أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد السخيري - الحرب الجارية… و الحرب القادمة التحولات الاقتصادية و الجيو- سياسية لعالم ما بعد 198















المزيد.....



الحرب الجارية… و الحرب القادمة التحولات الاقتصادية و الجيو- سياسية لعالم ما بعد 198


عبد المجيد السخيري

الحوار المتمدن-العدد: 4247 - 2013 / 10 / 16 - 21:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بالرغم من أن الحقل الجيو-سياسي الدولي قد تغير كثيرا و عميقا بعد نهاية الحرب الباردة،حيث تراجعت الأخطار البارزة للعيان التي كانت تهدد باندلاع حرب عالمية بين الحين والآخر،على حافة ذلك التوازن العجيب الذي سمي » بتوازن الرعب« !،وبالرغم كذلك في أن أحد أطراف التوازن المذكور يهمين اليوم على الحقل الاستراتيجي العالمي،فإن الولايات المتحدة مع ذلك لا تسلم بزوال الخطر كليا فيما يتصل بأمنها القومي و مصالحها الحيوية،حتى بعد أن أصبح منافسيها التقليديين مجرد أسطورة من التاريخ الآخذ في التباعد.فالخطر لا يزال قائما في نظر صناع السياسة الأمريكية من جهة » التهديد أو العدوان المفتوح ضد الحلفاء و الأصدقاء في المناطق الحساسة،من قبل الدول المعادية التي تتوفر على قدرة عسكرية مميزة«(1).ولاتكاد التقارير التي يصدرها مثلا معهد دراسات الأمن القومي تخلو من الاشارة إلى مثل هذا الخطر وهي تترصد التحولات التي تشهدها المنظوريات الاستراتيجية ،وتلتقط الاشارات الدالة في التغيرات الجيو-سياسية للعالم.ومعظمها إذ تؤكد على تراجع العوامل الأساسية التي قد تدفع إلى نزاع عالمي مسلح،فهي لا تخفي قلق الولايات المتحدة من وجود تحديات عسكرية قد تهدد مصالحها الحيوية في أية لحظة من قبل قوى فاعلة في المجال الاستراتيجي الدولي أو أخرى مرشحة لأن تصبح قوى منافسة.وفي السياق نفسه،ينشط صناع الاستراتيجية الأمريكية،من منظرين وعسكريين،في رصد التطورات الجارية في مجال تملك السلاح وبرامج تطوير الصناعات العسكرية،بالموازاة مع نشاط المراكز المتخصصة في تطوير تداريب صناعة ومراقبة الحروب،والتي تشرف عليها في معظم الأحيان أجهزة المخابرات وتمولها شركات الصناعة العسكرية.ويعتقد بعض المحللين أن الإستراتيجية العسكرية الأمريكية شهدت بعد نهاية الحرب الباردة ثورة هادئة(2)،تمثلت في النشاط المكثف للخبراء العسكريين في اطار رصد مؤشرات انبثاق قوة منافسة بحجم وقدرة الولايات المتحدة،وذات حظوظ متكافئة في كسب أية مواجهة محتملة مع القوة العظمى.وحتى إذا كانت هذه القوة غير موجودة في الوقت الراهن،فإن احتمال ظهورها يقلق الخبراء ويؤثر في المنظوريات الإستراتيجية؛ولذلك فإن السياسة الرسمية لم تتغير في الجوهر،إذ بقي من أولوياتها الحفاظ على القوة العسكرية الكافية لكل المواجهات المفترضة، خصوصا مع قوى مرشحة للنزاع: الصين،لأجل ضمان حرية الملاحة في بحرها؛وروسيا من أجل السيطرة على موارد القوقاز.بعض الإستراتيجيين يطالبون في هذه الحالة برفع الميزانية العسكرية للدفاع،فيما آخرون يعتبرون الميزانية الحالية كافية لضمان أمن الولايات المتحدة في مواجهة "الدول المعادية".
وقبيل حرب الجليج ركز المسؤولون العسكريون على التهديد المحتمل من طرف دول الجنوب –العراق وإيران-وهي مقاربة عرفت ب "استراتيجية الدفاع الإقليمي "،وقدمت في خطاب جورج
بوش عشية اجتياح الكويت 2/8/1990.
والحال أن كثير من الاستراتيجيين الأمريكيين إن كانوا يقرون بأنه لا أحد من الدول المرشحة للمواجهة مع الولايات .م،من قبيل روسيا والصين،يشكل حتى الآن تهديدا فعليا لأمنها،فإنهم يزعمون أنه بعد عشرة أوعشرين سنة قد تصبح واحدة منهما قوة منافسة حقيقية.لذلك على الولايات المتحدة أن تستعد لكل مواجهة محتملة.فروسيا قادرة على إعادة بناء قوتها العسكرية وتحديثها،فيما الصين،بفضل تقدمها الإقتصادي،قادرة على وضع لبنات بنية تحتية عسكرية من طراز عالمي.وهذا ما أكده الجنرال "باتريك هوكز"،مدير وكالة استخبارات الدفاع،حين اعتبر كلا من الصين وروسيا دولتين قادرتين على التحول إلى تهديد حقيقي للولايات.م بعد عشرين سنة(3).
في كتاب له صدر مؤخرا (4)،يكشف » جيلبير أشقر«أن الميزانية العسكرية للولايات المتحدة لم تعرف أي تخفيض ملموس منذ نهاية الحرب الباردة،بل إنها تكاد تقترب من الميزانيات الاستثنائية لأزمنة الحرب ( الفيتنام).ويرى الباحث أن التفسيرات الرسمية للولايات المتحدة في هذا الباب تركز على التهديدات الحقيقية أو المفترضة التي يمكن أن تصدر من قبل الدول المنبوذة RogueStates . والحال أن العقول السطحية وحدها يمكنها تصديق مثل هذه التفسيرات،في وقت يعلم فيه الجميع أن بعض هذه الدول أصبحت مجردة من كل وسائل التحرك العسكري بعد تدمير بنيات صناعتها العسكرية ( مثلا العراق)،وبعضها الآخر يسعى إلى الاندماج في المجال الدولي بشروط القوة العظمى( ليبيا، إيران ..).والواقع ،يقول الباحث،أن الأمر يتعلق ببساطة بمواجهة القوة الصينية-الروسية ومنعها من التحول إلى قوة منافسة أو قادرة على الحد من الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة على غرار ما كانه الاتحاد السوفياتي في السابق.ومعنى ذلك أن حربا باردة جديدة تعمل الآن في خفاء و دون غطاء إيديولوجي كما كان الشأن مع الحرب السابقة،إنما أيضا في تكامل مع حرب ساخنة طاحنة تقودها الشركات المتعددة الجنسية في الميدان الاقتصادي على نطاق أوسع من كل حرب مسلحة و بدمار و خراب لاحدود لهما.
لقد أصبحت الرؤية الجديدة للسياق الاستراتيجي التي تجعل من بعض دول آسيا،إضافة لروسيا،مثل الصين والهند وباكستان،محور الاهتمامات الاستراتيجية الأمريكية،قناعة راسخة لدى صانعي القرار العسكري.ففي إحدى الوثائق التي أصدرتها لجنة القيادات العسكرية بالبنتاغون
Joint vision 2020 نقرأ إشارة واضحة إلى الصين كخصم مستقبلي.وبناء على كل ذلك تراهن القيادات العسكرية بشكل أساسي على الإدارة المقبلة لاتخاد قرارات حازمة بشأن مشروع الدفاع الصاروخي الدي يحمل اسم National missile Defense .وهذا الأخير يندرج في إطار الاستراتيجية العسكرية الجديدة التي يجري تطويرها لتكريس الولايات المتحدة قوة عظمى منفردة ووحيدة في العالم.ويرى أحد الباحثين أن مهمة هذا المشروع تتمثل في تحقيق مفهوم المراقبة الاستراتيجية Contrôle stratégique الذي يفيد "خلق الشروط الضرورية ليس لاحتلال أرض،وإنما لاختبار وضعية الخصم وتقليص قوته عبر تفكيك قدراته العسكريةوالصناعية والسياسية،بل ومحوه" (5).
ومبدئيا تعتبر القوة الجوية بمثابة الأداة المثالية للمراقبة الاستراتيجية من حيث كونها تسمح بمتابعة وضعية الخصم باستمرار من حيث امكاناته العسكرية والاقتصادية،وبمراقبة سلوكه وأنشطته المختلفة وتحليل متواصل للمعلومات المحصلةوتحديد الأهداف المراد تدميرها بحسب الأولوية المحددة سلفا،وبالتالي وضع ما ينبغي أن يترتب عن ذلك من بدائل موضع تنفيد في الوقت المناسب.وفي الواقع فان هذا المشروع يستهدف في النهاية تأمين المجالان الحية لأمريكا ضد التهديدات المحتملة من قبل دول أسيوية مرشحة للتصادم مع المصالح الأمريكية.ورغم الانتقادات التي وجهها بعض الخبراء،فان ما يظهر هو أن الأوساط الرسمية مصرة على وضع المشروع في اطار استراتيجية جديدة تبوء أمريكا موقع القوة العظمى المطلقة.
الحرب القادمــة في المتخيل العسكري الأمريكي:
في كتاب له يحمل عنوان "الحرب القادمة"(6)،يكشف السيد كاسبار وينبيرغيرC Weinberger وزير الدفاع في عهد رولاند ريغان،ومهندس برنامج حرب النجوم،عن سيناريوهات الحرب النووية القادمة،وذلك بإعمال دقيق للخيال العسكري.فهو يصف الحروب الخمسة التي ستهز العالم وذلك ابتداء من تحديد تواريخ اندلاعها،والدول المشارك فيها والمواقع التي ستجري بها المعارك وأسماء الشخصيات السياسية والعسكرية الفاعلة في أحداثها،ونوع الأسلحة المستعملة،وما إلى ذلك من تفاصيل صغيرة مثل الخسائر البشرية والمادية للأطراف المتحاربة،وانقلاب الأوضاع السياسية و الديبلوماسية المترتبة عن الحرب المتخيلة.هكذا نجد مثلا أن تاريخ انطلاق النزاعات العالمية التي ستغرق الكوكب في رعب نهاية العالم هو 6 أبريل 1999،حيث تتفق كل من كوريا الشمالية و الصين،بعد مفاوضات بشأن مشروع الأولى،على شن هجوم منسق ضد كوريا الجنوبية والتايوان، و الذي على إثره ستتمكن كوريا الشمالية من احتلال سيول في ظرف48 ساعة،بعد أن تكون قد حاصرت قوات كوريا الجنوبية وحليفتها الأمريكية.وستعرف الحرب تصاعدا على إثر دخول اليابان ساحة المعركة ضد كوريا الشمالية،والذي بدوره سيدفع الصين إلى الدخول في الحرب ضد أعدائها التقليديين:اليابان و أمريكا،بعد أن قامت هذه الأخيرة بشن هجوم شرس ضد كوريا الشمالية.