حوار حول سقوط وهزيمة الاخوان واثارها2

حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 4247 - 2013 / 10 / 16 - 13:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

حوار حول سقوط وهزيمة الاخوان واثارها2
في الفقرة الثاني يركز الاستاذ فاتح شيخة من مقاله على موضوع الانقلاب العسكري في حركة الجيش المصري في ثورة الثلاثين من يونيو او عدمه. والفقرة اطول من ان يمكن اقتباسها وساحاول اقتباس اجزاء منها اثناء مناقشة هذه الفقرة.
يبدأ الاستاذ فاتح بانتقاد جريدة الايكونوميست اللندنية وبعض الشيوعيين والاشتراكيين لاساءة استخدام مصطلحات الانقلاب العسكري هاتفين "يا للهول! لقد قام الجيش بإنقلاب على أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر!" ثم يقول " عن أي إنقلاب يتحدثون؟ الم يتسلم "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" السلطة مباشرة و بكاملها بعد الـ11 من فبراير (شباط) 2011، لتدير بصورة مباشرة عملية إعادة البناء لمؤسسات السلطة التي تعرضت إلى ضربات الثورة؟"
هل كان استلام المجلس العسكري للسلطة في هذه الثورة لادارة عملية اعادة بناء لمؤسسات السلطة التي تعرضت الى ضربات الثورة؟ ليس في مصر من يوافق على ذلك لان استلام السلطة من قبل المجلس العسكري جاء بامر حسني مبارك وكانت مهمته منع تحقيق اي هدف مهما كان بسيطا من اهداف الثورة. في الحقيقة كان استلام المجلس العسكري لكامل السلطة انقلابا عسكريا بكامل مصطلحات الانقلابات العسكرية. وكانت سياسة المجلس العسكري التي ادت الى استلام الاخوان السلطة اهم اسباب اندلاع ثورة الثلاثين من يونيو. وان جماهير ثورة الثلاثين من يونيو يطالبون اليوم بمحاكمة قيادة المجلس العسكري على جرائمهم ضد ثورة يناير وما تلاها.
ويواصل فيقول "في حين بادر نفس الجيش في الثلاثين من يونيو لتوجيه و إدارة عملية نقل السلطة، عن طريق وضع "خارطة للطريق" تنفذها حكومة مدنية مؤقتة؟" اي ان الجيش لم يقم في ثورة الثلاثين من يونيو بالاستيلاء على السلطة وادارتها سواء في سبيل تحقيق الثورة لاهدافها ام لا وانما قام الجيش بنقل السلطة من حكومة رجعية الى حكومة اخرى تقوم بادارة شؤون البلاد. ومن حق الاستاذ فاتح شيخ ان يتعجب من اعتبار عملية الجيش هذه انقلابا عسكريا. وواضح من كلام الاستاذ فاتح ان موقف الاوساط الامبريالية بمعاداة حراك الثلاثين من يونيو ناجم عن انها معادية للثورة. " لكن فيما يتعلق باليسار، فإن قبول ذلك التشوش الفكري مرتبط جزئياً بعادة التبعية لمنطق التيار الديمقراطي، وناتج في الجزء الآخر منه إلى عدم فهم آلية عمل "الدولة في المراحل الثورية." ... "إن هذه الآلية الغير معتادة مهما كانت شكل تجسدها فهي معادية للثورة في جوهرها، تهدف إلى إيقاف الثورة و إخمادها، وفي النهاية إلى قمعها و التخلص من الثورة."
يرى الاستاذ فاتح ان حركة الجيش في ثورة الثلاثين من يونيو ليست انقلابا عسكريا ولكنها حركة معادية للثورة في جوهرها. هل في حركة الجيش في هذه الثورة ما يدل على معاداة الثورة ومحاولة تحطيمها؟ الواقع يدل على خلاف ذلك اذ ان الجيش ليس فقط لم يستلم السلطة بل استجاب الى كافة مطاليب الثورة التي قررتها حركة تمرد سلفا قبل الثورة. والحقيقة هي ان جماهير الثورة لم تضع اهدافا ابعد من هذه الاهداف.
بعد هجوم طويل يصعب اقتباسه ضد الجيش المصري باعتباره القوة الاساسية استنادا الى مركزه في النظام الراسمالي للثورة المضادة يقودنا الاستاذ فاتح الى التجارب التاريخية في الثورات العالمية فيقول: "التجارب التأريخية في الثورات العالمية و خاصة ثورات الـ1848 و ما بعدها وكذلك المكتسبات النظرية للماركسية فيما يتعلق بفهم الثورات، توضح لنا بأنه في المراحل الثورية، الدولة (و قواه المسلحة) أما تكون في يد القوى الثورية و تسخر في خدمة توسيع رقعة الثورة و إستمرارها، أما تكون أداة لإخماد الثورة و قمعها إذا كانت في يد البرجوازية و مؤسسات الدولة السابقة".
في الواقع ان تجارب ثورات منتصف القرن التاسع عشر في اوروبا كانت فوائد عظيمة بالنسبة للحركات الشيوعية حتى يومنا هذا ولكن هذه الثورات لا تشابه ثورة الثلاثين من يونيو المصرية باي شكل من الاشكال. ثورات منتصف القرن التاسع عشر في اوروبا كانت ثورات برجوازية ضد الانظمة الاقطاعية التي سادت في اوروبا انئذ. وفي الثورات البرجوازية ضد الاقطاع كما هو الحال في جميع الثورات الطبقية يوجد جيشان متحاربان. جيش نظام اقطاعي يمثل السلطة الاقطاعية المعادية للثورة وجيش الثورة الذي ينشا اثناء الثورة لمحاربة الجيش الاقطاعي الموجه ضد الثورة .
ثم ان القول بان " في المراحل الثورية، الدولة (و قواه المسلحة) أما تكون في يد القوى الثورية و تسخر في خدمة توسيع رقعة الثورة و إستمرارها، أما تكون أداة لإخماد الثورة و قمعها إذا كانت في يد البرجوازية و مؤسسات الدولة السابقة" غير صحيح في جميع الثورات التي عرفها التاريخ. ففي كل الثورات الحقيقية توجد الدولة في حوزة الطبقة التي اصبحت طبقة قديمة ينبغي تغييرها وجيشها هو جيش معاداة الثورة بينما يكون جيش الثورة دائما جيشا ثوريا ينتفض على الدولة القديمة من اجل الاطاحة بها وانشاء دولة جديدة تمثل جيش الثورة والطبقة التي يمثلها جيش الثورة. فليست ثمة حالة تكون فيها الدولة دولة القوى الثائرة اذ ان الثورة تهدف قطعا الى اسقاط الدولة القديمة وانشاء دولة جديدة تمثل الطبقة الثائرة.
ولدينا من موقف ماركس وانجلز حول الثورة البرجواية الالمانية درس في موقف الطبقة العاملة الالمانية في هذه الثورة. كان جيش الثورة الذي يحارب جيش الدولة الاقطاعية جيشا ثوريا ولم يكن جيش الثورة البرجوازي قوة للثورة المضادة بل كان جيش الثورة المحارب ضد الجيش الاقطاعي المعادي للثورة من اجل اسقاط الطبقة الاقطاعية وتبوء الطبقة الراسمالية على السلطة . وكان موقف ماركس وانجلز اللذين مثلا مصالح الطبقة العاملة في هذه الثورة موقفا رائعا اذ اعلنا ان موقف البروليتاريا بوضعها القائم في منتصف القرن التاسع عشر يجب ان يكون مساندة الثورة البرجوازية والانضمام اليها رغم انها ثورة برجوازية، لا لان البروليتاريا تفضل النظام الراسمالي على النظام الاقطاعي ولكن لان وصول الطبقة البرجوازية للحكم كان ضروريا من اجل تحول الطبقة العاملة الى النضال من اجل اسقاطها.
ليس في ثورة الثلاثين من يونيو في مصر اي تشابه مع ثورات منتصف القرن التاسع عشر في اوروبا.
اولا ان حراك الثلاثين من يونيو ليس ثورة حسب التعريف العلمي للثورة. المفهوم العلمي للثورة هو قيام حركة تهدف الى اسقاط حكم طبقة اصبحت طبقة حاكمة تشكل عائقا في سبيل تطور قوى الانتاج والمجيء بطبقة جديدة تكون على الاقل في بداية حكمها مشجعة ومساندة لتطور قوى الانتاج. ولكن تسمية ثورة الثلاثين من يونيو بالثورة كان نتيجة لسعة القوى الشعبية التي لم يسبق مثيلها في التاريخ التي انتفضت على حكم الاخوان ولكنها في الواقع مجرد انتفاضة عظيمة ضد حكم الاخوان.
ثانيا ان ثورة الثلاثين من يونيو ليست ثورة برجوازية كما كانت ثورات منتصف القرن التاسع عشر. فقد تحققت الثورة البرجوازية في مصر في ثورة الضباط الاحرار ضد الحكم الملكي شبه الاقطاعي شبه الاستعماري وجاءت حكومة جمال عبد الناصر والحكومات التي تلتها كحكومات راسمالية. والثورة الحقيقية في ظروف مصر الحالية يجب ان تكون ثورة تهدف الى اسقاط النظام الراسمالي واقامة نظام اشتراكي يمثل مصالح الطبقة العاملة. الا ان ما سمي ثورة الثلاثين من يونيو ليس ثورة ضد النظام الراسمالي شانها شان ثورة يناير ضد حكومة حسني مبارك. وكما كان نجاح ثورة يناير معناه ازاحة حسني مبارك ولا اكثر ليس نجاح ثورة الثلاثين من يونيو اكثر من ازاحة مرسي وحكومة الاخوان المسلمين.
ان تسمية الحكومة الحالية حكومة الثورة فقط لانها حكومة تشكلت اثر نجاح الثورة. وليست هذه الحكومة بالضرورة حكومة ثورية في طابعها. كما ان الدستور الذي يجري تعديله او تغييره حاليا لن يكون دستورا ثوريا اي دستورا ضد الطبقة الراسمالية المصرية بل من المحتم ان يكون دستورا يمثل الطبقة الراسمالية الحاكمة في مصر. لا يعرف التاريخ حالة يكون الدستور فيها دستورا معاديا للطبقة الحاكمة. كذلك لا تكون انتخابات مجلس النواب القادم الا انتخابات تجيء بمجلس يمثل الطبقة الراسمالية الحاكمة ويصح الشيء ذاته على انتخاب الرئيس القادم.
هذا لا يعني ان الجماهير الثورية ليس بامكانها ان تؤثر تاثيرا كبيرا على الدستور والانتخابات. ولكن تاثيرها يكون في طبيعة الحكومات الراسمالية القادمة والرئاسة القادمة. ان الضغط الثوري من قبل جماهير ثورة الثلاثين من يونيو ومواصلة وحدتها وصمودها امام المؤامرات التي ستحاك حتما لشق صفوفها قد يؤدي الى مجيء حكومات الجناح الاكثر يسارية في الطبقة الراسمالية مما قد يؤدي الى تحقيق بعض اهداف الثورة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية ولو تحقيقا جزئيا.
ثالثا لم تجر ثورة الثلاثين من يونيو بين جيشين احدهما معاد للثورة والاخر جيش للثورة. ليس في ثورة الثلاثين من يونيو جيشان كما هو الحال في الثورات الحقيقية. ففي الثورات الحقيقية يتحتم وجود جيش للسلطة الحاكمة وجيش اخر ينشأ مع الثورة يمثل سلطة الطبقة الجديدة الثائرة. في مصر جيش واحد يمثل الطبقة الراسمالية الحاكمة. كان بامكان الجيش والشرطة الوقوف ضد الثورة لقمعها كما كان موقف الشرطة في ثورة يناير وكما هو الحال في كافة الثورات الطبقية الحقيقية. ولكن كان من اهم مظاهر ثورة الثلاثين من يونيو وقوف الجيش والشرطة الى جانب الجماهير الثائرة مما ادى الى نجاح الثورة باقل التضحيات الممكنة.
ان المجتمع المصري كان مجتمعا راسماليا قبل الثورة ويبقى مجتمعا راسماليا بعد الثورة.
يمكن القول ان ثورة الثلاثين من يونيو هي ثورة جناح من الطبقة الراسمالية ضد الجناح المغالي في الرجعية من الطبقة الراسمالية وثورة الثلاثين من يونيو هي انتفاضة جماهيرية رائعة لتحقيق حكم جناح يمثل اقصى اليسار للطبقة الراسمالية المصرية.
اختتم بهذا نقاش الفقرة الثانية من موضوع الحوار ولا ادري ان كانت ظروفي تسمح لي بمناقشة الفقرات الاخرى الكثيرة من مقال الاستاذ فاتح شيخ واعتذر الى الاستاذ فاتح شيخ اذا كنت مضطرا الى الاختلاف معه في ارائه لكن في الحقيقة هذا ما يتطلبه الحوار الثقافي الحقيقي.

#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات