رسالة اخوية الى تمرد وخصوصا الى قيادة تمرد۱-;-

حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 4167 - 2013 / 7 / 28 - 13:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

رسالة اخوية الى تمرد وخصوصا الى قيادة تمرد۱-;-
من المضحك ان اسمي هذه الرسالة رسالة اخوية. فهي رسالة من شيخ عجوز بلغ اخر مراحل شيخوخته موجهة الى شبيبة ثورية هم بعمر اولاده واحفاده وابناء احفاده من حظه انه مازال يستطيع التفكير والكتابة بهذا العمر المتقدم. ومع ذلك ارجو من قرائي الابناء والاحفاد وابناء الاحفاد ان يسمحوا لي ان اسميها رسالة اخوية لاني انا ايضا كنت مرة جزءا من حركة ثورية شبابية وما زلت احتفظ بذكراها.
لا ادري اذا كان بين شبيبة تمرد من يجد وقتا لقراءة رسالة شيخ بهذا العمر المتقدم ولكني احمل هذه الرسالة ولا استطيع التخلي عن ادائها.
انا اذ اعنون هذه الرسالة الى تمرد وقادة تمرد لا اقصد حركة تمرد معينة كحركة شبيبة مصر التي شاهدها العالم كله مثلا وانما اقصد كل حركة تمرد ثورية تشمل جزءا من شبيبة العالم كله.
ان حركة تمرد الشعب المصري التي انجزت ثورة شعبية لم يكن لها مثيل في تاريخ البشرية لم تكن صدفة بل هي تعبر عن ضرورة اجتماعية نشأت وفقا للظروف الاجتماعية التي يعيشها المجتمع الانساني حاليا. فالثورة التكنولوجية وثورة المعلومات مكنت الانسان من صنع انواع جديدة من الانتاج منها المفيدة ومنها المبيدة. نجح الانسان في انتاج صواريخ قادرة على حمل اجسام صخمة الى الفضاء الخارجي كالاقمار الصناعية الدائرة في فلك الارض والمنطلقة لغزو الفضاء واكتشاف اسراره التي بقيت خفية على الانسان من ناحية ونجح الانسان في انتاج اسلحة دمار لا حدود لقدرتها التدميرية للانسان ولمنجزاته وللكرة الارضية ككل.
جعلت الثورة التكنولوجية بامكان الطبقات الحاكمة ان تجبر العمال وسائر الكادحين على ان ينتجوا لها ما يؤدي الى ابادتهم من طائرات بدون طيار وصواريخ ذكية وقنابل اليورانيوم المنضب وغيرها الكثير. وجعلت الثورة المعلوماتية بامكان الطبقات الحاكمة ان تجبر العمال وسائر الكادحين على انتاج وسائل معلوماتية تستطيع تمييز كل شخص من ملايين المتظاهرين في مظاهرة حتى في مظاهرة ليلية بحيث اصبح يبدو ان الطبقة العاملة والكادحين لم يعد بامكانهم القيام باية حركة معارضة للطبقات الحاكمة بدون ان تجابههم الطبقات الحاكمة بما انتجه العمال انفسهم من وسائل القمع والابادة.
لكن الثورة التكنولوجية لم توفر للطبقات الحاكمة امكانيات تدمير كل حركة معارضة فور قيامها وحسب بل من الناحية الثانية خلقت امكانيات للطبقات الكادحة ايضا ان تجد وسائل جديدة للنضال ضد مضطهديها ومستغليها. نشات ضرورة امام الكادحين بان يستغلوا الثورة التكنولوجية والثورة المعلوماتية هم ايضا لتطوير نضالاتهم الثورية ضد الظلم والاستغلال والجوع والبطالة والمرض والجهل وغيرها.
ان قوى الطبقات الحاكمة تتكون من المادة التي يجبرون العمال والكادحين على انتاجها لهم. قواها تتمثل بالطائرات والدبابات والصواريخ والمدافع والقنابل على انواعها وحتى الاسلحة الكيماوية والمكروبية. كل هذه الاسلحة هي مواد طبيعية لا حياة لها تستطيع الطبقات الحاكمة استخدامها بدون ان تبدي اية مقاومة.
اما سلاح الحركات الثورية فهو الانسان. والانسان بخلاف الاسلحة الميتة قادر على المقاومة والنضال من اجل تحقيق مصالحه. وكان تاريخ المجتمع كله عبارة عن تعبير عن مقاومة الانسان وثوراته على الظلم والاستغلال بكل انواعه. ولذلك قال كارل ماركس في البيان الشيوعي "ان تاريخ اي مجتمع حتى الان ليس سوى تاريخ صراعات طبقية".
