صبحي مبارك مال الله
الحوار المتمدن-العدد: 4254 - 2013 / 10 / 23 - 16:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حول ضحايا الحرب والعنف في العراق
منذُ عام 2003 م والعراق في دائرة الضوء والأهتمام من قبل الباحثين ، فهناك المئات والعشرات من التقارير الدولية والمحلية التي تطرقت الى مايجري في العراق من عنف ودمار وتحطيم للبنى التحتية بدءاً من الحرب الأمريكية وأحتلالها للعراق في عام 2003 وما حصل من تداعيات أجتماعية وصحية وأقتصادية و كان أول المتضررين هو الأنسان العراقي حيث فقد مئات الألاف حياتهم من الشعب العراقي وهي حصيلة عدة دراسات ، فبعد أن كان الشعب يعاني من نظام دكتاتوري بغيض لأكثر من خمسة وثلاثين سنة ، قدمّ فيها مئات الألاف من الضحايا من القتلى والجرحى والمعوقين نتيجة دخول هذا النظام في حروب ليس لها مبرر حقيقي سوى المجد الشخصي ، وهي حرب العراق أيران وأحتلال الكويت والحرب الأمريكية العراقية والحروب المحلية ضد الشعب الكردي فضلاً عن حربه مع الشعب ، والتي دُمرت فيها خيرات الشعب وأيقاف نمو الأقتصاد وتراجع الخدمات والتخلف التكنلوجي والزراعي أضافة الى عزل العراق عن التطور العلمي والثقافي نتيجة العقوبات الدولية ، فكانت الأضرار والتدمير يتصاعد من البيت والعائلة الى المجتمع العراقي بكامله ، فالفساد والأمراض والبطالة والفقر وأنخفاض المستوى الدراسي والعلمي ، والكثير من التداعيات التي عانى منها الأنسان العراقي ومنها الكم الهائل من الأيتام والأرامل والأيامى والتي أنعكست على المستوى النفسي والمعاناة من الأمراض النفسية ، ولهذا أن أجراء أي بحث أودراسة لابدً من دراسة جذور المشاكل المتأزمة والمتراكمة منذ هيمنة الأنظمة الدكتاتورية على العراق وسلب أرادة الشعب في العيش الكريم و معاملته حسب سياسة التجهيل وخنق الحريات ، والرأي الواحد والحزب الواحد ، فنشأت أجيال متأزمة لاتملك حرية التفكير والأبداع وليس لها حق في التعبير عما تريد .فكان التعامل مع الأنسان العراقي ،تعامل أذلال وقهر ومسخ للشخصية العراقية ولم ترَ هذه الأجيال سوى العنف المستمر وتشاهد صور (من المعركة) التي كانت تعكس دموية الأنسان وجبروته وأذا أراد ذلك الأنسان أن يعبّر عن ذاته وشخصيته يرمى في السجون ويواجه أدوات التعذيب والقتل وكذلك يواجه المحاكمات الصورية التي غالباً ماتكون أحكامها بالأعدام بل تطور الأمر الى حبس ذوي المتهم بدون تهمة ،هذا ماكان يجري .
وبعد المتغيرات وأنهيار النظام في نيسان 2003 م ، وجد الشعب نفسه أمام مفترق طرق ، لم تكن هناك خطط متكاملة لبناء العراق الجديد ولم يجد نفسه في عملية سياسية حقيقية ولم تفتح أبواب المستقبل أمامه ولم يشعر بالحياة الديمقراطية الذي أوعد بها ، بل يعيش الآن حرب طائفية مقيتة وصراع سياسي وأزمات سياسية مستمرة وهذا بسبب أزدواجية الحكم والتدخل الأمريكي .
كما أن التدخل الأقليمي قد عقّد الموقف وأصبح الشعب سليب الأرادة في التوجه نحو بناء العراق الجديد ، فأشتعلت الحرب الطائفية بتحريض من القوى الأسلامية المتطرفة ومنها القاعدةوالدول العربية التي تقف خلفها والدافع كان الأنتقام من الشعب العراقي بسبب تخلصه من النظام السابق ومنع محاولة رسم بناء دولة ديمقراطية حرة تكون نموذج في المنطقة ولكن الأسلوب الأمريكي باعتباره محتل وأنقسام القوى الوطنية بين أسلام سياسي وحسب المذهب وليبرالي وقومي وديمقراطي حال دون تحقيق أهداف الشعب في في تحقيق الحياة الحرة الكريمة .
فبعد تلك التضحيات الجسيمة في الحروب والتضال ضد النظام السابق ، تصاعدت حصيلة الحرب الأمريكية ونشاطات قوى الأرهاب العنيفة والدموية ، ألى أعلى المستويات فالقتل اليومي والتفجيرات المستمرة والتهديدات ضد المواطنين العُزل وأستمرار سياسة التهجير وعزل المناطق أصبحت ملازمة للوضع الأمني في العراق وبالمقابل أستمر الفساد والمحسوبية والرشى وأنتشارها في مؤسسات الدولة مع تعميق التوجه نحو الأستحواذ على المناصب ومواقع المسؤولية ومحاولة تفريغ المؤسسات الدستورية من محتواها وتوجهاتها ، فهناك من يعمل على أفشال التجربة الديمقراطية في العراق لمصلحة قوى خارجية أقليمية ودولية خصوصاً بعد الأكتشفات لآبار جديدة للنفط .
