أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد المجيد السخيري - خوان رومان : التجربة الاستثنائية والكتابة المستحيلة















المزيد.....


خوان رومان : التجربة الاستثنائية والكتابة المستحيلة


عبد المجيد السخيري

الحوار المتمدن-العدد: 4270 - 2013 / 11 / 9 - 01:27
المحور: الادب والفن
    


لن نبوح بسر إذا ما قلنا أن غالبية أدباء المغرب وفنانيه ونقاده يجهلون تماما اسم خوان رومان،وحتى القلة ممن سمعوا بهذا الاسم لا تتعدى معرفتهم بهذا الفنان والأديب حدود ما يعرفه العادي من الناس.ثمة أسباب كثيرة وراء هذا "الجهل"،منها الحدود الضيقة جدا لإلمامهم بالأدب المكتوب باللغة الاسبانية بالداخل والخارج.فالافتتان الأعمى بلغة موليير يفوت على أدبائنا المساكين فرص الإطلاع على ما يُكتب بلغة سرفانتيس،مع أنها لغة البلد الجار الأقرب لنا تاريخيا وحضاريا،وأحد مستعمرينا السابقين.أما السبب الآخر فهو أننا غالبا ما نلفي توجها لدى هؤلاء للاهتمام بالكتاب والفنانين الأكثر حظوة وحضورا في وسائل الإعلام،مع أن الكتابة عن هذا النوع من المحظوظين والمدللين لا تتجاوز في أحسن الأحوال النقل والإنشاء المدرسي المتخم بالمديح المبالغ.ولا شك أن الأحادية اللغوية (في نطاق اللغات الأجنبية)ستحرم بالتأكيد أدبائنا من التعرف المباشر على آداب إنسانية،يعد الأدب المكتوب بالاسبانية أحد أكثرها ثراءً في العالم.على أن اختيارات خوان في الحياة والإبداع كان لها نصيب أيضا في جعله يبقى مغمورا في بلده الفعلي(الريف المغربي)كما على واجهة الأدب الاسباني.فلم يكن خوان يشبه أولئك الكتاب أو الفنانين الذين رسم لهم الإعلام صورة مغاوير اجتذبتهم عوالم الشرق المتوحش وحفزهم الفضول لاقتحام فضاءاته الغريبة هربا من تجمَُد الروح بمدن المركز الرأسمالي.وبالرغم من أنه كان يعشق الحياة في المدينة التي ولد بها(الحسيمة)،إلا أنه ظل بعيدا عن تكريس تلك الصورة النمطية لمدن الأطراف المسكونة بالغرائبية المعدة لاستهلاك درج على تسويق التخلف باسم قيم جمالية مزعومة مثبتة في رؤية رومانطيقية مغالية.
في أواخر 1998 كنت قد التقيت بخوان لأفاتحه بشأن شريط تسجيلي يتناول سيرته كفنان وكاتب وشخصية استثنائية،وكانت حالته الصحية قد تدهورت بشكل ملموس،وأبدى موافقته المبدئية وطلب مني الإسراع في تنفيذ العمل قبل أن تدركه الموت.كانت اللمسات الأولى للسيناريو جاهزة وكذلك المواد الأساسية ذات الصلة،غير أن البحث عن الجهة المنتجة أخر الشروع في إنجاز العمل لمدة سنتين،إلى أن بلغني خبر وفاته بأحد مستشفيات مدينة مليلية المحتلة وكنت حينها في عطلة خارج الحسيمة.شعرت بمرارة كبيرة لإهدار فرصة إنجاز عمل يعيد الاعتبار لشخصية كبيرة أعطت الكثير لمدينتي أكثر مما يزعم فعله بعض المدعين من أبناءها الريفيين بالاسم.

1 - خوان رومان: هوية مركبة.
هو الكاتب والشاعر والفنان الاسباني الأصل،الريفي المنشأ والمولد والاختيار،ولد في الحسيمة في 24 يوليوز سنة 1935،وهي السنة نفسها التي تربع فيها والده على عمادة المدينة المحتلة من طرف الإسبان،والتي سيصير اسمها فيما بعد بيا سان خورخو قبل أن تستعيد اسمها الأول،بعدما حل بها مع الدفعة المدنية الأولى سنة 1926.عاش خوان رومان حياة مفعمة بالحيوية والإصرار والتحدي،واجه خلالها إكراهات بيئة محافظة وهوية شخصية متوزعة ما بين جذوره الاسبانية والدم الأوروبي الذي يجري في عروقه،والإحساس المتنامي بالانتماء إلى الأرض الجديدة التي ولد بها وتنفس هواءها وألف رائحة تربتها والتي قرر بلا رجعة المكوث بها حتى وافته المنية في الرابع والعشرين من شهر يوليوز سنة 2000،بعد فترة من المرض رفض خلالها بشدة أن ينقل للعلاج باسبانيا رغم إلحاح وضغوط أفراد من عائلته وأصدقائه،ودفن بمقبرة صاباديا شمال غرب المدينة التي ولد وعاش فيها إعمالا لوصيته الأخيرة.
لقد عايش خوان نشأة المدينة وتطورها العمراني،فانحفرت في ذاكرته صورتها وهي تكبر وتتوسع،وكُتب له أن يحيى حتى رآها تتخلص مكرهة من ملامحها الكولونيالية بفعل الزحف الإسمنتي الذي بلا ملامح.غير أنه كان قد اكتسب من الصورة الأولى الكثير مما تمثَله كهوية ريفية مرصعة بروح متوسطية أكبر من جذوره الاسبانية.فقد عاش بهذه المدينة أكثر مما كان له أن يعيش بأرض أخرى،كأنه قطعة منها،وعشق الحياة فيها وكأن جسده من تربتها الريفية (ولا مجال للمقارنة هنا بين الحب النابع من الإحساس بالتوحد بجسد مدينة يعرفها خوان أكثر من غيره،وبين تعلق كتاب أو فنانين أجانب بمدن مغربية أخرى اختاروا العيش فيها بمحض الصدفة أو انشدادا لسحر فضاءاتها الشرقية المنمطة!).وعندما سيشرع في خوض تجربة الكتابة سيعمد خوان إلى توثيق الكثير من ذكريات المدينة متتبعا لتحولاتها العمرانية وتمدنها البطيئ بالصورة والصوت والسرد،ومن خلال تسجيلات حية لحوارات عميقة وحميمية مع شخصيات ريفية واسبانية مقيمة أو بعد العودة إلى الديار،منهم الفلاح والمقاوم والفنان والبوهيمي..،و سيروي الكثير من التفاصيل الهاربة ويغوص عميقا في ذاكرة "الأرض"بحثا عن كلمات تسعفه على الانخراط في مشاغل الحاضر كما عاشه شعريا وفنيا إلى حد الانصهار.وقد تفوق في نظم قصائد بالريفية أدى بعضها فنانون محليون مثل قصيدة "ندمياز ندشار"التي أداها الفنان قاسم الورياشي المشهور ب"قوسميت"،وفي هذه القصيدة كان خوان قريبا من التراث الريفي أكثر من المتبجحين بالأصالة،وأكثر حساسية لمفارقة زمن الثقافة المضادة في هذه المدينة: توجه قوي نحو اليسار وسط شبيبة متحفزة ومُسيَسة من جهة،وانهمام بالذات المحبطة والمثقلة بذكريات الماضي الأليمة وأحلامه المجهضة بالنسبة لفئة الهيبيين الريفيين من جهة أخرى.فهذا الريفي النصراني(أريفي أرومي بالأمازيغية الريفية)لم يكن مشغولا بقضية الهوية،وسيضع جانبا ما تعلق بازدواجيته بأن حسم قراراه بالبقاء في الأرض التي رأى فيها النور عندما حزمت العائلة حقائبها عائدة إلى اسبانيا بعد بيع أملاكها مع بداية المغربة.ومنذئذ لم يفوت خوان مناسبة ليعلن عن نفسه كريفي منحدر من أصول اسبانية متوسطية،دون السعي إلى التسويق الإعلامي لهويته المركبة من باب الادعاء أو الشطح.وقد أسر لي أحد أصدقائه أنه عندما نشرت صحيفة إل باييس الاسبانية الواسعة الانتشار مقالا لأحد كتابها(3مارس 1995) عبارة عن بورتيه لخوان إثر صدور كتابه الموسوم ب"شذرات من محادثة مستمرة حول الحسيمة"، بعد تجاهل طويل،اختار له صاحبه عنوان "آخر مقيم بالحسيمة":
EL Ultimo de AL Hucemas,EL Pais,del 3 de Marzo de 1995(Miguel Bayon)
اعتبره مستفزا وحتى مهينا لشخصه،بل إنه لم يخف غضبه من هكذا تعامل يجرده من حقيقة ما كانه وصاره وما هو عليه.فصورة المقيم كشفت بنظره الحنين إلى عقلية استعمارية بليدة ولى زمنها،عقلية تتجاهل صيرورة الأشخاص واختياراتهم ومآلاتهم الوجودية.

2- مسار استثنائي:
من يتذكر الشخصية الاستثنائية لخوان رومان من أبناء الحسيمة اليوم،يحتفظ بلا شك بصورة ذلك "النصراني" المتأنق أيام شبابه،غريب الأطوار،بوجهه الممتلئ وهندامه المميز يتحرك بخفة مثل كل مزهو بشبابه مقبل على الحياة،يتردد كل يوم على مكتبه بإحدى البنايات قبالة معلمة "سينما الكبير" المأسوف عليها وسط المدينة،حيث كان يدير حسابات "فبريكة" الآجور بعد وفاة والده سنة 1969 ووالدته سنة 1970،ورحيل باقي أفراد العائلة إلى اسبانيا،وبين الفينة والأخرى ينزل إلى الرصيف حاملا كأس الشاي المنعنع،فيبدأ بالحركة جيئة وذهابا،مترصدا ومتأملا لحركة الشارع والحشود المرابطة أمام قاعة السينما،فيما تلاحقه العيون بنظرات مختلسة لا تخلو من الريبة،كان بلا شك يدرك ما وراءها من همس.لقد عاش هذا الفنان المتمرد في وسط كان ينحو مع مرور الزمن إلى المحافظة بفعل زحف" البدونة" وبداية انكماش المدينة ثقافيا،وفي بيته الكائن بركن الشارع الرئيسي لحي"رومان"،الذي لا يزال يشتهر بحمله لاسم العائلة،كان يستقبل الأصدقاء من كل جنسيات العالم،هذا البيت الذي صار جزءا من شخصيته الفنية بفضائه الداخلي المميز ومحتوياته من اللوحات الفنية والمنحوتات التي أبدعها والمنوعات التراثية الريفية التي تؤثث أركانه.
يقول خوان أنه أنجز أول عمل فني له سنة 1939 مع بداية اكتسابه للوعي الذاتي بشخصيته الفردية،حتى أن ما سيأتي من الأعمال فيما بعد لن يكون سوى تعميقا لذلك الوعي عبر أشكال متنوعة من التجريب الفني والسردي والبوح الشعري والحفريات والسفريات ومعارض التقى خلالها بمبدعين من مختلف الآفاق،مما لا شك أنها أكسبته المزيد من التجارب والعلاقات.والفترة القصيرة التي أمضاها بمالقة(1947) لدراسة التجارة،بإيعاز من والده لكي يتولى إدارة حسابات "المصنع"،لم تغير كثيرا من طبعه المتمرد وميله الشديد للمغامرة والبحث عن الفردية القوية التي كانت تسكنه في العمق،بالرغم من نشأته في وسط أسري غارق في هموم التجارة والبحث عن الربح،وفي محيط اجتماعي وثقافي لم يكن كثير التسامح مع الميول الفردانية.ففي سبيل ذلك سافر خوان شرقا وغربا،ونزل بعدد من البلدان الأوربية والأسيوية باحثا عما يشفي غليله في اكتشاف وسبر أغوار ثقافات أخرى.كانت إيطاليا الوجهة الأقرب إلى قلبه داخل القارة الأوربية،حيث نسج صداقات واسعة بفضل عمله لمدة مسيرا فندقيا ومديرا للعلاقات العامة،وبهذا البلد عرف أكثر مما يفترض أن يحصل مع بلد الجذور أو بلد الولادة والنشأة.فقد أنجز الكثير من أعماله الفنية والأدبية أثناء مقامه هناك،إضافة إلى أنه كان يسافر عادة لإقامة معارض فنية،خاصة بمدينة فلورانسيا التي أحبها كثيرا،غلى غرار حبه لمدينته الحسيمة،مخلدا حبه شعرا كما في الأضمومة الشعرية لسنة 1960:
. Peomas de amor de Florancia