وكما وفرت الثورة التكنولوجية والثورة المعلوماتية في حوزة الطبقات الحاكمة اسلحة قادرة على قمع كل حركة ثورية قد تنشا بالمواد التي يجبرون الطبقة العاملة والكادحين على انتاجها لهم، كذلك جعلت بمقدور الطبقات الكادحة ان تجد وسائل جديدة لمقاومة هذه القوى الهائلة التي توفرت للطبقات الحاكمة. فنشات الضرورة لظهور حركة مثل حركة تمرد التي ظهرت ونشات في مصر كنموذج لما ينبغي ان يحدث في بلدان العالم اجمع.
ان حركات تمرد كالتي جرت في مصر في الثلاثين من يونيو وبشكلها السابق في ثورة يناير في مصر وفي ثورة الشعب التونسي اصبحت ضرورة اجتماعية. ومع نشوء الضرورة الاجتماعية تظهر معاها وسائل تحقيقها. وتحققت باكمل اشكالها لحد الان في ثورة تمرد في الثلاثين من يونيو. وظهرت باشكال اولية غير ناضجة التنظيم في ليبيا واليمن وسوريا. ولكن ظهور حركات تمرد اخرى محتم في ارجاء العالم. حركات تتفادى الاخطاء التي وقعت فيها الثورات السابقة لها الى ان تنضج بشكلها النهائي الحاسم.
وبما ان اكمل شكل لثورات تمرد ظهر حتى الان في العالم كان ثورة الثلاثين من يونيو فعلينا ان نتخذه كنموذح حي لثورات تمرد بايجابياتها وسلبياتها.
بدات ثورة تمرد باعلان انها تحاول جمع خمسة عشر مليون توقيع على استمارة تطالب بتنحي رئيس الجمهورية المنتخب محمد مرسي. وقد نحجت خلال شهر في جمع اثنين وعشرين مليون توقيع على هذه الاستمارة. لم تكن في تاريخ البشرية حملة جمع ملايين التواقيع قبل ذلك الا حين جمعت حركة السلام العالمي في اربعينيات القرن الماضي ستمئة مليون توقيع ضد انتاج القنابل الذرية. ولكن تلك الحركة كانت عالمية شملت شعوب المعسكر الاشتراكي كلها وملايين من شعوب العالم الراسمالي من محبي السلام. لذلك لا يمكن مقارنتها بحملة جمع اثنين وعشرين مليون توقيع في بلد واحد ومن شعب واحد وفي فترة قصيرة لم تتجاوز شهرا واحدا. انها حملة جمع تواقيع لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية.
ان جمع هذا العدد الهائل من التواقيع على عظمته ليس الاهم في هذه الحملة بل الاهم من ذلك هو كيف افلحت حركة تمرد في الاتصال شخصيا بكل هؤلاء الملايين من البشر في هذه المدة القصيرة واخذ تواقيعهم؟
ان الثورة التكنولوجية وثورة المعلومات وفرت للسلطات الحاكمة اسلحة قمع هائلة ضد كل معارضة تهدد سلطاتها ولكنها في الوقت ذاته وفرت للثوار سلاحا عظيم الاهمية يساند ثورتهم ويقويها، سلاح الانسان. جعلت بامكان حركة مثل حركة تمرد الشعبية المصرية ان تتصل بالانسان المصري واجتذابه نحو ثورتها.
ان سلاح السلطات الحاكمة بجميع اشكاله مادة ميتة لا حراك فيها لا تستطيع السلطات استخدامه الا باستخدام الانسان الذي يستطيع تشغيله. اما سلاح الحركات الشعبية الثورية فهو سلاح حي جاهز للاستعمال اذا احسن تنظيمه وتوعيته وانزاله الى الميدان. وهذا ما نجحت حركة تمرد المصرية في تحقيقه في الثلاثين من يونيو حين انزلت الى الشارع اكثر من ثلاثين مليون انسان.
اغلب السلطات الحاكمة الراسمالية الامبريالية سنت قوانين تعاقب من يحاول الاتصال بافراد الجيش والشرطة لجذبهم نحو الحركات الثورية تبلغ عقوبتها الاعدام. ولكن الثورة التكنولوجية والثورة المعلوماتية وفرت للحركات الثورية وسائل الاتصال بملايين الناس بمن فيهم افراد الجيش والشرطة بدون ان تستطيع السلطات الحاكمة الوصول اليهم ومعاقبتهم حسب القوانين التي سنتها لهذا الغرض.
اذا اخذنا حركة تمرد الشعب المصري على سبيل المثال فان قدرتها على الاتصال باثنين وعشرين مليون مواطن مصري واخذ تواقيعهم خلال شهر وانزال ثلاثين مليون انسان للتظاهر من اجل سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي يشل كل قدرات السلطة الحاكمة عن ملاحقة هذا الكم من البشر مهما كانت قواتها.
