابية ينفي عنها صفة المسؤولية والعقلانية..، ويجعلها رذيلة ويحط منها حطا مرعبا، وينفي عنها صفة الوعي الحضاري، وهذا يؤكد أن ابن خلدون قصد في مقدمته الأعرابية اذ أن العربي وهو يدخل الدين الجديد كان واعيا جدا بحجم الانقلاب والقطيعة مع سالف عاداته ومعتقداته التي نبذها طوعا أو كرها ولكنه قبل بها وتشبت بها لأنها تلاءم حاجياته. فيما بعد.
انه يساوي بين الأعرابي وبين البهيمة الى درجة يصبح دونها وينفي عنه نعمة العقل أو ما معناه القدرة على التمييز في الأفعال بين حسنها وقبيحها، وكأنه يستثني الأعرابية من نعمة العقل وهذا مرده الى قوة الأعرابية في توجيه الحاكم والمحكوم معا في دولة الإسلام بالمفهوم القديم ما بعد أبي بكر، وتمكنها من كائناته وظهور طوائف لها أصل أعرابي شبيه بالأصل التجاري يعود الى الزمن الجاهلي وان تكورت على شكل جماعات أو طوائف أو فقهاء وصارت أخطر مما كانت عليه زمن الإسلام..
اكما انه ينفي عنها فهمها لمعنى الحرية وحدودها، باعتبار العقل والحرية هما شرطي المسؤولية...

• الهدم

ان ابن خلدون انتقى مصطلحاته بعناية وهو يتناول الظاهرة الأعرابية بسلبياتها الى درجة خلطه الأعرابي بالعربي، ونعتها بالهدم الذي يحيلنا الى التفسير الاصطلاحي في لسان العرب أي ما هو نَقِيضُ البناء، وهَدَمَه يَهْدِمُه هَدْماً وهَدَّمه فانْهَدَمَ وتَهَدَّمَ وهَدَّمُوا بُيوتهم، شُدِّدَ للكثرة. ابن الأَعرابي: الهَدْمُ قَلْعُ المَدَرِ، يعني البيوت، وهو فِعْلٌ مُجاوزٌ، والفِعلُ اللازم منه الانْهِدامُ.
ويقال: هَدَمَه ودَهْدَمَه بمعنى واحد؛ قال العجاج: وما سُؤالُ طَلَلٍ وأَرْسُمِ، والنُّؤْيِ بعدَ عَهْدِه المُدَهْدَمِ يعني الحاجزَ حولَ البيت إِذا تَهَدَّم.
انها البشاعة الحضارية التي اتصفت بها الأعرابية طيلة تعشيشها في جمجم الأمة العربية، وهي اغتالت الآخر من خلال تقاليده وثراثه.. وداست على خصوصيته تحت غطاء ومزاعم الدين، وهي لا تختلف في ممارستها تلك عن ابادة الجنس الأوربي للهنود الحمر تحت مزاعم الحضارة والتحضر...


خاتمة:
معاول الظاهرة الأعرابية مازالت على حالها وهي لم تتقادم بل جددت نفسها مسلحة بمذهب ديني جديد وبالإعلام وكثيبة غير مسبوقة من الجنود والأبواق، وهاهي اليوم تفتك بسوريا وليبيا والعراق واليمن ومصروالسودان وبالمغرب كظاهرة انفصالية..
الأعرابية مازالت بخير...



#عبدالحق_فيكري_الكوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المكتب الشريف للفوسفاط والتنمية الاجتماعية والبيئية بآسفي: ح ...
- محاولة لمقاربة نزاع الصحراء تاريخيا منذ القرن العاشر الهجري
- الطبيعة القانونية للمسألة السورية في وسائل الإعلام المختلفة
- قراءة في نص -شهرزاد- للشاعرة الناشئة -هاجر سعيد-، أزمة الولا ...
- الصورة النمطية للإنسان المسلم في الصحافة والمؤلفات الأجنبية: ...
- وثائق الاعتذار في محراب قلب الحبيبة-الى الحبيبة هجر-(02)
- وثائق الاعتذار – في محراب قلب الحبيبة – هاجر.
- بلبل الأمداح النبوية في بيروت والمشرق العربي، عبد الغني الكو ...
- العذراءالزهراء الكوش متصوفة استثنائية في المغرب والعالم الإس ...
- آل الكوش: قصة عائلة تأرجحت بين جرائم دولة الاحتلال والانتداب ...
- الإعجاز الثوري في الثورة التونسية: اقتصاد في الزمن، وواقعية ...
- 1912-2012 م – المغرب: من صدمة الحماية الفرنسية إلى تعايش الش ...
- صناعة -المحنة- في المغرب: «امتحان الزوايا» إلى «امتحان المثق ...
- الصحافي رشيد نيني والعنزة وجاليليو
- طقوسية بويا عمر وطقوسية النظام: الذهنية المشتركة وأزمة عقل ا ...
- الإسلام والحرية والإنسان ، ثالوث الحلول في العالم العربي
- المخزن و ميكيافليلية الحلقة وحكمة الأميين
- ثورة النيل الهادرة وجيل استعادة الكرامة العربية
- وعاد هبل عاد إلى شبه الجزيرة العربية !!!
- نقد العقل الجزائري


المزيد.....




- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...
- مقتل عراقية مشهورة على -تيك توك- بالرصاص في بغداد
- الصين تستضيف -حماس- و-فتح- لعقد محادثات مصالحة
- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالحق فيكري الكوش - محاولة لفهم ورصد الظاهرة الأعرابية عند ابن خلدون، العدو الأول قبل الصهيونية