أن هم المواطن العراقي اليوم هو الأمان والأستقرار ، ولكن بعد فشل الأجهزة الأمنية في دحر قوى الأرهاب ونشاطات المليشيات ، جعلت هذا المواطن يعيش حالة الأحباط وتبخرت أحلامه في بناء عراق السلام والأمان .
لقد كشفت دراسة جديدة ،نشرت في يوم الثلاثاء 15 أكتوبر /2013 في مجلة (بلوس ميديسين ) أعدها أكادميون جامعيون في الولايات المتحدة وكندا بالتعاون مع وزارة الصحة العراقية وكان الباحثون من جامعة واشنطن وجامعة جونز هوبكنز وجامعة سايمون فريزر، بأن حوالي نصف مليون عراقي مدني قُتلوا منذ أحتلال العراق في عام 2003 م ولغاية منتصف عام 2011م وكانت هذه النتائج مخيفة كما يصفها الباحثون وقد صنفت الدراسة :-
القتلى الذين سقطوا خلال النزاع بشكل مباشر .
القتلى الذين سقطوا نتيجة الأحوال الأجتماعية وأنهيار البنى التحتية في قطاع الصحة ، قطاع التغذية ، المياه الصالحة للشرب ، قطاع النقل .
كما تشير الدراسة بأن المعارك والأعتداءات والأغتيالات قد سببت سقوط 70% من هولاء الضحايا وأن 35% من الضحايا قُتلوا بسبب قوات التحالف وأن 32% من الضحايا قتلوا بسبب وجود مجموعات مسلحة والتي سببت مشاكل في (القلب) للضحايا خصوصاً كبار السن . الدراسة أستندت ألى آراء بالغين يقطنون في حوالي 2000 منزل موزعة على 100 منطقة في العراق حيث أستفسروا منهم عن ظروف وفاة ذويهم ، لقد كانت العينات عشوائية التي تناولها البحث .
ولهذا نجد أن الدراسة قد أشارت الى حالات القتل المباشرة وغير المباشرة وأسبابها ولكن لم تتطرق الى الضحايا الآخرين الجرحى والمعوقين ، والأضرار المعنوية والنفسية والمادية على ذويهم أنني أعتقد الأرقام أكثر مما ثُبتت في الدراسة ولكن الدراسة تبين لنا مؤشرات حجم المأساة التي مرّ بها العراق .
ولهذا نحتاج الى أحصائيات ودراسات أخرى حول العنف والقتل الذي سببته قوى الأرهاب والمليشيات خصوصاً في سنوات 2006، 2007 ، وفي عام 2012 و2013 و يلاحظ أن عام 2013تميز بالتطور النوعي للهجمات الأرهابية .
أن الأسباب الحقيقية وراء تصاعد الأرهاب هو الأنقسام السياسي وتشتت القوى الداخلة في العملية السياسية ، والأختراق الأمني والصراع الطائفي ، كما أن الوصول الى حالة اليأس وعدم السيطرة على القوى الأرهابية التي تنقسم بين التدخل الخارجي والوجود الداخلي مع تيسير أمرها في حواضن خصصت لها في مناطق متعددة قد شجعها الى تصعيد عملياتها .
أن البطالة والعوز المالي والفقر وغياب الوعي عند الكثير من المجندين لمهمات القتل والأغتيال والتفجير هي الأسباب التي تجعل الشباب فريسة لمن يجندهم ودفعهم لقتل أبناء جلدتهم .
لقد أصبح القتل اليومي والتفجيرات التي أستهدفت كل شيئ أعتيادي بالنسبة للحكومة ، والسؤال ألا يتطلب الأمر تخصيص جلسات لمجلس النواب لمناقشة هذه الكارثة الأمنية ؟!، ألا يثير الأستغراب بأن دولة قائمة وحكومة مجهزة بكل الوسائل لاتستطيع السيطرة على الأنفلات الأمني؟! لماذا لاتصبح مكافحة الأرهاب مهمة وطنية تشترك فيها قوى الشعب والجيش ومن أحزاب ومنظمات مجتمع مدني ليس فقط بحمل السلاح وأنما بالتعاون ونبذ الخلافات والأنقسامات وتقوية النشاط الأستخبراتي وكشف المندسين والمسيئين.؟
أن وحدة القوى الوطنية ووحدة الشعب كفيل بدحر الأرهاب ، كما أن مسؤولية مجلس الوزراء ومجالس المحافظات ، ومجلس النواب العراقي العمل بحرارة وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي أزاء ما يحصل وبالرغم ماتقوم به الأجهزة الأمنية من جهود ألا أنها لاتستطيع وحدها مقاومة هذه الكارثة ، أن حملة شعبية صحفية وأعلامية وأستخبارتية مع جعل المهمة مهمة الجميع هو الطريق الصائب على أن يكون عبر تلبية مطالب الشعب ونشر الثقافة الديمقراطية وكشف التدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي للعراق .
#صبحي_مبارك_مال_الله (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