|
الحُسَين وجيفارا
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4264 - 2013 / 11 / 3 - 18:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الصراع المُحتدِم بين المبادئ من جهة والإنتهازية من جهةٍ أخرى .. قديمٌ قدم الإنسان ، وسوف يبقى هذا الصراع موجوداً .. إذ كما يبدو ، أنه جزءٌ من طبيعة الحياة نفسها .. فلكي يبرز شخصٌ مبدئي شريف ، ينبغي ان يوجد شخصٌ آخر غير مبدئي وغير شريف ، حتى يُستطاع المُقارنة بينهما . والتأريخ يزخر بالكثير من الأمثلة ، التي دفع فيها " المبدئيون " حياتهم ثمناً ، للتمسُك بالقِيَم التي يُؤمنون بها ، أو على الأقل تَخّلوا طوعاً عن مباهج الحياة وإغراءات المال والجاه والسُلطة . ولكن المُلفِتْ ، وعلى مدى التأريخ ولغاية اليوم .. أن عَدد هؤلاء المتمسكين بالمبادئ والقِيَم .. قليل ، بل قليلٌ جداً مُقارنة بالطرف الآخر ، أي الإنتهازيين من كُل الأصناف : أي المُتلونين والمتاجرين بشعارات الوطنية والقومية وراكبي موجة الدين السياسي والطائفية والمُدّعين والمُنافقين والهاربين من أول مُواجَهة والمنبطحين والمُنشغلين بِجمع الأموال بِطُرقٍ مشبوهة وغير شرعية وخائني الأمانة ... الخ . في العديد من المُفترقات ، قديماً وحديثاً .. يُخّيِر الحاكِمُ المُستبدُ ، الأسيرَ أو المُعارِضَ .. بين أن يتخلى عن ما يُؤمن به من مبادئ ويُعلن ذلك على الملأ ، فينجو .. أو يتعرض الى العقوبة والتضييق والمُحارَبةِ أو رُبما الموت . وذاك الرسول " محمد بن عبد الله " يرفض عَرض شيوخ وأثرياء قُريش ، بالتنازل عن ما يدعو إليهِ ، مُقابل حصوله على الجاه والسُلطة ، يرفض ، حتى لو وضعوا " الشمس في يمينه والقمر في شماله " .. وذا حفيده " الحُسين بن علي " ، لا يقبل التراجُع عن ثورته ، رغم تَخّلي الناس عنه وتَركه وعائلته وحيداً ، ولايقبل العودة الى دياره ذليلاً ، وفّضلَ الشهادة على ذلك . ورغم ماكنة الإعلام الديني والمَذهبي والقومي والعشائري ، طيلة قرونٍ طويلة .. التي أضافتْ وشطَبَتْ وتدخلتْ حسب هواها و حّورتْ وهّذبتْ وزّيفتْ وطّعمتْ الحوادث بالكثير من الخيال ، فأنه ، لا جدال في عبقرية مُحّمد ، ولا في قُدرة الدين الذي دعى إليهِ ، على الإنتشار والديمومة لحد يومنا هذا .. ولا جدال أيضاً في مبدئية الحُسين الفّذة وشجاعته وتضحيته . وفي العصر الحديث ، هذا " يوسف سلمان أو فهد " ورفاقه ، يستنكفون التنازل عن معتقداتهم ، مُقابل العفو عنهم .. وفّضلوا المشنقة على الخنوع . وذاك أيضاً " حسين الرضي أو سلام عادل " .. يبصق في وَجهِ سّجانه ، الذي إقترحَ عليهِ تقديم البراءة ، ويدفع حياتهُ ثمناً لمبدأيته . وهاهو " تشي جيفارا " يترك السُلطة والمنصب والراحة في كوبا المُحّرَرة ، ليُحارِب الفاشية والمُستبدين أينما كان في أفريقيا وأمريكا اللاتينية .. دفاعاً عن المُستضعفين ، حتى قُتِلَ مرفوع الرأس . ......................... الأمثلة أعلاه ( رغم إختلاف الأزمان وتبايُن الأفكار فيما بينهم ).. تجمعهم صفة مُهمة ، ألا وهي أنهم كانوا مبدئيين ، لم يُساوموا على حساب مُعتقداتهم التي آمنوا بها .. وكذلك لم يُناضلوا من أجل مكاسب وإمتيازات شخصية ، ورفضوا كُل المُغريات وسطوة المال وجذب السُلطة ورفاهيتها .. وضّحوا بحياتهم في سبيل الآخرين وفي سبيل المُعتقدات والمبادئ . ........................ الكثير الكثير من المُتحدثين اليوم ، بإسم مُحّمد ، زوراً وبُهتاناً .. لاينتهجون ما دعى إليه من مبادئ الرحمة والعدالة والإنسانية .. بل يحملون رايات التعصُب والتشدُد والفُرقة ، مُستخدمين إسم الله ومُحّمد في القتل والذبح والتنكيل . والكثير الكثير من مُدّعي حُب الحُسَين ، اليوم ، منافقون يعملون بالعكس من ثورته ضد الظُلم ، ويستغلون إسم عليٍ والحُسين ، من أجل مآربهم الدنيئة والحفاظ على السُلطة والإمتيازات والضحك على ذقون البُسطاء . والكثير من الذين كانوا منتمين للتيار الشيوعي والإشتراكي ، تَبَينَ انهم بعيدونَ كُل البُعد .. عن مبادئ فهد وسلام عادل وجيفارا .. مُفّضلين الحياة السهلة والمُريحة ، وباعوا المبادئ بأبخس الأثمان . .......................... ليسَ المطلوب من الجميع ، ان يكونوا الحُسين أو جيفارا .. ولكن على الأقل ، إحترام الذات ، يتطلب التَحّلي بِقدرٍ معقول من المبادئ الرصينة وعدم الحياد عنها .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المُخصصات الليلية والترفيه الرسمي
-
نِفاق أحزاب الإسلام السياسي
-
دَفْتَر
-
أمريكا .. تتنّصَت
-
الحجِية .. وصورة الزعيم
-
سيدي المالكي : المُشكلة ليستْ في الهَفْ
-
مأزق تشكيل حكومة الأقليم
-
نفطٌ .. وسوء إدارة
-
الأبُ والإبن
-
خطفُ رئيسٍ من فندق !
-
كفى تهافُتاً .. على دُول الخليج
-
عندما يتشاجر الطباخون
-
خواطر .. عن دولة كردستان
-
طاقات سياحية كامنة ، في جبل زاوة
-
حكيم الغابة
-
إنتخابات الأقليم / تحليل جزئي / العمادية نموذجاً
-
أسَفي على بغداد
-
الديمقراطي ، الأكثر شعبية . محاولة تفسير
-
سيناريوهات تشكيل حكومة الأقليم
-
الإنتخابات .. وصوت البَطة !
المزيد.....
-
ترتيب الدول الأقوى في مضمار استغلال الطاقة الشمسية
-
-ثعابين الثلج-.. مصورة توثق هذه الظاهرة الغريبة من نوعها في
...
-
جلد وسجن 8 سنوات.. إيران تحكم على مخرج مشهور وفقا لمحاميه
-
السويد: إسرائيل محط تركيز في نصف نهائي -يوروفيجن- وسط احتجاج
...
-
تركيا تدرس زيادة أسعار الطاقة -للأسر ذات الدخل المرتفع-
-
إسرائيل تعتبر تهديد بايدن بوقف تزويدها بأسلحة -مخيبا للآمال-
...
-
مصدر أمني ??لبناني: أربعة قتلى لـ-حزب الله- في الغارة الإسرا
...
-
أردوغان يوجه رسالة إلى أوروبا في عيدها
-
بوتين: الغرب يحلم بإضعافنا والنصر في أوكرانيا شرط أساسي لتحق
...
-
كيف يؤثر انخفاض فيتامين D على الحمل؟
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|