بين هؤلاء الملايين ابناء وبنات واخوان واخوات واحفاد رجال الجيش والشرطة بافرادهم وضباطهم. ان الجندي او الضابط الذي يؤمر بالقاء الغاز السام او الغاز المسيل للدموع او رشاشات الماء الحار او اطلاق النار على المتظاهرين يعلم انه قد يلقي ذلك على ابنه او ابنته او على اخيه او اخته. وهذا ما يجعل الجندي او الضابط ان يفكر كثيرا قبل ان ينفذ مثل هذا الامر.
ان انتماء افراد العائلة الى حركة تمرد لن يكون سرا على اباء وامهات الشبيبة بل بالعكس فان هذا الانتماء يجعل هؤلاء الاباء والامهات يميلون الى الحركة ويؤيدونها ويقتنعون بصحة مبادئها. وان منع شبيبة الجيش والشرطة حسب القوانين من الانتماء السياسي لا يمكن ان يمنع الانسان من التفكير فيما هو صحيح وما هو خطأ ولذلك فان شبيبة الجيش والشرطة لا بد ان تتاثر بشبيبة العائلة وان تنتمي الى الحركة رغم المنع القانوني.
يشهد تاريخ البشرية على ان كل اجراءات القمع من قوانين وسجون وتعذيب ومشانق وقتل لم تمنع الثورات. فالتاريخ يسجل مئات الثورات الناجحة. ولكن تلك الثورات كانت تجابه قوات قمع هائلة تجعل تحقيق الثورة امرا بالغ الصعوبة عظيم التضحيات. ومع ذلك نجحت الثورات لانها ضرورة تاريخية لا يمكن تفاديها منذ ثورات العبيد وحتى الثورات الراسمالية والثورات التحررية ضد الاستعمار.
كانت الثورات القديمة كلها تتالف من طليعة واعية تدرك ضرورة الثورة تقوم بتوعية وتنظيم فئات من شعوبها رغم صعوبات القمع التي تسلطها عليها السلطات الحاكمة تقوم بالثورة فتنجح او تفشل ولكنها مع ذلك تتكرر لان التاريخ يحتمها. وهذا يصح على جميع الثورات التي سجلها تاريخ البشرية.
اما ثورة تمرد الشعبية المصرية فهي تختلف عن جميع الثورات التي نعرفها. فكما في الثورات القديمة كانت هناك طليعة واعية تدرك ضرورة الثورة توفرت لثورة التمرد ايضا طليعة واعية تدرك ضرورة الثورة. ولكن ظروف الثورة التكنولوجية والثورة المعلوماتية جعلت بامكان هذه الطليعة توعية وتنظيم شبيبة الشعب كله وانزالهم الى ميدان الثورة. واصبحت الاشكال القديمة من احزاب تقليدية تاريخية ذات انتماءات محدودة شيئا تافها بالقياس الى الطليعة الجديدة التي انتمت اليها جماهير الشبيبة كلها. بل ان الاحزاب التقليدية القائمة لم تعد تحقق وجودها الا بالالتحاق بركب ثورة التمرد.
في ثورة تمرد اكتمل انقسام المجتمع الى قوى الثورة، الانسان، وقوى قمع الثورة، السلاح. قوى الثورة، الانسان، هي قوى حية قادرة على العمل وعلى تحقيق اهدافها بنفسها. وقوى الفمع، السلاح، طائرات ودبابات ومدافع وصواريخ وقنابل، كلها ادوات ميتة لا يمكنها تحقيق اهدافها بنفسها واذا لم تجد الانسان الذي يستخدمها تصبح ادوات عاجزة عن تحقيق الاهداف التي انتجت من اجلها.
هذا الانقسام التام بين قوى الثورة، الانسان، وبين قوى القمع، السلاح، هو ظاهرة جديدة جعلت ثورة تمرد تختلف عن جميع الثورات التي عرفها الانسان تاريخيا. وان ثورة تمرد الشعبية المصرية اصبحت القدوة، النموذح الحي، للثورات الجديدة التي من المحتم ان تنشا في ظروفنا الحالية بصور اخرى لتحقق اهدافا مختلفة عن اهداف الثورة المصرية.
اقتصر الحديث في هذا المقال على الظروف الايجابية التي تميزت بها ثورة الثلاثين من يونيو. ظاهرة الانقسام التام بين قوى الثورة، الانسان، ووسائل قمع الثورة، السلاح. هذه الظروف التي جعلت ثورة الثلاثين من يونيو فتحا جديدا في عالم الثورات. ولكن ثورة الثلاثين من يونيو لها سلبياتها ايضا. احاول مناقشة هذه السلبيات في مقال تال.

#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات