|
مهرجان موازين: هل انتصر القصر على الشارع؟
عبد المجيد السخيري
الحوار المتمدن-العدد: 4113 - 2013 / 6 / 4 - 23:21
المحور:
الادب والفن
المهرجان الذي يثير سخط فئات واسعة بالمغرب،وذلك منذ انطلاقه قبل أزيد من عقد من الزمن،ويحصد أصحابه الكثير من الانتقادات والشتائم أيضا على صفحات المواقع الاجتماعية،لا يزال قادرا على الصمود في وجه الجميع،وقد ختم فعالياته "بنجاح" دون تسجيل أية مواجهة حازمة من طرف الأصوات المطالبة بوقفه.إنه "موازين"،مهرجان الموسيقى العالمية والمحلية التي تنظمه جمعية "مغرب الثقافات" تحت شعار "إيقاعات العالم"،وأحد أبرز أمثلة تبذير المال العام،وتكريس سلطة رموز الفساد والنفوذ من قيبل "محمد منير الماجدي" الذي يرأس الجمعية المنظمة،مدير الكتابة الخاصة لمحمد السادس ،ويده الطولى في الاستحواذ على الثروات وتجسيد قوة شركات الملك في السيطرة على منابع الربح والتنفذ في اقتصاد تبعي وريعي . دورة هذه السنة (12) عرفت خفوت أصوات المعارضة في الشارع،خاصة بعد انضمام اسلاميي القصر لإدارة الشأن الحكومي،والذين كان لبعض رموزهم في السابق صوت مسموع في هذا الباب بالرغم من ضيق منطلقاتهم الأخلاقية،فيما "العدل والإحسان"،القوة الاسلامية الأكثر تنظيما،غائبة عن المشهد الحركي منذ رحيل زعيمها الروحي،إلا في ما ندر.مع ذلك لا يمكن القول أن معارضة المهرجان قد انتهت،رغم أنها لم تعد مؤثرة ومسموعة كما في السابق .فقد بدت مرتبكة في غياب دعوات النزول إلى الشارع وتنسيق المواقف،إلا أنها مستمرة في أشكال متاحة،وكان يمكن أن تنفجر شعبيا لو أن القوى التي تنتقد المهرجان من زاوية أخلاقية صممت على المواجهة ،بأن استغلت مشاركة مغنية البوب البريطانية " جيسي دجي " في إحدى عروضها عندما صعدت إلا المنصة شبه عارية إلا من تبانها الأبيض الشفاف،في حين نقلت سهرتها مباشرة على "قناة عمومية" يديرها فعليا أشخاص معروفون بمناوئتهم للإسلاميين من موقع النظام وبدعم بعض رموزه.لكن الحادث مر بسلام بالنسبة لمنظمي المهرجان،طالما أن حملة الاستهجان لم تتجاوز صفحات "الفايسبوك"،قادها غاضبون من الاستفزاز المقصود ببث السهرة مباشرة على قناة عمومية ببلد مسلم،خاصة وأن قطب الإعلام العمومي يوجد نظريا تحت وصاية وزير اتصال إسلامي،هذا في حين أن الجميع في المغرب يعلم أن الحكومة الائتلافية،بقيادة حزب "العدالة والتنمية" ذو المرجعية الإسلامية،لا يتحكم في توجهات قنوات القطب العمومي. التزام الصمت من قبل حكومة القصر الاسلامية لم يمنع مع ذلك عناصر من الفصيل الطلابي التابع لحزب "العدالة والتنمية" من محاولة تنظيم احتجاج ضد المهرجان تم منعه من قبل وزارة الداخلية،هذا في وقت غردت جريدة "التجديد" بنغمتها المعهودة متجاهلة موقف الحزب التابعة له وهو على رأس حكومة "صاحب الجلالة"،عندما أكدت أن المهرجان يكرس " ثقافة التجهيل والتطبيع والتمييع باستدعاء أسماء تصرف عليها أموال طائلة في ظل أزمة اقتصادية خانقة"، ومستنكرة "احتلاله للإعلام العمومي بصور صادمة". مهرجان القصر جدير بالذكر هنا أن مؤلفا كتاب "الملك المفترس" الفرنسيان كاثرين غراسيي وإيريك لوران،وصفا "موازين"ب "مهرجان محمد السادس"؛وأسهبا في إبراز الكيفية التي تمكن بها "الماجدي" من وضع يده على المهرجان بعد أزمة مالية واجهته في عام 2006،بعد أن كلفه الملك بإنقاذه من الافلاس،فما كان منه سوى أن عمل بمعية فريقه الخاص بجمعية "مغرب الثقافات"،على إعادة صياغة برنامجه ليصبح أكثر شعبية بالتركيز على البهرجة واستحضار نجوم عالمية وعربية مقابل مبالغ خيالية،مستفيدا من إمكانيات الدولة الإعلامية واللوجيستيكية،وموظفا نفوذه السياسي لإكراه المؤسسات التجارية والشركات من القطاعين العام والخاص على دعم المهرجان فيما يشبه أداء ضريبة "موازين"؛زيادة إلى تحصيل أموال عمومية مباشرة من المجالس المنتخبة مثل مجلس مدينة الرباط. ومع انطلاق الحراك الشعبي في 20 فبراير من سنة 2011 كاد المهرجان أن يتوقف،بعد الهجوم الشرس على عرابيه،وحالة الخوف التي انتابت رموز الفساد السياسي والاقتصادي من تطور الحراك إلى ما صارت إليه الحالة الثورية في تونس ومصر،غير أن محمد السادس وضع ثقته في خادمه الأمين و تحدى الجميع وأمر باستمرار تنظيم المهرجان. بين أنغام السلطة وإيقاعات الشارع المرتبكة رغم النقد الذي يواجهه المهرجان المذكور،والجدل الذي يثيره منذ سنوات،تبدو الجهة المنظمة مصممة على التشبث به نكاية في كل الأصوات التي تعالت في الشارع والصحافة والمنابر السياسية والثقافية للمطالبة بوقف إهدار المال العام،على حساب متطلبات التنمية والاحتياجات الأساسية للمواطنين. الانتقادات الحادة للمعارضين استهدفت أيضا فضح الرؤية الثقافية التجارية التي يسعى المهرجان إلى تكريسها،وترويج صورة مخادعة عن حقيقة المغرب كبلد يرزح تحت نير الفقر،ويعيش أبنائه حرمانا كبيرا على مستوى خدمات الصحة السكن والتعليم،وينقصهم الكثير من أسباب العيش الكريم،وتهدر حقوقهم الاجتماعية والسياسية والثقافية واللغوية وغيرها،والتي لا يمكن لمهرجان مثل "موازين" بميوله الليبرالي المزيف،ونوع المواد الفنية التجارية التي يتم تمريرها بين فقراته الأساسية،أن يجد لها حلولا ناجعة. ولا شك أن المهرجان نجح من خلال آلة دعائية ضخمة،ودعم الجهات التي ترعاه في اختراق صفوف كثيرة ليضمن استمراره،رغم عواصف النقد والهجوم الذي يتعرض لها منذ سنوات من انطلاقه.ومع التراجع الواضح الذي شهده الحراك الشعبي هذه السنة،خفت حدة الهجوم على "المهرجان"ورعاته،رغم أن مناهضته لم تختف.ومن أسباب هذا التراجع فقدان صوت الإسلاميين، الذين أصبح جزءا منهم اليوم مشاركا في التدبير الحكومي،وما عاد أحد يسمع لهم صوتا منتقدا،إلا في شكل محدود وفردي. فالمعارضة التي كانت قد تشكلت ضد المهرجان في السنتين الماضيتين في شكل ائتلافي ركزت في أرضيتها على أن معارضة المهرجان ترجع بالأساس لكونه "وجها من أوجه الفساد والاستبداد"،ووسيلة "هدر المال العام وتبديد موارد البلاد،وابتزاز الفاعلين الاقتصاديين وتحويل دعم موازين إلى بوابة إجبارية للاستثمار بالمغرب خارج القانون،إضافة إلى الخلط ما بين مبادرات جمعية "مغرب الثقافات" كمجال خاص،ومقدرات ومؤسسات الدولة كمجال عام (احتكار قطب الإعلام العمومي،استعمال الإدارة العامة للأمن الوطني كشركة أمن خاصة...)".كما أكدت الأرضية نفسها على أن "موازين" يعتبر شكلا من أشكال "إعدام التنوع الثقافي بالمغرب وضرب مبدأ الولوج العادل إلى تمويل المبادرات الثقافية".أما الإسلاميون فقد صوبوا سهام نقدهم على ما يرتبط بمسعى تنميط ذوق المغاربة و"ضرب خصوصيتهم التاريخية ومحو انتمائهم وهويتهم الدينية،ورهنهم لشركات الاتصالات والإعلانات التجارية"،واختزال "المتعة في الانفتاح الجنسي،بدل الانفتاح على الفنون الأصيلة،وذلك من خلال نماذج من " الفنانين" الذين يتم الاحتفاء بهم ويمنحون المليارات،هاجسهم الربح المادي،ورسالتهم " إشعال الرغبات الجنسية لدى المراهقين والشباب العاطل "،حسب تعبير أحد ممثلي التيار الإسلامي. المدافعون عن المهرجان يركزون على النجاح الذي يحققه من خلال أرقام قياسية للمتابعين لعروضه،والتي بلغت هذه السنة أزيد من مليونين ونصف،ما يعتبر في نظرهم ردا كافيا على منتقديه،زيادة على أن المهرجان " يحقق نوعا من السرور ويمنح المتعة لمتابعيه،ويرسم الفرحة على وجوه الناس"،وبالتالي فهو له "مكانته وجمهوره"،حسب تعبير أحد أعضاء جمعية "مغرب الثقافات" المنظمة.ومن ثم يعتقد هؤلاء أن المال العام ليس هو ما يبرر النقد والهجوم على المهرجان،وإنما هناك خيارات إيديولوجية ورؤى فنية لدى الاسلاميين،لا تقف عند حدود المال العام،ولكن تخوض في خيارات تهم التربية والذوق الفني الذي يتعارض مع "قيم" المجتمع حسب اعتقادها. انتهى المهرجان إذن،فهل انتصر القصر على الشارع مرة أخرى في معركة الفساد والاستبداد؟
#عبد_المجيد_السخيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-موازين-: مهرجان السلطة وإيقاعات المعارضة
-
مهدي عامل: الفكر في موقع سياسي مكشوف
المزيد.....
-
كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا
...
-
إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
-
سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال
...
-
الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
-
من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام
...
-
دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-.
...
-
-سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر
...
-
البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة)
...
-
تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
-
المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز
...
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|