3-الهامشية كاختيار:
اختار خوان رومان العيش في المدينة التي ولد بها ورفض كل مساومة على اختياراته،وهي على كل حال مدينة صغيرة تقع في منطقة طالما تعرضت للتهميش والعقاب من طرف نظام الحكم المركزي،فضلا عن أحكام الجغرافيا القاسية.لم يكترث بالأضواء والشهرة بالرغم من أنه سافر كثيرا وطاف غربا وشرقا،واكتسب صداقات كثيرة مع كتاب وفنانين يشبهونه.ففي إيطاليا مثلا – الوجهة المفضلة في القارة الأوربية- أقام أول معرض له سنة 1973، وهناك ارتبط بعلاقات متينة ببعض كتابها وفنانيها أمثال ساندرو لومباردي،الذي أشرف على تنسيق مواد عدد خاص أفردته مجلة"ماغازيني"
لخوان ضم مقاطع من كتابه الموسوم ب"اجنون" وملاحق بيوغرافية ومقال احتفائي:
Appunti per una vita immaginaria di Juan
Roman Di Sandro Lombardi
خوان رومان فنان من طينة خاصة.فهو وإن كان يردد عادة أنه لا يعتبر نفسه فنانا،فإنه تصرف كذلك في حياته اليومية.وما كان مثيرا في هذه الشخصية ليس فقط تنوع الاهتمامات الفنية التي تشهد عليها منجزاته من النصوص والأشكال التطبيقية الفنية(الفن المعماري- النحت-الرسم-الشعر- الفوتوغرافيا والسينما- تصميم الأزياء..)،وإنما التيمة المشتركة التي هي في أساس كل ذلك أو بالأحرى المحفز الذي يدفعه إلى هذا الشكل أو ذاك من الإبداع الفني.وهذا المحفز هو كذلك المفتاح الأساس لفهم شخصية خوان،باعتباره حصيلة علاقاته الشخصية مع المدينة،"مدينته".فقد صرح مرة قائلا:"الحسيمة هي أنا"،Sandro Lombardiلصديقه الإيطالي
،وقد علق ساندرو على ذلك بقوله أن « Al Hoceima sono io »
الحسيمة هي خوان نفسه تاريخا ووعيا بالمكان،ذاكرته الحية وشهادته
. la sua testimonianza
فكل إنتاجاته الفنية،الفوتوغرافية والسينمائية، وكل مدوناته البصرية -السمعية وسردياته وأشعاره تستلهم هذه المدينة بشكل استثنائي.لقد كان خوان يتوفر على أرشيف استثنائي يؤرخ لنمو المدينة وتحولاتها العمرانية والثقافية سنة بعد سنة،وكانت بحوزته صور كثيرة ونادرة وُثقت أحيانا بمقتضى شيفرة منطقية في الظاهر،وأحيانا أخرى بحسب روح فردية وأحاسيس خاصة في العمق.كما كان يتوفر على كاتالوج فوتوغرافي وسينمائي نادر لسكان المدينة،وبالأخص أولئك الذين احتك بهم وعاش بينهم وعاشرهم،وغالبيتهم من الذكور.كثير من هؤلاء ممن رحلوا قبله ظل يردد أسماءهم ويتحدث إليهم في لحظات الهذيان التي اشتدت عليه في فترة مرضه الأخيرة.
أما على مستوى الحياة الواقعية فقد جسد خوان بسلوكه وهويته المثيرة والمستفزة بالنسبة لثقافة محافظة،وفي البيئة التي اختار بكامل إرادته العيش فيها،عملا فنيا من طراز خاص.فحواراته الحميمية – يقول ساندرو- والنزعة الإيروتيكية التي سكنت شخصيته كمُثلي طليق بوسط مختلف ومحافظ، مثلت تجربة فنية نظيرة للرسم والنحت والشعر والفيلم.ولذلك كان يفضل أن يعتبر نفسه - كما أفشى لساندرو- كراءِ
un testimone rifegno وشاهد ريفي visionario
يدون يوميات المدينة وتحولاتها ويرصد حياة أهلها وحركاتهم،ويوثق أصواتهم
وملامحهم في أعمال بعضها حمل عناوين بالأمازيغية الريفية مثل:
،Rahed n’al Hoceima
وأخرى بلغات مختلفة اسبانية وانجليزية وإيطالية.فلوحاته ومنحوتاته والأزياء التي صممها كلها مستوحاة من خلفية المدينة وذاكرتها ،حيث مزيج من المواد المحلية واللمسة الساحرة ليد إسبانو- ريفية متوسطية يبدو جليا.فخوان -كما يقول ساندرو - فيه الكثير من الروح الاسبانية(الأوروبية) والكثير من "الريفية".ثقافته بالتبني تضرب في جذور التربة الريفية،لكنها مزودة بالثقافة الأوروبية لأسلافه.فثمة تأثير متبادل لعناصر الثقافتين أثمر شخصية تتحرك بلا مركب نقص ولا وهم التفوق بين ضفتي البحر المتوسط.كان خوان يذهب في زيارات مستمرة إلى أوروبا،وبالخصوص إلى إيطاليا،التي اعتبرها بمثابة المختبر الثقافي لأوروبا،قصد الاطلاع على الجديد هناك، ثم يعود إلى حيث" لا يوجد شيء،إلى المكان المفعم بالحياة"،كما كان يقول.كل عمل فني أنجزه فيه بعض من شخصيته ومن المدينة التي عاش فيها وأحبها بشكل استثنائي.وما أنجزه من أعمال توثق للحياة بهذه المدينة الصغيرة المعانقة لأفق المتوسط كان يتم من وجهة نظر جد شخصية وحميمية،لا تهتم بالأحداث الرسمية بقدر ما تفسح المجال لرؤى وتجارب منبوذة ومهمشة.ومثل أعماله الفنية،تجسد الحياة التي عاشها خوان شهادة على إرادة عجيبة لشخص جعل من كل يوم يمر من حياته تجربة شخصية ليس في فن العيش فحسب، بل ومصدرا خصبا للإلهام والتأمل العميق...

ملحق1:خوان رومان واضطراب الهوية.
لم يكن خوان يبالي كثيرا بالأحكام المسبقة التي لطالما طاردته مثل شيطان لعين، سواء من جانب بعض أو بالأحرى معظم الإسبان المقيمين بالحسيمة،والذين كانوا يؤاخذونه على التساهل في مسألة الهوية والتفريط "بإسبانيته"،وبالتالي ابتعاده عن انشغالاتهم الضيقة بترميم الذاكرة بغير قليل من الأحلام الاستعمارية،وانغلاقهم في الدوائر العائلية وروابط "الأخوة الاسبانية" المتعصبة،وسواء من طرف المتزمتين المحليين الذين لم يكن بالنسبة لهم غير نصراني شاذ يهيم في الأرض بلا أخلاق ولا دين.قليلون هم أولئك الذين تعرفوا على الوجه الآخر لخوان الكاتب والفنان العاشق للحياة الريفية،حتى وإن لم يكونوا على دراية كافية بأعماله المنشورة وإبداعاته الفنية.على المستوى الشخصي لم يكن مكترثا كثيرا بالطابع المحافظ لثقافة الريف ولا متحرجا من الوسط الاجتماعي الذي بلا شك كان يحد من نزعته الفردانية المتحررة،ولذلك لم يخف مُثليته ولا مارس التقية.ففي أعماله الإبداعية تحضر بقوة الانهمامات الذاتية والإيروتيكية،وهذا ما يمكن أن نلمسه بوضوح في المنحوتات كما في النصوص الشعرية،التي تنوعت أشكالها بين ما سماه شعرا شفافا؛
Luz Diario ,peosia transparente
وايروتيكيا؛
Sexo, peosia erotica
ونبوئيا؛
Voces, peosia profetica
ووجوديا؛
Naufragos, peosia esistenziale
أما الانهمام بالجسد المثلي الشخصي فيخترق معظم أعماله الفنية والأدبية،أبرزها النص الذي يحمل عنوان:
Memorio del mio corpo, diario erotico 1981.

ملحق 2:الحسيمة المخلدة في أدب خوان.
لم تكن الحسيمة بالنسبة لخوان مجرد مدينة صغيرة شاءت الأقدار أن يولد ويعيش فيها حتى وفاته،بل هي أكثر من ذلك مصدر إلهام فني وأدبي وذاكرة شخصية.إنها بمعنى ما كيان رمزي جسد على الدوام "تلك المنطقة الملتبسة بين أوروبا والمغرب"كما قال عنها صديقه الكاتب الإيطالي ساندرو، حيث عاش خوان "كرهينة مقتلعة جذورها من جوار أخوي وعدائي في توازن على ضفاف البحر الأبيض المتوسط. نصف أرضنا"،كما قدم نفسه ذات مرة في الكاتالوج الخاص بالمعرض الفني الذي أقامه بمدينة فلورانسيا الإيطالية سنة 1973.صحيح أن" الحسيمة مدينة هامشية – يقول خوان- لكنني- يضيف- أتعرف في هذه الهامشية على طبيعتي،الهامشية هي الأخرى".ومع أنها كذلك،لم يمنع خوان من اعتبارها مركز العالم،على نحو سمح له بتصور منزله مركز المدينة،فيما تمثل شخصيته مركز ونواة المنزل،الذي لم يكن أيضا مجرد حيز مكاني للإقامة بقدر ما كان يمثل التجسيد المادي لنمط من الحياة الشخصية وشكل للوجود والفردية،يمكن بوضوح تلمسه في المحتويات التي تؤثث فضاؤه،من الديكور واللوحات والشكل المعماري الداخلي ..الخ.هذا المنزل- الذي يقع في ركن الشارع الصاعد وسط الحي الشعبي الذي يحمل اسم العائلة- تحول مع الأسف اليوم إلى مجرد طلل بلا روح بعد رحيل صاحبه،وبعد أن تمكن أفراد من عائلة الراحل من حيازة محتوياته في غفلة من الجميع،ليتم بذلك تهريب جزء هام من ذاكرة الحسيمة.(جزء صغير من خزانة خوان من الكتب ومنحوتتين سلمها قيد حياته إلى جمعية محلية..).
في السيرة الذاتية المختصرة التي نشرتها المجلة
تحت عنوان:Maggaziniالايطالية "ماغازيني"
Folies Berbères- Un’autobiografica di Juan Roman
نطالع مسار هذا الفنان والكاتب المولع بالسفر واكتشاف الثقافات، وحيث يفاجأ القارئ برصيد هائل من
المنجزات والنصوص المسرحية والسردية والشعرية وغيرها تستلهم بشكل ملفت ذاكرة الحسيمة ومخزونها الثقافي والجمالي وتحتفي بها كموطن وذاكرة للجسد والروح.ففي 1957 أنجز أضمومة شعرية بعنوان:
Geografica peotica de Al Hucemas
وفي 1960 مدونة أخرى تحت عنوان:
Sobre el crecer despreocupado de este publo(Diario peotico di Al Hoceima)
وفي المجال الموسيقي :
Al Hoceima’s going (Musical productions)
وشريط صور مرفق بموسيقى عنونه بالريفية:
Rahed n’Al Hoceima (fotografica sonora)
بتعاونAl Hoceimasكما أنجز سنة 1962 شريطا وثائقيا بعنوان:
وهي السنة نفسها التي شغل فيها وظيفةMaroc Tourisme مجلة
رئيس استقبال ثم مدير الفندق الشهير للمدينة محمد الخامس،إضافة إلى بورتيهات المدينة من الأرشيف،الأول بعنوان:
Al Hoceima’s going immagino dal 1925 a aggi
والآخر يحمل عنوانا أصليا بالفرنسية:
. Paysage et garçons
لكن حضور الحسيمة كان أيضا بمساحة أوسع كخلفية لسرديات تأملية في كتاب"اجنون" الذي صدرت نسخته الإيطالية سنة 1983 ونشر على صفحات مجلة "مغازيني" عدد أبريل 1985 بعنوان:
Genun ,éthnografica poetica
وقد صدر بعدها سنة 1996 في طبعة فاخرة من الحجم الكبير بثلاث لغات(اسبانية وايطالية وفرنسية)،مع ملحق خاص لألبوم فوتوغرافي ومقدمة
للكاتب الايطالي ساندرو لومباردي،تحت عنوان:
. El Mundo invisible de los yenun