وفي نفس التاريخ،تنطلق دائرة نزاع جديد بمنطقة الخليج على إثر قيام القوات الايرانية بتفجير قنبلتها الذرية بالصحراء الفارسية وتدميرها الكلي للمقدرات العسكرية للسعودية عن طريق الهجمات الانتحارية للكومندوهات،فيما تصبح كل من قطر وعمان والإمارات العربية مجرد فضائيات سياسية لايران بعد احتلالها.وفي 14 يونيو من نفس السنة ستهاجم القوات الموحدة للولايات المتحدة وبيريطانيا و فرنسا والسعودية مراكز التجارب النووية الايرانية لتتوالى الأحداث و تتشابك المعارك بدخول قوات دولية أخرى .ومن منطقة الخليج ينتقل المؤلف إلى المكسيك التي ستشهد اضطرابات كبرى إثر اغتيال رئيس الدولة،ووصول رجل من اليسار إلى السلطة مدعوم من قبل الزباتيين.هذا الأخير سيقوم بنقض اتفاق التبادل الحر الشمال- أمريكي Alena،وتأميم البنوك وشركات التأمين ومنع الاستثمارات الأجنبية مما سيؤدي إلى توترات بالبلاد وتفاقم الهجرة و اللجوء نحو الولايات المتحدة.وبعد أن اعتبر الرئيس الأمريكي الوضع غير قابل للاحتمال،سيقرر قصف المكسيك وغزوها بعد ذلك عن طريق قوات المارينز .ورغم مقاومة القوات المكسيكية،فإن الجيش الأمريكي سيتمكن من سحقها بمساعدة متطوعين مكسيكيين.
على الجبهة الشرقية،وبتاريخ14 مارس2006،تبدأ حرب شرسة إثر إقدام كوموندوروسي رفيع على سحق المجلس الأعلى البولوني،حيث ستشن روسيا بعدها هجوما ضد بولونيا وستحتل بيلوروسيا وأوكرانيا،إنما الهدف سيكون هو ألمانيا التي ستستسلم في 27ماي 2006بعدما حطمت خمس قنابل روسية قوات حلف الناتو.فرنسا هي الأخرى ستقبل احتلال أراضيها من طرف روسيا بعد أن صارت الولايات المتحدة عاجزة عن القيام بهجوم مضاد لروسيا التي كانت قد طورت برنامجا دفاعيا ضد الصواريخ النووية.دول أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا والنرويج ستعلن الحياد.لكن الأمور ستبدأ في التغيير بعد شروع الولايات المتحدة في تطوير أقمار كاشفة ذات قدرة فائقة على تدمير الصواريخ الروسية بمجرد اطلاقها،في إطار برنامج جديد لحرب النجوم.وهكذا ستدمر روسيا نفسها بعد أن تقوم بهجوم شامل للرد على التحدي الأمريكي.من جهتها اليابان ستشن في 19 غشت 2007 هجوما موجها عن بعد،سيخلخل كل الأنظمة الاتصالاتية والرحلات الجوية و الحديدية بالصين والتايوان ودول مجاورة،لتبدأ دائرة جديدة من النزاعات المسلحة ستنتهي بتدمير الأررخبيل الياباتي.(7).
هذه بعض من مشاهد الحرب النووية التي ستهز العالم كما يصورها السيد وينبيرغير.لكن ما هي الرسالة التي يحملها الخيال السياسي للكتاب؟
يقول إغناسيو رامونيه:إن هدف هذا الكتاب هو اتهام السيد كاسبار وينبيرغير لإدارة كلينتون بتخفيض الميزانية العسكرية للولايات المتحدة ،وتخليها عن برنامج حرب النجوم،وبإلغائها للبعثات السرية ل"سي إبه-إيه"،وتقديمها لكثير من التنازلات لبكين وبيونغ-يانغ، والتسامح المبالغ اتجاه طهران والدول المارقة الأخرى( العراق، كوبا، ليبيا).وباختصار إهمالها للواجب المقدس للأمن القومي.والحال أن الأعداء الأبديين بالنسبة لمؤلف» الحرب القادمة« هم دائما:إما الشيوعيين أو المعادين للغرب،وهو لذلك يتجاهل كل التحولات التي وقعت ولاتزال في خريطة الأعداء التقليديين للولايات المتحدة.ففي نظره يظل فاعلو الأزمة هم دائما الدول،التي إما تتحرك لأجل أهداف ترابية،أومن أجل الاستيلاء على حقول مواد الطاقة الأولية،وأن فعلها لا يكون إلا بالقوات العسكرية مع خطورة أسلحتها التدميرية التقليدية أو النووية.وهذه الرؤية هي ما يشكل خلفية تحليل خاص بجيو-سياسية القرن21.ويضيف »إغناسيورامونيه«،أن السيد كاسبار ليس له تمثل استراتيجي للفاعلين الاقتصاديين الجدد ( الشركات المتعددة الجنسية،المجموعات الإعلامية الكبرى) والمخاطر الإيكولوجية،ولا أيضا للتهديدات الجديدة( الإجرام المنظم،الأمراض الجديدة)، وأخطرها الحرب الإلكترونية.إنه يتجاهل أن ما يجري تطويره من وسائل جديدة للتحكم والمراقبة في أخضان الثورة التكنولوجية الجديدة،سيمكن الفاعلين الجدد للجيو-سياسية المعاصرة(الجماعات الخاصة،ألمانيا،المجموعات الإرهابية،المنظمات غير الحكومية الكبرى)من تهديد الدول التقليدية.بل إن المؤلف لا يتحدث عن الحروب الحقيقية الجارية في النطاق السابق:القرصنة الالكترونية مثلا،التي من شأنها أن تمكن كوموندو إلكتروني من شن هجوم مفاجئ على دول متقدمة ينسف المراكز الإلكترونية التي تسير المحطات النووية،و توزيع الكهرباء و النظام البنكي ومحطات الإرسال التلفزي..إلخ،و بالتالي إغراقها في فوضى عارمة يصعب وصفها.إنما الأسوء،يقول إغناسيو رامونيه،هو تمكُّن الإرهاب السبير نيتيكي بعد ذلك من مباشرة التلاعبات الإعلامية التي تسمح بها التقنية الافتراضية لأجل الإستيلاء على ما هو ثمين وهدف كل حروب الأمس والغد في نهاية المطاف:عقول المواطنين.
إن الحرب القادمة التي يتوعدنا بها مهندس برنامج حرب النجوم،إن كانت ليست مجرد شطحات عقل باطن مريض وموسوس بالحرب وبطولاتها،كما قد يقول ثمة تحليل نفسي،فهي تكشف حقيقة أن السيد وينبيرغير بقي رجل الحرب الباردة مخلصا لفلسفة اليمين الأكثر تشددا في الأوساط الأمريكية.إنما على كل حال يبدو صادقا في التعبير بخياله الحربي الواسع عن استمرار العمل بمبادئ الحرب الباردة داخل المؤسسة العسكرية.
الحرب الجاريـــة :
في مقال شهير،يصف "القائد" ماركوس الحرب الجديدة التي تقودها الليبرالية الجديدة لغزو العالم بالحرب العالمية الرابعة(8)،يعيش العالم اليوم فصولها المدمرة للطبيعة والإنسان بوتيرة متصاعدة.ففي نظره،أن نهاية الحرب الباردة كحرب عالمية ثالثة،لا تعني أن البشرية قد دخلت مرحلة الاستقرار و السلم والهدنة تحت هيمنة المنتصر،ذلك أنه إذا كان المهزوم معلوما ( المعسكر الاشتراكي)،فإنه من الصعب تحديد المنتصر:الولايات المتحدة؟ الاتحاد الأوروبي؟ اليابان؟ أم الثلاثة معا.وطالما أن المنتصر لم يظهر بعد وحيدا متوجا على رأس "مملكة الخير" بإجماع،كما تبرز ذلك وقائع الحروب الجيو-سياسية لاقتسام خريطة النفوذ بين القوى التي خرجت منتصرة في حربها الباردة الطويلة الأمد مع "امبراطورية الشر الحمراء"،فإن حربا عالمية رابعة لابد أنها آتية بكل فصولها الدموية المرعبة بحجم رعب ما تملكه القوى المرشحة للصدام من أسلحة الدمار و الخراب..،لا بل إنها ابتدأت.إنها حرب جديدة تخوضها قوى النظام العالمي،بعض فصولها تجري على نمط الحروب الكلاسيكية حيث الحنين إلى بعض أشكال الغزو القديمة التي تعود إلى العصور الهمجية،حيث كل الدول تعيد تعريف هويتها و ضبط حدودها،فيما فصول أخرى تجري بين القوى المهيمنة نفسها في إطار التنافس على زعامة » مملكة الخير« و قيادة العالم…
وإذا كانت الحرب العالمية الثالثة قد شهدت المواجهة بين الرأسمالية والاستراكية على عدة حبهات و بدرجات متفاوتة الحدة،فإن الحرب الرابعة الجارية اليوم،يقول ماركوس،تدور بحدة قوية على الصعيد العالمي،بين المراكز المالية الكبرى،أي بين نفس القوى التي كانت تخوض في الأمس القريب حربها المقدسة ضد» امبراطورية الشر الأحمر «.وهي الحرب التي حملت إسما مميزا:الحرب الباردة، تضمينا للمواجهة الإيديولوجية بين الرأسمالية والاشتراكية وما واكبها من تنافس قوى في مختلف الميادين،مثل سباق التسلح النووي وغزو الفضاء.على أن هذه الحرب كادت أن تخرج من نطاقها البارد في عدة محطات حساسة بلغت فيها المواجهة بين المعسكرين درجة من الغليان كان يمكن أن يؤدي إلى اندلاع مجابهات وحروب مسلحة،داخل حقول ملغمة وخرائط مشتغلة،نذكرمنها، حرب الفيتنام،وحادث جزيرة الخنازير بكوبا،و التصعيد الاستراتيجي للتنافس في الحقل الدولي مع برنامج حرب النجوم المعلن عنه في عهد ريغان.هذه الحرب انتهت(ربما تتواصل اليوم بأشكال أخرى أكثر تدميرا في اتجاه غزو العقول من قبل المنتصر الرأسمالي)بانهيار المعسكر الاشتراكي كنظام عالمي وبديل إجتماعي،و تتويج المنتصر الرأسمالي وحيدا على العالم،ومطلق التاريخ الراهن وقضاء التاريخ القادم الذي لا يرد!
و بحسب "القائد" ماركوس،فإن إحدى جبهات الحرب العالمية الرابعة الأكثر ضراوة تتمثل في عنف وشراسة حرب الأسواق المالية،هذه الأخيرة التي تمكنت في وقت وجيز جدا من انطلاق مسلسل العولمة الكاسح،ومن فرض قوانينها على مجموع الكوكب،بحيث أن العولمة لا تعدو أن تكون أكثر من تقعيد توتاليتاري لمنطق القوانين المالية وتعميمها على جل مناحي الحياة،بفضل تقدم وسائط الاتصال التي صار لها دور فعال في توجيه اقتصاديات القوى الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.فقد أصبحت هذه القوى خاضعة لتوجيه دينامية السلطة المالية المتمثلة في التبادل التجاري الحر.والحال أن ما تعرفه جبهة الأسواق المالية من حرب ضروس هو،حسب تعبير ماركوس،حرب عالمية شاملة،ضحاياها هم بالدرجة الأولى الأسواق الوطنية.فالواقع يضيف ماركوس،أن الحرب المعلنة من قبل اللبيرالية الجديدة تنتهي بإصابة إحدى أهم أسس الدولة الرأسمالية الحديثة بضربة قاتلة،وهي السوق الوطنية.ذلك أن الرأسمالية العالمية الجديدة بارتهانها لسلطة الاقتصاد المعولم،الذي يسحق السوق الوطنية ويقوضها من الأ ساس،تجعل من الرأسماليات الوطنية واقعا متقادما،ومن السلطات العمومية مجرد أشكال باهتة فارغة من أي محتوى ملموس، لدرجة أن الدول الوطنية أصبحت عاجزة تماما عن حماية نفسها،فأحرى الدفاع عن حقوق مواطنيها.فالقرار السياسي والديبلوماسي والاقتصادي أصبح رهينا لقوانين وسلطات الأسواق المالية،حتى أن استقلال الدول الوطنية صار مجرد وثيقة تاريخية تحيل لزمن التأسيس ليس أكثر. فالإبن ( اللبيرالية الجديدة) ،يقول ماركوس،يطلق الأب ( الرأسمال الوطني)،و في مسار يهدم أكاذيب الإيديولوجيا الرأسمالية: ففي النظام العالمي الجديد،ليس ثمة ديموقراطية،ولا حرية،لا مساواة ولاإخاء.فالمشهد الكوني تحول إلى حقل جديد للمنازلة حيث يسود الكاوس Le chaos .
و تماما كما خلقت الرأسمالية رعبا عسكريا في عهد الحرب الباردة،باكتشافها لقنبلة نيترونية تدمر الحياة وتحفظ البنايات( يا لسخرية الرعب!)،فإن عبقرية جديدة لصناعة الرعب تقود الحرب الرابعة الجارية اليوم،وهي قنبلة أشد فتكا بالطبيعة والإنسان:القنبلة المالية.فهذه الأخيرة خلافا للقنبلة التي دمرت هيروشيما و نكازاكي،وحفظت توازن الرعب،لا تدمر وتفرض الموت والبؤس على أبناءها فحسب،بل تحول هدفها إلى مجرد قطعة في مركبة العولمة الاقتصادية،يقول ماركوس،حتى أن انفجارها لن تكون من نتائجه هذه المرة سحب الدخان المتصاعد والأجساد الملطخة بالدماء.فإذا كانت القنابل النووية قادرة على تدمير العمران ومحو الآثار البشرية من على وجه الأرض،فإن القنبلة المالية لها طبيعة مغايرة من حيث أن قدرتها المركزة على اجتياح حدود الدول الوطنية و تدمير الأسس المادية لسيادتها وتشتيت استقلالها وإخلاءها من ساكنتها الأصلية كيفيا،قدرة لا مثيل لها من كل وسائل التدمير الحربي والعسكري.فالمراكز المالية التي تسهر على تفجير هذه القنبلة تعرف بالمقابل كيف تعيد بناء الدول الوطنية على مقاس منطق الاقتصادي دون ما هو اجتماعي، و على أساس أيضا اقتلاع السكان الأصليين من أوطانهم ومسخ هويتهم الثقافية ونهب ثراوتهم الوطنية الطبيعة والحيوية…
ثمة ظاهرة تبرز للعيان في مسار هذه الحرب الجديدة:اختفاء السياسة وتواريها من حيث هي أساس الدولة الوطنية،وتراجع دورها في الحياة الاجتماعية للأوطان لصالح دور »إدارة الاقتصاد«،أو تحول رجال السياسة إلى مجرد مسيري مقاولات وعبدة قوانينها لا حول لهم و لا قوة عليها.ففي سياق هذه الحرب يسعى النظام العالمي الجديد إلى توحيد العالم في سوق واحدة موحدة،حيث لن تكون الدول الوطنية أكثر من مقاولات تديرها حكومات محلية،هي الأخرى ليست أكثر من جهاز موظفين يسيرون أعمال أسياد العالم الجدد.وهو ما يعني أيضا أن التكتلات الإقليمية لن تكون في النهاية سوى مجرد اتفاقيات تجارية أكثر منها تجمعات سياسية،طالما أن العامل الاقتصادي أصبح يلعب دورا مركزيا في تصور أشكال توحيد العالم في صيغة سوق كوني مضمونة لتنقل البضائع لا الأشخاص ...
إن الحرب العالمية الرابعة التي تقودها سياسات العولمة،خصوصا ذات النهج الأمريكي،تستهدف ليس فقط تدمير الأمس المادية الاقتصادية للدولة الوطنية،بل و أيضا إلى تدمير المقومات التاريخية و الثقافية للهويات الوطنية لشعوب الأرض،التي لا تدين بالنموذح الأمريكي في التفكير والحياة American way of life.وفي هذا الإطار تلعب التكنولوجيا الجديدة للاعلام والاتصال دورا مساعدا في سرعة و فعالية تحقيق الأهداف الحربية،وبدقة تفوق كل الحروب الاستئصالية التي عرفها التاريخ الإنساني حتى الآن.
و لتفكير واقع الحرب العالمية الجديدة التي توشك على تدمير الإنسانية يقترح "القائد" ماركوس سبع "قطع"،يرى أن تشريحها سيساهم في تعبئة الوعي الإنساني من أجل بناء جبهات لمقاومة مسلسل التدمير الجاري :
1- تمركز الغنى و توزيع الفقر:
إنه من بين النماذج التي تجاذبت تاريخ الإنسانية،تحتل اللبيرالية الجديدة مكانة حاسمة في تصورتقاسم الثروة.فهي تخص البعض بتراكم الثروات وفائض الفني،فيما البقية من ملايين البشر غارقة في الكفاف وتراكم الحاجات.وهكذا فإن الظلم و اللامساواة يشكلان علامتين مميزتين للعالم الراهن.ويكفي للتدليل على ذلك تأمل هذا الرقم:فمن مجموع خمس مليارات من الكائنات البشرية،تعيش خمس مائة حياة مريحة،فيما أربعة ونصف مليار تعيش حياة الفقر والبؤس.والمفارقة أيضا أن خمسة من الأشخاص الأكثر غنى في العالم(مليارديرات بالدولار)،يستحوذون على ثروة تفوق الدخل النسوي لنصف الساكنة الأكثر فقرا في العالم،بما يعادل مليارين و خمسمائة مليون شخص؛بل وأن تطور الشركات المتعددة الجنسية الكبرى لا يساهم في تقدم الأمم النامية إلا بقدر ما يغتني مسييريها،ويتعاظم الفقر في الدول المسماة دولا غنية.فالفوارق بين الأغنياء والفقراء داخل هذه الدول تزداد اتساعا واللامساواة الاجتماعية تتعمق أكثر.
2- عولمة الاستغلال:
ومن ذلك تتكشف حقيقة مزاعم وأكاذيب الليبيرالية الجديدة بشأن أن النمو الاقتصادي للشركات يؤدي حتما إلى توزيع عادل للثروة وتوفير الشغل.فالحقيقة أن السيادة المطلقة للرأسمال المالي لا تسهم في توزيع الثروات ولا في خلق مناصب شغل،بل إنه من نتائجها البنيوية تكريس الفقر والبطالة( مليارين من الأشخاص يعيشون في الفقر،ولا يتعدى دخلهم اليومي دولار واحد بحسب دليل البنك العالمي).إن النظام الرأسمالي إذ يعمل على تحديث الانتاج وتسويق و استهلاك البضائع،مستفيدا من الثورات التكنولوجية والسياسية الجديدة،فإنه يفسح في المجال لثورة اجتماعية جديدة تتمثل في إعادة تنظيم القوى الاجتماعية،وأساسا قوى العمل.وهذه الثروة التي تعمقها اليوم الليبيرالية الجديدة في آفاق العولمة الكاسحة،تنتج مزيدا من التدمير والضحايا: تدمير المقاولات المتوسطة،إحالة الملايين من العمال على البطالة،اختفاء الأسواق المحلية والجهوية أمام عجزها المتزايد على المنافسة مع الشركات العملاقة.وبالتالي فإن الواقع الجلي هو:أن نمو الانتاج عوض أن يخلق مناصب شغل،يكرس شعار الليبرالية الجديدة:"نمو بدون شغل".وعليه فإن ملايين من الناس يصبحون في عداد غير المرغوب فيهم لأنهم لا ينتحون ولا يستهلكون ولا يدخرون أموالا في المؤسسات البنكية،وبالتالي يقذف بهم إلى هوامش البؤس والموت البطيئ.في المقابل،تعمل الأسواق المالية يوميا على فرض قوانينها على الدول و مجموعاتها…
3- الهجرة – كابوس متجول :
مع نهاية الحرب "العالمية الثالثة" ظهرت للوجود مناطق جديدة صارت هدفا لغزو الأسواق( البلدان الاشتراكية السابقة)،وقد نهجت هذه الأخيرة استراتيجية ثلاثية:" الحروب الإقليمية والنزاعات الداخلية،استمرار الرأسمال في تحقيق تراكم وتحريك جماهير العمال على نطاق واسع.والنتيجة كانت:حشد كبير لملايين المهاجرين عبر العالم، و غرباء في عالم بلا حدود ،بلا عمل ولا هوية ثقافية،يكابدون كل أشكال العنف والجوع و القمع البوليسي ...و الحال أن السياسة الليبرالية الجديدة في ميدان الهجرة لا تعمل سوى على تعميق عدم استقرار السوق العالمي للشغل..
4- العولمة المالية وتعميم الجريمة:
خلال الحرب الباردة اكتسبت الجريمة المنظمة صورة محترمة،ذلك لأنها لم تكن تشتغل كمقاومة حديثة فحسب،و إنما كذلك تسربت عميقا إلى الأنظمة السياسية والاقتصادية للدول الوطنية .
لكن مع بداية الحرب العالمية الرابعة اتجهت الجريمة المنظمة إلى عولمة نشاطاتها من خلال توحيد تنظيماتها وتعزيز تعاونها الدولي بالقارات الخمس،لأجل غزو الأسواق الجديدة.وهكذا تعمل هذه التنظيمات على الاستثمار في الأعمال المشروعة ليس فقط لتبييض المال القذر،بل وأساسا لكسب رأسمال الأنشطة غير المشروعة.ومن الأنشطة المفضلة لهذه التنظيمات نجد في المقدمة العقار والإعلام و البنوك...
5- العنف المشروع لسلطة غير شرعية:
في زمن العولمة لم يعد للدولة من وظيفة سوى استعمال قوتها في القمع،ذلك أن أساسها المادي تحطم وسيادتها واستقلاليتها انمحتا وطبقتها السياسية تشظت،فصارت مجرد جهاز للأمن في خدمة الشركات العملاقة.وعوض أن توجه الاستثمار العمومي نحو الادخار الاجتماعي،تفضل تطوير الأجهزة التي تمكنها من المراقبة والتحكم أكثر في المجتمع.لكن ما العمل حين يكون العنف مصدره قوانين السوق؟ أين هو العنف المشروع و أين هو غير المشروع؟ إن الواقع يكشف بشكل جلي حقيقة أن الجريمة المنظمة والسلطات و المراكز المالية قوى يجمع بينها اليوم »حلف مقدس «.فالدولة لم تعد تحتكر العنف بعد أن جردها السوق من كل الأسلحة وسلمها لتنظيمات الإجرام الدولي.والحال كذلك "الشرطة الدولية الجديدة"تريد أن تجعل من الجيش والشرطة الوطنية مجرد جسم أمني يضمن استقرار وتقدم الشركات العملاقة.
-6 سياسة الكبار والأقزام:
إحدى مفارقات الحرب الرابعة هي أن الليبيرالية الجديدة التي تقود هجوم الأسواق المالية على الدول الوطنية لا تسعى فقط إلى تذويب هذه الأخيرة في الشركات المتعددة الجنسية،بل إن استراتيجيتها الحربية تقوم على تدمير و تهجير و إعادة تنظيم وبناء أمم و دول على مقاسها مما ينتج شقوق عميقة في بنية الدول الوطنية.و المفارقة تكمن هنا في أن سياستها الموجهة نحو إلغاء الحدود »وتوحيد« الأمم يتسبب في الواقع في مضاعفة وتشتيت الأمم و تشردها،والنتيجة مزيدا من حروب الحدود ومزيدا من البلقنة الداخلية للدول( أقذر الحروب التطهيرية وأعنفها تلك التي أشعلتها الليبيرالية الجديدة).إن إلغاء الحدود التجارية وتطور وسائل الإتصال،الطرق السيارة للاعلام وقوة الأسواق المالية،والاتفاقات الدولية للتبادل الحر،كل هذا ساهم و لايزال في تدمير الدول الوطنية ومحو هويتها وشطبها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المعاصرة. فالعولمة أنتجت عالما مقسما ما عدا من الروابط الاقتصادية المحكومة بقوانين الأسواق المالية،والتي يسهر على تنفيذها مركز سياسي-اقتصادي يلعب دور شرطة عالمية ترعى المصالح الدولية للسيد المطلق: السوق.وباسم هذا الأخير تقرر الحروب،الديون،تبادل البضائع،الاعترافات الديبلوماسية، العقوبات التجارية،الدعم السياسي،قوانين الهجرة والاستثمارات…إلخ.ففي الواقع أن الأسواق المالية تفرض معاييرها على الجميع،وما يهمها هو احترام البرنامج الاقتصادي؛فهي قد تغفر مثلا لوجود»حكومة يسارية«،شريطة أن لا تقوم هذه الأخيرة بأي إجراء من شأنه المس بمصالح الأسواق والنموذج السائد:الليبرالية الجديدة.
7-جيوب المقاومـــــة:
كأي حرب أخرى،تصطدم الحرب التي تقودها اليوم الليبرالية المنتصرة بمقاومة شديدة،تنشط الكثير من جيوبها في صفوف الجماعات المدنية وحركات الاحتجاج وأنوية التمرد،التي يتواصل تشكلها عبر نقاط العالم؛ذلك أن إمبراطورية الماليين بجيوبهم الممتلئة تجابه اليوم تمردا قويا من قبل جيوب المقاومة،وهي جيوب من كل ا لمقامات والآفاق من مختلف الألوان والأشكال،يجمع بينها مشترك و حيد هو: إرادة المقاومة،مقاومة»النظام العالمي الجديد «والجريمة ضد الانسانية التي تقترفها هذه الحرب العالمية الرابعة.فإذا كانت الليبيرالية تسعى لاخضاع ملايين الكائنات البشرية،وتريد التخلص من كل من تعتبرهم فائضا مخيفا،فإن هؤلاء المنبوذين يواصلون تمردهم،أطفالا،شبابا وشيوخا،سكان أصليين،نشطاء البيئة،مثليين،عمالا،وكل أولئك الذين »يزعجون « النظام الجديد.إنهم يناضلون ويتكتلون في تنظيماتهم.فهؤلاء الذين تقصيهم »حداثة « النظام العامي الجديد يحفزون المقاومات في كل مكان وبكل ما أوتوا من قوة وحول،مقاومات تتحدد وتتباين وتتلون بظروف وخصوصيات وتواريخ الشعوب والجماعات.
إن أمل الانسانية-يختم ماركوس- في البقاء يتوقف على هذه الجيوب التي يشكلها المنبوذين و المقصيين والمهمشين الذين صنعتهم الآلة الاقتصادية من بين النساء والشباب والمهاجرين على الخصوص.(9).
سخرية الحرب الأخرى :
منذ سنة 1989 لم تتوقف دوائر النزاع المسلح والعنف عن التوسع ( كولومبيا- ليبيريا-سيراليون-أنغولا-السودان-الجزائر-أفغانستان-الشيشان..إلخ).فمنذ ذلك التاريخ شهد العالم ما يقارب 60 نزاعا مسلحا خلف مئات الآلاف من القتلى،وما يفوق17مليون لاجئ(10).ولا يظهر في الأفق ما يؤشر على تراجع عوامل النزاعات المسلحة وحروب الحدود،رغم كل التطور الذي شهدته أساليب الهيمنة لدى القوى العظمى.ففي الواقع أن هذه العوامل يجري تأجيجها في مجرى الحرب الواسعة التي تقودها الشركات المتعددة الجنسية لأجل توسيع مجال نفوذها .
وإن أبشع حرب تشنها الليبيرالية الجديدة تتمثل في حرمان المواطنين على الصعيد العالمي من أبسط شروط التنمية البشرية،وبعض أرقام هذه الحرب تعد الأسوء من كل ضحايا النزاعات المسلحة و الحروب الكلاسيكية:ففي دولة عظمى كأمريكا يوجد أكثر من 40 مليون تحت عتبة الفقر و 52 مليون يعانون من آفة الأمية.وعلى مستوى آخر تفيد بعض التقديرات أن 225 من أضخم الثروات العالمية تبلغ أكثر من 1000 مليار أورو،أي ما يعادل الدخل السنوي ل 47 % من أكثر فقراء العالم (2,5 مليار شخص)،فيما ثروة خمسة عشر شخصا من كبار الأثرياء تتجاوز الناتج الخام لمجموع دول إفريقيا جنوب الصحراء،أي أن الأفراد أصبحوا أكثر غنى من الدول ! هذا في وقت يموت فيه سنويا أكثر من 30 مليون بسبب الجوع،الذي أصبح – كما يقول إغناسيو رامونيه- سلاحا سياسيا في أيدي القوى المهيمنة.والمثير للسخرية :أن تلبية الاحتياجات الغذائية والصحية للعالم لن تكلف أكثر من 12 مليار» أورو«،أي بالكاد ما ينفقه سكان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سنويا في استهلاك العطور،وأقل مما ينفقون سنويا في شراء المثلجات!؟.
هكذا إذن،تكرس الحرب الاقتصادية التي تقودها اللبيرالية الجديدة على أوسع نطاق،منطق كل حرب:البقاء للأقوى؛والأقوى في هذه الحرب أصبح معلوما،الشركات العملاقة ومعبودها السوق المنتوج سيدا مطلقا على العالم .
إنما مبدأ القوة لا يعمل في النهاية سوى في سيرورة تتكامل فيها شروط كل قوة،الاقتصادية والعسكرية والسياسية.لنقرأ في هدا السياق ما كتبه أحد مستشاري "مادلين أولبرايت" في شرح الاستراتيجية الساسية الأمريكية:"لا يمكن لمحلات ماكدونالد أن تزدهر من دون دوغلاس مكدونيل مصمم طائرة إ.ف15،ولن تكون اليد الخفية التي تتحكم بالأسواق دات فعالية من دون القبضة الخفية التي تمثلها القوات العسكرية الأمريكية."ومعنى هذا الكلام واضح:وحدها علاقات القوة،وفي مقدمها القوة العسكرية هي ما يضمن عمل السوق والسلام.أما شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية والقوانين الخالصة للسوق التي يتم تفخيمها في الخطاب السائد ووسائل الإعلام،فإنها لا تعدو أن تكون نغمة ديماغوجية يجري الاحتفاء بها فقط طالما تكون مفيدة عمليا وفي ظروف ملموسة لتكريس استراتيجية القـــــوة.

هوامش:
1/ See:“Report of the quadrennial Review”,U.S Department of the defense,Washington Mai 1997.
2/ Michael klare :Quand Washington repense sa stratégie militaire. Manière de voir,37, Janvier –Février,1998.pp :10-12.
3/ See: A DIA global security assessment, Defense issues.6.Février 1997/(http//www.defenselink.mil ).


4/G.Achkar :la nouvelle guerre froide:le monde aprés le Kosovo.P.U.F Paris 1999.
5/Paul–Marie de La Gorce -;-Washington mise sur le bouclier antimissile. Le Monde diplomatique, Septembre,2000.
6/ C.Weinberger,The next war,cité par :I.Ramonet,la guerre prochaine.Manière de voir .Jan/Fev1998.
7/ I.Ranonet, La guerre prochaine.op.cité.
8/Sous -commandant Marcos,La 4e guerre mondiale a commencé, Manière de voir (36) Novembre-Décembre 1997.
9/ I.Ramonet, Géopolitique du choas, Ed Gallilée 1997,( P :10).
10/I.Ramonet,Les autres guerres,Manière de voir,Janvier-Février 1999 (p.6).

نشرت في "دفاتر سياسية"،شهرية مغربية،العدد 15،السنة الثانية-دجنبر 2000 المغرب-(يرجى الإحالة على المصدر الأصلي).



#عبد_المجيد_السخيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم والاتيقا: رهانات السوق
- الدرس السياسي للفلسفة كاستورياديس نموذجا.
- في الخلفية السياسية للفلسفة :نقدالنزعة الإنسانية عند لوي ألت ...
- التخلص من الاتحاد الاشتراكي
- الثورة المغدورة: انحطاط اليمين وبؤس البديل
- مهرجان موازين: هل انتصر القصر على الشارع؟
- -موازين-: مهرجان السلطة وإيقاعات المعارضة
- مهدي عامل: الفكر في موقع سياسي مكشوف


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد السخيري - الحرب الجارية… و الحرب القادمة التحولات الاقتصادية و الجيو- سياسية لعالم ما بعد 198