أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الخضر - بدوي الجبل يشيِّد عالماً من الحرية في السجن














المزيد.....

بدوي الجبل يشيِّد عالماً من الحرية في السجن


يوسف الخضر

الحوار المتمدن-العدد: 4247 - 2013 / 10 / 16 - 03:14
المحور: الادب والفن
    


هذه القراءة محاولة تطبيقية لتلمس جوانب من الأثر الإبداعي لبعض الصور الفنية في كل من الفكر والعاطفة .( من قصيدة الشهيد)
مما لاشك فيه أن الصور البلاغية ترتبط ارتباطاً عضوياً بالشعر أكثر من ارتباطها بالفنون الأدبية الأخرى ، ويرجع ذلك إلى خصوصية الشعر القائمة على التكثيف اللغوي في المقام الأول .
فالصورة هي أولى جماليات القصيدة ، وهي التي تلبسها ثوباً من التوهج والتميز ، سواء بين الفنون الأخرى أو بين الشعراء أنفسهم أو لدى الشاعر ذاته أو حتى في القصيدة الواحدة ، ويُسهم في تشكيل هذا التميز كذلك عوامل عديدة تتعلق بالموضوع والمتلقي من جانب ، ومن جانب آخر بالموروث الثقافي للشعب .
يضاف إلى ذلك التميز اعتماد التصوير البلاغي على الخيال لا البصر والسمع كالفنون الأخرى .
والصور البلاغية نفسها تختلف فيما بينها في قدرتها على التأثير في المتلقي حسب العناصر التي تعتمدها ، فاستخدام الخيال البصري أكثر العناصر قرباً ووضوحاً من الخيال السمعي وأبسط من الاعتماد على المحاكمات العقلية والحس الذهني في الأغراض الشعرية مع الأخذ بعين الاعتبار التداخل وصعوبة الفصل فيما بين ذلك كله .
تناول الشاعر وبتركيز جملة من المعاني المجردة عن طريق إقامة علاقة مجردة بينها وبين المحسوس ، فالأذى بكل ما يمثله من ضروب تجسد في هيئة ما تترك للمتلقي تصورها وذلك باستعارة لفظ الوثوب الموحي بالانقضاض والمبادرة والحركة ، فترك لنا الباب مفتوحاً لتصور مدى قوة هذا الصراع وشكله في مقاربة رائعة بين فعل مغالبة الأذى والانتصار عليه بالوثوب ، وقد مزج هذه المقاربة المشروطة بفكرة الموت كونها حقيقة إنسانية يقينية تلبست بقيم اجتماعية ونضالية ، فالموت بحد ذاته حق وحقيقة يقرها الدين ، وواجب وطني لتحقيق الحرية والاستقلال ونيل الحقوق ، وهو أمر محمود ، وهو عند الشاعر نصر في تحمله والصبر عليه والقبول به في مواجهة الأذى ( الشر) المتمثل بالمستعمرين والطغاة ، فنوله( الموت) في هذا السبيل فضل لا ينكر.
( إذاالمرء لم ملك وثوباً على الأذى .... فمن بعض أسماء الردى الحق والصبر ُ)
الموت الفكرة المجردة المحسوسة الخفية هوبحد ذاته فكرة وقيمة للحق ، وفعل الصبر في حالة تلازم وتطابق معها.
في هذه المقاربة التصويرية استثارة للعواطف وإعلاء وإكبار للتضحية بالروح وجعل الموت ومن منظور آخر انتصاراً لا هزيمة واستسلاماً ، وهو في الأصل لم يكن ضعفاً كماأوضح الشاعر.
وتتجسد معاناة بدوي الجبل في سجنه بحرمانه من مباهج الكون ، حيث حُجب هذا الكون عن عينيه ولكن عينيه هما اللتان حُجبتا عن الكون . هذا الكون الضاحك الممتع يصور عمق إحساسه بالحرمان الذي يتسبب به الطغاة بحق الأحرار ، لكنه يصرُّ على التحدي ورفض الاستسلام بخلقِ كونٍ آخر هو كون الفكر الذي يضيء في تضافر التشبيه البليغ والاستعارة المكنية مجسداً بعداً ذهنياً في زمانيته ومكانيته بدا بسيطاً نحو مستقبل يمسك بحتمية واستمرار التحدي والرفض. فالحجب محدود بينما الكون الآخر المضيء في فكر الشاعر لا حدود له ، فالتناقض بين الكونين أنتج كوناً شعرياً إبداعياً رسمه الشاعر بريشة العقل ولوَّنه بإرادة التصميم والتحدي.
و إن حجبوا عن عينيه الكون ضاحكا...... أضاء له كون بعيد هو الفكرُ
هذا التجوال في كونه الغني بالمعادلات الوجدانية بين سجنه وإيمانه وتفاؤله وتحديه يحملنا على الإيمان بما يشحنه فينا من ومضات تستكمل مشهد الكون في فكره عن طريق سلسلة من التشبيهات البليغة المتتابعة ، ما يخلق روافد قوية تبدد عسف الطغاة من خلال تناوب المحسوس وغير المحسوس ( فالليل صبح ، والعسرة غنى ، والأحزان نعمى، والآهات شعر) وهنا تكمن عبقرية الشاعر في التتبع والكشف عن أوجه الشبه بين كل متناقضين لنصل إلى حالة من التوحد العقلي الناتجة عن طريق إحلال المشبه به مكان المشبه.
فليلته صبح و عسرته غنى... و أحزانه نعمى و آهاته شعرُ
وقد تبلغ الصورة درجة من العمق والتجرد نادرةً في البشر فتبلغ عند الشاعر ثقة تترفع فيها نفسه عن الآلام ، فيتجاوزها بما يمتلك من طلاقة وبشر في إطار تجاوز الإحساس المادي للآلام في الفعل ( تؤنسها )
أنزّه آلامي عن الدّمع و الأسى
فتؤنسها منّي الطلاقة و البشرُ
تتوالى صور الشاعر التي تسبر جراحه واتقاد جمر الثورة فيه معتمداً تكثيفاً لغوياً ذي دلالات معنوية نفسية تبدو شاخصة في الاستعارات التصريحية.
ويشخص الدهر بالظالم الذي أصابه من ظلمه نصيب في سعي منه لإبراز المعادل النفسي والفكري الذي يُشعر بالراحة والطمأنينة ويؤكد البعد الإيماني بصورته المطلقة لدى الشاعر.
وقد استعار جناح الطائر يحمل نفسه عليه محلقة في سماءالحرية لتتجاوز الحدود التي فُرضت عليه موظفاً دلالة الطائر المعروفة على الحرية ، فهو يقيم لُحمة بينه وبين الحرية لا تنفصم مقدِماً طرفي الإبداع ؛ إحساسه الشديد بالحرية ( نفسي) والرمز المتمثل بالطائر من خلال تقديمه بعبقرية تحمل أبعاده النفسية وإيمانه بقيم الحياة في التحدي والعشق المطلق للحرية.
و ما ضرّني أسر و نفسي طليقة
مجنّحة ما كفّ من شأوها أسرُ



#يوسف_الخضر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما زال في الروح بعض الهبوب
- الآخر
- شآم الروح
- سدوم
- جرائم الشرف .. أعراف فاسدة وقانون أعور
- سوريا . أيقونة الأديان ومشربية الحضارات
- دمشق. أغمض قلبي عليك
- إضاءة حول مسرحية -سليمان الحكيم- لتوفيق الحكيم
- النمل الأشقر للكاتبة الكويتية ليلى العثمان


المزيد.....




- حضور لافت للسينما العراقية في مهرجان عمان السينمائي
- إستذكار الفنان طالب مكي ..تجربة فنية فريدة تتجاوز كل التحديا ...
- براد بيت اختبر شعورا جديدا خلال تصويره فيلم -F1-
- السويد.. هجوم جديد بطائرة مسيرة يستهدف الممثلية التجارية الر ...
- -البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة ...
- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف الخضر - بدوي الجبل يشيِّد عالماً من الحرية في السجن