ملحق 3:شذرات من ذاكرة الحسيمة.
الكتاب الآخر الذي كرسه خوان للحسيمة هو "شذرات من محادثة أو دردشة متواصلة حول الحسيمة" أو:
Fragmentos de una conversacion continua sobre AL Hocemas
صدر بمليلية سنة 1994،وهو كتاب خطه الكاتب بأسلوبه الخاص لغاية تجميع واسترجاع ذكريات الماضي،في تمرين يمثل نوع من الكتابة المستحيلة.
يقول الكاتب:"إن هذا الكتاب يستحيل كتابته.كتابة عصية إلى حد وجع الرأس(...).إنها طريقة تقوم على تجميع ذاكرات هؤلاء الذين مروا من هنا(...)مثل دياسبورا نوستالجية في مجموع اسبانيا".فقد لاحق خوان في هذا الكتاب الهوامش الهاربة من ذاكرة جماعية،مرتكزا على تسجيلات حية لحوارات ودردشات تلقائية مع شخصيات اسبانية وريفية مسكونة بالحنين إلى ماض بعيد.وغايته من ذلك كانت هي ملأ فراغ صفحات من التاريخ من خلال استدعاء مخزون ذاكرة أولئك الذين مروا من "هنا" وتركوا بصماتهم في المكان، فيما يشبه إعادة ترميم الذاكرة الجماعية و "كتابة" تاريخ مهدد بالنسيان.إنه كتاب يروي التاريخ مدققا في الوقائع الصغيرة والكبيرة ويسرد التجارب الشخصية لأولئك الذين يهمشهم التاريخ الرسمي والأكاديمي، ملقيا الضوء على الجوانب الحميمية من ذاكرة من جربوا فن العيش المشترك ذات زمن بعيد،وفي نفس الوقت يساعدنا على فهم كيف أن صعود فرانكو – مثلا- كان سيكون شيئا آخر لو لا وجود "بنية تحتية" ممثلة في المحميات العسكرية للحماية الاسبانية بمدينة كالحسيمة،حيث استطاع من هناك وضع الخطط بكل هدوء وتوظيف المنطقة كجسر للانطلاق.الأمر كان سيكون مختلفا- يقول خوان- لو أنهم فعلوا ذلك انطلاقا من اسبانيا.
في مقدمة الكتاب التي عنونها بالريفية( "تمورث اينو"- بلادي) يذكر الكاتب بأجواء الضيافة المتبادلة التي سادت ضفتي البحر الأبيض المتوسط حيث عاش العرب والإسبان عبر التاريخ في جو من التسامح،ليختمها بعبارة جميلة وعميقة الدلالة تلخص الروح المتوسطية المتسامحة:" بعد مرور سنين وفي أقاصي رحلاتي أستطيع أن أكتب أخيرا:تشجارث ن ثمورت انضني ثخرق ذ ثمارتينو- غ ريف.
( "شجرة الأرض الأخرى نبتت في أرضي-في الريف").


انتهى في الحسيمة صيف 2003

*نشرت هذه الدراسة بمجلة "رهانات" فصلية مغربية،العدد22 ربيع 2012،المغرب(يرجى الإحالة على المصدر الأصلي).



#عبد_المجيد_السخيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة المضادة*
- *الفكر الوحيد اللابس شكل الخطاب الحداثوي
- الحرب الجارية… و الحرب القادمة التحولات الاقتصادية و الجيو- ...
- العلم والاتيقا: رهانات السوق
- الدرس السياسي للفلسفة كاستورياديس نموذجا.
- في الخلفية السياسية للفلسفة :نقدالنزعة الإنسانية عند لوي ألت ...
- التخلص من الاتحاد الاشتراكي
- الثورة المغدورة: انحطاط اليمين وبؤس البديل
- مهرجان موازين: هل انتصر القصر على الشارع؟
- -موازين-: مهرجان السلطة وإيقاعات المعارضة
- مهدي عامل: الفكر في موقع سياسي مكشوف


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد المجيد السخيري - خوان رومان : التجربة الاستثنائية والكتابة المستحيلة